إغلاق
 

Bookmark and Share

العلاقة الحميمة بين الجسد والروح (2) ::

الكاتب: د.محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 22/06/2005

التوافق النفسي الجنسي :
و يعني أن كلا من الشخصين المتوافقين يستوفى حاجاته من الآخر ويشبعه وبالتالي يسعد الطرفان باستمرار العلاقة.
والتوافق في العلاقة الزوجية شيء مهم جدًا لأن هناك حاجات لا يمكن أن تلبى إلا من خلال هذه العلاقة ومنها الإشباع العاطفي والجنسي, وتستطيع أن تلمح علامات التوافق على زوجين محبين بسهولة, فترى علامات الراحة والشبع بادية عليهما في صورة نضارة في الوجه وراحة تبدو في الملامح, وإحساس بالأمان والبهجة ونجاح في البيت والعمل والحياة.

إذن التوافق نعمة من الله يمنحها للأزواج الأوفياء المخلصين الذين يمنحون حبهم ورعايتهم لزوجاتهم أو لأزواجهم.

والتوافق تظهر بوادره منذ لحظات التعارف الأولى فيشعر كل طرف بالراحة والسعادة في وجود الآخر, ويسعى كل طرف لتلبية احتياجات شريكه, ويشعر كل منهما أنه لا يحتاج أي شيء من طرف آخر ليكمل به نقصًا عنده, وتحدث حالة من التناغم بين الطرفين وكأنهما موجتان التقتا وكونتا لحنًا رائعًا, وحين يستقر التوافق بين الزوجين ويتأكد نجد أن كلاً منهما لا يجد نفسه إلا مع الآخر, فلا يمكن أن تتحرك مشاعره أو تتحرك ميوله الجنسية إلا مع شريك حياته, فهو بالتالي لا يستطيع إلا أن يكون وفيًا ومخلصًا لشريكه, أو بمعنى آخر هي حالة من الإخلاص اللاإرادي لأنه لا يقدر على الخيانة حتى لو أتيحت له فرصتها.

ولو قدر أن أحد هذين الزوجين المتوافقين ترك الآخر بسبب الموت فإن الطرف المتبقي منهم لا يستطيع إقامة علاقة زوجية جديدة مع آخر لأن موجته انضبطت مع موجة شريكه ولا يستطيع (أو لا تستطيع) تغييرها مع آخر. وهذا يفسر لنا عزوف زوجات أو أزواج عن الزواج بعد موت شريك الحياة رغم كونهم صغار السن.

والتوافق لا يتطلب أن يتشابه الزوجين أو يتطابقا, ولكنه يتطلب كما قلنا قدرة كل طرف على تلبية احتياجات الآخر وإشباعها على الرغم من اختلافها, فهما متكاملين أكثر منهم متشابهين.
والسكن والمودة والرحمة هم الأضلاع الثلاثة للتوافق الزوجي, فالسكن يعني الطمأنينة والهدوء والراحة في كنف الطرف الآخر, والمودة تعني الحب والقرب الجميل والرعاية الصادقة المخلصة وهي (أي المودة) أقرب ما تكون في حالة الرضا, والرحمة تعني الرفق بالطرف الآخر ومسامحته ونسيان إساءته والإحسان إليه وهى أقرب ما تكون في حالة الغضب أو عدم الرضا.

وفترة الخطوبة مهمة جدًا في اختبار مدى قدرة الطرفين على التوافق, وهى مهمة لزرع شجرة المحبة ورعايتها حتى إذا تم الزواج كانت هذه الشجرة التي اشتد عودها قادرة على تحمل أعاصير مسئوليات ومشكلات ما بعد الزواج, أما إذا أجلنا زراعة هذه الشجرة لما بعد الزواج فربما لا تستطيع الصمود للرياح التي تهب على الزوجين وهما يخوضان غمار الحياة اليومية بمشكلاتها وضغوطها.

والتوافق الزوجي ليست له شروط صارمة أو شديدة التحديد, فهو يحدث بين أنماط مختلفة من البشر, يختلفون في الأعمار والثقافات والميول, ولكن هناك عوامل ربما تنبيء باحتمالات أكثر للتوافق ومنها:

1- سن الزوجين: فيستحب أن يكون الزوج أكبر سنًا من 3- 5 سنوات, ولا يستحب أن يزيد الفرق عن 10سنوات. ومع هذا هناك أزواج خرجوا عن هذه القاعدة وتوافقوا. وتراعى هنا مسألة الصلاحية العمرية للمرأة حيث إذا فقدت المرأة قدرتها البيولوجية في سن معين على تلبية احتياج الزوج الذي ما يزال صغيرًا فإن مشكلة اختلاف الاحتياجات ربما تنشأ وتهدد التوافق.
2- التكافؤ الاجتماعي: فكلما كان الزوجان من طبقات اجتماعية متقاربة كلما كان ذلك أدعى للتوافق. وهناك استثناءات أيضًا لهذه القاعدة.
3- التقارب الفكري والثقافي والديني: بحيث لا تتعارض كثيرًا أفكار وثقافات وانتماءات الطرفين.

وكان يعتقد أن الخبرة الجنسية والعاطفية السابقة لأحد الزوجين تجعله أكثر قدرة على التوافق مع شريكه, ولكن ثبت أن هذا غير صحيح, فالشخص صاحب العلاقات العاطفية أو الجنسية قبل الزواج كثيرًا ما يفشل في التوافق مع زوجته (أو زوجها), لأن التوافق حالة شخصية تمامًا تتصل بالشريك العاطفي والجنسي الحالي, وكثيرًا ما تكون الخبرة السابقة سببًا للفشل لأن صاحب الخبرة يتمسك بنمط نجاحه مع الطرف السابق أو يكون متأثرًا بعوامل فشله السابقة.

والتوافق الجنسي يعتبر من أهم أركان الزواج السعيد, فالنجاح في العلاقة الجنسية يعتبر ترمومتر للعلاقة الزوجية لأنه يعكس النجاح في علاقات أخرى مثل العلاقة العاطفية والعلاقة الاجتماعية والتوافق العقلي والثقافي والرضا المادي.

والتوافق الجنسي قد يحدث مع بداية الزواج وقد يتأخر بعض الوقت لعدة شهور وأحيانًا سنوات, وهو يعنى الانسجام بين احتياجات الطرفين وقدرة كل منها على تلبية احتياجات الآخر وإشباعها في صورة طيبة, فهما متوافقان في معدل الممارسة ومتوافقان في زمن الممارسة ومتوافقان في طقوسها وراضيان بكل ذلك.

أما إذا كان هناك اختلاف شديد في ذلك كأن يكون لدى أحد الطرفين شراهة ولدى الطرف الآخر عزوفًا أو برودًا فإن ذلك يتسبب في مشكلات كثيرة حيث تؤثر هذه المتناقضات في الاحتياجات على العلاقة الزوجية برمتها. وبعض الأزواج يسألون عن عدد مرات الجماع المناسبة, ولا توجد إجابة محددة لذلك ولكن العدد هو ما يرتضيه الطرفان ويقدران عليه. وقد يكون لأحد الطرفين مطالب في العلاقة لا يقبلها الطرف الآخر بناءًا على اعتبارات دينية (كالإتيان في الدبر) أو اعتبارات شخصية (كالجنس الفموي) أو أي اعتبارات أخرى, وهنا يحدث الشقاق, وكثيرًا ما يأتي الزوجان إلى العيادة النفسية بأعراض كثيرة وشكاوى متعددة ولكن تكون المشكلة الأصلية هي عدم التوافق الجنسي بينهما, لأنه لو حدث التوافق فإن كل منهما يغفر خطايا الآخر ويتقبلها.

وقد يأتي عدم التوافق نتيجة لاختلاف الطباع الشخصية, كأن تكون المرأة قوية ومسترجلة, والرجل ضعيف وسلبي, وفى هذا الوضع المقلوب يستحيل التوافق الجنسي أو العاطفي, ومع هذا يمكن أن يستمرا في علاقتهما الزوجية نظرًا لاعتبارات أخرى, وهذا الوضع نسميه (سوء التوافق المحسوب) فعلى الرغم من تلك المشاكل بينهما إلا أن هناك أشياء تجمعهما, قد تكون احتياجات مادية أو اجتماعية أو غيرها.
وقد يكون عدم التوافق نتيجة إصابة الزوج بالضعف الجنسي (العنة) أو إصابة الزوجة بالبرود الجنسي, وهذه اضطرابات تحتاج للمساعدة العلاجية, ولكن المشكلة في مجتمعنا أن الناس تخجل من عرض هذه المشكلات على متخصصين, وتظل المشكلة تستفحل وتفرز مشكلات أخرى حتى يصل الطرفان إلى الطلاق.

مشكلات ليلة الزفاف :
في مجتمعاتنا العربية المحافظة يعتبر موضوع الجنس من المحرمات وبالتالي تنشأ ثلاث مشكلات أساسية:
المشكلة الأولى: الجهل بأسرار الجنس.
المشكلة الثانية: المعلومات الخاطئة عن الجنس.
المشكلة الثالثة: القلق تجاه الممارسة الجنسية.

والمشكلة تتجسد أكثر في الفتاة حيث يصعب عليها الوصول إلى معلومات جنسية صحيحة, وهي إذا تجرأت وحاولت أن تعرف فغالبًا ما تصلها معلومات خاطئة من صديقاتها. والفتاة تنشأ ولديها اعتقاد بأن جهلها بأمور الجنس أحد علامات عفتها وأدبها, كما تنشأ ولديها اعتقاد أن الجنس لذة فقط للرجل وأن المرأة ما هي إلا أداة لتحقيق هذه اللذة. بل إن بعض الفتيات تترسب في ذهنهن صورة للجنس على أنه شيء مثير للاشمئزاز أو شيء "مقرف", وهن لا يفرقن في هذه النظرة بين الجنس الحلال والحرام فكله في نظرهن سواء.
وبالتالي حين تأتي ليلة الزفاف يتحول الأمر إلى صراع فالزوج يريد أن يثبت رجولته فيفض الغشاء في أول ليلة وعادة ما يكون متعبًا أو متوترًا بسبب طقوس الزواج, والزوجة خائفة بسبب ما لديها من رواسب ومعلومات خاطئة, والأهل سيأتون في الصباح ليطمئنوا.

وهكذا يصبح العروسين تحت ضغوط صعبة, ولذلك نرى بعض الأزواج يصابون بالارتخاء ويعزون ذلك إلى أنهم "مربوطين" بواسطة أحد الأشخاص الأشرار, وبعض الزوجات يصبن بالتشنج المهبلي, أو رهاب الجنس أو البرود الجنسي نتيجة المخاوف الشديدة ونتيجة الطريقة غير المناسبة من الزوج.

وأغلب مشكلات ليلة الزفاف يمكن حلها بمجرد التعليم والتوجيه والشرح والصبر على العروسين حتى يتوافقا عاطفيًا وجنسيًا وعدم تعجل فض الغشاء, فالموضوع ليس معركة فض الغشاء.
وهذه المشكلات التي تحدث في ليلة الزفاف كثيرًا ما تمد بظلالها الكثيفة على الحياة الزوجية لسنوات طويلة فيما بعد.

وتدور مشكلات ليلة الزفاف حول ما نسميه (قلق الأداء) Performance anxiety وهو يؤدي إلى حالة ارتخاء للزوج كلما اقترب من زوجته وإلى حالة انقباض لعضلات المهبل والحوض والفخذين لدى الزوجة كلما اقترب منها زوجها. ويساعد في تخفيض حدة القلق وجود المعلومات الصحيحة وإعطاء فرصة كافية للزوجين دون تدخل من الأهل. وفي بعض الحالات نحتاج لاستخدام بعض مضادات القلق بجرعات بسيطة وأحيانًا نحتاج لبعض العلاجات السلوكية للزوجين.

وأحيانًا تتأزم الأمور بين الزوجين ويدخلان في مجالات العلاج بالسحر والشعوذة ويتلقيان إيحاءات مزعجة ومخيفة من المعالجين الشعبيين تؤدي إلى مزيد من تأزم العلاقة وقد تنتهي الأمور بالطلاق.

وإذا كانت طريقة التربية شديدة التزمت فإنها تلقي على أي شيء يتصل بالجنس سياجًا غليظًا من الحرمة وبالتالي يتم كبت الموضوع الجنسي برمته, فإذا وصلت الفتاة إلى ليلة الزفاف فإنها لا تستطيع فجأة أن تلغي هذا التاريخ من الكبت والخوف, وأحيانًا تحتاج لشهور أو سنوات حتى تتخلص من آثار التحريم والاستقذار التي علقت بهذا الموضوع.

ونحن هنا لا ندعو إلى أن يكون الحديث عن الجنس بطريقة فجة وخالية من كل معاني الحياء كما يحدث في المجتمعات المتحررة من القيم والأخلاق, وإنما ندعو لأن يكون الموقف معتدلاً وانتقائيًا فنعلم أولادنا وبناتنا استقذار الجنس الحرام فقط ونعلمهم أن الجنس في حالة كونه حلالاً هو أحد نعم الله على الإنسان.

ومن المخاوف المؤرقة في ليلة الزفاف خوف الفتاة من عملية فض غشاء البكارة خاصة إذا كان لديها معلومات خاطئة عن أن فض الغشاء عملية مؤلمة, في حين أنه في الحقيقة عملية بسيطة جدًا ونادرًا ما يصاحبها ألم, وقلق العروس لا يتوقف عند فض الغشاء فقط وإنما يمتد إلى وجود الغشاء من عدمه.

ولكي نتجنب الكثير من مشكلات ليلة الزفاف لابد وأن تكون هناك فترة خطوبة كافية يتعرف فيها الطرفان على بعضهما ويألفان بعضهما فكريًا ووجدانيًا وتنمو بينهما شجرة الحب والود اللازمة لقيام حياة زوجية سليمة.

ومن الضروري قبل الوصول إلى ليلة الزفاف أن يتأكد العروسان أن لديهما معلومات كافية عن الأعضاء الجنسية وعن كيفية الممارسة, ويمكن الحصول على هذه المعلومات من مصادر صحيحة مثل الكتب العلمية أو من طبيب متخصص أو من أحد الأقارب الموثوق بهم.

ولا يكفي المعلومات عن تركيب الأعضاء الجنسية وكيفية الممارسة وإنما يحتاج العروسين لمعرفة ذوقيات وآداب الممارسة, فهما في الأساس بشر لديهما مشاعر وأحاسيس ولديهما مخاوف أيضًا من هذا الشيء الجديد اللذيذ والمخيف في آن واحد, لذلك يحتاجان لطقوس تقلل من هذا القلق, فمثلاً حين يدخل العروسان شقتهما يقومان بجولة فيها ليفرحا بمحتويات الشقة التي تعبا وتعب معهما الأهل لتأثيثها بهذا الشكل الجميل, ثم يجلسان سويًا في غرفة الصالون أو الأنتريه, ثم يضع العريس يده على جبهة عروسه ويدعو بأن يوفق الله بينهما ويبارك لهما, ثم يتوضآن ويصليان, ثم يجلسان لتناول العشاء سويًا, على أن يكون عشاءً خفيفًا وليس عشاءً شديد الدسم كما هو معتاد عند الناس, حيث أن العشاء الثقيل شديد الدسم يؤثر على الأداء الجنسي.

وبعد العشاء يتخففان من ملابسهما شيئًا فشيئًا مع الاقتراب الودود المحب والمداعبة اللطيفة غير المتعجلة ويكون هدفهما أن يسعدا معًا وليس الهدف فض غشاء البكارة أو إثبات القدرة والكفاءة.

أما بخصوص العادات البالية التي تحدث ضغطًا على الزوجين حين ينتظر أهل العروسين ومعهم أهل القرية أو الحي خارج شقة العروسين انتظارًا لمنديل ملطخ بدم غشاء البكارة فهذا عمل غير آدمي ويسبب ضغوطًا على العروسين تؤدي إلى حدوث قلق الأداء وبالتالي إلى حالة الارتخاء في الفترة الأولى للزواج يسميها العامة "ربطًا" وهي في الحقيقة حالة من القلق تؤدي إلى الارتخاء والعجز الجنسي المؤقت.

والأفضل ترك العروسين يحققان العلاقة بينهما في أي وقت دون تعجل, فالعلاقة بسيطة وتتم بين سائر الكائنات ولكن يعقدها ويربكها المعتقدات والممارسات الخاطئة.
ولا يستحب أخذ أي منشطات في هذه الليلة بل يترك الأمر على طبيعته فإن ذلك أفضل, مع العلم بأن هناك مشكلات كثيرة تحدث نتيجة تعاطي المنشطات ربما تؤدي إلى نفور وكراهية بين الزوجين طوال الحياة.

وأخيرًا نذكر العروسين بأن الزواج ليس علاقة جسدية أو جنسية فقط وإنما هو علاقة لها أبعاد متعددة جسديًا ونفسيًا واجتماعيًا وروحيًا, وأنهما معًا لسنوات طويلة بإذن الله فلا داعي لاختزال العلاقة ولا داعي للتعجل فيها.

اقرأ أيضاً:
العلاقة الحميمة بين الجسد والروح (1)
سيكولوجية الاستبداد (1)
سيكولوجية الاستبداد(2)
سيكولوجية الاستبداد (3)

سيكولوجية الاستبداد (الأخير)



الكاتب: د.محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 22/06/2005