تعب نفسي وتوتر ولا إحساس في أي شيء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: منذ مدة طويلة تقريبًا 4سنوات أي منذ الفترة التي سكنت فيها في سكن خارجي لللدراسة أعاني من عدم الإحساس في أي شيء في الحياة وعدم الرغبة في القيام بأي شيء فمثلا عدم القدرة على الدراسة مطلقًا حتى متابعة التلفاز لا يشدني شيء. فأتساءل ما الفرحة للزواج مثلا؟ وما يعني أن يموت شخص؟
ولا أحب اللباس وعدم القدرة على رؤية أي أحد أو محاولة الاتصال على أحد لدرجة أنه إذا سمعت أن أحدًا يريد أن يأتيني أتوتر وأشعر بالعصبية الزائدة مع العلم أنني دائما متوترة وحزينة لكن الحالة تزداد ومع ازدياد الحالة لا أرغب في تناول الطعام إلا الحلو وخاصة الشوكولاتة لأرتاح ولكن لا أرتاح وإن لم أتناول الحلو أزداد سوءًا ولا أهدأ مع تفكير شديد ومتعمق بكل جوانب الحياة ليس التافه منها بل العميق وهو الشيء الوحيد الذي أرى أنني أفعله وأستفيد لأنني لا أترك أي سؤال إلا وأبحث عنه وأجد الإجابة. مثلا بداية الخلق الإنسان الأول النفس البشرية وهكذا.
وعدم القدرة على إعطاء الحب لفترة طويلة فمثلا أن تأتي عندي صديقة فأستمع إليها وأساعدها في مواضيعها لآخر حد لكن لا أحب أن يبقى أي أحد بجانبي أشعر بالرغبة في طردهم ولولا الدين لطردتهم وكل هذا حصل بعد الفصل الأول حيث أنني كنت أختلف كثيرًا قادرة على الحب لأبعد الحدود مع أصدقائي والتركيز في الدراسة ومساعدة الناس وإنشاء ملتقى للكلية والتمتع بكل شيء لكن في الفصل الثاني ماتت جدتي وكنت متعلقة بها لكن لم أبكِ حتى إنها أعطتني حلقها ولا أحب النظر إليه.
ومات الكثير من أقاربي وكنت أراهم حتى أصبح عندي خوف شديد من موت أي أحد والله يحمي أمي هي من بقيت في الدار دائمًا أتفقدها لأن جميع إخوتي سافروا بعضهم للزواج وآخرون للعمل فكنت كل أسبوع أذهب للمنزل وألقى أمي وأخي في البيت إلى أن أنهيت الدراسة وسافر أخي وازددت سوءًا وحتى أنني أرفض الخروج مع أمي التي يجب علي أن أملأ هذا الفراغ لكن أتوتر وهي تصرخ لي لأنني هكذا ودائمًا أقول لها إنني في حالة وأستسمحها لكن أمي ليست من النوع العاطفي أن تحدثني أو حتى تضمني تعبر عن حبها بطريقة أخرى رغم احتياجي لذلك وأحيانًا أطفئ النور لك.
أتخيل أنني في القبر لكن في إحدى الأيام أتحدث الي شاب يتسم بالطابع الديني حديثا جديًا بأنه يريد أن يتقدم لخطبتي إذا وافقت أنا على ذلك وسألته بعض الأسئلة وهو كذلك عبر التواصل الاجتماعي أنا دائمًا لا أشعر بالرغبة بأن يكون أحد في حياتي وأشعر بأنني سأقصر وأحيانًا أشعر بأنني لا أحب الرجال ربما لأن أبي مسافر منذ الطفولة ولم أتعود عليهم وقال لي بأنه لن يحدثني لأنه قال مراده وحرام أن نتحدث من الناحية الشرعية أكثر من ذلك إلى أن يأتي وأتعرف عليه في بيت أهلي.
أنا كنت أنوي أن أقول لا، لكن عندما رأيت الأخلاق لم أقاوم رغم أن قلبي لم يشعر بشيء للموضوع ذاته للشاب بالتأكيد لا وخاصة أنني لا أعرفه إلا لمحته عدة مرات في الجامعة ومرت الأيام وأنا كلي أمل بأن لا يأتي هذا اليوم الذي يجيء فيه، لا أحب موضوع الارتباط وشاءت الظروف واعتقلته القوات الإسرائيلية والآن هو عندهم منذ 5 شهور حزنت عليه ولكن لم أحزن لعدم اكتمال القصة فأنا خائفة جدًا وشاءت الظروف خلال هذه الأشهر أن أسافر لدورة خارج البلاد حتى اليوم لا أعرف كيف خرجت؟
وعملت الإجراءات لأني عادة لا أتشجع لعمل شيء ربما كان الأمل بأن أرتاح لم يكن لدي هذا الشعور بأني سأسافر لأول مرة وإلى بلد بعيد بل أمر عادٍ. لكن من خرجوا معي كان رائعين ويهتمون بمن حولهم لدرجة أني أحيانًا عندما كانوا يدقون علي في الاوتيل لنخرج أو يحضرون لي أي شيء أو يصرون علي للخروج لأخرج من حالتي لأني حتى في السفر أحيانًا كنت أرغب في البقاء في الغرفة كنت أبكي لاهتمامهم.
وأنا عادة بفضل الله يحبونني الناس حتى إن الله جعلني أنجح في الجامعة وبقيت لديهم فكرة أنني فتاة متفوقة رغم أن علاماتي كانت منخفضة جدًا وأترك بعض المواد ولا أستمر خلال الفصل لكن من بين هؤلاء الأشخاص شاب كانت الصدفة أن رقم الجلوس في القطار دائما بجانبي عندما تحدث عن نفسه وعن حياته وحتى عن السياسة، أعجبني وبشدة وكل مرة في القطار نجلس ونتحدث في موضوع آخر. ربما هي اللحظات الوحيدة التي كنت أرتاح فيها ولا أتوتر وأفكر غير أيضًا قراءة القرآن؛
مع العلم أن هذا الشاب هو الوحيد الذي لم يشدني في مجموعتنا قبل الحديث إليه لأنه قال لنا أنه لا يصلي لكن يتمنى ذلك وكان يبرر بأن مَنْ حوله لا يشجعونه على القيام بشيء وكان يتحدث عن مغامراته الجامعية وأنا دائمًا لا تعجبني وأقول له لكن كل شيء تغير حتى أنني كنت أتمنى أن لا يسكت حتى أواصل سماع صوته الذي أصبحت أسمعه اغنية وأتمنى أن يطول الطريق لأنه بجواري رغم أنني عادة أكره الرجال وخاصة أن يجلسوا بجواري وبالتأكيد كل هذا فقط إعجاب لكن الصدفة بأن يكون صاحب الشاب الذي كان قد طرح ذلك الموضوع فقررت العزلة ولم أعد أخرج دائمًا معهم وحتى قررت ألاّ أتواصل معه عند العودة.
وعندما عدنا وودعني وشعرت بشيء غريب حتى إنهم حملوا حقائبي لباب منزلي وقلت تلك النهاية. لكن أمي الحبيبة أبت إلا أن تعزمهم شكرًا لاهتمامهم وأول من حادثته هو وكأنه ابنها وتمزح معه وحتى قالت لي تخدثي معه وشعرت بالخجل والشوق وربما السعادة فسألته عن حاله وأغلقنا وقررت أن أتماسك وأكون قوية أمام وهمي في ذلك اليوم وكنت فعلا كما أريد عادية وبعد انتهاء هذا اليوم وجدت في الليل رسالة منه رغم أنني لم أحدث أي أحد منهم خلال كل تلك الفترة قبل اللقاء حتى لا يشعر أني خصصته في البعد لكن الغريب وهو لا يتحدث عما في داخله كثيرًا قال لي:
إنه ضائع وأنا نصحته بالصلاة والاقتراب من الله وأن هذا سبب الضياع قال لي أعرف وأتمنى لكن لا أستطيع. ولا أحد يساعدني وأقنعته بأنه شاب في قلبه الإيمان لأنه فعلا دائمًا كان يساعد الجميع وبأن الأعمال الصالحة مهمة لكن يجب أن يصلي ووعدني بأن يحاول ووعدته بأن أساعده فدائما كنت أبعث له رسالة في موعد الصلاة وأخصها بحب الله لعباده وفضل الصلاة وأبحث عما أبحث في الكتب ومن أفضل العلماء إلى أن شكرني يومًا وقال لي فعلت ما لا يستطيع أحد فعله وأنا قررت ألاّ أعاود إرسال أي شيء وكان أحيانا هو يطمئنني بعد الانقطاع وأنا حاليًا قمت بحذف نفسي من المجموعة رغم أنني أحبها على الواتس وحذفه هو.
وتركتها لله ولا يشغنلي هذا
فقط أريد أن أرتاح لأنني ما زلت بكل الوصف السابق وأسوأ حتى أنني لا أرغب في العمل.
12/9/2015
رد المستشار
ابنتي. تدور معاناتك في ثلاث دوائر من المهم أن تعرفيهم وأن تستوعبي كل واحدة منهم؛ حتى تتخلصي وتتعافي من تلك المعاناة؛ الأولى هي "الفقد"؛ فقبل وصولك لفقدان طعم الحياة ورفض تلك الحياة بكل تفاصيلها التي صارت مزعجة لك فقدت جدتك الحبيبة يرحمها الله، ومن قبلها تعرضت لفقدان أعزاء بالموت، أو السفر، أو غيره، ولكن وفاة جدتك كأنت تلك القشة التي قصمت ظهر البعير! فعدم قبولك للموت -الفقد- هو لب المشكلة؛ فنحن "كائنات تموت!"، وموتنا هو الصورة الوحيدة للانتقال من دنيانا لحياة الخلود، فالموت على شدة ألمه إلا أنه مجرد طريقة انتقال مهما قصرت أو طالت فترة الانتقال،
فرفضك للموت، هو ما يوقعك في براثن الاكتئاب الذي ينبض بوضوح من خلال سطورك؛ فرفضك للتواصل مع الحياة من خلال الدراسة، والعمل، والعلاقات الاجتماعية، وتكاسلك عن القيام بأبسط الأمور هو سلوكك الغير صحي لرفض الموت والفقد، وها أنت قد جربت الرفض..... فماذا جنيتِ؟
فأنا أدعوكِ أن تستخدمي عمق تفكيرك -النابع من اكتئابك- في السماح لنفسك "بقرار نفسي" أن تقبلي الموت والفقد على شدة وطأته؛ لأنه ببساطة جزء من الحياة! فالله تعالى لم يضحك علينا أبدًا، ووضح لنا في كل دقيقة يدفن فيها البشر البشر أن الموت جزء أصيل من الحياة، فقبولك للموت هو حل حقيقي لتلك المشكلة في تلك الدائرة، وقبولك للموت ليس معناه الاستسلام، ولا التكيف، فالاستسلام والتكيف سيجعلك في نفس موقعك من الاكتئاب، ولكنني أحدثك عن "القبول" أي تتعاملين مع الموت والفقد أنه حدث ويحدث وسيحدث على كراهته وأنه أصلًا جزء من الحياة؛ لتتمكني من قبول موتك أنت شخصيًا.
أما الدائرة الثانية: فهي دائرة كره الرجال؛ فلقد علمتني الخبرة من خلال مئات مئات الأشخاص الذين تواصلت معهم أن وراء الكره "حب غاضب"؛ فحين نحتفظ بمشاعر الكره داخلنا دون أن نقبل وجودها، ودون أن نناقشها بمنطق وعقل؛ تظل ثقيلة الظل ذات وطأة غبية تضيق علينا التنفس في صدورنا؛ فلتنتبهي لتلك النقطة المهمة؛ وهي أن تتوقعك من الرجل -الذي كان أبوك هو رمز الرجل بداخلك وخذلك بغيابه، أو بتعامله -هو سبب مهم من أسباب كرهك للرجال الذي في حقيقته هو حب ولكنه غاضب جدًا جدًا؛
فلتتناقشي مع نفسك عن احتياجاتك التي كنت تحتاجين لها من أبيك ولم تأخذيها، وتعبري عنها وتتحدثي عنها مع من ترتاحين لها من صديقاتك الفتيات اللاتي تثقين فيها، أو أمك، فالبوح يشفي ويجعلك ترين ما لا ترينه وأنت تكتمين مشاعر الكره والغضب في صدرك، ورغم أن ما أقوله أعلم تمام العلم أنه صعب وثقيل ومؤلم، إلا إنها طبيعة العلاج يا ابنتي فأين هو العلاج حلو المذاق؟ فتلك الآلام لا ينفعها الحلو والشوكولاته، ولكن ينفعها استحضار مسئوليتك تجاه وقف تلك المعاناة بقرار ناضج وواعٍ منك لتوقفي استنزاف طاقتك الذهنية والنفسية حتى تتماسكي وتحيي بعد طول غياب.
والدائرة الثالثة: هي دائرة الاحتياج للحب والدفء والحضن؛ فهذه الاحتياجات هي احتياجات البشر كلهم فهي جزء من فطرتنا التي فطرنا عليها؛ فهي ليست ضعفًا ولا تسولًا ولا احتياجًا لديك أنت وحدك بسبب معاناتك أو أي شيء من هذا السخف، ولكنه احتياج طبيعي لدينا جميعًا رجالًا ونساءً، ولكن نختلف فيما بيننا في طريقة إشباعنا لهذا الاحتياج، فمنا من يعبث، ومنا من يتسول فعلا، ومنا من يقع في الوهم بعمد، أو غير عمد، ومنا من ينكر هذا الاحتياج، والكثير والكثير من طرق التعامل معه؛ ولك أقول:
أنت فتاة لديك من النضوج وعزم الإرادة، الكثير! نعم والله الكثير! فرغم احتياجك الشديد "للونس"، والحب من رجل تحديدا إلا إنك لا تتركين نفسك تعبث، لذلك أنا سعيدة بأنك تتأذين من تواصلك مع هذا الشاب وإن كان حديثكما حول الصلاة، والتذكير، إلا إنه في الحقيقة هو الاحتياج للحب والونس من رجل، ورغم أنه احتياج طبيعي بل هو حقك، إلا إنه لا يجب أن يكون الحق الذي يوقعك في دائرة العبث، فكما قلت لك أن الخبرة علمتني الكثير، فخبرتي ترى أنه هو كشخص بذاته وبتفاصيله لا يناسبك لا في درجة تدينه، ولا في مغامراته، ولكن تزيفين ويزيف هو معكِ تلك الحقيقة بأنه رجل يحتاج لمن يأخذ بيديه ليصل لعبادة الله!.
فالعلاقة بين الله تعالى وعباده ليس فيها وسيط، ولا يحتاج الرجل لمرأة لتوصله لعلاقة طيبة مع ربه "فعبارة فعلت ما لم يفعله أحد" هي عبارة خبيثة لم أقل أنه يقصدها أبدًا، ولكنها عبارة خرجت منه زيفا ليحقق نفس الاحتياج من الحب والونس ولكن بشكل "شيك ومقبول" دون حتى أن يدري هو!، ألم أقل لك أنه احتياج لكل البشر!، فلتأبَ نفسك يا ابنتي أن تأخذ الاحتياج المشروع بل الحق المكفول لها بأي طريقة لا ترتضينها لها، ولم أقصد هنا أيضا طريقة عدم الزواج، فحتى لو تقدم للزواج منك لا يجوز لحق نفسك أن تتزوجي بمن لا يناسبك بسبب احتياجه المزعوم لك لتوصيله لربه تعالى، فبعد الزواج، سيظل كما هو؛ لأن التغير ينبع من داخل الشخص نفسه لا من غيره، وهو ما حدثتك عنه تماما في السطور السابقة؛
والتغير يحتاج إرادة ومشقة ذاتية جدًا ليحدث بصدق؛ فلا تضحكي على نفسك، ولا هو بأن علاقتكما هي طوق النجاة من عدم رضا الله تعالى عنه، بقي أن أقولك لك أن ما حدثتك عنه ليس سهلا، ولكنه كذلك ليس مستحيلا، ولقد رأيت من البشر عجبا، فرأيت منهم من تغير بالمثابرة والدأب، ومنهم من تلذذ ببقائه في وعكته ومعاناته وألفها، ومنهم من مد لنفسه يد العون وتواصل مع متخصص نفسي ليساعده على تخطي معاناته ومرضه وأفلح حين أتم علاجه، وازداد سوءا حين ترك علاجه، ولك الاختيار يا ابنتي أن تكوني بطلة إحدى تلك الاختيارات، فلقد عرفت الآن دوائر معاناتك، وعرفت كيف تثابرين في الخروج منها، وعرفت أنك المسئولة الأولى عن البقاء فيها، أو الخروج منها بدأبك، أو بطلب المساعدة النفسية من متخصص ماهر..... دمت بخير.