إغلاق
 

Bookmark and Share

أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(6) ::

الكاتب: د.محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/02/2006

أزمةالنمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(1)
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(2)
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(3)
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(4)  
أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(5)  

أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي
(دراسة نفسية لجوابات حراجي القط العامل في السد العالي إلى زوجته فاطنة أحمد عبد الغفار في جبلاية الفار)
[6]

آلام النمو.. وهواجس التراجع:
ولكي يعبر الإنسان بوابات النمو التصاعدية لابد وأن يتألم ويدفع ثمن العبور، هذا هو قانون الحياة منذ لحظة الولادة.. فالجنين لو لم يتحمل آلام وضغط المرور في قناة الولادة الضيقة لما خرج إلى هذا العالم، والطفل لكي يفطم يتألم وتتألم معه الأم، ولكي يذهب إلى المدرسة يتألم ويخاف وهو يجد نفسه غريبًا وسط غرباء، ولكي يسافر لتحصيل العلم أو المال لابد وأن يعاني آلام الغربة ولوعة الفراق، هذا هو قانون النمو.

وإذا انتقلنا إلى حراجي وزوجته نجدهم يدفعون هذا الثمن الغالي، ويتبدى هذا في رسالة زوجته إليه:
أما بعد..
فاحنا عايزين نكتب لك كلمايتين..
والخوف لنكون مش عارفينهم رايحين على فين.
فانت طولت..
وافرض حتى أنا عرفت اتدبر في الشوق ليك
واستحملت
مش معقول الولد يبصوا بعنيهم ع الأب
ما يلاقوا حواليهم إلا حيطان البيت..
كل عيال الدنيا يا حراجي..
يطلعوا على دخلة أبوهم وكلامه..
ونحنحته في الدرب..
كل بيوت الدنيا ماتبقاش.. من غير الرجًال
وترابها ينده.. زي النفس المحتاجه.
الراجل طول عمره بيرجع آخر الليل شقيان..
محتاج للكلمه الحلوه وطبطبة اليد..
محتاج للي تغسل له الهدمه (وتسكّت له الواد)
والواحده كمان منينا.
تبقي زي الفرع المتطوح في الريح..
وما تشبعش الريح فيها تشليح..
الا ان كان جوزها معاها..
يتعدل العمر ويبقي مليح..
والولد اللي ماتطلعش مع الوالد..
مهمن كانت زينه ياحراجي..
تبقي زي عيدان الخلفه التعبانه.....
احنا واخدينك ياحراجي عشان تبقى معانا..
وعشان نبقى معاك.
يا تاخذنا معاك ياحراجي..
يا ترجع تقعد في البيت ده معانا.
البيت كده زي ماكون بقي واسع وحيطانه طولانه..
الضلمه بقت في الليل بتسود قوي ياحراجي
وانت مش راح تاجي..
وانا مش عارفه أسوي إيه فيك؟
ربنا يهديك
طب شوف لي حل
لاحسن من ليلة امبارح
زي ما كون دلقوا ف نخاشيشى
بحرين خل
مش طايقه امشي في الدار
وحاسه كأني مخنوقه.. وعقلي مندار

ومع إطباق الشعور بالوحدة وآلام الغربة يأتي التفكير في التراجع ويبدو الهدف باهظ الثمن:
مش عاوزين سد
أهو لسه يومين قاعده اتباهى بالسد وبيك قدام الناس
لكن.. والله ما ضيعنا الفاس..
حتضيعنا الغيبه ياحراجي..
الغيبه تخلى الناس تنسى الناس..
مش عاوزه فلوس.. إرجع..
واغمس في تراب البيت

ويهتز حراجي لمشاعر زوجته بالوحدة والوحشة ونداءاتها للقرب وتصحو بداخله أفكار ومشاعر يحاول أن يهرب منها حتى لا تقسو عليه وتدفعه للتراجع، وهو يعاتبها على أنها أيقظت بداخله كل هذا وهزت استقراره في مشوار النمو:
فاطنه..
قهران منك..
والقهر ان يتمكن من صدر الراجل..
يغشى عينيه ويهز إيديه ويزعزع روحه من الداخل
وانتي عارفه..
يتخبّل وما يعرف إيه الطالع وايه الداخل..
الفرصه اللي انا فرحانها بمشواري وبيكي
ترميني في السكة عريان؟
اهي دي اللي تعكنن صح..
وترجعني اسرح في الليل..
وأدوّر على كرسي الدخان
وتخلي هدومي على جسمي تلق
وتخليني أصغر تاني وسط الخلق
وتخلي اللقمه تمرر في الحلق.

والرجوع في هذه المرحلة أصبح مخيفًا (كما أن الاستمرار مؤلم وباهظ الثمن) فالرجوع يعني الذبول والانكماش وربما يكون مكافئًا للموت، وهنا يحدث توحد بين الشخص وبين الاستمرار في مشوار النمو والصعود:
أما أنا لو عدت.. حاعود..
دبلان.. زي العود المجرور
زي البدن اللي نخر في عضاله الدود
في الوقت اللي اتحطت قدمك على أول علِّيوه لفوق ياحراجي
يقولولك تاجي..
مقدرشي يافاطنه أسيبك مزروده..
حامشي ف سكه مسدوده.
وان سبت السد وقعت ف قعر البير تاني
ده انا حتى ساعات بأحدّت نفسي وأقول
يكونش السد ده عاملينه عشاني..؟
علشان ياحراجي تعرف قيمتك وتفتّح ع الكون والناس
رغم المر اللي بتشربه فيه..؟

النمو بالناس وللناس:
ولكي يقوى على الاستمرار وعلى آلام الوحدة والوحشة يستأنس بالناس ويعيش فيهم وبهم، فالنمو يحمل في أحشائه التهديد بالوحدة والغربة لأن العود النامي كلما ازداد طوله ابتعد عن الأرض (الأم) وابتعد عن من حوله من العيدان (الأقران). ولذا يحتاج لتأكيد فكرة الانتماء والعيش مع الناس وبهم خاصة حين تتسع قفزات النمو ويشعر معها الشخص النامي أنه ابتعد فعلاً عن الناس:
أنا نفسي ساعات افتكر الغيبه والقطعه..
أبكي
لكن كلمه من واحد جنبي تصحيني وتأخدني في السكة.....
ميتى بنبكى يافاطنه..؟
لما بننسى الناس
أيوه يامرتي زي السمكه اللي نطت جات بره الميه..
تفضل تخبط ترقع زي المدبوحه..
وان ما لقتش الميه في نطتها.. تموت
أهو احنا تمام وضع السمكة..
والناس هيه الميه
براهم ندبل ننشف لا أوان له ولا ميعاد الموت..
أيوه.. بنبقى وسطيهم لكن ندبل..
لإنه مش العبره يا فاطنه نقعد وسطيهم..
الحكمه ف قعدتنا معاهم..
يقعدوا جوانا ونقعد جواهم.

والنمو الفردي يحمل خطر الفناء وخطر الضياع فلا نمو حقيقي إلا بالناس وللناس:
قاللي "لمهندس طلعت"
إن الناس دي ف أولت الدنيا..
أيام م الأرض دي كانت غابة وإحنا كنا وحوشه
كانوا الناس يطلعوا للغابة يصيدوا يا فاطنه مع بعض..
لإن اللي يروحها لوحده.. كان يستفرد بيه الوحش

الإغراء بالنمو الموازي:
وهذا الرد والتأكيد على حتمية النمو والاستمرار في الصعود رغم الألم يجعل الزوجة تغامر هي الأخرى بطرح أفكار تطورية جديدة عليها وعلى زوجها وعلى البيئة التي تعيش فيها، فهي تفكر في أن تعمل معه في بناء السد العالي:
فيه كلمه لسه باقيه ياحراجي..
إشمعنى الشغل تمللّي للرجّال..؟
...
طب أنا دلوقت
ف عز شبابي وعفيّه..
أقدر أشيل وانحت وأعبي وأشمّر عبي واقلّ..
زي الرجاله تمام واكتر
هيه صحاب الشغل دي مش ليها الشغل وبس..؟
والواحدة ما دام في الشغل كإنها في البيت..
مستوره.. ومتحشمه..
مش تبقى خلاص راجل

ثم تنتبه فاطنه وتخاف من الصدمة الاجتماعية التي يمكن أن تحدث أمام هذه الأفكار الجريئة والجديدة:
النبي لو قلت ده للجبلايه
لترد ف وشي بيبانها
والنبي والرجاله ما تخليني أقعد مع نسوانها.

                                                                                                  ....................وللحديث بقية
 



الكاتب: د.محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/02/2006