الرسالة واتخاذ القرار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أحب أن أشكركم على هذا الموقع الرائع وما يساهم به في تدعيم التوعية السليمة للطب النفسي. جزاكم الله خيرًا.
مشكلتي منذ أن كنت طفلة وعندما يسألني أحدهم ماذا تريدين أن تصبحي عندما تكبرين؟ أقول لهم لا أعرف أي شيء لم يكن لدي هدف واضح، وظللت هكذا لا أتضجر من شيء وكنت في المرحلة الإعدادية شديدة التفوق ومثالًا للانضباط والطموح كنت شخصية طموحة جدًا، لم يكن يعير تركيزي شيء سوى دروسي ومذاكرتي كنت أحب العلم لأتعلم وبالفعل كنت دائمًا من الأوائل في مدرستي؛
عندما دخلت المرحلة الثانوية بدأ اهتمامي الشديد بالطب النفسي وتمنيت أن أدرس هذا المجال حقًا إلى أن دخلت ثانوية عامة كنت متفوقة والحمد لله، ولكن واجهتني مشكلة كادت أن تضيعني وهى أنني لا أستقر على مدرس آخذ عنده عندما كنت أذهب لأحدهم أشعر أنني لا أستفيد وأشعر بالتردد وعدم الاستقرار الداخلي مع هذا المدرس أو ذاك ولكن عندما أغيره أندم على تغييري المدرس الفائت وهكذا كنت أشعر بتأنيب الضمير لأنني لم أستمر مع هذا المدرس وأن مستقبلي سيضيع وهكذا.
أمي كانت تمنعني من كثرة التحويل بين المدرسين فكنت أكتم هذا الموضوع في نفسي ولا أصرح ولكنني لست مستقرة من داخلي وأعلم أن هناك أفضل كنت أحاول أن أضيع هذا الشعور عن طريق الاطلاع على كل الكتب التي تقع في يدي ومذاكرتها مما كان يعرضني للتشتت في التذكر حتى آخر يوم في امتحانات الثانوية العامة انهرت بالبكاء وظللت أقول لأهلي إنني أضعت مستقبلي ولم أحل جيدًا في شيء على الرغم من أنني كنت حللت جيدًا وأن كل تعبي ضاع ولم أدخل كلية الطب لأدرس الطب النفسي الذي تمنيته.
أصبت بعدها بحالة اكتئاب حاد، نائمة طيلة الوقت، وأشعر بالتوهان في داخلي، وأن كل شيء تدمر، حتى ظهرت النتيجة، وحصلت على مجموع كبير، ولم أدخل كلية الطب لنصف درجة طلبت من أهلي أن أذهب لعمل تظلم فقد كنت أشك في درجات بعض المواد وفي داخلي أمل في الله أنني سأحصل على االنصف درجة، ولكنهم رفضوا.
عادت لي عزلتي وكنت أحاول أن أخبرهم أنني أريد ذلك ولكنني تعودت على عدم التحايل أو بمعنى آخر لا أتذلل لأحد من البشر سوى لربي، وفي نفس الوقت لم أرد أن أعق أمي كنت أستيقظ كل يوم مبكرًا لعلي أجد أمي تخبرني أنها وافقت وستذهب معي حتى انتهى الوقت اللازم للتظلم وكاد قلبي أن يحترق أخبرتهم أنني أريد أن أذهب إلى كلية طب الأسنان فمجموعي يأتي بها ولكن المشكلة أنها ليست في محافظتي وتضطرني إلى السفر لم يوافقوا على سفري والتحقت بكلية الصيدلة في محافظتي.
كنت أشعر بالقهر والظلم الشديد كرهت أهلي جدًا على ما فعلوه ولم أعد أطيقهم تغيرت كثيرًا لم أعد أريد الدراسة ولا العلم أشعر أنني أضيع في وقتي وفي شبابي وصحتي أخشى أن يسألني الله على شبابي فيما أفنيته لا أجد الرد قضيت سنة في الصيدلة وكلما أستيقظ من النوم تبادرني هذه المشاعر السيئة وأنا لا أستطيع فعل شيء يقولون لي أحبي كليتك، غيرك يتمناها وانتهت أول سنة وحصلت على معدل جيد جدًا بعدها في آخر الإجازة أمي أخبرتني أنني إذا أردت التحويل إلى طب أسنان فهي موافقة سررت كثيرًا ولكنني ظلت أفكر أهذا ما أريده حقًا؟
لم توافق علي سوى جامعة واحدة وستضطرنى للمكوث مع خالي في محافظة أخرى حيث أنهم لم يوافقوا في الجامعة على التحاقي بالمدينة الجامعية لأنني محولة. ظللت أفكر ووجدت أن الحل في الرضا بالصيدلة لأنني لا أريد أن أمكث مع أحد وأكون عبأ على أحد وأخشى بهدلة أمي في السفر وقلقها ولكن مع بداية الدراسة في الفرقة الثانية صيدلة عاودتني نفس مشاعر الخنقة والضيق منها حاولت التحويل ولكنه أغلق.
حزنت كثيرًا وندمت ونفس المشاعر راودتني أنني لا أستطيع التحمل لم أستطع التركيز في دروسي كلما شرح أحد الدكاترة شيئًا أقول لا هذا ليس مكاني أريد أن أحول عندما أدخل المدرج أندم أنني لم ألتحق بطب الأسنان صار عقلي مشوشًا جدًا بهذه الفكرة وتنتابني كثيرًا أحلام اليقظة بأنني طبيبة وسأفتح عيادة رغم أن هذا ليس حقيقيًا وأشعر بالألم عندما لا أجد ما أريد أهو هروب أم ماذا؟ لا أعرف وقلت سأحول السنة التي بعدها قابلت بالصدفة أحد الصيادلة المقيمين بالخارج وأخبرني أن أسنان أفضل من صيدلة وإن أمكن أن أحول وهو حاول مرارًا التحويل ولم يستطع وأنها ستعطيني قدري ولا أحد سيحل مكاني بعكس الصيادلة وقد اقتنعت بما قال أنني أرى ذلك حقًا.
اجتزت الفرقة الثانية بمعدل مقبول هبط مستواي الدراسي كثيرًا صدمت وحزنت كثيرًا على حالي كل أمالي تحطمت خطرت فكرة التحويل على بالي مرة أخرى أعيش في تردد لا أعلم أين أكمل أأستمر بدراستي في الصيدلة وأسعد أمي ولا يهم حلمي بأن أصبح طبيبة الذى لست متأكدة منه؟ أم أحول طب أسنان وأتحمل السفر واحتمال كبير جدًا أنني سأندم على هذا القرار وأريد الرجوع لصيدلة مرة أخرى كما كنت أفعل مع مدرسيّ في الثانوية وأشوش أيضًا؟ أم أحول إلى كلية الطب البيطري حيث أحب الحيوانات ولكنني لا أستطيع حصلت على معدل مرتفع في الثانوية لا أريد تضييعه؟
أصبحت أشعر أنني في دوامة وأنه تم الكذب علي بخصوص التنسيق وما إلى ذاك أندم على كل لحظة ذاكرت فيها عندما يفتح أحد موضوع التحويل أو طب الأسنان أشعر بنار تأكل قلبي وعقلي ولا أستطيع أن أفعل شيئًا عندما أسمع من يقول ضع هدفك في الحياة وحلمك وهكذا لا أجد ما أجيب به نفسي أشعر أن بداخلي طاقات كبيرة ومميزات حباني الله بها ولكن لا أدرى أين أستغلها؟
أتمنى أن أفعل شيئًا مفيدًا في الحياة قبل وفاتي. أعيش بأحلام اليقظة وأنني سأصبح عالمة أو طبيبة أو شيئًا آخر ولا أفعل شيئًا في واقعي أتألم لكوني فشلت في دراستي عندما أنظر إلى معدلاتي السابقة من التفوق والانضباط أصبحت تائهة لم أعد أستمتع بشيء ولا أجد ما يسعدني ويرضيني كنت أحب العلم حبًا جمًا ولكن ماذا حدث؟ هل أنا جاحدة كما يقولون؟
أنا أشكر الله كثيرًا وأدعوه كثيرًا أن ينير لي طريقي ولكن السنين تمر ولم أحرك ساكنًا أشعر بالذنب تمنيت أن أحاضر في الجامعة ولكنه مستحيل بسبب علاماتي أريد أن أعيش لهدف ورسالة ولا أعلم عنها شيئًا. حتى التردد والتوتر امتد عندما أشتري ملابسي أو شيئًا أظل أفكر وإذا اخترت شيئًا أفكر في غيره لا أستطيع التركيز فعدت أتجنب شراء شيء.
بالإضافة إلى المشاكل الكثيرة التي أصبحت أعيش فيها في بيتي بما أنني الابنة الصغرى ووالدي متوفى وكل إخوتى متزوجون يعني البيت بيت عائلة يمتلئ بالأطفال والإزعاج ولا أحد عاد يهتم بي كل محادثاتي مع إخوتي خناقات وغيره سئمت كثيرًا وأشعر أنني أظلم نفسي بعدم سفري للدراسة لكن كيف؟ وهل هذا الإحساس صحيح أم أنه مجرد وسواس؟
15/9/2015
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع.
سؤالك في النهاية هو: "هل هذا الإحساس صحيح أم أنه مجرد وسواس؟" الصراحة هي لا يوجد في رسالتك ما يشير إلى أنك مصابة باضطراب نفسي جسيم أو أنك تعانين مما يسمى بالوسواس القهري. كل ما في الأمر هو إصابتك بما نسميه بجرح نرجسي Narcissistic Injury لم يلتأم لفترة طويلة.
مهما كانت الأعذار والظروف وسوء الحظ فالحقيقة هي أنك لم تدخلي كلية الطب. كذلك الحال مع قرارك للانتقال إلى كلية طب الأسنان أو كلية الطب البيطري. كل ما في الأمر هو أن الجرح النفسي لا يلتئم إلا بجهود الإنسان نفسه وجهود الآخرين حوله. ظروفك الشخصية العائلية لا تساعد ولا يوجد حولك من يمد يد العون ويساعدك على عبور جسر ينقلك من الخيال إلى أرض الواقع.
الواقع هو كما يلي:
الإنسان السعيد هو الناجح في مجال عمله مهما كان اختصاصه سواء في الطب أو الصيدلة أو الآداب أو العمل الحر بجميع أنواعه.
الإنسان الحزين هو الفاشل والغير كفء في مجال عمله مهما كان اختصاصه، والأطباء كثر في هذا المجال.
علوم الصيدلة أكثر تحدياً من الطب هذه الأيام وأعوام تعليمها نفس أعوام الطب في الغرب. والصيدلة هي المستقبل في العالم الذي نعيش فيه وسيفتح لك أبواب البحوث العلمية والالتحاق بكبريات شركات الأدوية إن حالفك الحظ وتشاركين في مسيرة البشرية لاكتشاف أنواع العقاقير التي نسمع عنها كل يوم.
كفاك مراجعة صفحات الماضي وحاولي استرجاع نشاطك والتركيز على علوم الصيدلة والقبول بالتحدي. لا حل غير ذلك وكفاك حزناً وبكاءً على ماضٍ انتهى أمره.
هل أنت مصابة باضطراب نفسير؟ الجواب كلا.
وفقك الله.