إغلاق
 

Bookmark and Share

في بلد البنات ::

الكاتب: داليا يوسف
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/06/2005

استمع
/ هي/ ...انتهت توا من احدى الجولات مع أهلها في محاولة لاقناعهم بدخولها في نشاط جديد يتطلب أن تقضى وقتا أطول في المتابعة بجانب عملها الذي يعتبرونه كافيا وحده.. مستهلكا لكل وقتها.

/ هو/... دخل إلى إحدى المطاعم المزدحمة ليؤكد أنه شاهد فتاة رقيقة ترتدي حجابا طاهرا وقد دخلت مع فتى لتجلس بجواره.. يلحظ هو هيئتهما التي وشت بوضع غير لائق رغم تواجدهما وسط هذا الجمع ورغم حجاب الفتاة ورقتها البادية!

/ نحن/... مناقشات تطل برأسها دارت كثيرا بين بعض المهتمات بدور المرأة وما يعتريه من قصور ومن خلل في تصوراتها عن نفسها وتصورات الآخرين عنها ثم تلك الأجواء عبر الزمان والمكان التي حيرتها كثيرا بين سكون وحركة.

جموع الفتيات التي تلحظ بيسر ما يعتريهن من تغيرات في محاولة التعبير عن أنفسهن .. ربما جرأة أكثر ورغبة شديدة في لفت النظر ، والحديث والاقتراب من الشباب ... تعارف ساذج أحيانا ومستفز في أحيان أخرى.

أعداد من الفتيات اللاتي وقفن حائرات بين طوفان الصورة من فيديو كليب وخلافه ومظاهر ما عرف حديثا بالتدين الجديد، و ذلك الحديث الذي زخرت به صفحات الانترنت وساحات الحوار الالكتروني والفعلي عن "عوانس الخمس نجوم"وووو....
 

كوكب البنات

صور شتى تراكبت وتعقدت لتبعث على تساؤلات حول ما يعج به هذا العالم - عالم الفتيات - من تناقضات وآفاق تبعث على الحيرة والتحدي.

و أخيرا يأتي المصري المميز محمد منير بأغنيته الموحية... صورة غاية في الصدق والخصوصية عنوانها " بلد البنات" جاءت الأغنية لترسم بعفوية صورة البنات مع ظلهم وذلهم.

" الساعات" بدقتها ودقاتها، لتجعلك تسترجع موقفا تخاله يوميا في حياتهن... دقات الساعات التي تدفعهن لأن يبادرن قبل أن تغلق الأبواب ويخيم الظلام على الطرقات.

البشر تجمعهم هويات شتى يتشاركون في أحلام وهموم، ولكن يظل هناك ما يجعل هذا البلد – بلد البنات - ذو هوية خاصة، حدودها متخيلة، قد لا تختلف إلا في بعض الأمور – وإن شئت الدقة – في درجة ما تمثله بعض الأمور.
خذ أمراً كالزواج ..وقد تدرك ما تعنيه المسألة... ربما الوقت .. فهو في هذه البلاد لا يعني فقط دقات الساعة التي تذكربالأسرة التي تحمي وتترصد.

ولكنه يمتد لينعقد قيدا في مراحل كثيرة ..الوقت هنا مختلف .. يدق بقوة ليحرم .. وقد لا يخدم و يبدأ الابداع لمن أراد الفكاك من أسر الإحباطات المعتادة.

البيت والشارع

ما يجعل من هذا البلد بلداً، هو ثنائية الحرية والحركة التي امتدت عبر أجيال بين مد وجزر بحسب الظرف وأفهام البشر .. لتتقلب بنات البلد بين قسوة السكون وثمنه الفادح وبين عشوائية الخروج و ضربيته الموجعة .. دون أن نبذل سويا مجهودا كافيا لتبرير السكون أحيانا وتهيئة الخروج أحيانا اخرى.

هن بطلات الصورة وضحاياها ، يرتسمن منذ نعومة الأظافر ولا تعلم حقيقة إن كان هذا بإرادتهن أو رغماً عنهن، ثم لا تلبث الصورة أن تصبح سيفاً مسلطاً على رقابهن في مواقف شتى وعبر المراحل المختلفة.

بنات هذا البلد يبحثن الآن في أغنيات لكاظم الساهر عن الرجل الذي يبعثن على تغيير حياته .. ولم يبسط لنا أحد من هي تلك المرأة التي تجعل العالم ينعم بكل هذا الاختلاف الذي تشعه كلمات نزار وألحان كاظم.

قد لا يكون للأغنية دورا في أن تبسط هذا وتشرحه ولكن عليها أن تجعلنا نفكر لا أن نتمثل الصورة ونتعبد بتمائمها ليتسرب لبنات البلد أن هذه المرأة هي تلك التي تظهر في لقطات الفيديو كليب.

في هذا البلد عليهن أن يراقبن ظهورهن مرتين إذا ما قررن الانخراط في محاولة لفعل مختلف عما اعتادت عليه أوطان تسلب فيها القدرة على الفعل والتغيير، ذلك لأن الامتهان الذي يمكن أن يتعرضن له لا يعني فقط الإهانة الشخصية بقدر ما تظهر في الخلفية حصارات وانتقادات شتى.

ربما سأم الكثيرون حديث مموج عن قهرهن أوتمكينهن أو ..أو.. ، وربما سقط آخرون في دفاع ساذج ضد أي تمييز دون وقوف على أصل الداء ...

أعتقد أنها معركة تبدأ مع النفس .. أولا : تعامل أذكى مع تنويعات الحرية والحصار ... مجهود أكبر في تصديق ما يردنه حقا .... والاستعداد لصياغة المواقف والاختيارات.

الحديث عن هذا البلد يجعل ذكراهما تدق بابي بشدة ، فتاتين ليستا من بطون الكتب ولكن من معطيات العصر...لهما شأن مع مفهومي الحرية والحصار : راتشيل وآيات...أعني آيات الأخرس و راتشيل كوري

زهرة بلد البنات

الأولى حركها الوعي في الأفق لتهجر ما يظن أنها الحرية إلى الأرض المحاصرة ...نامت في آبار أرض .. يعتقد الغافل أنها عنها غريبة وقتلت ممتزجة بترابها فحررت معان جمة ..وخلخلت صورا جامدة في نظر من يتلقون ادراكهم من إعلام مصنوع يضلل ويربك.

والثانية صعدت رأسا وقد ابتسمت هازئة بجبروت الحصار وميوعة الهزيمة وكانت تستذكر دروسها جادة في ليلة تنفيذ عمليتها الاستشهادية.

اختزال (راتشيل) و(آيات) في اللحظات الأخيرة من حياتهما مخل ..والحديث عنهما بصيغة البطولة المستعصية دون فك الشفرة التي دفعتهما لأن يفعلا ما فعلا أمر يبعث على الأسى.

المسافة ليست بعيدة كما نظن، المواجهات والمعارك لا تحسمها الدماء فقط . "راتشيل وآيات" تنويعات لحنية عظيمة ومؤلمة...جمل موسيقية مكتملة للوعي والحرية، الاستلهام هنا متاح ولا يعني الانتظار حتى تصبح بلد البنات بتمامها كهاتين الصاعدتين لكنه يعني أنه "من الممكن" ...

لأجل البنات

من الممكن أن ندير ظهورنا لما يهدر الفهم والوقت ... من الممكن أن نحزم حقائبنا في سفر قريب أو بعيد شرط أن نعرف ما نريد ... من الممكن أن نحرز شعورا بالتحقق وثقة أكبر بالنفس دون التيه في فراغات مملة .. من الممكن السير بين الانتقادات المثبطة والمثيرات الفاعلة في معارك يومية صغيرة ...بعضها قد يكون مع من نحب والآخر قد يكون ضد ما نكره.

لأجل البنات .. على الأهل أن يعرفوا أن السؤال ليس دائما متى؟ ولكنه أيضا: ماذا؟ وإلى أين ؟

الأمان الحقيقي
في "بلد البنات" أن يتعلمن أن الموازنات شرط الاستمرار.. وأن الوصفات الجاهزة غير متاحة ... كل عليها التجربة .. حتى تنطبع بصمة خاصة على صفحة الحياة ... المتعة الحقيقية أن يذقن طعم الاختلاف... هذا إذا ما أردن أن يضوين كالنجوم ويرفرن كالرايات كما أتمنى وكما غنى منير.

أغنية بلد البنات
كلمات الأغنية


اقرأ أيضاً  :
مسلمون نحو عولمة بديلة



الكاتب: داليا يوسف
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/06/2005