إغلاق
 

Bookmark and Share

طريق يشوع: من غزة إلى بيروت ::

الكاتب: د.محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 05/08/2006

إن علماء النفس (والتحليليين منهم على وجه الخصوص) يقرون بأن غريزة العدوان هي إحدى الغرائز الأساسية في النفس البشرية ولكن الإنسان يتعلم كيف يهذب هذه الغريزة ويتسامى بها كي لا تدمره أو تدمر غيره، ولكي يسخرها في خدمة أهداف الحياة. أما إذا زادت هذه الغريزة وطغت وخرجت من عقالها فإنها تصبح حالة مرضية تدمر صاحبها وتدمر من حوله وتصبح خطراً على الحياة.

والمتأمل للسلوك الصهيوني يلمح بسهولة أن غريزة العدوان تبدو متضخمة وطاغية إلى حد التدمير والإبادة على المستويين الرسمي والشعبي (82% من الشعب الإسرائيلي يؤيدون الحرب الدائرة حاليا على لبنان), فهذا الكيان الصهيوني يمتلك حتى الآن على الأقل مائتي رأس نووية يهدد بها من حوله، ويحرص على امتلاك كل أنواع الأسلحة المتقدمة ليتفوق بها على جيرانه، وهو يعيش طول الوقت بمنطق القوة والسيطرة، ويمارس الاستعمار (المسمى خطأ بالاستيطان)، ويبيد القرى ويحاول تغيير الجغرافيا وتحريف التاريخ.

والسلوك العدواني الصهيوني يجرح الضمير الإنساني كل يوم على شاشات التليفزيون (وإن كنت أشك في بقاء هذا الضمير بعد هذا السكوت المتواطئ من الجميع على تدمير فلسطين ولبنان)، فقد رأينا الطفل محمد الدره وهو يقتل في حضن أبيه لحظة بلحظة برصاص الجنود الإسرائيليين، وهم يتلذذون بمنظر الرعب على وجه الطفل وأبيه لمدة ساعة أو أكثر ولا يستريحون إلا حين يلفظ الطفل أنفاسه الأخيرة ويسقط في حجر أبيه واضعاً يده الصغيرة فوق وجهه وكأنه لم يعد يحتمل رؤية كل هذا الرعب الوحشي من هؤلاء الجنود.

ويتكرر هذا السلوك حين يقف مجموعة من الجنود الإسرائيليون ويطلقون الرصاص على عامل نظافة فلسطيني حتى تنقطع رجله اليمنى بفعل غزارة الرصاص وهو يصرخ حاملاً رجله المقطوعة، ثم يمضي هؤلاء الجنود (الوحوش) في طريقهم وكأنهم لم يفعلوا شيئاً يستحق الاهتمام. ويتكرر المشهد حين يقتلون طفلاً عمره سنة ونصف وهو في حضن أمه، وتبلغ الوحشية قمتها بقتل الرضيعة "إيمان حجو" ذات الأربعة شهور بقذيفة اخترقت بطنها وأخرجت أحشاءها (رأيت هذا المشهد بعد ذلك عشرات المرات في الغارات المتكررة والدائمة على غزة ولبنان). ويتكرر مرة أخرى حين يقتل أحد المستوطنين طفلاً فلسطينياً في العاشرة من عمره، وهذه المرة لم يرحمه ويقتله برصاصة وإنما دهسه بقدميه حتى مات، والغريب أن المحكمة حكمت على هذا المستوطن بستة شهور ليس سجناً وإنما "خدمة عامة".

وحين قتل "باروخ جولدشتين" الفلسطينيين وهم يصلون في الحرم الإبراهيمي ثم هلك بعد ذلك, شيعه الإسرائيليون في جنازة مهيبة على أنه بطل قومي يعبر عن أمانيهم وأحلامهم.
ويقفز إلى الوعي العربي (إن كان ثمة وعي) قصة القتل الجماعي للأسرى المصريين في سيناء بلا رحمة، وقصة إبادة القرى الفلسطينية، والقصف اليومي للقرى والمدن اللبنانية، ومذبحة قانا، وإبادة المدنيين اللبنانيين الذين ذهبوا ليحتموا بقوة الأمم المتحدة وبالخنادق، ومذبحة أطفال مدرسة بحر البقر، وقتل المدنيين بالآلاف في دير ياسين وهم نائمون، وذبح سكان صابرا وشاتيلا العزّل, وغيرها كثير كثير.

وتتجدد هذه المشاهد هذه الأيام في تدمير جماعي وحشي لغزة ولبنان لا يفرق بين كبير وصغير أو بين مقاوم ومدني ولا يعفي حتى مباني ومؤسسات الأمم المتحدة أو وكالات الإغاثة (وسط تآمر وتواطؤ عربي ودولي ليس له مثيل).

هذا السلوك العدواني وهذا القتل الجماعي وهذه الإبادة الوحشية المستمرة حتى هذه اللحظة لا نكاد نجد في أحداث الصراع ما يبررها .. فماذا يا ترى يكون الدافع إليها؟!.
أذكر أنني حين كنت أعد كتابي عن "سيكولوجية الصهيونية" عام 2001م, نصحني أحد الباحثين أن أقرأ التوراة ففعلت ذلك رغم أنه كلفني وقتا وجهدا كبيرا, وقد اكتشفت أنه لا يمكن فهم التركيبة النفسية للإسرائيليين وفهم السياسة العدوانية للمشروع الصهيوني الإسرائيلي دون العودة إلى المرجعية الأساسية الكامنة وراء هذا السلوك (ليس فقط لدى المتدينين بل حتى لدى العلمانيين منهم) والتي تشكل اللاوعي الجمعي للمجتمع الإسرائيلي، فمن خلال هذه المرجعية فقط نستطيع قراءة الماضي وفهم الحاضر والتنبؤ بالمستقبل.

وبما أننا لسنا بصدد استقراء ديني وتاريخي مفصل لليهود والصهاينة، وإنما نحن بصدد استقراء للتركيبة النفسية لهؤلاء الناس، فإننا نكتفي بنقل نصوص قليلة من التوراة وخاصة من سفر يشوع الذي يشكل إلى حد كبير السلوك السياسي والعسكري للمشروع الصهيوني, وإنني أتساءل ببراءة هل قرأ المفاوضون العرب هذه النصوص وهم يعقدون الاتفاقيات (التي لم تنفذ أي منها) مع الإسرائيليين؟؟!!, وإذا كانوا قد قرأوها فهل فهموها أو أخذوها مأخذ الجد؟؟!!.

ويشوع هو خادم موسى وخليفته، وهو البطل اليهودي الذي نفذ المشروع اليهودي على أرض الواقع كما يصور ذلك النص التوراتي التالي:
"وكان بعد موت موسى عبد الرب أن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلاً: موسى عبد قد مات . فالآن قم واعبر هذا الأردن أنت وكل الشعب إلى الأرض التي أنا معطيها لكم أي لبني إسرائيل-. كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته، كما كلمت موسى. من البرية ولبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات، جميع أرض الحيثيين، وإلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم.

لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك.. تشدد وتشجع، لأنك أنت تقسم لهذا الشعب الأرض التي حلفت لآبائهم أن أعطيهم. إنما كن متشدداً، وتشجع جداً لكي تتحفظ للعمل حسب كل الشريعة التي أمرك بها موسى عبدي. لا تمل عنها يميناً ولا شمالاً لكي تفلح حيثما تذهب. لا يبرح سفر هذه الشريعة من فمك، بل تلهج فيه نهاراً وليلاً، لكي تتحفظ للعمل حسب كل ما هو مكتوب فيه.. أما أمرتك؟ تشدد وتشجع! لا ترهب ولا ترتعب لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب" (سفر يشوع، فصل1, الكتاب المقدس, العهد القديم: دار الكتاب المقدس بمصر, الإصدار الثالث 2001, الطبعة الأولى, القاهرة).

وواضح أن هذه الأحداث المذكورة في هذا النص قد حدثت بعد وفاة موسى، ولا ندري كيف كلم الرب يشوع بن نون، هل كلمه في الحلم، أم أوحى إليه في اليقظة ولم يثبت بدليل أنه نبي أو رسول ؟! كل هذه تساؤلات تضعنا أمام قضية هامة، وهي أن هذا النص لم يرد على لسان موسى النبي، وإنما ورد على لسان شخص عادي يعتبره اليهود بطلاً شعبياً وهو يشوع وعلى الرغم من ذلك نجد أن اليهود يقدسون هذا النص ويتتبعون طريقه كما سوف نرى ولو عرفنا أن نصوص التوراة قد كتبت بعد وفاة موسى بمئات السنين وانتقلت عبر هذه السنين مشافهة فلنا أن نتساءل عن دقة النقل وتأثره بالظروف الإنسانية والتاريخية.

وواضح من النص أن الرب يأمر يشوع بأن يتشدد ويتشجع وقد كرر هذا الأمر ثلاث مرات (وربما يفسر لنا هذا تشدد المفاوض الإسرائيلي المعاصر وتشجعه على المطالبة بما ليس له)."فأرسل يشوع بن نون من شطيم رجلين جاسوسين سراً، قائلاً: اذهبا انظرا الأرض وأريحا . فذهبا ودخلا بيت امرأة زانية اسمها راحاب واضطجعا هناك". (سفر يشوع ، فصل 2).

نلاحظ في هذا النص أن رسولا يشوع اختارا من بين كل الأماكن بيت امرأة زانية، وقد تكرر هذا الاختيار أيضاً في قصة شمشون حين نزل غزة فاختار أن يبيت عند امرأة زانية، فيا ترى ما سر هذا الإصرار على اختيار بيوت الزانيات كي ينزل فيها أبطال اليهود؟!... وهل هذا الاختيار التاريخي القديم يفسر لنا استعانة اليهود بنساء الليل والغانيات في أنشطتهم الاستخباراتية (مونيكا أيضاً كانت فتاة يهودية سلطتها أحد الجماعات لتغوي كلينتون رئيس أكبر دولة). وقد حدث التعاون بين المرأة الزانية وجواسيس يشوع، حين دخل يشوع مدينة أريحا أبادها عن آخرها، ولم يبق فيها إلا الزانية وأسرتها..!! والسبب ليس فقط أن هذه الزانية خبأت الجاسوسين وإنما نبأتهما بنبوءة هامة نقلاها إلى يشوع بعد ذلك:

"وأما هما فقبل أن يضطجعا، صعدت إليهما إلى السطح وقالت للرجلين: علمت أن الرب قد أعطاكم الأرض، وأن رعبكم قد وقع علينا، وأن جميع سكان الأرض ذابوا من أجلكم" ( سفر يشوع، فصل2 وهكذا تأتي النبوءات إلى يشوع على لسان زانية فيتحرك استجابة لها:

"فبكر يشوع في الغد وارتحلوا من شطيم وأتوا إلى الأردن هو وكل بني إسرائيل" (سفر يشوع فصل2ثم دخل يشوع أريحا ومارس بأمر الرب كل ما سنراه في النص التالي:
"وحرموا (أي قتلوا) كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف... وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها، إنما الفضة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة الرب. واستحيا يشوع راحاب الزانية وبيت أبيها وكل ما لها وسكنت في وسط اسرائيل إلى هذا اليوم، لأنها خبأت المرسلين اللذين أرسلهما يشوع لكي يتجسسا على أريحا.. وكان الرب مع يشوع وكان خبره في جميع الأرض" (سفر يشوع فصل 6).

وأرسل يشوع ثلاثة آلاف رجل إلى "عاي" ليبيدوها ولكن أهل "عاي" هزموهم وقتلوا منهم ستة وثلاثين رجلاً. "فقال الرب ليشوع: لا تخف ولا ترتعب. خذ معك جميع رجال الحرب، وقم اصعد إلى عاي. انظر قد دفعت بيدك ملك عاي وشعبه ومدينته وأرضه، فتفعل بعاي وملكها كما فعلت بأريحا وملكها. غير أن غنيمتها وبهائمها تنهبونها لنفوسكم.. ودخلوا المدينة وأخذوها، وأسرعوا وأحرقوا المدينة بالنار.

فالتفت رجال عاي إلى ورائهم ونظروا وإذا دخان المدينة قد صعد إلى السماء. فلم يكن لهم مكان للهرب هنا أو هناك... ولما رأى يشوع وجميع إسرائيل أن الكمين قد أخذ المدينة وأن دخان المدينة قد صعد، انثنوا وضربوا رجال عاي، وهؤلاء خرجوا من المدينة للقائهم فكانوا في وسط إسرائيل، هؤلائ من هنا وأولئك من هناك. وضربوهم حتى لم يبق منهم شارد ولا منفلت. وأما ملك عاي فأمسكوه حياً وتقدموا به إلى يشوع وكان لما انتهى إسرائيل من قتل جميع سكان عاي في الحقل في البرية حيث لحقوهم وسقطوا جميعاًَ بحد السيف حتى فنوا، أن جميع إسرائيل رجع إلى عاي وضربوها بحد السيف. فكان جميعه الذي سقطوا في ذلك اليوم من رجال ونساء أثني عشر ألفاً، جميع أهل عاي.

ويشوع لم يرد يده التي مدها بالمزراق حتى حرم (أي قتل) جميع سكان عاي. لكن البهائم وغنيمة تلك المدينة نهبها إسرائيل لأنفسهم حسب قول الرب الذي أمر به يشوع. وأحرق يشوع عاي وجعلها تلاً أبديأ خراباً إلى هذا اليوم. وملك عاي علقة على الخشبة إلى وقت المساء، وعند غروب الشمس أمر يشوع فأنزلوا جثته عن الخشبة وطرحوها عند مدخل باب المدينة، وأقاموا عليها رجمة حجارة عظيمة إلى هذا اليوم "(سفر يشوع فصل 8).

هل يستطيع خيال القارئ استيعاب كل هذا العنف وهذا الدمار وهذا الحرق وهذه الإبادة؟؟.. هل يستطيع تصور موت أثنا عشر ألفاً هم كل أهل عاي رجالاً ونساءً في يوم واحد؟.. هل يستطيع تصور حجم أشلائهم وهل يستطيع تصور كمية الدماء المراقة في هذا المكان..؟! وهل يستطيع تصور حجم الغضب والعدوان الكامن في صدور من فعلوا كل هذا؟!.. وهل يستطيع أن يصدق أن كل هذه الوحشية قد تمت بأمر من الرب؟!.

"أخبر عبيدك إخباراً بما أمر به الرب إلهك موسى عبده أن يعطيكم كل الأرض، ويبيد جميع سكان الأرض من أمامكم" (سفر يشوع فصل 9). وأثناء اجتياح يشوع الدامي للضفة الغربية هرب خمسة ملوك واختبئوا في مغارة في موقع يسمى مقيدة.

"فقال يشوع افتحوا فم المغارة وأخرجوا إلى هؤلاء الخمسة الملوك من المغارة ففعلوا كذلك وأخرجوا إليه أولئك الملوك الخمسة من المغارة: ملك أورشليم، وملك حبرون، وملك يرموت، وملك لخيش، وملك عجلون. وكان لما أخرجوا أولئك الملوك إلى يشوع أن يشوع دعا كل رجال إسرائيل، وقال لقواد رجال الحرب الذين ساروا معه: تقدموا وضعوا أرجلكم على أعناق هؤلاء الملوك، فتقدموا ووضعوا أرجلهم على أعناقهم.

فقال لهم يشوع: لا تخافوا ولا ترتعبوا. تشددوا وتشجعوا. لأنه هكذا يفعل الرب بجميع أعدائكم الذين تحاربونهم. وضربهم يشوع بعد ذلك وقتلهم وعلقهم على خمس خشب، وبقوا معلقين على الخشب حتى المساء... وأخذ يشوع مقيدة في ذلك اليوم وضربها بحد السيف، وحرّم ملكها (أي قتله) هو وكل نفس بها. فلم يبق شارداً. وفعل بملك مقيدة كما فعل بملك أريحا"( سفر يشوع فصل10).

نلاحظ في النص السابق الرغبة الشديدة في القتل وإلا كان بإمكانه أسر الملوك الخمسة، وليس فقط القتل بل الصلب على الخشب. ويعيد يشوع على شعبه الأمر الذي جاءه من الرب: تشددوا وتشجعوا، وكأنه خشي أن يخالط قلوبهم بعض الشفقة أو الرحمة بالأعداء، فاستنفر فيهم مزيداً من العدوان الذي سيحتاجونه في مزيد من الإبادة كما سنرى في النص التالي:

"ثم اجتاز يشوع من مقيدة وكل اسرائيل معه إلى لبنه وحارب لبنه . فدفعها الرب هي أيضاً بيد إسرائيل مع ملكها، فضربها بحد السيف كل نفس بها. فلم يبق بها شارداً، وفعل بملكها كما فعل بملك أريحا. ثم اجتاز يشوع وكل اسرائيل معه من لبنة إلى لخيش ونزل عليها وحاربها. فدفع الرب لخيش بيد إسرائيل فأخذها في اليوم الثاني وضربها بحد السيف وكل نفس بها حسب كل ما فعل بلبنة.

حينئذ صعد هورام ملك جازر لإعانة لخيش، وضربه يشوع مع شعبه حتى لم يبق شارداً. ثم اجتاز يشوع وكل اسرائيل معه من لخيش إلى عجلون فنزلوا عليها وحاربوها، وأخذوها في ذلك اليوم وضربوها بحد السيف، وحرّم (أي قتل) كل نفس بها في ذلك اليوم حسب كل ما فعل بلخيش. ثم صعد يشوع وجميع إسرائيل معه من عجلون إلى حبرون وحاربوها، وأخذوها وضربوها بحد السيف مع ملكها وكل مدنها وكل نفس بها.

فلم يبق شارداً حسب ما فعل بعجلون، فحرّمها وكل نفس بها . ثم رجع يشوع وكل إسرائيل معه إلى دبير وحاربها، وأخذها مع ملكها وكل مدنها، وضربوها بحد السيف وحرّموا كل نفس بها. لم يبق شارداً، كما فعل بحبرون كذلك فعل بدبير ملكها، وكما فعل بلبنة وملكها. فضرب يشوع كل أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح وكل ملوكها. لم يبق شارداً، بل حرم كل نسمة كما أمر الرب إله إسرائيل. فضربهم يشوع من قادش برنيع إلى غزة وجميع أرض جوشن إلى جبعون. وأخذ يشوع جميع أولئك الملوك وأرضهم دفعة واحدة. لأن الرب إله إسرائيل حارب عن إسرائيل. ثم رجع يشوع وجميع إسرائيل معه إلى المحله إلى الجلجال"( سفر يشوع فصل10).

هذا عن طريق يشوع الكامن في وعي إسرائيل يبحث عن الفرصة للخروج إلى حيز التنفيذ، وربما لا يحتمل بعض المتطرفين التأجيل فنرى ذلك المستوطن الذي يقتل الطفل الفلسطيني بأن يدهس رقبته وكأنه يتذكر أمر يشوع لرجاله بان يدوسوا رقاب ملوك فلسطين حتى الموت، وهذا المتطرف الذي يحرق منزلاً أو مسجداً يستدعي بذلك إحراق مدن فلسطين على أهلها بواسطة يشوع ورجاله وهم يفعلون ذلك بأمر الرب (كما يدّعون)، لذلك فقتل الفلسطينيين أو اللبنانيين عبادة لديهم وإحراق مدنهم إحياء لسنة توراتية، والإبادة الجماعية التي لا تترك شارداً أو نسمة هي استجابة لروح يشوع، وأن التشدد في المفاوضات هو تنفيذ لأمر الرب ليشوع بأن يتشدد.

فأي مصير يواجه الفلسطينيين واللبنانيين، بل يواجه العالم كله من هذه التركيبة النفسية التي بنيت على أساطير تخطت عدوانيتها كل الحدود التي عرفها البشر قديماً وحديثاً. وإذا لم يكن هذا السلوك العدواني الجماعي الذي يسحق الحياة مرضاً، فماذا يكون المرض إذن؟!



الكاتب: د.محمد المهدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 05/08/2006