إغلاق
 

Bookmark and Share

 أوربا والإسلام في العصور الوسطى ::

الكاتب: أ.د حاتم الطحاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/10/2004

بعد نجاح الإمبراطور البيزنطي هرقل(610–641) في هزيمة الفرس ودخول عاصمتهم المدائن عام 628م، جري الاعتقاد بأن المواجهة الثنائية الكبرى، التي امتدت لعدة قرون خلت، بين الروم المسيحيين، والفرس الوثنيين قد انتهت لمصلحة المسيحية. غير أن أخبار وكتابات المسيحيين الشرقيين التابعين للنفوذ السياسي البيزنطي، كانت أول من رصدت بزوغ دين جديد في جزيرة العرب، ولم تكتف بهذا، بل سوقت لفكرة مؤداها أن هذا الدين الجديد، ما هو إلا دين مزيف، تم انتحال شعائره من كتابات العهدين القديم والجديد، ويعبر عن هرقلة مسيحية جديدة. وتشير أقدم إشارة بيزنطية إلي النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) في العام 634م، بوصفه نبيا مزيفا، تدعو تعاليمه إلي إراقة دماء البشر، ومهاجمة المسيحيين، ملمحة إلي أنه لم يسبق أن أرسل نبي من قبل، في يده سيف ويعتلي عجلة حربية.

وعندما قام المسلمون بفتح بلاد الشام في الأعوام(
636– 637م) بدأ رجال الدين والمؤرخون البيزنطيون بصياغة فكرة سلبية عن الإسلام وصورة ذهنية وحشية عن المسلمين فزعم المؤرخ ثيوفانس (760_817م) بأن "المسلم هو شخص يمجد عمليات القتل التي أمر بها نبيه المزيف الذي سوغ فكرة أن من يقتل عدوه المسيحي أو الوثني يدخل الجنة ".


وهكذا فبعد الفشل العسكري أمام زحف المسلمين علي بلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا ساهم رجال الفكر في بيزنطة وأوروبا في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وصمهم بالبربرية والوحشية بل زعموا أن نجاح المسلمين ما هو إلا تعبير عن غضب الرب، وهو ما يظهر في كتابات البطريك صفرونيوس، وثيوفانس، والمؤرخ البرتغالي الكاثوليكي فريدجاريوس، وعلي أية حال نجح الخطاب السياسي البيزنطي في إنتاج صورة سلبية عن عدو وثني وبربري ذو قسمات صارمة وحادة ومدببة لرجال شعث غبر يمتهنون إراقة الدماء كما نجح أيضا في تصدير هذه الصورة إلي الغرب، لتسكن الوعي والوجدان الأوربي.

وجاء الفتح الإسلامي للأندلس عام 711 م
يلادية ليزيد من عمق الأخدود بين أوروبا المسيحية والإسلام، ودبجت كتابات عدة في الغرب عن أولئك الأعداء المتصفين بالقسوة المفرطة ومن أهم تلك الكتابات ما سطره المؤرخ الإنكليزي بيده (673– 735م) إذ ساهم في تكريس وصف المسلمين بالأعداء الوثنيين الذين يجب محاربتهم لأنهم يكنون كراهية عميقة للرب المسيحي.

علي أنه من اللافت للنظر أن القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين قد شهدا تنامي النظرة العدائية للمسلمين في أوربا بفضل ما أصطلح علي تسميته بالحركة الصليبية التي دعا إليها البابا آربان الثاني في مجمع كلير ما ونت بفرنسا
1095م. إذ امتلأت كتبه ورسائله بالحض علي كراهية المسلمين، ذلك "الجنس الوثني الشرير"ذرية قابيل، أبناء العاهرات" الذي يتمتع بقسوة وبربرية لا مثيل لها، ويقوم بتدنيس مدينة الرب (القدس) ومن الواجب قتلهم والنيل منهم. واغتصاب أرضهم مقابل الحصول علي مكافأة سماوية من الرب.

وعلي الرغم من استقرار المسلمين بالشام لقرنين من الزمان مع ما تبع ذلك من اتصال اجتماعي بالسكان المسلمين، والمحيط الإسلامي فإن كتابات الحجاج المسيحيين ورجال الكنيسة الذين زاروا المناطق الصليبية، ساهمت في تكريس هذه النظرة العدائية للإسلام، ونقلها لأوروبا، بحيث ازدهرت ثقافة عدوانية تجاه المسلمين المتوحشين والبرابرة الوثنيين. وكان من الطبيعي أن يعيد الرهبان الأوربيون ورجال الكنيسة الكاثلوكية إنتاج فكرة "الخوف من المسلمين" وخير من فعل ذلك هو الراهب الشهير يراقيم الفلوري (
1145– 1202م) الذي كان يكثر من التأمل في الكتاب المقدس ليخرج بنتيجة مؤداها أن المسلمين "الهراطقة"، قد ورد ذكرهم في الإصحاح الثالث لرؤيا يوحنا، حول طلوع وحش من البحر له سبعة رؤوس تشير إلي أعداء المسيحية حيث يشير الرأس الرابع إلي الرسول (صلي الله عليه وسلم) بعد زعم اضطهاده للمسيحيين علي حين يشير الراسين الخامس والسادس إلي السلاطين المسلمين عبد المؤمن الموحدي في المغرب وصلاح الدين الأيوبي في مصر والشام. حدث هذا قبل أن يقوم دانني في الكوميديا الإلهية بوضع نبي المسلمين في الدرك الأسفل من الجحيم مفضلا عليه فروسية صلاح الدين.

ولا غرو أن تكريس هذه الأفكار التي تدعو إلي كراهية المسلمين فضلا عن الخوف منهم دفعت العديد من الرهبان والمفكرين العلمانيين الأوربيين إلي انتهاج سياسة هجومية ضد الإسلام. وعلي الرغم من الاعتراف الأوربي علي المستويين الفكري والكنسي بالمنتج الثقافي والعلمي للحضارة الإسلامية إلا أن النظرة الأوربية للمسلم امتلأت بالخوف والتوجس إزاء ذلك المجهول الذي يرفع سيفه بغية قتل المسيحي. واستعرت الكراهية العميقة للإسلام في أوروبا في القرون من
14 – 16م، علي أثر المد الإسلامي الجديد تحت راية العثمانيين الذين زحفوا نحو "البلقان" قبل أن تستدير التهم العسكرية لتطبق بعنف علي عاصمة المسيحية الشرقية الأرثوذكسية وينجح السلطان محمد الفاتح في فتح القسطنطينية في عام 1453م وهو ما أحدث صدمة كبري لدي أوروبا المسيحية، فضلا عن إحداث حالة من الذعر لدي البابوية وحكام أوروبا بعد سماعهم عن رغبة السلطان فاتح الذي توصفه بالشيطان "الثعبان الوثني" الشبقي ... في الهجوم علي إيطاليا حيث الكرسي البابوي في روما.

وربما ساهمت قسوة الأتراك العثمانيين فضلا عن استخدامهم نظام الدوشرمة بالبلقان في تعميق الجرح المسيحي.. ولابد من أن المؤرخين البيزنطيين المتأخرين قد شحذوا الذاكرة الأوربية من أجل تكريس نظرية الخوف من المسلمين فضلا عن كراهيتهم العميقة إذ تحدث المؤرخون المسيحيون المعاصرون لسقوط القسطنطينية عما أسموه قسوة العثمانيين ووحشيتهم فضلا عن عمليات اغتصاب الراهبات وسبي الرهبان والسكان وبيعهم في أسواق الرقيق بحيث كتب الأب ليونارد الخيوسي رسالة غلي الأب نيوقولا الخامس (
1447 – 1455) يصف فيها أولا ما أحدثه العثمانيون من دمار ووحشية ثم يحسه علي ضرورة استعادة تلك العاصمة الرمز المسيحي قبل أن يقوم العثمانيون بمهاجمة أوروبا الكاثوليكية.

وعلي رغم سقوط غرناطة 1491م فإن ذلك لم يسهم في كسر حدة الخوف من المسلمين وكراهيتهم حتى أننا لنجد الملاح الشهير كريستوفر كولمبس يرسل إلي الملكين فرديناند وإيزابلا في العام 1501م رسالة يحضهم فيها علي مهاجمة المسلمين في عقر دارهم واحتلال القدس، معتمدا في ذلك علي التنبؤات المزعومة للأب يواقيم الفلوري وتابع الراهب أرنو الفيلانوفي (1250 – 1312م
) اللذان ذكرا بأن هناك بطلا مسيحيا سوف يخرج من أسبانيا ليقوم بهزيمة المسلمين ثم إعادة بناء قبر الرب في جبل صهيون بالقدس.

*هذا مقال أخذ عن جريدة الحياة، بقلم الأستاذ الدكتور حاتم الطحاوي ( كلية الآداب – جامعة الزقازيق - مصر)



الكاتب: أ.د حاتم الطحاوي
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/10/2004