إغلاق
 

Bookmark and Share

الحنابلة والدور التنموي للمرأة ::

الكاتب: أ. صفية الجفري
نشرت على الموقع بتاريخ: 18/01/2006

القضايا التنموية ، وصناعة الحضارة ، مسؤولية يخاطب بها الرجال والنساء معا ، فالنصوص العامة في الكتاب والسنة التي تدعو إلى العمل ، وعمارة الأرض ، لم تتوجه إلى الرجال دون النساء . فكيف هي نظرة المجتمع اليوم إلى هذه القضية ؟

أعتقد أن هناك عبارات دارجة تلخص التعامل مع هذه القضية في واقع مجتمعنا ، من ذلك تعميم القول بأن المرأة مكفولة النفقة في الإسلام .

إذ أن هذا القول – هكذا بإطلاقه- يخرج عن مقصوده الأساس وهو التكريم إلى التهميش لدور المرأة التنموي ، يظهر هذا التهميش في جعل حق المرأة في التعليم والمشاركة في النماء حقا ثانويا ، تبعيا لا أصليا.

ففي مجتمعنا يغرس في نفس الفتاة منذ الصغر أن دورها في الحياة إنما يتحقق عبر الزواج ، و يهمل التأكيد على أن الزواج هي صورة اختيارية من صور العطاءات المطلوبة منها تنمويا وفقا للنصوص والمقاصد الشرعية . وأن قيمتها في المجتمع لا تكتسب من الزواج و به وإنما بمدى إسهامها في الارتقاء بنفسها وبمجتمعها تزوجت أم لم تتزوج .

ومن جميل ما وقفت عليه من كلام الفقهاء الذي يصب في المقصد التنموي للإسلام ما نص عليه الشافعية والحنابلة من أن الأب ليس ملزما بنفقة ابنته ما دامت قادرة على الكسب اللائق بها وفق الضوابط الشرعية .

والسياق الذي يورد فيه هذا الحكم الفقهي العميق لا بد أن يوائمه عمقا ، فلا يكون حجة لأب قد تخلى عن واجبه الشرعي في التأهيل اللازم لبناته للحياة العملية ، ثم يأتي ليحتج بهذا الحكم الفقهي على حق التفريط في كفاية بناته فضلا عما يفعله بعض الآباء من عضل بناتهن عن الزواج لئلا يحرم من ما تجنيه من عائد مادي من عملها .

ولا يطبق تعسفا في مجتمع تشرب أفراده ثقافة الظل لدور المرأة في المجتمع ، إذ هو – في تقديري – تأصيل لحق المرأة في الاستقلالية أكثر منه تخفيفا للعبء المادي على الأب، إذ الأصل في تعامل الأب مع ابنته الفضل لا العدل كما في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. فلا يتخذن كلامي هذا ذريعة لعبء جديد تحمله المرأة ، في ظل المنظومة المجتمعية المختلة في التعامل مع حقوق المرأة ، فيبتر عن السياق الذي أوردته فيه إذ هو في معرض التأكيد على ثقافة المسؤولية التي تشمل الجنسين في الفقه الإسلامي والتي غيبها الطرح التعميمي لقضايا المرأة بعيدا عن القراءة المتأملة لما سطره أهل الذكر من الفقهاء .

وهذا الحكم الفقهي يتسق اتساقا كاملا مع فقه الفروض الكفائية الذي يطالب به المجتمع رجالا ونساء أخذا بأسباب الاكتفاء الذاتي ، والتنمية الشاملة ، ويجعل-فيما أرى- تعميم القول بكون المرأة مكفولة النفقة موهما بسطحية دور المرأة في الرؤية الإسلامية -حتى على القول الذي ذهب إليه بعض العلماء من أن نفقة البنت تجب على أبيها حتى تتزوج - إذ أنه يوحي بانتفاء حقها بل واجبها في أن تكون فردا منتجا وفاعلا، ويغيب شمولية ثقافة المسؤولية التي توجب ذلك عليها وجوبا عينيا إن كان سبيلا لدرء مفاسد البطالة والفراغ ، فضلا عما يقتضيه فقه الفروض الكفائية الذي تقدم الحديث عنه آنفا .

والإحصاءات الأخيرة في الوطن العربي التي تشير إلى ارتفاع معدلات ( العنوسة ) والبطالة تنبئ بوضع متدهور نفسيا واجتماعيا وتنمويا ، ما لم يُعَد تأصيل ثقافة المسؤولية بحيث يكون المجتمع ككل مدركا أن المرأة يجب أن تكون فاعلة منتجة ، وتسد احتياجات المجتمع ، وقبل ذلك تحقق ذاتها كما أراد الله لها.

إذ لو نشأت المرأة على وعي كامل بأهمية دورها في المجتمع ، في ظل مؤسسة الزواج أو خارجها ، وأن غير المتزوجة إنما يطالب غيرها بكفالتها إذا كانت عاجزة عن ذلك ، وهذا ليس خاصا بها ، بل يكون الحال كذلك إذا ما عجز الرجل عن كفاية نفسه كجزء من النظام التكافلي الإسلامي ،وأما المرأة المتزوجة فكفالة زوجها لها ماديا هو جزء من المسؤوليات المقسمة على الطرفين وفقا لتمايز الأدوار بينهما بما يحقق استقرار الأسرة، إذا تجذر هذا الوعي في نفسية المرأة فإن ذلك سينعكس إيجابيا على طريقة تعاملها مع ذاتها، حرصا على الارتقاء، وفقهًا للمسؤولية التي أناطها الله بها، تطبيقا للنهج القرآني في توجيه السلوك الإسلامي إلى الإحسان انطلاقا من قانون الابتلاء:( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ).تبارك:2.

حرر في : يوم الاثنين : 17/10/2005م

للتواصل :maganin@maganin.com

نشرت بجريدة الحياة يوم الجمعة 16/ 10/ 1426هـ 18/11/2005م


وقد غيرت الجريدة العنوان إلى : الدور التنموي للمرأة في المجتمع .. مغيب.

 



الكاتب: أ. صفية الجفري
نشرت على الموقع بتاريخ: 18/01/2006