إغلاق
 

Bookmark and Share

حوار مع السيد العلامة: محمد حسين فضل الله ::

الكاتب: د. خليل فاضل
نشرت على الموقع بتاريخ: 19/07/2006

من أرشيف مستشاري مجانين
حوار مع السيد العلامة: محمد حسين فضل الله
أجراه في بيروت الدكتور خليل فاضل
أكتوبر ـ تشرين الأول 1998

"
إنني أتصور أن بعض الناس، ولاسيما المسيحيين يعيشون في لبنان عقدة الإسلام"؛ سماحة السيد
محمد حسين فضل الله
:

سؤال:
إن الصحوة الإسلامية في المنطقة العربية وبالتحديد في لبنان حققت الكثير في مقابل فشل الخطاب العلماني، وبعض الخطابات الأخرى ، وهناك من يرى أن هذه الصحوة قد حققت الكثير في البنية التحتية والاجتماعية في المجتمع اللبناني تحديدا وبسرعة فيرى أنه ستكون هناك انتكاسة سريعة وأيضا فأن الطوائف الأخرى ( غم أنني علمت أن علاقات المسلمون وبالتحديد بالتحديد جنوب لبنان بالطوائف الأخرى جيدة ) يخافون يعتقدون أن ما يسميه بعض الكتاب بدولة حزب الله (أو الدولة الإسلامية)، ستكون على حساب أشياء كثيرة من حقوقهم كموطنين لبنانيين .

سماحة السيد محمد حسين فضل الله:
إنني أتصور أن الصحوة الإسلامية، ولاسيما بالمنطقة العربية، لم تكن مفاجأة، لأن الإسلام قد بدأ يتحرك في وعي الشخصيات المثقفة المنفتحة على الواقع، منذ سقوط الخلافة العثمانية وانفتاح الشرق على أوربا، مما جعل أوربا تتخذ لنفسها في نظر الكثيرين بفعل الهزيمة صورة المثال، ولذلك بادر الكثير من علماء المسلمين في مقدمتهم -محمد عبده- وجمال الدين الأفغاني -امتدادا إلى بعض تأثيراتهم على الأشخاص الذين تأثروا بهم أمثال: حسن أبنا وغيره، بدءوا يحاولون أن يلجموا هذا الانهيار في الواقع الإسلامي تحت تأثير الثقافة الأوربية، فتحركت بعض المدارس التوفيقية. بين ما هو الإسلام وبين ما هي أوربا، وبدأت هناك عملية الاستفادة من الأساليب الغربية في تحليل وفي النقد، وما إلى ذلك تأخذ مجالها في العالم الإسلامي، مما أعاد شيئا من ثقة المسلمين بالإسلام وطبيعته الحركية بما يمثل السواقي التي تتحرك هنا وهناك في انتظار المناسبة أو الفرصة التي يمكن أن تتحول فيها إلى نهر كبير.

وقد كانت الصدمات التي عاشها العالم الإسلامي منذ الأربعينات وحتى الآن وفي مقدمتها صوت إسرائيل في فلسطين وتحرك الواقع العربي بداية وربما تبعه بعض الواقع الإسلامي في تحريك كل التيارات الفكرية، الغربية، القومية، والماركسية، والاشتراكية، وما إلى ذلك من الخطوط الفكرية، كالوجودية وأمثالها، والعلمانية بشكل عام وبدأت تقتحم الساحة بصورة سياسية من جهة، وفكرية من جهة أخرى، وقد كانت الحركة الإسلامية آنذاك في الخمسينات والستينات والسبعينات كانت بعيدة عن الواجهة، وربما كانت تعيش بعض النشاط الهادئ الذي يصطدم بالجو القومي والذي اختلط بالجو الماركسي والاشتراكي في عملية فوضى فكرية حتى إذا لم تستطع هذه التيارات أن تحقق شيئا للقضية الفلسطينية التي هي القضية التي اختصرت التاريخ، تاريخ المنطقة السياسي، وربما اتهمت بسبب بعض النكسات بأنها هي التي كانت وراء الانهيار القومي، أو الانهيار للاشتراكي أو العلماني أو ما إلى ذلك.

وقد التقى هذا الواقع بالثورة الإسلامية في إيران التي استطاعت أن تهز العالم الإسلامي بل ربما نستطيع أن نقول بشيء من التحفظ بالعالم كله لأنها كانت تمثل الثورة التي أطلقت الإسلام في بعده السياسي، الذي أثبت فاعلية من خلال إسقاط الشاه الذي كان يمثل القاعدة القوية الأمريكية الغربية في المنطقة، ولاسيما أثناء الحرب الباردة مما جعل الجانب اليساري إذا ما صح التعبير يستفيد من هذه الثورة، ولكن بشيء من التحفظ مما ساعد على نمو هذه الثورة في أكثر من منطقة إسلامية.

وأعتقد أن كلمة الصحوة الإسلامية، بمعناها السياسي الحاد يمكن أن يجعل تأريخها يبدأ منذ تاريخها في فاعليتها الحركية منذ الثورة الإسلامية في إيران. ومن الطبيعي أن يتأثر لبنان بذلك، باعتبار أن لبنان هو البلد الذي تتنفس به مشاكل المنطقة. وهو البلد الذي تتحرك فيه الاختبارات بكل التيارات الموجودة بالمنطقة، باعتباره البلد الوحيد المفتوح على التيارات الفكرية والسياسية، وباعتباره البلد الذي أريد له أن تطبخ فيه الحلول للقضية الفلسطينية ، بتهيئة الأجواء التي تعقد الواقع الفلسطيني في الذهنية العربية، وتنتهي به إلى ما انتهى إليه الآن.

ومن الطبيعي أمام حركة الثورة الإسلامية في إيران، ووجود خميرة للتفكير الإسلامي الحركي في لبنان، واختلاط ما هو فكري بما هو سياسي. وطبيعة الإنسان اللبناني الذي يعيش السياسة كما هو خبزه وملحه يوميا. لذلك قد ساعدت هذه الجوانب في نشوء حركة إسلامية. ربما لم تكن واضحة عند نفسها في البداية. ولكنها كانت تتحرك باسم الإسلام ،وفي أجواء الثورة الإسلامية في إيران، وفي شعاراتها ولاسيما في الوسط الإسلامي الشيعي، الذي ربما عاش الكثير من البعد عن المواجهة، بفعل أكثر من تعقيد من تعقيدات الواقع العربي والإسلامي، وبهذا ربما يكون قد وجد نفسه في هذه البادرة. وقد سبق ذلك حركة السيد موسى الصدر التي أطلقت إسلاما منفتحا على الواقع اللبناني في الوقت الذي كان ينفتح فيه على واقع المنطقة.

إنني لا أعتقد أن الحركة الإسلامية نجحت بشكل سريع، بل إنها خاضت أكثر من عملية قيصرية، فهي في الوقت الذي كانت تحاول أن تبتعد عن كل الحروب الداخلية، أقحمت في حرب داخلية من أشرس الحروب في لبنان، وهي حربها مع فريقها، وهو في الساحة الإسلامية الشيعية، وهي حرب حركة أمل وحزب الله، ولاسيما في مناطق المقاومة التي كان حزب الله يحاول أن يعتبرها رسالته في هذا البلد، وأعتقد أن حزب الله (الحركة الإسلامية) أو الحالة الإسلامية كما كنت أسميها التي انفتحت على الواقع السياسي في لبنان ، وعلى الواقع الجهادى في خط هذا الواقع السياسي، بما تتمثل به المقاومة مبكرا.

أعتقد أنها قضت وقتا طويلا حتى التقت بالجانب السياسي في الساحة اللبنانية على مستوى الدخول في المجلس النيابي أو الدخول في تحالفات أو لقاءات مع التيارات العلمانية الأخرى. ولاسيما التيارات التي لم تفكر أي حركة إسلامية أن تلتقي بها، كالماركسية والقوميين والاشتراكيين الخ لذلك أنا أعتقد أن الحركة الإسلامية في لبنان وصلت إلى هذا المستوى من القوة بفعل معاناة كبيرة جدا، لم تعانيها أي حركة إسلامية، في مواجهتها للعدو الصهيوني، فقد قدمت مئات أو آلاف الشهداء في هذا المجال، ومازالت مستمرة بحيث استطاعت أن تصل إلى مستوى تحول فيه الاحتلال إلى مأزق عسكري أمني بالداخل.

هناك بمنطقة الاحتلال ومأزق سياسي في داخل فلسطين المحتلة كما أنها استطاعت أن تثبت وجودها في الساحة السياسية. من الطبيعي أن هناك ظروف دولية وإقليمية ساعدت الحركة الإسلامية على أن تستمر بالإضافة إلى جهدها الخاص، ومن الطبيعي أن الحركة الإسلامية إذا تمت مسألة التسوية لابد أن تصاب ببعض المشاكل والتعقيدات لأن واقع ما بعد التسوية في المنطقة كلها يختلف عن واقع ما قبل التسوية.

لكنني لا أتصور أن المسألة سوف تكون كما يطرحها السؤال، ربما تضعف بعض أوضاعها، لكنني أعتقد أنها متجذرة في الواقع الشعبي في لبنان، بما لا يسهل على أحد أن يلغيها أو يحجمها بشكل فوق العادة.

وهناك نقطة لابد أن نلحظها: أن الحركة الإسلامية في لبنان تختلف عن كل الحركات الإسلامية بواقعها السياسي وبأطروحتها الواقعية، وبانفتاحها على كل الساحة حتى أنها وهي التي كانت تتهم بأنها تريد تحويل لبنان إلى جمهورية إسلامية أعلنت أنها لا تفكر بذلك لأن هذا الطرح ليس واقعيا على المستوى الداخلي في لبنان وعلى المستوى الإقليمي والدولي ومن هنا فإن لها علاقات في أكثر من جانب. إنني أتصور أن الصحوة الإسلامية في لبنان، إذا أردنا أن نتحدث في تحديد، لم تكن بسرعة وسهولة، ولذلك من الصعب جدا أن تنتهي بسرعة أو سهولة.

سؤال:
التقيت ببعض المسيحيين من الشباب في الجامعة ، وهم يقولون ،مما أدهشني ، ويؤكد أن الحركة الإسلامية متجذرة في لبنان، أنه لا مجال لطرح سؤال أن الصحوة الإسلامية، أو التيار أو الاتجاه حسبما يقولون قد أصبح مسيطرا على الواقع اللبناني. ولكنهم يخشون من السيطرة السياسية بمعنى قيام دولة إسلامية في لبنان. ويرى البعض أنه الحركة الإسلامية والتيارات الدينية ستتعامل مع العبثية أو الفساد ( البارات أو السوبر نايت كلبS UPER NIGHT CLUBS) كما تتعامل مع الجزء المريض من الجسد .

سماحة السيد محمد حسين فضل الله:
إنني أتصور أن بعض الناس، ولاسيما المسيحيين يعيشون في لبنان عقدة الإسلام، فبغض النظر عما يمثله الخط الإسلامي، حتى لو كان يتمثل بالخط التقليدي الإسلامي العلماني التقليدي لان الطائفيين يضعون لافتة على كل طائفة بعنوانها الدينية حتى لو كان الخط الطائفي خط علماني فهناك مشكلة في لبنان هي شعور المسلمين بشخصياتهم الطائفية بمقابل شعور المسيحيين بهذه الشخصانية بطريقة مميزة قد يعطونها عنوان الضمانات وقد يعطونها عنوان الامتيازات لذلك أنا أتصور أن ما يتحدثون عنه من الخوف من الدولة الإسلامية ربما كان صحيحا في المطلق أما في الواقع فأنهم يعرفون كما نعرف أن مسألة الدولة الإسلامية بالمعنى الحركي ليست واقعية حتى بالمستقبل المنظور.

أولا: من جهة انه ليس كل الشعب اللبناني موافقا على ذلك حتى المسلمين.
ثانيا: إن طبيعة الواقع الدولي الذي صنع لبنان وهو واقع حديدي يتصل بأوضاع إقليمية ودولية لا يسمح بذلك ولا أظن أن الإسلاميين وهذا هو تعبير المسلمين الحركيين يفكرون بدولة إسلامية لأنهم لا يرونها واقعية، لذا فأنا لا أتصور أن هناك أي نوع من الخطر الذي يفكر به هؤلاء.

سؤال:

ذكرتم أن التصورات في المنطقة فالحملة على الإسلاميين في تركيا قامت على نحو حاد في أواخر الثمانينات فحاولت النخبة التركية كما في مصر والجزائر استغلال المخاوف الأمريكية مما يسمى الاحرابية الإسلامية ثم أتى أربكان ثم عزل مؤخرا فجرت قضية التحالف التركي ـ الأردني ـ الإسرائيلي ما هي وجهة نظركم في هذا الشأن وخاصة إن الأردن تعطي عمقا استراتيجيا لإسرائيل كما أن لبنان والمقاومة الإسلامية وسورية وإيران تتمتع بتناسق استراتيجي ترى أين هي الخطوط الحمراء .

سماحة السيد محمد حسين فضل الله:
المشكلة أن تركيا الدولة التي يعمل المسيطرون عليها على أن يجملوا حركة التاريخ وان يتنكروا لكل المتغيرات التي حدثت بالمنطقة فالعسكريون الأتراك وهم المسيطرون على ساحة الحكم في تركيا يعتبرون أنفسهم حماة العلمانية كما يعتبر القانون الإنكليزي الملكة حامية الأيمان .

ولذلك فأنهم في هذا التعصب الأعمى للعلمانية الذي نشأ من الخوف من الامتداد الإسلام في المنطقة يجعلهم ينكرون حتى لأبسط شروط العلمانية وهي الحريات لان العلمانية لا تلتزم الدين ولكنها لا ترفض الدين بمعنى حرية الناس في أديانهم أو حرية الناس حتى بالحركة للإسلامية على أساس دين، لذا فان الإسلاميين في تركيا كانت خطورتهم في نظر تركيا وحتى الأمريكيين والإسرائيليين انهم كانوا واقعيين معتدلين لا يتحركون بالعنف أقصى ما عندهم من عنف، يتظاهروا مما تسمح به الديمقراطية التي تدعي تركيا.

لذلك تعيش تركيا الآن حالة تتحرك في خطين:
الخط الأول : هو الاهتزاز الداخلي الذي يتمثل بالحركة الكردية (حزب العمال التركي) التي تريد أن تقسم تركيا والحركة الإسلامية التي يشهد الجميع إنها الأقوى في أي عملية انتخابات حتى بعد الضغط الذي عاشته من خلال سقوط أربكان هذا من جهة ومن جهة خارجية فأن تركيا التي ابتعدت عن الإسلام وعن المنطقة لتأخذ لنفسها الصفة الأوربية لم تقبلها أوربا حتى الآن تحت تأثير أي حجة من الحجج ولن تقبلها أوربا وهذا ما عبر عنه رئيس الجمهورية السابق ـ أوزال ـ عندما خاطبهم "بأن المسألة بيننا وبينكم " خاطب مؤتمر أوربي في سويسرا وفضائيا "إن المشكلة بيننا وبينكم هي أنكم مسلمون" وأوربا لا تقبل أن يضاف إلى اتحادها دولة إسلامية ولذلك عملت على أن البوسنا والهرسك لا تكون واجهتها إسلامية وهي لن تقبل أن تتحول الكوسوفو إلى دولة إسلامية كما أن رئيس "ألبانيا" خرج من منظمة المؤتمر الإسلامي حتى لا يحسب على انه مسلم ولن يقبل أساسا.

لذلك فأن تركيا التي لم تستطع أن تأخذ هويتها الأوربية ولم تكن منفتحة على الهوية الإسلامية حاولت أن تهرب إلى الأمام بعلاقات مع إسرائيل بما يمثل بحلف عسكري أو أكثر من عسكري لعلها تستطيع أن تأخذ القوة من إسرائيل القوية أمام العرب أو أمام المنطقة لعلها تستطيع أن تحصل على دعم أمريكي لدخولها في الاتحاد الأوربي ولكننا لاحظنا إن هذا التطور أصابها بالضياع لآن الحلف التركي - الإسرائيلي أعطى إسرائيل قوة في المنطقة ولم يعطي تركيا شئ إلا المزيد من المشاكل بالعالم العربي والحذر .

أما حكاية أن الأردن الذي يعطي إسرائيل عمقا أمنيا فأنني أتصور أن الأردن لا يستطيع أن يقوم بذلك لأنها لا حجم لها في العالم العربي كما أننا نعرف إنها دولة ما زالت تعيش الاهتزاز في صيغتها السياسية لأنه من الممكن أن تتحرك التطورات فيما بعد الملك حسين نحو أن تكون الدولة الفلسطينية لآن هذا الاحتمال لم يلغى من الساحة السياسية حتى الآن لذلك نجد أن الأردن تحاول بين الوقت والآخر تبرئ نفسها من هذا الدور بالرغم من أنها دفعت لهذا الدور كذلك فأنها اعتقد أن الحلف الإسرائيلي لن يستطيع أن يحقق شيئا كبيرا ولعلنا عندما لاحظنا المشكلة التركية السورية رأينا أن هذا الحلف حاول أن يربك الواقع للعلاقات السورية التركية بشكل أو بآخر ولكنه كان إرباكا ضعيفا جدا لذلك لم يستطع أن يثبت أمام أي محاولة من قبل مصر أولا وإيران ثانيا لان المنطقة أساسا لا تسمح بحسب الظروف الدولية والإقليمية لأي حرب في هذه المرحلة في المنطقة ، لذلك أنا لا اعتقد أن المرحلة تحمل كثيرا من المواجهة بهذا النوع من التحالف أو التوافق الإيراني، السوري، حزب الله اللبناني، وما إلى ذلك في مقابل الحلف التركي ـ الإسرائيلي ـ الأردني وأنا اعتقد انه من المبكر الحديث بهذا الموضوع.

ســـؤال:
يهمني رأيكم في الحالة الدينية، إن صح التعبير، في مصر وهي تأثرت حتى الحالة الثقافية، كما تفضلتم مسبقا، بالثورة الإيرانية وأنا رغم عملي في الخارج عاصرت توحدا وتحمسا مع الثورة الإيرانية، حتى قريبا في جريدة الدستور التي أغلقتها السلطات المصرية كتب(إبراهيم عيسى) عن الديمقراطية في إيران مقالا دفع ثمنه(ضمن حسابات أخرى)، إغلاق صحيفته.

سماحة السيد محمد حسين فضل الله:
تعيش الحالة الدينية ، أو الصحوة الإسلامية في مصر بعض المشكلات الحادة .
إنني أتصور أن العمق الديني الإسلامي في مصر بشكله التقليدي المتمثل بالحركات الصوفية والتدين العفوي الطبيعي الشعبي ،إذا صح التعبير، المنفتح على قضايا الإسلام كقاعدة للفكر والعاطفة والحياة .

إنني اعتقد أن الإسلام في مصر لا يزال قويا وانه يلتقي بأي انطلاقة إسلامية يمكن أن تعطي الإسلام عنفوانا على المستوى السياسي بالرغم من الحواجز التي قد تحول بين موقع إسلامي وموقع إسلامي في الناحية المذهبية ولذلك فأننا لاحظنا أن الثورة الإسلامية في إيران قد استطاعت أن تؤكد وجودها وحضورها لان مصر كانت قد سبقتها في الطرح الإسلامي الحركي من خلال حركة الإخوان المسلمين.

ولا يزال المصريون ولاسيما المثقفون منهم يراقبون الوضع في إيران لاسيما في المسالة الديمقراطية التي استطاعت إيران أن تثبت أنها اكثر تجذرا في الإيمان بسلطة الشعب وبقيمة الشعب في الاستفتاءات غير المباشرة التي تستطيع أن يشعر فيها الشعب انه قادر على أن يسقط فريقا وان يرفع فريقا واعتقد أن القمة في ذلك كانت في انتخاب السيد خاتمي.

إنني أتصور أن مصر لا تزال أمينة على الإسلام من الناحية الشعبية ، ولكن المأزق المصري إنما هو في النظام المصري الذي اصبح يخاف من الإسلام بفعل الانتفاضات الإسلامية التي تتحرك بالعنف مثل الجماعة الإسلامية والجهاد الإسلامي الذين هددوا النظام المصري في وقت من الأوقات ولكنني أتصور في الوقت نفسه أن مصر دولة مؤسسات حتى لو كان حتى لو كان يحكمها شخص.

المؤسسات حتى لو زيفت وزورت لا تزال هي أقوى من الشخص بحيث لا يستطيع الشخص أن يصادر مصر، كما أن بعض الأشخاص صادروا بلادهم وربما يساعد النظام على الاستمرار
ما زال في ظل الظروف الدولية التي تعطيه بعض الحياة إن الشعب المصري ليس شعب عنف ولذلك فأن الحالات التي حدثت في مصر لم تكن حالات قاعدة بل كانت استثنائية ولهذا نجدها تحولت بفعل كل هذه الصدمات إلى حالة أشبه بحالة الشاه، التي يتحرك بها بعض الماس في جماعات الجهاد أو الجماعة الإسلامية التي قد تستعرض الثار المضاد لذلك فأنا اعتقد أن مصر سوف تبقى إسلامية ولكنها إسلام بدون عنف، وإسلام يتقبل بعض عناصر الواقع التي ليست إسلامية ولكنها لا تستطيع أن تغلبه على إسلامه ولذلك فان حركة الإلحاد لم تستطع أن تأخذ حيزا كبيرا في مصر بالرغم من أن مصر هي بلد الثقافة التي كانت توزع الكتب التي تتحدث عن المادية والإلحاد وغيره.

ســؤال
أمريكا والخشية من الإرهاب أو الخوف من الخوف تستهدف بعض الجماعات ارض ومواطني الولايات المتحدة فبعد تفكير السفارتين الأخيرتين ، وعقب انفجار إحداهما ، اتخذت بعض الإجراءات والجهة التشريعية إلى الإرهاب في الشرق الأوسط هناك من يقول أن الجماعات المستخدمة للعنف السياسي تتبدل وتتغير بحسب الزمان والمكان ولا تمثل الإسلام غير أنها ربما تنجح في ذلك إذا اعتبرت أمريكا معادية للإسلام ، أين تقع المقاومة الإسلامية من ذلك وهل هناك لديكم تفسير لضبابية الخطوط بين المسلمين المساهمين في الحقل السياسي وأولئك المنفذين لأعمال عنفيه ، وما تعقيبكم عن اللبس والإبهام في بيانات السياسة الأمريكية بشأن الصحوة الإسلامية.

سماحة السيد محمد حسين فضل الله:
لعل المشكلة الأمريكية الآم، إذا صح التعبير، لدى المسلم ولاسيما العرب ولاسيما الإسلاميين هذا التأييد المطلق لإسرائيل على مستوى إسرائيل في فلسطين وعلى مستوى موقع إسرائيل في العالم العربي والإسلامي حتى خيل للعالمين العربي والإسلامي أن أمريكا لا سياسة لها في المنطقة إلا السياسة الإسرائيلية بحيث تداخلت صورة أمريكا وإسرائيل في واجهة مواقع الرؤيا العربية المؤمنة بالسياسة.

فليس هناك شئ اسمه أمريكا بقدر ما يتصل الآمر بالسياسة الإسرائيلية في فلسطين والمنطقة ومن هنا فقد كسبت أمريكا عداوة العالم الإسلامي من خلال عداوته لإسرائيل ولم تغلب كل المبادرات الأمريكية التي قد توحي ببعض الانفراج أو الانفتاح ولم تفد كل الأنظمة التي تتعامل مع أمريكا وتعتبر مواقع السياسة الأمريكية في المنطقة في إبعاد هذه الصورة عن ذهنية الإنسان العربي وربما يتأكد ذلك من خلال لن الصراع العربي الإسرائيلي بقوة حتى بعد وصول إسرائيل مع مصر، ومع الأردن، ومع فلسطين، لان حكومة الليكود الأخيرة استطاعت أن تنسف هذا كله بحيث أحرجت الدول التي تصالحت مع إسرائيل لهذا فأن ما يسمى بالإرهاب ليس في القاموس الأمريكي ليس دقيقا بما يمثله معنى الإرهاب يمثل كل خط سياسي يصطدم بالسياسة الإسرائيلية والسياسة الأمريكية فمشكلة إيران، وسوريا انهما يدعمان المقاومة، ومشكلة إيران بالذات أنها لا توافق على التسوية في المنطقة مما يعني أن مسألة الإرهاب هي مسالة سياسية في حركة السياسة الأمريكية في المنطقة أكثر مما هي حركة عنف ضد الأمريكيين الموجودين في المناطق لهذا أولا فأنا اعتقد أن الإسلاميين الذين أقاموا بالعنف سواء في مصر أو الجزائر لم العنف بالنسبة إليهم اختيارا إذا صح التعبير من خلال الخط بل ما نشأ من خلال رد العنف الذي رد عليه كما لاحظنا في الجزائر من خلال إلغاء الانتخابات وكما نلاحظ في مصر التي منعت الإسلاميين من أن يكونوا حركة سياسية كالناصريين وغيرهم من الأحزاب المصرية .

وقد التقى هذا الواقع الذي حرك العنف كرد فعل مع واقع آخر وهو واقع هذه الضبياية والبدائية في فهم الإسلام لجماعات ترتب على يد المخابرات الأمريكية في أفغانستان ولا نريد أن نتهمهم إنهم مخابرات أمريكية لكنهم عاشوا في هذه الأجواء التي كانت المخابرات الأمريكية التي كانت تشجع كل هذه البدائية وكل هذه السلفية حتى تتفجر بوجه الاتحاد السوفيتي لذلك فأنا أتصور أن الإرهاب الموجود في الجزائر بشكل أساسي أو ما يسمى بالإرهاب ليس من الضروري أن يكون الإسلاميون وحدهم هم المتهمون فنحن نعرف من خلال وسائل الإعلام أن النظام يشارك في ذلك أما بشكل مباشر أو من خلال اختراقها الجماعة المسلحة يوجهها بحيث تقوم بأعمال تسقط مصداقية هؤلاء عند الناس أما بالنسبة إلى المقاومة الإسلامية فإنها تعتبر أن أمريكا لا تزال العدو الأول للعالم الإسلامي وللإسلام رغم تصريحات كلينتون وغير كلينتون بأنه على صداقة مع الإسلام ويحترمون الإسلام هذا كلام استهلاك وليس كلام الواقع لان الإسلام يتمثل بالمسلمين ومصالح المسلمين واقتصادهم وسياستهم أمنهم وهذا ما تعبث به أمريكا في كل الوقت ولكن المقاومة الإسلامية لم تعد تفكر بالعنف بالطريقة التي يتخلق بها بعض الإسلاميين في الجزائر وغير الجزائر أنها وضعت أمامها مواجهة إسرائيل بالعنف ومواجهة أمريكا بالعنف السياسي وأي عنف آخر سلمي إذا صح التعبير ولكني اعتقد أنها لا تفكر بعمليات تسمى العمليات الإرهابية، كعمليات التفجير في تنزانيا .

سؤال:
انضمام مسيحيين كاثوليكيين وماروني إلى لائحة حزب الله الانتخابية الأخيرة كما قرأت وأيضا بعض المثقفين المسيحيين الذين جذبتهم الثورة الإيرانية فاهتدوا من اليسارية إلى الإسلامية ويقال عدا بعضهم الاهتداء من الإسلامية إلى التجارية (من التجارة) وهناك من يقول .. إنهم آخذون بالتناقص.

سماحة السيد محمد حسين فضل الله:
من الطبيعي أن تشمل الحركة الإسلامية في لبنان دفاعها عن استقلال لبنان وحسب المصطلحات الوطنية وفي الواقعية السياسية التي تتحلى به وفي الإخلاص الذي يتمثل في القائمين عليها أن يشترك كثير من الأشخاص الذين يعيشون رحابة الفكر السياسي ولا يعيشون الطائفية بشكل مختلف ولكن من الطبيعي أن تكون التعقيدات والأحداث التي تحاول أن ترجع كل فريق طائفي إلى قواعده سالما أو غير سالم من الطبيعي أن تتحرك مثل هذه التعقيدات والمخاوف التي تثأر من قبل الإسلاميين تبعد بعض الناس الذين انفتحوا على الثورة لتبعدهم عن الثورة .

سؤال:
سياسة الجيب الديني آلة واسعة ومتماسكة تجبه بها الحركة الإسلامية الشهير وحكم الدولة وتحجز بينها وبين المجتمع وهناك من يدعي أن تلك السياسة ترمي إلى انتزاع الحركة الإسلامية وأنصارها من الروابط القوم والعشيرة والأرض والمجتمع السياسي وربطهما بالمركز الديني والسياسي.

سماحة السيد محمد حسين فضل الله:
أنا لا أتصور أن معنى بأن تكون إسلاميا هو أن تنكر صفوف أمتك .. فلك ارض أنت مسؤول عنها ولك شعبك الذين هم جزء من مجتمعك ولك مستقبلك الذي يرتبط بأكثر من جانب ولعلنا نستوحي ذلك من قوله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شـــعوبا وقبائل لتعارفوا". فالإسلام اعترف بخصوصية شعب عن شعب وقبيلة لم يلغي الخصوصـــيات الشيعية أو ما إلى ذلك ولكنه لم يرد لها أن تكون دائرة مغلقة في مواجهة منفتحة تعيش خصوصيتها لتنفتح من خلال إيجابيات هذه الخصوصية على الدوائر الأخرى ولذلك فأنا اعتقد أن ارتباط أي حركة بالمركز إذا كان هناك مركز لا يعني إلغاء خصوصياتها في مواقعها التي تعيش بها تماما كما أن المركز يعيش خصوصيته في ماله من خصوصية إقليميه أو خصوصية دولية وما إلى ذلك .

إنني لا أتصور أن معنى أن تكون إسلاميا حركيا هي أن تفقد هويتك الوطنية والقومية ولكن أن لا تحول الوطنية والقومية إلى صنم بل أن تحولها إلى موقع من مواقع حركتك لابد لك من اجل سلامة حركتك أن تجعله سليما وان تنفتح على كل الذين يشاركونك هذا الوطن أو يشاركونك هذه القضية ولذلك نعتقد أن سياسة الإسلام هي سياسة الانفتاح على الآخر ولعل ما يمثل ذلك قوله تعالى "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلي كلمة سواء بيني وبينكم" وكم بين أهل الكتاب من النصارى واليهود وبين الإسلام من فواصل فكرية وعقائدية وواقعية واعتقد أن الكلمة السواء هي تتمثل بكل الآخر الذي قد تختلف معه سياسيا أو ثقافيا ولكنك تلتقي معه في اكثر من واقع .

ســـؤال:
يقول ـ محمد مهدي شمس الدين ـ إن تخلف المسلمين سببه تحول المسجد إلى مصلى خاص ومن ثم كان زوال المسجد عن الدور الجامع الديني والتعليمي والعسكري والسياسي والاجتماعي .هل قامت الحركة الإسلامية بتصحيح ذلك ! وكيف ! وهل نجحت ! وما الذي يضمن عدم التراجع ! .

سماحة السيد محمد حسين فضل الله:

أنا لا أتصور أن المسألة تنطلق من فقدان المفردات المسجدية في العصر السابق وأعني المفردات ، التعليمية ، مدرسية ، والجهادية ، والفنية ، وما إلى ذلك .. لأن تطور هذه المفردات جعل حركتها في المسجد غير واقعية لا تستطيع أن تحول المسجد إلى معهد علمي أو ثقافي أو تربوي بفعل الوسائل الحديثة لهذا المعنى .

كان الأسلوب المدرسي آنذاك هو أسلوب الحلقات التي يمكن لآي شخص أن يستند إلى سارية من سواري المسجد ويلقي على طلابه أما الآن فقد تبدل الأمر قد يكون تجميد المسجد واعتباره مصلى بعيدا عن كل القضايا الحيوية التي يمكن أن تطرح على المسلمين بفعل الضغوط التي ضيق بها على المسجد من قبل الاستكبار العالمي ومن قبل الأنظمة قد يكون لها دور لكنني اعتقد أن المسجد في المجالات التي يملك فيها حركية الحركة قد استطاع أن يعطي الكثير فنحن نسمع الإمام الخميني يقول:

"متاريسكم مساجدكم " ولعل المسجد في إيران هو الذي استطاع أن يحرك الثقل باعتبار أن كل مواقع الصلاة كانت تستعمل لتحريك الثورة واعتقد أن المسجد في لبنان يملك حيوية جيدة بفعل أسلوب الحرية الموجود في المسجد.

وربما نجد حتى في المساجد التي تسيطر عليها الأنظمة أن الذين يقودون المساجد ربما يتجاوزون الخطوط الضاغطة للأنظمة وهذا ما لاحظناه في مصر مما جعل الدولة تفكر بان تصادر كل المساجد لآن عناك من يخرج عن التعليمات التي توجه للمشاريع الذين يصلون بالمساجد أنا اعتقد أن المسجد هو كأية ساحة إسلامية عندما كان يملك الحرية فانه أعطى ولا يزال يعطي الكثير ولعلنا نستذكر أن في أيامنا الأخيرة كيف اعتقلت السلطة الفلسطينية إمام المسجد الأقصى لأنه تحدث عن الاتفاقات مع إسرائيل بأنها غير شرعيه إسلاميا.

مما يعني أن هذا الرجل الموظف لدى السلطة الفلسطينية أو موظف كإمام المسجد لم تمنعه وظيفته أن يقول كلمه الحق.

لا يزال المسجد بخير مادام الذين يؤمون الناس في الصلاة في المسجد إذا كانوا بخير من حيث وعيهم ومن حيث شجاعتهم وصلابتهم أتصور أن أول صوت انطلق في لبنان ضد اتفاق
17 / أيار كان في مسجدنا - مسجد الإمام الرضا - الذي أطلق الثورة وبدأ الخطوة الأولى لإسقاط اتفاق 17 / أيار ولا تزال مساجدنا في لبنان مساجد واعية ومثقفة إذا صح التعبير ومنفتحة.

تعقيب: هذا ينطبق على ـ الشيخ فهد العودة ـ في السعودية .

سماحة السيد محمد حسين فضل الله:

وينطبق على علماء في السعودية وفي أكثر من بلد إسلامية لذلك قصة المسجد قصة الظروف المحيطة بالمسجد وقصة المسجد قصة الذين يقودون المسجد واعتقد أن مجتمع المسجد لا يزال مجتمعا متفاعلا مع كل صوت للإسلام وللحرية والعدالة ومشكلة المسجد هي مشكلة البلد الذي يعيش به المسجد والنظام الذي يحكم ذلك المسجد .



الكاتب: د. خليل فاضل
نشرت على الموقع بتاريخ: 19/07/2006