إغلاق
 

Bookmark and Share

كل أزمة وأنتم بخير ::

الكاتب: د.مجدي سعيد
نشرت على الموقع بتاريخ: 16/04/2006


لم يكن في نيتي وأنا أبحث وراء تسلسل الأحداث من خلال تتبع التقارير الإخبارية التي تناولت أزمة الرسوم المسيئة للرسول الخوض في هذا الموضوع الذي كثر فيه القيل والقال، كان المستهدف فقط أن أضع ثبتا بأهم الأحداث الرئيسية في الأزمة التي أثارها نشر الرسوم المسيئة للرسول، وذلك لغرض من أغراض العمل، واستغرق الأمر مني ست ساعات وأنا أجلس لألم شعث الأخبار وأرتبها وأنظر فيها وأختصرها إلى أن اكتملت الصورة أمامي وبعد أن كنت أنتوي وضعها في إطار تسلسل تاريخي عادي رأيت الصورة وقد تراصت أجزاؤها جنبا إلى جنب تدفعني دفعا إلى التعامل معها على أنها أشبه بمباراة في تنس الطاولة، كرة تضرب من هنا.. فترد من هناك، أو تضرب من هناك فترد من هنا، أو تلعب من هنا أو هناك فلا تصد ولا ترد، وهكذا وضعت الأحداث في جدول أشبه بشطري طاولة التنس وجلست أتأمل فكان هذا المقال:

تريك.. إحماء قبل المباراة
قبل أن تبدأ المباراة رسميا بإطلاق الرسوم الكاريكاتورية يوم 20 سبتمبر 2005، بدأ الإحماء بعدد من حملات اليمين الدانمركي في وسائل الإعلام المختلفة طوال عام سبق كانت أشبه بكرات متتالية من لاعب واحد، وحينما حاول قادة الجالية في لقائهم برئيس الوزراء أن يطالبوا بقانون يكف تلك الحملات في إطار محاولاتهم لصد تلك الكرات، كانت تلك المطالبة هي إشارة بدء المباراة.
 
الأمر إذا كان مشحونا بالتحفز الذي ربما يبرره ترسب صورة ذهنية سلبية للمسلمين ارتسمت في عقول أطراف في الإعلام الدانمركي، وقد عبروا عنها بشكل فج أكثر من مرة. أسباب تكوًن تلك الصورة قد تكون متجذرة في العقلية والثقافة الغربية من خلال رواسب تاريخية طويلة من العلاقة بين الإسلام الشرقي والمسيحية الغربية، لكنها أيضا قد تكون مرتبطة بما تحاول أن تروج له بعض وسائل الإعلام وبعض الأنظمة في الغرب وتساهم فيه بعض التصرفات المنسوبة للمسلمين والتي تكرس الاقتران بين صورة المسلم وصورة الإرهابي أو على الأقل تضع المسلم موضع شك واتهام حتى يثبت العكس، ويبدو أن الحكومة الدانمركية الحالية هي أحد تلك الأنظمة التي ترتاب وتشك، وهو ما يفسر موقفها السلبي من تلك الحملات.

تراك.. حملة راكبي الأمواج
على الجانب الآخر من الملعب يبدو بصورة لا لبس فيها تحمس مبالغ فيه، أو على الأقل غير معتاد من قبل بعض الأنظمة العربية والتي يأتي على رأسها النظام المصري إضافة إلى النظامين السعودي والليبي، وهي الحماسة التي انعكست في اهتمام دبلوماسي مبكر عبر عنه نائب السفير المصري في الدانمرك، ثم تجلى في نشاط تلك الأنظمة لركوب موجة الغضب الشعبي من خلال إثارة الأمر في اجتماعات وزراء الخارجية.. والداخلية (لا أعرف لماءا الداخلية) وكذا اجتماعات المنظمات الإقليمية والدولية، وساهم في "تصعيد" حملة الركوب تلك دخول مؤسسات الإسلام الرسمي (الأزهر والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية والإفتاء السعودي) على الخط بجرأة غير معهودة (تجلت في قيادة مظاهرات (يا سلام!!) أو تأكيد دعوات للمقاطعة)، وهي الحماسة التي وإن كان لها أسبابها ودوافعها الداخلية لدى كل نظام، إلا أنها صبت في مصلحة قدرة الجماهير الغاضبة على إحراز "جملة من النقاط" في جولة المقاطعة، وهي النقاط التي بات على الجانب الغربي السعي الحثيث من أجل صدها أو ردها.

تراك
.. تصعيد ولكن هل من محصلة؟
الغضب الذي طال العالم الإسلامي شرقه وغربه ماذا أسفر عنه من إحراز نقاط، وماذا أخفق فيه؟ تلك هي الأسئلة. يمكننا أن نقول أن تحرك الجالية المسلمة واتصالها بالدبلوماسيين العرب والمسلمين، والذي كان للبعض منهم مصلحة في استثماره، وموجة الغضب العارمة التي اجتاحت العالم العربي، والتحامها مع بعض الأنظمة والقطاع الخاص في حملة لمقاطعة البضائع الدانمركية أثمر عن إحراز نقاط من خلال الضغط على العصب الحساس للغرب، مما دفعه إلى التحرك لإزالة الألم، ولكن السؤال يبقى: ماذا كان الهدف النهائي للتحرك هل هو مجرد الاعتذار؟ أم أن يتوجع الغرب من الخسائر الاقتصادية الناجمة عن المقاطعة؟

إن كان هذا أو ذاك فهو هدف قريب سرعان ما يزول أثره عندما تعود الأوضاع إلى طبيعتها، أما إن كان الهدف هو تعديل الأوضاع القانونية بما يمنع من مثل تلك الحملات التي تحض على الكراهية والازدراء بالعرب والمسلمين، فهو ما لم يتحقق حتى الآن، ويبدو أن أنفاس المسلمين قد قصرت في المباراة عن السعي لتحقيقه، فالمتأمل لسير المباراة يرى في البداية ردود أفعال متوالية من قبل المسلمين ثم هدوء وانقطاع أنفاس، أما على الجانب الغربي فيمكننا أن نرى ردود أفعال غير مبالية ومتعجرفة في البداية ثم تحركات متصاعدة ومتسعة بعد الضغط على العصب الحساس، وهو ما هدأت معه حماسة رد الفعل الإسلامي والذي يبدو أنه قد استكان لإحرازه نقاط في جولة المقاطعة.

تريك: حملة امتصاص الغضب
المتأمل لسير المباراة كما قلت يلمح دون صعوبة حركة متأخرة، لكنها متصاعدة وواعية في آن من قبل الغرب لرفع الضغط عن العصب، وامتصاص حالة الغضب المتأججة في العالم الإسلامي لكن دونما إحراز تقدم حقيقي في سبيل توفير الحماية القانونية للمسلمين في الغرب من حملات الكراهية والعنصرية تلك، فلا زال قادة الغرب جميعا يرون في الأمر حرية في التعبير ويرون في عكسه تقييدا لها، وتدليلا للأقلية المسلمة لا تستحق التمتع به، بينما في المقابل ركزت الأصوات العقلانية والرشيدة في العالم الإسلامي على مسألة التعريف بالرسول حماية للغرب من غواية الجهل، وهو ربما في بعض الأحيان ليس بجاهل.. بل متجاهل، دون استثمار لسخونة الأجواء بعد النصر الذي أحرز في جولة المقاطعة من أجل تحقيق الهدف الذي يبدو أنه ليس وراءه مطالب، بعد أن استنفذت الأنظمة أغراضها من ركوب الموجة. ومن ثم فقد عادت الأوضاع إلى المربع "صفر" مرة أخرى، وبات علينا أن ننتظر إهانة أخرى.. كل أزمة وأنتم بخير.

تريك تراك.. الحوار بين الاضطرار والاستمرار
يبقى أن نقول إن الدعوة للحوار والتفاهم التي تصاعدت هنا وهناك هو أمر لم نكن بحاجة إلى أزمة لكي نشعر بإلحاحه خاصة مع كثرة الملفات المفتوحة بين عالم الغرب وعالم العرب والمسلمين منذ 11 سبتمبر على وجه الخصوص، أما وقد حدثت فقد أصبح من الضرورة وضع آلية بل آليات متعددة ومتنوعة لاستمراره، ووضع الشروط المناسبة لإجرائه في جو صحي بما يضمن تحقيق التعارف والتفاهم بين الطرفين، وليس بما يحقق مصالح أو يدرأ مفاسد عن طرف أنشط في المبادرة (وهو الطرف الغربي كالمعتاد) على حساب الطرف الآخر، ومن الضرورة بمكان أيضا وضع أجندات حقيقية للحوار في إطار من المصارحة والمكاشفة بدلا من حوارات التبسم الدبلوماسي، و"تبويس" اللحى بين القساوسة والشيوخ، أو الحوارات التي يمثل فيها المسلمين أطراف لا تسعى إلا إلى استثمار سيل التمويل الغربي المنصب في خانة الحوارات أو التسابق من أجل السفر في موجة التبادلات الشبابية لا لشيء إلا لغرض السفر، فمصالح الأمة أثمن من هذه الفتات الذي يتقاتل عليه سفهاؤها.

اقرأ أيضا:
إطلالة على الإسلام والمسلمين في أمريكا / شذرات على هامش الرحلة الأمريكية / تعليم المقاومة..عبرة الماضي وآفاق المستقبل / التوصيف والتوثيق..ألف باء النهضة /  داغستان..سطور من دفتر الحالة الإسلامية / اسطنبول..وجه تركيا السياحي والإسلامي / العدالة الاجتماعية بين منهجين: خيري وثوري / الأسس الغائبة عن مطالب الإصلاح / صناعة الحياة..أطر لتحديد الرؤية / روسيا 93..أعراض ما بعد الانهيار / القرآن والعلوم العصرية ومنهجي الإعجاز والإيقاظ / ثورة الأخلاق الاجتماعية..تجربة ونظرات / أمتنا يا ألف سفينة بتنخرم / استحضار النية في دراسة اللغات الأجنبية / استحضار النية في دراسة اللغات الأجنبية / الحصانة الفكرية بين المناعة والمنع.  

 


 



الكاتب: د.مجدي سعيد
نشرت على الموقع بتاريخ: 16/04/2006