أحلام اليقظة والوساوسِ
بدأ التفكير باستمرار لايتوقف فى مرحلة الثانوية تقريب، يعنى دايماً بفكر، ثم قررت فى نهاية المرحلة الثانوية أن أزيد علاقتى بربي، فجاءني وسواس فى العبادات، في الصلاة والوضوء والصيام، حتى إني أشك أني حلفت فى أمور أجزم على فعلها فأشك إن كان بالتالي عليَّ كفارة يمين أم لا.
الموضوع كان صعب جداأ ولكنه قلَّ، وبعد أن أنهيت دراستي الجامعية، كانت المشكلة فى أني بحس برهبة قبل الوضوء، أخاف أن ينتقض، كما إن التفكير يعجبني فأظل واقفة لما يقرب من نصف ساعة أو أكثر ثم أتوضأ، وطبعاً الوقت هذا اكون افكر، ممكن تفكيري في المعظم أني عايزة اهتمام من الناس، إني أبقى مصدر إعجابهم، ممكن لأني انطوائية وأصدقائي قليلون.
المهم لأن الموضوع زاد، ذهبت للطبيب النفسي على اني مريضة وسواس قهري، وحقيقة الدواء كان صعب وتعبت وظللت ما يقارب سنة فتركت الذهاب للطبيب واقتنعت أنه علي المقاومة. صلاتى أصبحت جيدة بصورة كبيرة، ووضوئي لا، ولكن أفضل من الأول والتفكير طبعاً مازال واشعر اني عايشة في وهم أنا تعبت، أنا دايماً بفكر. أنا مدمنة لأحلام اليقظة، ممكن لأن حياتي فارغة، بس حتى في الدراسة التفكير كان موجود.
إيه الحل،
وبجد أنا بحب التفكير ومش قادرة أقاومه، يمكن لأني بحقق فيه الي أنا عايزاه.
5/8/2016
رد المستشار
"بجد أنا بحب التفكير ومش قادرة أقاومه"، وأي متخصص نفسي سيقرأ فوراً أن حقيقة تلك الجملة بداخلك سواء بوعي، أو بدون وعي منك هي "بجد بحب التفكير ومش عاوزة أقاومه"، أو "بجد بحب التفكير وعاوزه أقاومه بس خايفة لحسن......"؛ فجزء كبير يابنتي من حقيقة ما تعانيه يكمن في تلك المساحة، فالتفكير يعجبك، ويحقق لك لذة شعورك بأنك تفعلين ما ترغبين، وهو بديلاً سهلاً -وليس مريحاً- عن التعامل مع من حولك باختلافهم، ومساحات التناطح معهم، وبديلاً سلساً عن الجهد الذي سيتطلبه مسؤولية وجودك كما ترغبين؛
فالهروب إذن يحل تلك العقد ولو مؤقتاً، ولكن دائماً ما يفرض الواقع نفسه مهما تحايلنا ومرت بنا السنون؛ فلقد أعياكِ التفكير في عالم موازي لا يمت لواقعك بصلة، وأصبح لذيذاً لذة مؤقتة بعدها تشعرين وكأنك تضحكين على نفسك دون جدوى حقيقية، وأن ملء فراغ حياتك من علاقات قرابة، وزمالة، وصداقة، وحب، وزواج لم يعد يكفيه أحلام يتم نسجها عن عمد وترصد، وحين فاض بك الكيل واضطررت للذهاب لمتخصص كان جزءاً من القصة مواجهة عالمك الحقيقي بانطوائك، وعدم رغبتك في تحمل مسئولية وجودك كما أنت؛ فكان السبب الجاهز هو تعبك.
قلت لك كل هذا بسبب الجملة التي بدأت بها حديثي؛ أنه سبب كاشف، وأحلام اليقظة ليست لعنة، ولكنها كذلك ليست بديلاً عن الواقع؛ فهي تنفيساً لطيفاً عما قد تحمله النفس من ضغوطات، ومشاعر سلبية لا يمكننا إخراجها بسهولة لكل من يستحق من حولنا أن نواجهه بحقيقة إساءته لنا كالوالدين مثلاً، ولكن ترشيدها هو الأفضل، وفهم حقيقة ما يجعلك ترغبين بقوة في المزيد من الأحلام رغم ما تطلبته من جهد، وطاقة ذهنية، ونفسية، وبدنية ترهقك.
فلاحظي معي أن أول بوادرها بقوة كان في بداية المرحلة الثانوية، فلماذا في هذا التوقيت؟ وكيف تمكنت من ردعها قليلا حتى انتهيت من تلك المرحلة؟ وما هي مشكلاتك التي لم تحل فعادت الاحلام، والوساوس بقوة؟ وما هي حقيقة ما أتعبك خلال فترة العلاج ولم تتمكني من مناقشة تغير علاجك مع طبيبك؟ والأهم من ذلك ما هي مناطق قلقك الذي تخطى الحدود المقبولة، والطبيعية جعلت كل ما تعانيه موجودا منذ فترة؟؟
كل تلك التساؤلات هي عين شفائك من تلك الدوامة، وتعمدت ألا آخذ كلامك بطريقة معتادة, فأرصد لك حقائق عن الوسواس، والأحلام، ولا حتى اقترحت عليك برنامجاً سلوكياً من البرامج التي تحدث عنها مستشارو مجانين بكل تفاني، وجهد وعلم، أتعلمين لماذا؟
لأنَّ رغبتك الحقيقية في وقف تلك المعاناة هي الخطوة الأولى، ومواجهة احتياجاتك وطلبها والحصول عليها هي بيت القصيد، ولتفعلي ذلك يابنتي بهدوء، وصبر، واحتساب لتتمكني بعد ذلك من الاستفادة من كم البرامج التي يزخر بها موقعنا لعلاج الوساوس ذاتياً، أو حتى للرجوع بصدق ووعي لعلاجك الدوائي ومناقشة طبيبك في الجرعة، وتغيير العلاج مادام يرهقك. هيا يا ابنتي ابدئي واستعيني بالله؛ فوجودك الحقيقي، وعلاقاتك الحقيقية، أثمن من أن تختزل في ساعات أحلام يقظة.