إغلاق
 

Bookmark and Share

العلاج المعرفي للاكتئاب(2) ::

الكاتب: د.محمد شريف سالم
نشرت على الموقع بتاريخ: 18/05/2005


العلاج المعرفي للاكتئاب(1)

بعض التفسيرات للسلوك المحبط للنفس :
1. أنت أساسًا "كسول" وهذه طبيعتك ببساطة .
2. أنت تريد أن تؤذى نفسك وأن تعاني . فأنت إما أنك تحب أن تشعر بالاكتئاب أو أن لديك رغبة في تدمير ذاتك "رغبة الموت" ( الانتحار ) .
3. أنت عدواني سلبي وتريد أن تحبط المحيطين بك بألا تفعل شيئًا .
4. هناك حتمًا ما يعود عليك بالفائدة من هذا التسويف وعدمية العمل فمثلاً أنت تتمتع باجتذاب الاهتمام إليك عندما تكون مكتئبًا .
وبالرغم من أن عائلتك قد تشعر بالإحباط من اكتئابك فإنك ربما لا تقصد أن تشعرهم بذلك . وفي الحقيقة أنت على الأغلب تخشى أن تصيبهم بالاستياء .
إن معنى أنك تقصد ألا تعمل شيئًا لغرض إحباطهم هو إهانة وغير حقيقي وهذا الإيحاء سيجعلك تشعر بأنك في حالة أسوأ .

حلقة الخمول :
إن الأفكار التي تمر بعقل هذا المريض كلها سلبية . فهو يقول لنفسه " ليس هناك أي غرض لفعل أي شيء وذلك لأنني ولدت فاشلاً والفشل مرتبط بي " .
وهذا النوع من الفكر يبدو مقنعًا للغاية عندما تكون مكتئبًا ، ويصيبك بالجمود ويشعرك بأنك غير كفء ومقهور وكاره لنفسك وعاجز ثم تتخذ أنت هذه المشاعر دليلاً على صلاحية ميولك التشاؤمية وتبدأ في تغيير اتجاهاتك في الحياة .
ولأنك على قناعة بأنك لن تتقن شيئًا تفعله فإنك لن تحاول وستبقى في فراشك بدلاً من كل ذلك ، سترقد مذعنًا محملقا في سقف الغرفة آملاً أن تستغرق في نومك مدركًا في ألم أنك تلقى بمهنتك إلى المجارى وأن أعمالك ستتضاءل إلى حد الإفلاس .
قد ترفض الإجابة على رنين التليفون لخوفك من أن تسمع أنباءً غير سارة وتصبح الحياة روتينًا مضجرًا مليئة بالرهبة والبؤس . إن هذه الحلقة الخبيثة قد تستمر إلى ما لانهاية حتى تعلم كيف تقهرها .
وهكذا فإن العلاقة بين أفكارك ومشاعرك وسلوكك هي علاقة متبادلة . فكل عواطفك وأفعالك هي نتاج لأفكارك وميولك ، وبالمثل فإن مشاعرك ونماذج سلوكك تؤثر في إدراكك بعديد من الطرق .

ومن هذا النموذج نستنتج أن كل التغيرات المزاجية هي نتاج المعرفة وتغيير سلوكك أيضًا سيجعلك تشعر شعورًا أفضل لو أن هذا أدى إلى تأثير إيجابي على طريقة تفكيرك .
ولهذا فإنك تستطيع أن تطور اتجاهك العقلي المحبط لك لو أنك غيرت من سلوكك إلى تلك الطريقة التي تمكنك من السيطرة على ميولك واتجاهاتك المحبطة لك والتي تمثل لب مشكلة دوافعك .
وبالمثل فكلما غيرت من طريقة تفكيرك فستشعر بمزاجية أكثر لفعل الأشياء وسيكون لذلك تأثير إيجابي أقوى على نماذج تفكيرك . ولهذا فإنك تستطيع أن تبدل من حلقة خمولك إلى حلقة إنتاجية .
وفيما يلي كل نماذج الاتجاهات العقلية الأكثر شيوعًا في ارتباطها بالتسويف وعدمية العمل ، ويمكنك أن ترى نفسك في واحدة أو أكثر منها :-
1. انعدام الأمل :
عندما تكون مكتئبا فإنك تقف متجمدًا في اللحظة الحالية متألمًا لدرجة أنك تنسى تمامًا أنك كنت تشعر شعورًا أفضل في الماضي وترى أنه من غير المتصور أنك من الممكن أن تشعر بإيجابية أكثر في المستقبل . ولهذا فإن أي نشاط سيبدو بلاهدف لأنك متأكد تمامًا من أن فقدانك للدافع وإحساسك بالضيق لانهاية له ولا رجعة منه .
ومن هذا المنطلق فإن أي إيحاء لك بأن تقوم بفعل شيء "لمساعدة نفسك" سيكون سخيفًا تمامًا كما لو أنك تطلب من رجل يحتضر أن يبتهج ويسعد .

2. العجز :
من المحتمل أنك لا تستطيع أن تفعل أي شيء يجعلك تشعر بطريقة أفضل لأنك مقتنع بأن مزاجك هو نتاج عوامل خارجة عن سيطرتك مثل القدر، دورة الهرمونات ، عوامل غذائية ، الحظ ، وتقييم الآخرين لك .

3. قهرك لنفسك :
هناك طرق متعددة قد تقهر بها نفسك بألا تفعل شيئًا فقد تُعَظِّم من العمل لدرجة تجعله يبدو من المستحيل التعامل معه ، كما أنك قد تفترض أنك يجب أن تقوم بأداء كل شيء في الحال بدلاً من تجزئة كل عمل إلى وحدات صغيرة يمكنك معالجتها واحدة بعد الأخرى . كما أنك من الممكن أن تشتت نفسك في العمل الذي بيدك - بدون تعمد- وذلك بالوسوسة حول أشياء لانهاية لها لم تقم بأدائها بعد .
ولكي نبين عدم معقولية هذا ; تخيل أنك في كل مرة تجلس لتناول طعامك تفكر في كل كميات الطعام التي يجب عليك تناولها في حياتك ، وتخيل للحظة أنها قد تكومت أمامك كأطباق من اللحم والخضروات والآيسكريم وآلاف الجالونات من المشروبات وأن عليك أن تأكل كل هذا عن آخره قبل أن تفارق الحياة .
والآن فلنفترض أنك قبل كل وجبة طعام تقول لنفسك "هذه الوجبة هي قطرة في دلو كبير" وكيف أستطيع أن أتناول كل هذا الطعام ؟ "إنه لا جدوى من أن آكل هذه الوجبة الحقيرة من الهامبورجر" فإنك ستشعر بغثيان شديد وستنقبض معدتك .
إن هذا هو مثل ما يحدث تمامًا عندما تفكر في الأشياء التي يجب عليك أن تتخلص منها وأنت تفعل هذا دون أن تكون مدركًا له .

4. القفز إلى القرارات :
أنت تشعر أنه ليس في قدرتك أن تؤدى عملاً مؤثرًا بحيث يشعرك بالرضا وذلك لأنك قد تعودت أن تقول " لا أستطيع " " إنني أرغب ولكن .... "
ولذلك فإننا عندما نقترح أن تقوم المرأة المكتئبة بعمل فطيرة تفاح مثلاً فإنها تجيب "إنني لا أستطيع أن أطبخ أكثر مما فعلت أبدا .." وحقيقة فإن ما تعنيه بقولها هو "أشعر أنني لن أشعر بمتعة في الطبخ وسيبدو هذا صعبًا وفظيعًا" .
وعندما اختبرت هذه السيدة تلك الافتراضات بمحاولتها أن تطهو الفطيرة وجدت -ويالدهشتها- سهولة وإحساس بالرضا لم تكن تتوقعهم .

5. وضع عنوان للنفس :
كلما سوَّفت كلما كنت تعزى نفسك "الأقل شأنًا" وهذا يقوض ثقتك بنفسك أكثر وأكثر. وتتفاقم المشكلة عندما تضع لنفسك عنوانًا مثل "المسوٍف" أو شخص "كسول"، سيجعلك هذا ترى في عدم أدائك للعمل المؤثر أنك هذه حقيقتك وبالتبعية فإنك لن تتوقع من نفسك الكثير بل القليل أو حتى العدم .

6. قلة تقييم المكافأة :
عند اكتئابك قد تفشل في بدء أي نشاط ذا معنى وليس ذلك فقط بسبب أنك ترى أي عمل هو عمل بالغ الصعوبة ، ولكن أيضًا لأنك تشعر أن المكافأة عليه لا تستحق مجهودك فيه .
ولقلة استطاعتك أن تشعر بالرضا والمتعة تعبير علمي معروف . وهناك خطأ فكري شائع وهو "بخس الشيء الإيجابي حقه" قد يكون هو الجذر الأساسي لهذه المشكلة . هل تتذكر مم يتكون هذا الخطأ الفكري ؟
جاء رجل أعمال يشكو من عدم رضاه عن أي فعل أداه في يومه هذا ، وأخذ يشرح كيف أنه في الصباح حاول الاتصال تليفونيًا بأحد عملائه ولكن الخطوط كانت مشغولة ، وعندما وضع سماعة التليفون غمغم لنفسه قائلاً "كان هذا مضيعة للوقت" وفي الظهيرة أكمل بنجاح مفاوضاته على صفقة هامة ولكنه في هذه المرة قال لنفسه "إن في إمكان أي شخص في المؤسسة القيام بمثل هذا أو حتى بأفضل منه ، لقد كانت مشكلة سهلة ودوري فيها لم يكن هامًا".
وكان عدم رضاه هذا ناتج عن حقيقة أنه دائمًا ما يجد الوسيلة لأن "يشوه سمعة" مجهوداته وكانت عادته السيئة هذه بقوله "إن ذلك لا يساوي شيئا" تنكل بأي إحساس بالانجاز .

7. الكمال :
أنت تحبط نفسك بأهداف ومعايير غير مناسبة ، ولو أديت عملا "يقترب" من الكمال فهو لا شيء في نظرك .

8. الخوف من الفشل :
لأنك تتخيل أن بذل الجهد ثم الفشل سيكون قاهرًا لك فإنك ترفض أن تحاول على الإطلاق . وهناك أخطاء فكرية تشمل هذا الخوف من الفشل وأهمها: "التعميم الخاطيء" فتقول " لو أنني فشلت في هذا فإنني سأفشل في أي شيء "وهذا طبعا مستحيل الحدوث" ، فأي شخص لا يمكن أن يفشل في كل شيء فلكلٍ منا نصيبه في النصر والهزيمة . وفي الحقيقة بينما أن النصر له طعم رائع والهزيمة لها طعم مر فإن الفشل في أي عمل لا يجب أن يكون سمًا قاتلاً ولا يبقى طعم مرارة الهزيمة للأبد .
والخطأ الثاني : هو عندما تقيم أداءك على النتيجة النهائية دون أن تعتبر مقدار بذلك للجهد فيه . وهذا أيضًا غير منطقي ويعكس "إدراك إنتاجي" بدلاً من "إدراك عملي" لشرح ذلك دعني أسوق لك خبرة شخصية :
فأنا كمعالج نفسي يمكنني السيطرة فقط على ما أقوله وعلى كيفية تفاعلي مع كل مريض . بينما لا يمكنني السيطرة على ردة فعل المريض على مجهوداتي في أية جلسة نفسية .
ما أقوله وكيفية تفاعلي هو "العملية" وما يتفاعل به المريض هو "الإنتاج" ويذكر الكثيرون من المرضى أنهم قد استفادوا كثيرًا من الجلسة بينما يذكر القليل منهم بأنهم لم يجنوا شيئًا مفيدًا منها .

ولو قمت أنا بتقييم عملي على أساس "إنتاجي" فسأشعر بالابتهاج عند تحسن مريض من مرضاي وسأشعر بالإحباط والفشل عند العكس . ويجعل هذا من حياتي العاطفية ومشاعري كقارب متأرجح وسترتفع وتنخفض معنوياتي بطريقة مرهقة وغير متوقعة خلال ساعات اليوم الواحد .
وقهر تلك العدمية والتسويف هو لبُّ وقلب العلاج المعرفي الذي سوف تتعلمه من طبيبك إن شاء الله .

(عن كتابFeeling Good by David Burns )

اقرأ أيضاً على موقعنا مجانين :
فقدان الطعم والمعنى جوهر الاكتئاب
الاكتئاب الجسيم كيف يسلب الإيمان؟
الاكتئاب الجسيم لا الأعظم!
متى تصنعين الحياة؟: أقوى من الاكتئاب
متى تصنعين الحياة؟: أقوى من الاكتئاب مشاركات
متى تصنعين الحياة؟: أقوى من الاكتئاب متابعة
الاكتئاب لدى المسنين
السحابة البيضاء : الاكتئاب والرهاب و...


الكاتب: د.محمد شريف سالم
نشرت على الموقع بتاريخ: 18/05/2005