إغلاق
 

Bookmark and Share

ضحايا الاعتقال المنسيون (1) ::

الكاتب: د.عمرو أبو خليل
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/08/2005

ضحايا الاعتقال المنسيون

عندما يصبح الإنكار هو الحل كانت الحالة الثانية التي أود أن القي الضوء عليها .... هي حالة لطفل في العاشرة من عمره ....

كان أبوه أحد الناشطين السياسيين ولكن الابن قد تعود على اعتقاله عدة مرات أيضا ولكن في المرة الأخيرة قتل الأب في معتقله إهمالا أو تعمدا ليست هذه هي القضية، المهم أن الطفل كما استيقظ في أحد الأيام فلم يجد أبيه وعرف أنه قد أعتقل لأنه يدافع عن مبادئه فإنه استيقظ في يوم آخر وهو يسمع أن أباه قادم ....

ولم يعرف أو يتخيل أو لم يخبره أحد أن القدوم في هذه المرة مختلف ربما بسبب الصدمة التي كان يعاني منها الجميع لم يخطر ببال أحد أن يهتم بهذا الصغير أو يمهد له...

لقد وجد نفسه يحمل ليلا إلى قريته ليكون في استقبال أبيه عندما ذهب إلى القرية ووجد الرجال ينتظرون عند مشارف القرية تصور أيضا أنهم ينتظرون أبيه مثل كل مرة يخرج منها من المعتقل فيقيمون المؤتمرات والاحتفالات احتفاء بالأب والجميع ينتظرونه حتى يحيوه وحتى يلقي كلمته وأيضا لم يتنبه أحدهم إلى إبعاد الابن ...

بل كان هناك إصرار على أن يكون في استقباله ليفاجأ الطفل الصغير بأن أباه القادم في عربة إسعاف وأنه يحمل فوق الأعناق في كفن أبيض وأنهم يتوجهون به إلى المقابر لدفنه وأيضا مع إصرار من الجميع على حضوره مراسم الدفن وهو لا يدري ماذا يحدث الجميع يتحدثون عن الشهيد الذي قتل لأنه يدافع عن مبادئه وهو لا يفهم شيء ... أو يفهم ولا يريد أن يتكلم أو ... لا أحد يدري ولا أحد أيضا يهتم بأن يدري ....

وجاءت الشكوى من مدرسيه، وجاءت الشكوى من معلمي القرآن في المسجد لقد أصبح الطفل أكثر انطوائية وعدوانية إنه لا يتفاعل مع أحد وفي نفس الوقت إذا حاول أحدهم التفاعل معه كان رد فعله عدوانيا وهو لم يكن كذلك .... كان هادئا وكان ذا علاقات اجتماعية ليست كبيرة ولكنها معقولة ....

كان أقرب إلى شخصية أبيه رحمه الله هكذا قالوا.... جاءت الأم والطفل إلى المركز .... طلبت من الأم أن نتحدث في غيابه أولا حكت لي كل ما سبق وقالت أنه يرفض الحديث عن أبيه بل ويتجنبه .... وأنها محتفظة بملابس الأب كما هي... كما تركها وأنها دائما تذكر الأب في كل موقف ... هنا كان أبوكم يقول ..... في الموقف كان أبوكم يفعل ..... تقول لا أريد أن ينسوه ..... أريد أن أذكرهم بفضله لقد عاد الابن غاضبا في يوم من المدرسة وتشاجر مع أخته لسبب تافه ..... وبحثت الأم في المدرسة فعلمت أنه كان يوم الشهيد وجاء ذكر والده ...

قابلت الطفل كان يبدو متوجسا وقلقا فهو لا يعرف ماذا يحدث ....

تعمدت ألا أذكر أنني صديق والده وتعمدت ألا أذكر والده بل تحدثت معه في مواضيع عامة ... فلقد فهمت من القصة أن هذا الطفل لا يريد أن يعيش وهو لا يتحمل أن يعيش هذه الحالة ... ابن الشهيد ... إنه يحب أباه ويعيش داخله ولا يريد أن يعيش حالة فقدان الأب أو أن يعامله الناس على هذا الإحساس أو أن يذكره الناس بذلك كل وقت ....

لذلك كان توجيهي للأم أن ترفع ملابس الأب وتخفيها تماما وكان تعليق الطفل عندما حدث ذلك (هذا أفضل) ولم يضف كلمة أخرى ....

وأن تقف عن ذكره بمنسابة أو بغير مناسبة إلا إذا جاء موقف عادي طبيعي تلقائي لأن المبالغة والتعمد تحدث أثرا عكسيا في نفس الطفل وكان التوجيه الأخير أن يعود إلى أنشطته الطبيعية التي كان معتادا أن يقوم بها قبل وفاة والده, حتى تعود حياته إلى طبيعتها وقد كان ...

وعاد الطفل إلى طبيعته لقد بدأ تعايشه بصورة هادئة ... دون حاجة لحالة المقاومة والإنكار التي كان يرفعها ضد كل من يتعمد ذكر وفاة والده أو يذكره به ... فهو يذكره ويحبه ولكن لا يحب أن يعيش هذه الحالة ... سيتعايش معها بمعرفته ... بطريقته نسأل الله أن تكون هذه هي نهاية الأزمة وألا يكون البركان تحت أو الهدوء الذي يسبق العاصفة إنها الجرائم المنسية أو الخفية أو الآثار التي لا يراها أحد وتظل تعمل لسنين قد تمتد بامتداد عمر هذا الطفل ...

واقرأ ايضا:
هل الفصام ..... هو ازدواج الشخصية ؟!!!


 



الكاتب: د.عمرو أبو خليل
نشرت على الموقع بتاريخ: 21/08/2005