إغلاق
 

Bookmark and Share

ظاهرة العنف في المجتمع المصري(1) ::

الكاتب: د.محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 22/02/2006


هل المجتمع المصري في أزمة؟

نعم فالملاحظ والمعايش لهذا المجتمع يدرك ذلك بسهولة بمجرد الخروج إلى الشارع والنظر في وجوه الناس فسيدرك كم هم متأزمين ومتعبين وغاضبين، وتتضح الصورة أكثر إذا كان هذا الملاحظ يقارن وجوه الناس وأحوالهم بفترات سابقة، كانت الشخصية المصرية فيها تتسم بالطيبة والمرح والتفاؤل والإيثار، أما الآن فالصورة مختلفة كثيرا حيث حلت القسوة والكآبة والتشاؤم والأنانية والانتهازية والفهلوة والرغبة في الكسب السريع بأي شكل من الأشكال.

وتتضح الصورة أكثر لمن يسافر خارج مصر إلى أي بلد عربي أو أوروبي ثم يعود، فسيلاحظ الفرق شاسعا بين نوعية الحياة المصرية ونوعية الحياة خارج مصر، وبين حالة المواطن المصري وغيره من المواطنين.

وإذا تجاوزنا الملاحظة الميدانية, وفتحنا الصحف أو الراديو أو التليفزيون فسوف يذهلنا استخدام كلمة" أزمة" في كل الأحاديث والمقالات أو على الأقل معظمها، فترى الحديث عن الأزمة السياسية، والأزمة الاقتصادية، والأزمات الاجتماعية، والأزمة الثقافية، وأزمة السينما وأزمة المسرح، وأزمة الضمير، وأزمة المؤسسات الدينية، وأزمة الفتنة الطائفية، وأزمة الفكر الديني، وأزمة الرياضة، وأزمة الشباب، وأزمة البطالة، وكأننا مجتمع يسبح في بحر من الأزمات.

0 والسؤال الآن لماذا وصلنا إلى هذه الحالة الاستثنائية من الأزمات والتي تجاوزت كما وكيفا- الحدود المقبولة للأزمات في المجتمعات البشرية وأصبحت تهدد أمننا واستقرارنا وإحساسنا الطبيعي بالحياة؟

السبب وراء ذلك هو تراكم المشكلات يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وعاما بعد عام دون وجود حلول علمية وعملية(حقيقية) لها، والاكتفاء بالحلول الشكلية أو الإعلامية أو الوهمية أو الفهلوية دون الدخول إلى جوهر المشكلات. فتراكم المشكلات دون حل حقيقي يؤدى إلى حالة من التأزم، وتراكم الأزمات دون حل حقيقي يؤدى إلى شعور متزايد بالإحباط، والذي يؤدي بدوره إلى تراكم شحنات الغضب والتي تظل كامنة إلى أن تصل إلى مستوى معين فيحدث الانفجار في ظروف مهيأة وضاغطة(وما أكثرها في حالة المجتمع المصري) في صورة أعمال عنف ظاهرة، أو تتحول تلك الشحنات إلى غضب مزمن ومكتوم يؤدى إلى حالة من العدوان السلبي يظهر على شكل لامبالاة، كسل، تراخى، بلادة، عدم انتماء، عدم إتقان،.... الخ.

أما إذا أردنا معرفة أبعاد الأزمة بصورة إحصائية دقيقة فيكفى أن نرجع لإحصاءات المركز القومي للبحوث وغيره من الجهات البحثية, وسوف تصدمنا إحصاءات العنوسة(9 مليون عانس)، نسب الطلاق( 26% )، وأعداد الشباب العاطلين(حوالي 12 مليون)، ومعدلات الجريمة، والعنف الأسرى، والمخدرات، وغيرها.

إذن فنحن في أزمة حقيقية ولا يجوز أن نهون منها، أو نمالئ أو نداهن لأن ذلك يزيد من حدة الأزمة ويجعلها أكثر خطورة وربما تصل إلى مرحلة اللاعودة في وقت من الأوقات، إذا استمرت عمليات التغطية ودفن الرأس في الرمال، وإذا استمرت الحلول القائمة على الخداع والفهلوة, والشكل دون المضمون, وهذه أمراض أخرى تفشت في مجتمعنا في السنوات الأخيرة.

هل هناك ظاهرة عنف في المجتمع المصري؟... وهل هي آخذة في الزيادة أم في النقصان؟

والإجابة: نعم, توجد ظاهرة عنف مقلقة جدا في المجتمع المصري, وهي في تنامي مستمر كما وكيفا، ونحن نطلق عليها ظاهرة لأنها أصبحت تتكرر بشكل ملفت للنظر ومؤثر في حياتنا كشعب على كل المستويات, فهي قد تجاوزت أحداث العنف الاستثنائية الموجودة والمتوقعة في كل المجتمعات البشرية من لدن آدم حتى اليوم، وهذه الظاهرة قد دخلت مرحلة الخطر الحقيقي فمنذ السبعينيات ونحن نعيش هذه الظاهرة والتي نضرب لها بعض الأمثلة فقط للتذكير والتنبيه:

0 أحداث العنف في أسيوط على يد الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد.
0 أحداث العنف الطائفي في الصعيد والوجه البحري(الزاوية الحمراء، الكشح،الإسكندرية,...,........,.........,.......).
0
وحادث المنصة الذي أودى بحياة أنور السادات، محاولات الاغتيال السياسي المتكررة(الصحفي مكرم محمد أحمد، وزير الإعلام صفوت الشريف، وزير الداخلية حسن الألفي، رئيس الوزراء عاطف صدقي، رئيس الجمهورية حسنى مبارك).
0
وحادث الأقصر.
0 وحادث ميدان التحرير.
0 وحادث الأزهر.
0 وحادث ميدان عبد المنعم رياض.
0 وحادث ميدان السيدة عائشة ومظاهرات الغضب المتكررة في الكاتدرائية بالعباسية، والغضب الصامت أو الظاهر على الجانب الآخر، وبين كل هذا مئات من الأحداث العنيفة.

وهذه الزيادة في الكم والكيف تدل على وجود العديد من عوامل الخطورة الكامنة, والتي تحتاج لحلول حقيقية, وليست حلول اسمية أو شكلية، فقد أصبح في مصر للأسف الشديد خبراء في إعطاء الشكل دون المضمون، وإعطاء الاسم دون المحتوى، وممارسة خداع الذات والآخر طول الوقت.

0 وإذا أضفنا إلى هذه الأحداث الجماعية أحداث العنف الفردي المروعة والمبالغة في القسوة، مثل الأب الذي قتل بناته الخمسة ونجت منه السادسة لأسباب خارجة عن إرادته، والأم التي قتلت ابنها المدمن حتى تستريح من مشاكله، والعاطلين الذين اغتصبوا فتاة في ميدان العتبة على مرأى ومسمع من الناس وفي وضح النهار دون أن يتحرك منهم أحدـ والطلبة الذين سرقوا شقة زميلهم ثم أشعلوا النار فيه وفي صديقه، كلها أحداث تنبئ عن كم هائل من الغضب المتراكم والخطر.

0 ومما يؤكد خطورة الموقف ذلك التكرار القريب لأحداث العنف الطائفي بالذات في الشهور القليلة الأخيرةـ فمثلا حادث وفاء قسطنطين تبعه بعد فترة قصيرة حادث ماري عبد الله ثم كنيسة الفيوم ثم حادث كنيسة ماري جرجس بمحرم بك بالإسكندرية، ومن الواضح أن هناك شحنات غضب هائلة قابلة للزيادة والاشتعال، وإنه لمن الخيانة لهذا الوطن أن لا نراها على حقيقتها، أو نركن إلى تماسك نسيج الشعب المصري عبر العصور، فهذا وهم آخر حيث تغيرت الظروف والحسابات، والمصالح، وأصبحت هناك أطراف محلية وعالمية تدفع بالأمور إلى الحافة بغية إعادة ترتيب المنطقة وفق أولوياتها مستندة في ذلك إلى الظروف الدولية غير المواتية لمصر والعالم العربي، ومستغلة أطماعا شخصية في البقاء أو الاستمرار.

وللحديث بقية............
اقرأ أيضا:

أزمة النمو في شعر عبد الرحمن الأبنودي(7) /الحالة النفسية للطفل مجهول النسب / قادة العالم واضطرابات الشخصية(2) / سيكولوجية الرجل / الزوج المسافر(4) / الشخبطة السياسية / ضرب الزوجات للأزواج( العنف العكسي ) / فن اختيار شريك الحياة (5) / العلاقة الحميمة بين الجسد والروح (4) / ستار أكاديمي.. وإزاحة الستر / الدلالات النفسية لزواج الأمير تشارلز من عشيقته / الجوانب النفسية للعقم عند النساء / السادو- ماسوشية (sado-masochism) / جيل الماوس والموبايل والريموت كونترول / سيكولوجية الاستبداد (الأخير)
الدردشة الالكترونية وحوار الأعماق





الكاتب: د.محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 22/02/2006