أنا حائر
عندما بحثت عن زوجة لي تمسكت بذات الدين وأهملت الصفات الأخرى، لأنني أؤمن أن ذات الدين هي الملاذ والمعين في زمن الفتن، ووجدتها والحمد لله، وتزوجنا. أنا في أواخر الثلاثينات من العمر وزوجتي تصغرني بخمسة أعوام وكلانا حاصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية.
أجتهد وأحاول دائما أن أسعد زوجتي وأحافظ على مشاعرها، إلا أن ذلك مستحيلا كونها من أصحاب الحساسية المفرطة تجاه كل شيء حتى في المأكل والملبس والأمور العامة، لديها الكثير من العوائق والحواجز تجاه الناس بسبب حساسيتها، ونظرتها للأمور تختلف عن نظرتي ولا نكاد نتفق على شيء، وهذا يرهقني بعض الشيء وكاد أن يفتك بعلاقتنا في فترات معينة، حيث يجب علي أن أنتقي الكلمات عندما أكلمها ويجب أن أدرس تصرفاتي جيدا قبل القيام بأي شيء اتجاهها، ولكن مرت السنوات وتعودنا على بعضنا ودائما أنا الذي أتنازل عن رأيي ودائما علي أن أعتذر (تقريبا كل يوم)، وأنا أفعل ذلك لأنها زوجتي وعلي أن أحترمها وأتحملها.
ولكن أكثر ما أعيب به زوجتي أنها تضع حدودا لعلاقتها بوالدٓيّ فهما كبيران في السن وبحاجة إلى الحنان بعض الشيء، وخاصة أنهما يحباني جدا جدا ويعتبراني ابنهما الوحيد كون أخي الآخر موجود خارج البلاد ويبدو أنه لن يرجع، فزوجتي لا تزورهما إلا زيارات رسمية بحضوري أنا، ولم تبادر يوما بأن تزورهم وحدها بغيابي وترفض ذلك مطلقا، ولم تبادر يوما أن تساعدهما بأعمال البيت الخفيفة حتى في حالات مرض أمي رغم أني لم أطلب منها ذلك وأعرف أن الشرع لا يلزمها بذلك، ووصل الأمر بوالدي أن قالا لي يوما أنهما لا يشعران بوجود كنة لهم بسبب جفاء زوجتي، فكانا يأملان أن تكون زوجتي مثل ابنتهم، وفعلا كانا يحترمانها كثيرا ويعاملانها كابنتهم ويتقربون منها ويبتعدون عن أي شيء يضايقها، ولكنها بسبب حساسيتها وضعت الكثير من الحواجز فهي تريد ان تكون علاقتها معهم شبه رسمية.
زوجتي تعشقني وتحترمني وترعاني وتصونني وتحفظني في غيبتي وتصبر معي في الشدائد ولم تقصر معي يوما رغم بعض المناوشات هنا وهناك كما يحدث للأزواج، وأنا كذلك أحبها وأعطف عليها وأراعي مشاعرها، وكان أملي أن تتغير أمور زوجتي للأحسن بعد أن يرزقنا الله الأولاد حيث الأمور تصبح أفضل.
ولكن الأمر الأكثر صعوبة في حياتنا كان عدم الإنجاب، حيث تبين بعد الفحوصات الطبية العديدة، أن زوجتي لا تنجب ولا أمل في علاج حالة العقم لديها ولا حتى عن طريق عمليات الزراعة (أطفال الأنابيب)، ورغم ذلك أنفقت مالا كثيرا لعلاجها عن طريق الطب البديل لكن دون جدوى، ولكنها لا زالت مصرة على الذهاب عند الأطباء للعلاج، وأنا لا أمنعها ولا أريد أن أقطع الأمل لديها، لأن هذا يعتبر نهاية حياتها كما قالت.
ذهبنا للعديد من الأطباء المختصين والعديد من المستشفيات والعيادات المختصة بحالات العقم وكلهم أعطونا نفس الجواب أنه لا يوجد علاج لزوجتي، بعد كل زيارة كانت زوجتي تقول لي بالحرف الواحد: اذا أردت الزواج بامرأة ثانية من أجل الاولاد فهذا حقك ولكن طلقني أولا فأنا لا أستطيع أن أعيش مع وجود امرأة أخرى في حياتك وخاصة إذا أنجبتما أطفالا، وقالت: إذا أردت ذلك عليك أن تفعل هذا الأمر بسرعة حتى لا يمضي الوقت ويطول العذاب، أو أنك تصبر معي وتستر علي وتعيش بدون أولاد.
طبعا أنا في كل المرات كنت أطمئنها أنني سأقف إلى جانبها ولن أتخلى عنها ولن أتزوج غيرها، فهي تكون في حالة انهيار وبكاء شديد وحديثي لها هو ما كان يهون عليها.
بالنسبة لي أجريت الفحوصات اللازمة والحمد لله لا يوجد مشاكل في الخصوبة.
حقيقة في السنوات الأولى من زواجنا أنا لم أكن أنظر إلى قضية عدم الإنجاب بحساسية وكان الأمر عاديا، فكان لدي الأمل بأن يرزقنا الله الذرية الصالحة وإن تأخرنا بعض السنوات، وكنت لا أبالي من سؤال الناس لي: كم لديك أولاد؟ ولكن بعد مرور خمس سنوات من الزواج وقد انقطع الأمل في الإنجاب حسب أقوال الأطباء، فقد تغير شعوري وتملكني الخوف والحيرة من العيش بدون ذرية وأصبحت حساسا جدا عند سؤال الناس لي عن الأولاد فهذا الأمر بات يضايقني جدا فمنهم من يحثني على كثرة الاستغفار ومنهم من يحثني على الذهاب للطبيب الفلاني ومنهم من يقدم النصائح، وأكثر ما يضايقني سؤال أخواتي ووالديّ لأنهم لا يعلمون حتى الآن عن وضع زوجتي شيئا فلا أدري ما أقول لهم، وأكثر من مرة طلبوا مني إجراء عملية زراعة (أطفال الأنابيب) وهم لا يعرفون أنه غير ممكن لحالتنا، فهم ينتظرون على أمل.
ومع مرور الوقت أصبحت أشعر بألم الحرمان من نعمة الأطفال، وخاصة عندما أرى أقراني وأصدقائي أبناؤهم يكبرون، وأصبحت أشعر بنظرات الناس لي (ربما يعتقدون أنني ناقص الرجولة) كما أن مجتمعنا ينظر لهذا الأمر بأنه عقاب من الله، فأكثر من مرة سمعت أشخاصا يتحدثون بأن فلانا عاقبه الله بعدم الإنجاب.
أنا أفكر بأن زوجتي لو كانت تريد الخير لي لما اعترضت على زواجي من ثانية على أمل إنجاب الأطفال، وخاصة أنها تعرف كم أحبها وأحترمها، ولو فعلت ذلك لزاد حبي وتقديري لها، ولكني متأكد أن زوجتي ليست بهذه الدرجة من القوة لتقديم مصلحتي على مصلحتها في هذا الأمر رغم أنها مستعدة أن تفديني بروحها في الأمور الأخرى، ولن تستطيع فعل ذلك بسبب غيرتها الشديدة عليّ فالموت أرحم لها من أن تراني مع امرأة أخرى وخاصة إذا أنجبنا الأطفال فهي تعتبر الموضوع بمثابة "الفضيحة" لها وستطلب الطلاق لا محالة، فمجتمعنا وبيئتنا لا يوجد بها تعدد زوجات إلا نادرا، لا أدري إن كان ما أفكر به صحيحا أم لا؟
بالنسبة لي أتساءل كيف لي أن أقبل من ناحية أخلاقية أن أبني بيتا مقابل أن أهدم بيتا آخر، وكيف أقبل أن أفرط بزوجتي والميثاق الغليظ بيننا والعشرة الحسنة، فكيف أرضى أن ينهار كل شيء.
في المقابل لا أدري من الناحية الشرعية، ان كانت هذه المصلحة مقدمة على مصلحة إنجاب الذرية الصالحة وأجر تربية الأولاد وبقائهم من بعدي ودعائهم لي، تذكرون الحديث النبوي: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة". فأنا أشعر أنني إن بقيت بدون ذرية كأنني مبتور، وكما أعلم فإن عدم الإنجاب من قبل الزوجة هو سبب شرعي لأن يتزوج الرجل بثانية بنية إنجاب الأطفال وتكوين أسرة مسلمة وعمارة الأرض، وربما لو كنا في بلد آخر أو زمان آخر لكان هذا الأمر طبيعيا، وربما لو كان شخصا آخر غيري في مثل حالتي لما تردد في أمر الزواج من ثانية.
ودائما اقرأ الحديث النبوي: "عن ذي الأصابع قال قلت يا رسول الله إن ابتلينا بعدك بالبقاء أين تأمرنا قال عليك ببيت المقدس فلعله أن ينشأ لك ذرية يغدون إلى ذلك المسجد ويروحون". فأنا أسكن أرض بيت المقدس وأتحسر على عدم إنجاب الذرية التي تأخذ أجر الرباط في المسجد الأقصى.
ثم ماذا مع أهلي وأبي وأمي، هل لهم الحق أن أشرح لهم عن وضع زوجتي، فزوجتي تعارض ذلك وتعتبره بمثابة الفضيحة لها (رغم أنها أبلغت أهلها بوضعها)، فأنا متردد أن أبلغ أهلي حتى لا تزداد حسرتهم ويزداد ألمهم.
معنويات زوجتي ليست جيدة، وأنا حائر جدا جدا.
مخاوفي كثيرة:
في حالة عدم زواجي
أخاف أن يمر الوقت أكثر وأن لا أستطيع أن أصبر على عدم الإنجاب، ويكون الوقت قد فات على الزواج فأندم، كما أنني أخاف أن أكون قد فرطت بمصلحة شرعية كبيرة، وخسرت من الأجر الكثير.
في حالة الزواج
أخاف أن يؤدي ذلك إلى طلاق زوجتي الأمر الذي لن أسامح به نفسي ولن أنساه، ثم قضية اختيار زوجة جديدة سيكون أمرا صعبا، فأنا بحثت لسنوات طوال عن زوجتي، وأرى في مجتمعنا عشرات الشباب لا يزالون يبحثون عن شريكة لهم منذ سنين عديدة ولا يجدون.
بالإضافة إلى كل ذلك فيأتي هاجس ويقول:
إذا كان حرماني من الذرية الصالحة هو عقاب من الله لي بسبب تقصيري في أمور ديني أو تفريطي بها، فمن يضمن لي أنني سأرزق بأطفال من الزوجة الجديدة، ولكنني أحسن الظن بالله عز وجل لأن الله يرزق غيري من الكفار والمشركين والوثنيين بالأطفال.
كما أنه أصبح هاجسا لدي أن زوجتي ربما تكون قد أخفت علي أمرا ما، فقد حصل معها انقطاع في الدورة الشهرية لمدة عام كامل عندما كان عمرها 16 سنة ولم يجد الأطباء علاجا لحالتها ولكن بعد سنة انتظمت الدورة الشهرية، وأنا علمت بهذا الأمر بعد زواجنا، وما زاد من هاجسي أن زوجتي سألتني ونحن في فترة الخطوبة كيف سأتصرف إن تأخر الحمل، وأيضا لأن الدورة الشهرية لديها انقطعت نهائيا بعد زواجنا بشهرين بشكل مفاجئ وهذا الأمر نادر الحدوث.
وأخيرا أنا أعلم أنه ابتلاء من الله تعإلى،
ولكن ما هو التصرف الصحيح بعد حمد الله على عطائه والصبر على ابتلائه.
05/02/2015
رد المستشار
أرحب بك "سامي" على موقعنا وثقتك في القائمين عليه من خلال مشاركتنا لك، حيرتك هذه تنم عن وعي منك وحرص على مستقبلك، حيرتك هذه طبيعية بالنسبة لوضعك الذي سردته بمشكلتك، ولكن غير الطبيعي هو أن تستمر حيرتك دون أن تأخذ قرارا، وتعوقك مشكلتك بحياتك الشخصية والعملية، أنت لم تلجأ إلينا لنتخذ لك القرار، فأنت على درجة علمية ودينية بحكم دراستك والتزامك الديني تؤهلك لاتخاذ القرار الصائب وفقا لظروفك وإمكانياتك، وأنت وحدك القادر على عمل كفتي ميزان ووضع مميزات وعيوب كل اختيار بكفة وتختار الأرجح بالنسبة إليك، بمعنى أن الاستمرار مع زوجتك الحالية له العديد من المزايا والعيوب، كما أن الطلاق منها والزواج بأخرى كذلك له العديد من المميزات والعيوب، فضعهما بكفتي ميزان وأنت من عليه أن يقرر أي الكفتين أرجح بالنسبة لك، وعليك أن تتحمل مسئولية قرارك.كما أنك لم تشر إلى إمكانياتك المادية التي تؤهلك للجمع بين الاثنتين وأن تعدل بينهما وإذا رفضت زوجتك هذا الاختيار فهو قرارها وعليها أن تتحمل تبعاته، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة فليتزوج" والمقصود بالباءة نفقات الزواج وإمكانية إعاشة الرجل للمرأة، والإسلام يشترط في صحة عقد النكاح واستمراره قدرة الرجل على الإنفاق، فليس محموداً أن تقبل الفتاة بأي شاب يتقدم لها مجرد اقتناعها بفكرة الزواج، أو وجود مزايا جانبية أخرى، فيجب أن يكون لديه على الأقل ما يكفيه ويكفي زوجته، وهو ما يوفّر الكثير من الخلافات التي قد تنشأ بعد الزواج، ولا نقصد على أية حال أن يكون الزوج ميسوراً وغنياً، فيكفي القدرة على النفقة ليكون كفؤاً للزواج.ولنا في الآية الكريمة موثقاً من الله في ذلك، حيث يقول _تبارك وتعإلى_: " وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " (النور/32)، فالزواج الذي يقوم على عنصر واحد فقط من عناصر الاختيار مغفلاً باقي العناصر مصيره في كثير من الأحيان الفشل؛ لأن الاختيار الناجح هو الذي يراعي جميع العناصر على التوازي.فأنت كما عرضت بمشكلتك لم تظلم زوجتك حيث أنك أشرت إلى مراعاتك لمشاعرها وتعتذر لها لتصالحها لعلمك بطبيعة شخصيتها الحساسة، ولم تدخر جهدا في متابعة الأطباء لحالتها ولجأت للطب البديل وأي طريق يمكن أن يؤدي إلى تحسن حالتها، إلا أن محاولاتك باءت بالفشل، وعليك أن تعكس الموقف ونفترض أنك أنت الذي كنت تعاني من مشكلة في الإنجاب فالشرع والمجتمع حلل لها الطلاق والزواج بآخر للإنجاب.وبالنسبة لتساؤلك الذي طرحته كيف من الناحية الأخلاقية تبني بيتا مقابل أن تهدم بيتا آخر؟ وكيف ستفرط في الميثاق الغليظ بينكما والعشرة الحسنة؟؟ فأنت لم تهدم بيتا لأنك ستخيرها وهي التي تملك القرار ستستمر معك أو ترضى بزواجك من أخرى وهذا حقك الذي كفله لك الشرع والعرف، وتنازلك عن هذا الحق أنت الوحيد المسؤول عن تبعاته ولا تلمن غير نفسك في الاختيار.وبالنسبة لحق أهلك في معرفة ظروفها فزوجتك سمحت لنفسها باستخدام هذا الحق مع أهلها، وبالتالي أنت من حقك أن تعلم أهلك حتى تأخذ مباركتهم لك لزيجتك الثانية إن قررت الزواج بأخرى فمن شروط الزواج الإشهار فيكون أقرب الناس بك وهما والداك أدرى بظروفك.وبالنسبة لمخاوفك لعدم الإنجاب من الثانية فهناك تحاليل طبية قبل الزواج تطمئنك في هذا الشأن.أتمنى لك التوفيق وأن تستمر في تواصلك معنا من خلال موقعنا لنطمئن عليك.واقرأ أيضًا: