إغلاق
 

Bookmark and Share

إدمان الأطفال ....على الألعاب الإلكترونية ::

الكاتب: د.خليل فاضل
نشرت على الموقع بتاريخ: 10/09/2004

إدمان الأطفال ....
على الألعاب الإلكترونية
عالم الفيديو جيم
 

وأنا أكتب هذا المقال تلقيت مكالمة تليفونية من أم مذعورة تصرخ قائلة: (ابني اترفت من KG2 .. آه والله يادكتور .. أُمّال لما يبقى في إعدادي يعمل إيه؟ يروح السجن ؟...) وعند الوعد المحدد جاء الطفل مع أبويه .. شقي ؟ .. نعم. تدخلنا طبياً وعلاجياً وسلوكياً.. كان التقدم بسيطاً... كانت هناك حلقة خفية كشفتها الأم بسرعة عند سؤالها.. فالولد يقضي ما يقرب من ست ساعات كاملة أمام البلاي ستيشن، يضرب ويقتل ويدمر..

الشكوى الأولى من الحضانة كان وراءها فعل عنيف.. أمسك الولد بولد آخر وعلّقه من قميصه على الشماعة، ثم أنزله وشرّط وجهه بقلم رصاص وكأنه موسى؟؟؟ سيناريو لمشهد طبق الأصل من إحدى ألعاب الفيديو جيم، ولما ترك الولد تلك الألعاب هدأ واستقرت حالته.

أما في بريطانيا: مراهق يقتل صبياً بالفأس والسكين تقليداً لـألعاب الفيديو....  
اعترف فتي بريطاني في السابعة عشرة من عمره أنه قتل صبياً يبلغ من العمر 14 عاما مستخدما الفأس والسكين وهي طريقة عنيفة وشاهدها كثيرا في برامج الفيديو بلاي ستايشن2وسيطرت عليه تماما فأصبح مهووسا بها! وطالب والدا المراهق الذي راح ضحية ألعاب الفيديو السلطات بمنع توزيع وترويج هذه الألعاب بين الصبية.. والشباب. وقال والد الضحية أنه يتهم هذا النوع من ألعاب الفيديو التي تشجع العنف بين الصبية والمراهقين، لأنها تمنح درجات أعلي للاعب الذي يقوم بالقتل خلال ممارسة اللعبة علي الفيديو. وخاصة إذا استخدمت في القتل وسائل وحشية. وأضاف أنه متأكد من أن الهوس بهذه الألعاب الشريرة هو الذي دفع بالمراهق للقيام بجريمته. حيث استخدم نفس الوسائل التي يشاهدها كثيرا خلال ممارسة اللعبة الشريرة، فلقد استخدم في قتل صديقه فأسا ـ تماما كما يحدث في لعبة بلاي ستايشن2! وكان القاتل المراهق قد استدرج الضحية في ممارسة مشابهة لما يشاهدانه في اللعبة، مستخدما فأسا حقيقية في الاعتداء عليه مما ادي الي موته.

وكان المراهق القاتل قد بدأ اللعبة مسلحا بسكين وفأس معا، وطارد ضحيته في احدي الحدائق العامة وهاجمه واعتدي عليه بالفأس عدة مرات تسببت في اصابات وكسور مبرحــــة قبل ان يسقط الصبي الصغير قتيلا بضربات وطعنات السكين. وأمام محكمة ليستر قال المراهق القاتل انه استدرج ضحيته بعد ذلك إلى الأشجار وواصل طعنه بالسكين. ثم بدأ في تقطيع ملابسه وتمزيقها بعد سقوطه أرضا. وكان رجال الشرطة قد قبضوا علي القاتل بعد لحظات من ارتكاب الجريمة حيث وجدوه وقد غطت الدماء ملابسه ويديه. واعترف القاتل المراهق انه كان يحاول السطو علي ما مع الضحية من مال ليسدد ما عليه من ديون بسبب إدمانه المخدرات، وأضاف أنه لم يكن ينوي قتله ولكن عندما شاهد الدماء.. أثارته وتذكر لعبة الفيديو.(وكالات الأنباء ـ لندن ـ 29 يوليو 2004).

كما طالعتنا صحف الصباح بخبر مفاده أن (ألعاب الفيديو، المتهم الجديد بترويج العنف.... وصرعتها الأخيرة باعت 20 مليون نسخة:- جريمة مقتبسة عن بطولة "شقي كمبيوتري" قد تكلف مخترعيه 100 مليون دولار (الحياة اللندنية – 20/9/2003)، أُتهمت تلك الصناعة الإلكترونية بجعل العنف (سلعة) تغوي الأطفال والمراهقين والشباب، وتُعظم القتلة والسفاحين مشيراً إلي أُطروحة (مايكل مور) عن تكوين مفهوم (الأمة المُدججَة) في فيلمه الوثائقي (لعبة بولينج من أجل كولومباين) عن مجزرة أتت على 13 إنساناً، كما أشار المخرج (جاس فان سانت) إلي الطفلين اللذين قاما بمجزرة المدرسة الثانوية الشهيرة في كولارادو وهما يلعبان بنهم معارك فيديو (بلاي ستيشن Play Station) تحت اسم (الهلاك Doom) وذلك قبل أن يدججا أنفسهما بالسلاح القاتل، ومن ثَم فإن الاتهام واقع لا محالة على رؤوس مالكي الصناعات السمعية البصرية التي تعتمد برامجها على العنف مما دعا مراهقان أمريكيان(باكنر 14سنة) وأخيه غير الشقيق (كريستوفر 16سنة) إلى الاعتراف بقتل سائق سيارة عابرة وإحداث شلل لامرأة شابة، حيث طبقا ما يحدث في لعبة(جراند ثيفت أوتو Grand Theft Auto) بتقمص شخصية عدوانية شقية مدججة بأربعين نوعاً من أسلحة الجيش الأمريكي، يتصدى للمارة بسيارته الصفراء الشهيرة قاتلاً كل من يراه بالرصاص. قال المراهقان أنهما أحسَا بالسأم فسرقا بندقية والدهما ووجهاها على أول سيارة تمثلاً وتوحداً (بالبطل الافتراضي).

يواجه المراهقان حكماً قد يصل إلى السجن مدي الحياة بتهمة القيام بجريمة متهورة والتسبب باعتداء خطير وتهديد متهور لحياة آخرين. أما أسر الضحيتين فلقد رفعا قضية على الشركة البريطانية المصممة للعبة التي صممت أصلاً للكبار (.....)، وخطورة تلك الألعاب الإلكترونية تحديداً (جراند ثفت أوتو) هي في حجم مبيعاتها الهائل مقارنة بكل ألعاب السوق مما أثر على النظامين العائلي والاجتماعي في مجتمعات تؤكد على الفردية، العزلة، الأنانية وكره الآخر.

صمم هذا البرنامج مهندسون بريطانيون شباب أصدروا منه أربعة أجزاء، باعت الأخيرة 250ألف نسخة خلال يومين، وهو أكبر رقم مبيعات في تاريخ صناعة ألعاب الفيديو، فيما بلغت أعداد النسخ التي بيعت خلال السنوات الخمس الماضية (1998 – 2003) 20مليوناً – (لحياة 20/9/2003).

مما لا شك فيه أن التطور الهائل في التكنولوجيا قد جعل التصوير الجرافيكي أكثر حقيقة وواقعية في إطار ما يسمي بالألعاب الإلكترونية.
تقدمت وتطورت تلك الألعاب، تجسدت، ارتكزت، اعتمدت وتمحورت على التكنولوجيا الحديثة، بل استغلتها، وصارت في قلبها، وقدمت لنا القسوة، دموية مؤلمة، وجنسية فاضحة ومفضوحة، ولشدة الأسف أن أكثر البشر عرضة لتلك الألعاب وأكثرهم استهلاكاً لتلك الإلكترونيات المصورة أطفال.

والطفل العربيرغم كل الحظر عليه عرضة أكثر من غيره للتلصص وسرقة الوقت، المكان والزمان، لممارسة تلك الألعاب خلسة في البيت أو مع صاحب، بدون رقابة أو في نوادي ومقاهي (الفيديو جيم) أو (الإنترنت كافيه) أو كليهما حيث المكسب المادي لمالكيها هو الحكم، لا غيره، ربما لأن الضغط عليه من الوالدين عالٍ جداً، خاصةً من الأم التي تكاد تلفه في ورق سلوفان أو تضعه في صندوق زجاجي، وتتوقع منه أن يكون الأول بامتياز، وألا يخطئ، وألا يرسب، ألا يلعب وأحياناً ألا يمرح أو يضحك أو يفرح.

إذن فنحن نحتاج إلى نظرة بعيدة، إلى خطة محكمة، ربما إلى لجنة مستقلة تتأمل ما كان وما سيكون، ترصد مواطن الخطر، تحدد المشكلات التي قد يتسبب فيها الكمبيوتر وألعاب التليفزيون والآثار المحتملة للعب الإلكتروني.

من الواضح، بل ومن المؤكد أن التعرض (للفيديو جيم) فترات طويلة، واللعب المفرط له تأثيرات سلبية أهمها: السلوك الإدماني الوسواسي، نزع "الإنسانية" عن اللاعب، نزع حساسيته ومشاعره، تغيرات في شخصيته، حركة زائدة، اضطرابات في التعلم، تقدم ذهني عن التقدم العمري(شكل عشوائي غير مفضل وغير مفيد)، اغتيال لبراءة الأطفال، اضطرابات نفسية حركية، مشكلات تتعلق بالصحة العامة نتيجة قلة الأداء الحركي المرن، التهابات مفصلية، حالة من التوتر الاجتماعي ومعاداة الآخرين، فقدان القدرة على التفكير الحر وانحسار العزيمة والإرادة للأسف لا يوجد شكل منهجي تقييمي لآثار(الفيديو جيم) على الأطفال ربما لتدخل مباشر أو غير مباشر من شركات الكمبيوتر و المنتجين بسطوتهم التي تمتد إلى البحث العلمي الذي يلزمه الكثير من التمويل، لكن أثبتت الدراسات المتاحة أن التكنولوجيا الحديثة قد طَورت العنف وسمحت به في معظم الألعاب الإلكترونية الأكثر انتشاراً.

ومن الطريف أن إحصاءات الشركات المنتجة تلك قد ذهبت بعيداً في خيالاتها وقالت إن إثبات العنف لم يحدث إلا في قلة من الألعاب(يعني 49% تقريباً) ألا يدعو ذلك إلى قلق شديد بهذا الخصوص؟‍ كذلك للأسف فإن البحث العلمي الحالي غير واضح ولا يحتوي على مادة فعالة وغير مواكب للحركة السريعة التي تتطور بها تلك الألعاب وتنتشر.

وتنقسم الألعاب الإلكترونية Electronic Games إلى منبه ورد فعل، وإلى تنبيه على مساحة إلكترونية واسعة. سنركز هنا على تلك الألعاب التي تنبه وتحدث ردود فعل والمعروفة باسم Stimulus Response (SR) وهي منتشرة جداً وشعبية جداً لها طابع قتالي وتحتوي غالباً على سيناريو متنافس للغاية، نشاط منبه قوي يحدث رد فعل أقوي، مستوي عالي من الإدراك العنيف والإثارة الشديدة، وعندما يلعب الطفل على كمبيوتر أو على ماكينة موصلة بالتليفزيون يضعها على رجليه أو أمامه على طاولة أو حتى على الأرض تكون رأسه ثابتة وعيناه محدقتان في الشاشة، مع حركات قليلة من اليد والذراع (يختلف ذلك في ألعاب الساحات حيث تكون الحركة أكبر نظراً لمساحة الـ Arcade وحجم المكان واللعبة لكن النتيجة النهائية في حالة ألعاب البيت الإلكترونية وألعاب الأوركيد واحدة هناك حركة ضعيفة جداً، نشاط محدود للحواس (السمع و البصر فقط) وهما مهمشان لأن استخدام العين ضئيل جداً فالعدسة البلورية لا تنشط (مسافة ثابتة بينها وبين الهدف؟!) يأتي الصوت من السمَاعات ليقطع النشاط البصري للعبة،فقط.

ليست هناك تفاصيل مصورة، منبه سمعي بصري شديد لا يوجد تميز أو تفريق في الشحنات المرسلة من اللعبة للجهاز العصبي، بمعني آخر لا جهد حسي يحتاج إليه اللاعب ومن ثَم تتنبه المشاعر للنجاح والفوز أو الإحباط أو الهزيمة تنبيه خارجي للعبة لا يتسبب فيه ترتيب وتنسيق ذهني داخلي من اللاعب، أي أن الأمر جَدَ مختلف عن عمليات (التذكر القراءة سماع كلمات بعينها) وهكذا فمشاعر اللعبة(صناعية)، لا علاقة لها بالواقع الذي نحياه. ولنصفها بأنها(مشاعر التَحدي) وحتى إرادة اللاعب المستفزة تكون محدودة بإطار وحدود اللعبة، تكون حركاته مكررة ومحددة مسبقاً مع قليل من التفكير، لا حاجة للعزيمة ولا حاجة للإرادة والتفكير.

صممت تلك الألعاب لإثارة اللاعب دون بذل أي مجهود للاستمرار لأنها دوَارة ومستمرة (ماكينة) على العكس يحتاج اللاعب إلى ضبط عالٍ جداً لكي يتوقف عن اللعب أو ليقاوم ذلك الإغراء الفظيع.

تنخفض حدة (التفكير الواعي)، وإذا شبهنا الأمر بلاعب ولعبة الشطرنج حيث يكون التفكير مهماً وضرورياً، بينما تكون الحركة اليدوية ثانوية والعكس صحيح في الألعاب الالكترونية، الحركة مُهمة وغاية في الضرورة والتفكير الواعي هنا يزعج ويقلق اللاعب لأنه متعلق بالفهم أي تركيب سلسلة الأفكار غالباً ما تكون بطيئة.

يتبع تلك الأعراض ويتداخل فيها ومعها حركات سريعة تلقائية، إلغاء التفكير الواعي، الشعور الشخصي وتصاعد مشاعر التحَدي، المثيرة التي تحول اللاعب إلي مجرد آلة Automaton ماكينة تحول النبضات الضوئية إلي حركات إرادية محدودة جداً. يدعونا ذلك إلي دراسة أجريت على الأطفال والكبار تتناول تأثير (التليفزيون) وكان الأثر الغالب والمهم هو أن التليفزيون يحدث نوعاً من الدوار، وحالة شبيهة بالنوم. (Krugman H.E.1971 – Emery .F& Emery Mander.J.1978 )

كما أن حالة السلبية التي يحدثها التليفزيون تقابلها حالة الحركات المحدودة لللاعب الإلكتروني، ونستخلص من ذلك حتى نقرأ بحوثاً أكثر عمقاً أن تزاوج مشاهدة التليفزيون واللعب الإلكتروني تخلق حالة شعورية، ذهنية، حركية غير مستحبة في الإنسان الطبيعي، إن لم تكن مرضية في بعض الأحوال وقد نفهم ذلك الوسواس غير الطبيعي الذي يصيب البعض ويدفعهم إلي اللعب الإلكتروني (سيدة تبلغ من العمر 32 عاماً تعاني من مشاكل اجتماعية حادة أهمها الانفصال عن ابنها وزوجها، تجلس أمام الكمبيوتر لتلعب لعبة بسيطة (السوليتير)، ليست عنيفة لمدة تربو على الست ساعات دون أن تدري (لعبة السوليتير) ربما هروباً وربما استغراقاً في حالة افتراضية تنويمية لا تمت للواقع المعاش بكل آلامه بأي صلة)، لكن هل يمكننا فهم سر وسواس اللعب الإلكتروني لمدد طويلة جداً دون ملل أو كلل؟ هل نعزو ذلك إلى أن اللاعبين يتوقفون عن التفكير في مشاكلهم (موازاة مع إدمان المخدرات مثلاً أو لعب القمار)، أم أنها تلك الإثارة اللامعقولة والتنافس المجنون الذي يدفع باللاعب إلي الإسراع لتحقيق أهدافه والانتصار على الكمبيوتر أو اللعبة....... أو بمعني أصح، الموقف الذي خلقته اللعبة. هذه الحالة تناسب ذوي الاحتياجات المملة، أو هؤلاء الذين يرغبون أو يسعون إلى نسيان قلق وإحباط حياتهم اليومية.

ونؤكد هنا على طرحنا السابق في تشابه (الإدمان) و(لعب القمار) بمسألة اللعب الإلكتروني المتصل، الممتد، ويبرز هنا سؤال أكثر من مهم: هل لإدمان الألعاب الإلكترونية جذور كيميائية مرتبطة بإثارة اللعبة، بمعني تحرير مادة الأدرينالين في الجسم مع كيميائيات مبهجة (كالإندورفين مثلاً؟) والذي قد يكون مسئولاً عن إحساس اللاعب بالنشوة؟! لكننا من منطلق الفهم السلوكي للأمر نرى أن تلك الألعاب الإلكترونية (تنزع الحساسية) وتؤدي بالإنسان إلي أن يصبح (آلة) فيختزل وعيه ويُختصر هو ككل إلي مجرد ردود فعل ويشبه في ذلك الحيوانات في استجابتها للمثيرات الخارجية ويشير ذلك إلي اتجاه مستفز قد يشير إلي [توحش الإنسان، مكينته، و تحويله إلي (روبوت)، سرقة روحه، ونزع إنسانيته وخصائصه] وتحدث هذه التحولات مع كل خطورتها في صورة خفية وكأنها تنسحب وتتعقد وتتمكن منه تحت الجلد دون أن يدري والمأساة بكل أبعادها تتكامل فصولها عندما يكون اللاعب طفلاً)، أو (مراهقاً) في مرحلة التطور النفسي الحركي والاجتماعي لتطوير قدراته الداخلية ومن ثَم قد يتعطل عبوره إلي مرحلة (الرشد) و(النضج)، والإنسان ليس كالحيوان ينتهي نضجه بوصوله إلي ذروة البلوغ الجنسي لأن الإنسان يقضي ربع عمره أو الثلث منه في تطوير نفسه بيولوجياً ونفسياً، ففي السنوات السبع و حتى البلوغ (14سنة تقريباً) يستمر التطور الجسدي مع التطور العام الذي يعطيه فرديته واختلافه في المشاعر والأحاسيس، ومن سن 14 سنة إلى سن 21سنة فإن التطور الأساسي يرتكز على التفكير العقلاني، فهم الأشياء والعالم، تطور القدرات الذهنية والوعي بالذات.

إن التطور الطبيعي لا يحب أن يتقطع بأسلوب المفاجآت والملخصات والقفز على المراحل وحرقها بل يجب أن يتم ويستمر دون مقاطعة أو إزعاج لا من(ألعاب إلكترونية) أو غيرها حتى لا نفاجأ بأناس مضطربين وغير متوازنين فمثلاً إذا كانت النشاطات التعليمية لا ترتكز على مواد مرتبطة بالعمر (بدلالة التطور والنضج الإنساني) لا بالسنوات، هنا يحدث الخلل ويختل الميزان بين المتعلم والنظام التعليمي ككل. ومشكلة التعليم في العالم العربي تحديداً هي أن كماً من المفاهيم المجردة والمطلقة تحشر وتقدم للمتعلم في مرحلة سنية غير مناسبة خاصة في الابتدائي، الإعدادي والثانوي.

عودة إلي الألعاب الإلكترونية فلقد نشرت عدد من الصحف الأمريكية ما يفيد بأن أطفالاً و مراهقين أكثر قد أدمنوا (الفيديو جيم) وأنهم عندما يتحدثون يكون ذلك بسرعة توازي سرعة أصابعهم المتحركة على طاولة الألعاب الإلكترونية، وأن ثمة علاقة متوازية بين الكلام والإيماءة بمعني اقتراب الحركة من مراكز الكلام العصبية في المخ، ولأن نمو هؤلاء الأطفال لم يكتمل بعد، ولأنهم لا يملكون تفكير ووعي البالغين المتفاعل فإنهم لا يتمكنوا من (فصل) النشاطات الداخلية عند لعبهم الإلكتروني وأن التأثيرات الخارجية ليس لها أي أثر عليهم في حين أنها قد تكون مهمة لتنظيم إدمانهم وسلوكهم الغير المستحب.

ولتفسير ما سبق أكثر فإن الألعاب الإلكترونية تؤثر على كل مراحل التطور والنمو لدي الطفل فهي تقدم حالة عضوية خاصة (بدءاً من جلسة الكمبيوتر أو الـPlay Station "منصة اللعب" أو غيرها) إلي كل الطقوس المصاحبة لها كما أنها أيضاً تقدم بيئة(مُجردة)ومحددة سلفاً تعتمد على الأثر الذي تحدثه اللعبة ففي سن7 إلي 14 سنة يحتاج الطفل إلى مشاعر حقيقية، ومعان اجتماعية، أخلاقية، على العكس نجده مدفوعاً إلى دائرة أحاسيس العنف والتنافس اللا اجتماعي وفي حالة المراهقين نجد انحسار التفكير الموضوعي وانتهاء النشاط الذهني الواعي كنتيجة للغوص عميقاً في عالم تلك الألعاب الإلكترونية لأنه إذا حكم المراهق عقله وتفكيره فسيكون بطيئاً في اللعبة مما قد يؤدي إلي خسارته.

والخطر هنا أن الطفل/ المراهق/ الشاب وحتى الرجال عندما يتذكرون أحداثاً ومشاهد بعينها من تلك الألعاب المرعبة، كما يتذكرون أحداثاً حياتية سلبية ومؤلمة، يربكهم هذا ويوترهم ويتركهم نهباً لتوتر وكرب ما بعد الصدمة، ولنا هنا أن نورد حالات عقلية بعينها تعود في مجملها إلى تسلسل وتتابع مشاهد وأحداث حدثت في الطفولة الأولى وما تلاها. وهو ما يقوم به المحللون النفسيون من (استدعاء حر)، تحليل، مواجهة وتفسير.

تنطبع مشاهد العنف المصورة إلكترونياً في تلك الألعاب الجهنمية على سطح العقل الباطن، أو تقبع في صخب في تلك المنطقة الواقعة بين الشعور اللاشعور تكمن وتكون بذرة لما هو آت، ولحظر كبير قادم يحدث هذا أكثر في حالات الأطفال المهيئين أكثر لاستقبال تلك (الاندفاعات) من بيئتهم المحيطة.

والصغار لا يستطيعون- بل لا يتمكنون- من فهم ذلك الفارق الكبير بين العنف المصور في اللعبة وبين وحشية ما يحدث في الحياة، إنهم لا يحسون بتلك التأثيرات التي تنزع عنهم حساسيتهم، لا يدركون فيستمرون في اللعب ليلاً ونهاراً - دون هوادة وقد يستمر اللعب لأيام دون كلل أو ملل لا يقطعه سوي تناول القليل من الطعام، قليل من النوم، والذهاب إلي الحمام لقضاء الحاجة مع إهمال تام في المظهر.

دعونا الآن نسمي بعض تلك الألعاب بأسمائها كما هي Space Invaders, Pack Man مع ألعاب أخري شتى عنيفة كانت أم عدوانية ولنا أن نتأمل تدفق الدم الذي يجعله الـCD أكثر واقعية وتصوره التكنولوجيا الرقمية للأقراص الصلبة المتعاملة مع الليزر Laser Disk إن التطور الهائل لتلك التكنولوجيا المركبة والمعقدة قد سمح لمشاهدة عنف أكثر تجسيماً وتجسيداً للعنف (بما يحويه ذلك من كميات دم فائرة في كل مكان) وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن لعبة Mortal Kombat تصور أحد أبطالها يفصل رأس ضحيته عن جسمه والآخر يصعقه كهربياً، وثالث يمزقه إرباً حتى أن قلبه الطالع من صدره وما زال ينبض يقطعه بكلتا يديه العاريتين، ورابع يشد غريمه من جسده ويرفعها كعلامة للنصر وفي لعبة أخري Nite Trap تصور مصاصي دماء متعطشين يتتبعون وينتهكون خمس نساء يحفرون في رقابهم حفراً بأداة كهربية ثم يعلقوهن كالذبائح من أسفل لأعلى.

إن ذلك الفعل العنيف المراوغ الحي بكل تقنياته للأسف يجعل من العنف أكثر واقعية. وندخل من هذا المدخل الصعب إلي ما يمكن تصوره عن ذلك الزخم الذي يصاحب تسويق تلك الألعاب الإلكترونية وهو أمر يصعب أحياناً تصديقه، فمثلاً في سبتمبر 1993 أنزلت إلي الأسواق لعبة Mortal Kombat التي تحدثنا عنها سابقاً صرف على الإنتاج والدعاية والإعلان لها 10 مليون دولار أمريكي جاءت بأكثر من 150مليون دولار في كريسماس نهاية عام 1993 هذه المكاسب الصارخة تجني دون أدني مراعاة لتأثيرها السلبي جداً على الأطفال ويقدر مردودها السنوي (مكسب فقط) حوالي 3.5 مليون دولار في حين يصرف الأمريكان 400مليون دولار فقط للذهاب إلي السينما سنوياً.
وتقدر الأرباح على مستوي العالم بأكثر من 10بليون دولار (سنوياً).
(Elmer – Dewih.P.1993 The Amazing Video Game Boom, Time Sep.27 1993. pp.54 – 59 - المرجع)

ومن المتوقع أن تساهم تلك الشركات ببعض أرباحها في البحث العلمي كما هو متعارف في الصناعة عامة وفي صناعة الدواء خاصة لكن من اللافت للنظر، بل ومن المثير للدهشة جداً هو أنه لا دعم لأي بحث يتناول آثار الألعاب الإلكترونية لأعلى مستوي العالم، كما أنه ليست هناك أي محاولة جادة وحقيقية على مستوي العالم للحد من وضرب صناع السجائر؟! والسبب معروف لأن معظم الحكومات تعتمد في ريعها على تلك الضرائب العالية على الخمور والسجائر على الرغم من ارتباطها بأمراض السرطان والجهاز التنفسي مما يؤثر سلباً على صحة المواطنين وعلى إنتاجهم وغيابهم وحضورهم وفي النهاية يؤدي إلي وفاتهم إذن فألعاب الفيديو / الكمبيوتر تلك تتبع تقريباً نفس النهج بمعني أنه ربما إذا طبقنا الإقبال عليها؟ ربما على الرغم من أن (التدخين ضار جداً بالصحة) كما تقول شعارات الوزارات على علب السجائر ففي (الفيديو جيم) يحدث ضرراً سيكولوجياً خفياً وغير واضح للعين المجردة إن تلك الأعداد المهولة من تلك الألعاب المزعجة والمسلية في آنٍ واحد وتجارتها وتداولها قد أصبح أمراً يستحق التوقف والدراسة.

فمثلاً إذا حصرنا أعداد الألعاب الموجودة حالياً داخل كل بيت عربي يمتلك المقومات الاقتصادية لشرائها لاستطعنا رؤية الأمر بوضوح، ففي الولايات المتحدة تحديداً في جريدة ساو باولو عدد 2فبراير 1992 نجد في صفحتي 9و10 أن 76% من البضاعة المعروضة للبيع والشراء هي ألعاب إلكترونية والباقي مجرد دراجات، كتب، وخلافه.... هل يعكس هذا بأسي حالنا وحال كوننا في الألفية الثالثة؟! .... ما العمل؟!!! إزاء كل هذا ماذا نحن فاعلين؟ في استراليا تحركت مجموعة من البرلمانيين لوضع حد على الألعاب التي تحوي في طياتها عنفاً وجنساً فلعبة Nite Trap صودرت ومنعت من الأسواق بأمر المحكمة حتى صدور تصنيف حكومي لتلك الألعاب كما الأفلام (للكبار فقط) ويقترح التقسيم عام (هل الأعمار)، وعام (للأطفال فوق سن الثامنة)، وناضج (لمن هم فوق سن 15سنة) ومحدود (لمن هم 18سنة فما فوق فقط) ومرفوض Refused R ممنوع مطلقاً فألعاب مثل Mortal Kombat & Street Fighter II Turbo تشد اهتمام الأطفال من 8 سنوات فما فوق أما Nite Trap فتشد اهتمام البالغين 15سنة فما فوق.

وبذلك التقسيم والمراقبة والترتيب قد تزول بعض مخاوفنا (لا كلها بالطبع) وفي بعض المدن الأمريكية يمارس عمدها التدقيق على بيع، شراء، تأجير الألعاب الإلكترونية مانعين ذلك بتاتاً خلال ساعات الدرس وأيام الدراسة وبالطبع فإن مسألة المنع التام ستعيد إلي أذهاننا (تفاحة آدم) المحرمة، وأن كل ممنوع يصير مرغوباً أكثر لا لشيء إلا لأن أهم ما في الموضوع هو ضمير الإنسان نفسه ولي أمر كان أو مراهق أو بائع، لكن المسئولية الكبرى تقع على عاتق الوالدين لأنهما المتحكمان في عملية الشراء واللعب والوقت لأولاد هما كما يجب أن يراقبا بحذر وبحب عملية اختلاط الأولاد بأولاد آخرين وتبادلهم تلك الألعاب وتوخي ضرورة التعاون والتواصل مع أولياء الأمور الآخرين بغية تكوين شبكة اجتماعية متآلفة ضد خطر عنف اللعب الإلكتروني بكل ما يحويه من دمار نفسي وعصبي ولمنع تلك الآفة لتصبح وباءاً، من أجل تحقيق وعي اجتماعي عام يتمحور حول أخطار استخدام تلك الألعاب وآثارها الجانبية الخاصة على النشء.

 



الكاتب: د.خليل فاضل
نشرت على الموقع بتاريخ: 10/09/2004