أخشى أني وقعت في الكفر
السلام عليكم؛ أنا شاب عمري 20سنة، كنت محافظاً على الصلوات، لكن أسمع أغاني، يعني غير ملتزم حد الالتزام. في أحد ليالي رمضان من هذه السنة وأنا في المسجد أصلي صلاة التراويح، لفتَ انتباهي شاب ملتحي ملتزم، فتحرَّكت الغيرة في نفسي، سائلاً نفسي لمَ لا أترك ورائي ملذات الدنيا مثله.
وقررت ذلك في دقيقتها، وعقدتُ العزمَ بأن يكون خروجي من المسجد في هذه الليلة هو دخولي بداية سيري في طريق الصلاح، والحمد لله بعد تناول السَحور، أمسكت المصحف، وبدأت في القراءة، حتى أُدرك صلاة الفجر، في وقتها، وهنا بدأت أعيش الجحيم، وأنا أتلو المصحف الشريف شرد عني ذهني، أي القراءة بدون خشوع وإذ بي أفيق من سهوي وأنا أسمع شتيمة في نفسي لله عز وجل دون أن يتحرَّك لساني أو شفتي، لم أعرف ما الذي حدث، ذهلت وخفت؛
أسرعت للحمام اغتسلت ونطقت الشهادتين، صليت ركعتين لله عز وجل كي يغفر لي وثم صليت الفجر، ونمت الغد أستيقظت على وقع الأمر أول ما فتحت عليه عيني هو تذكر الأمر، وسماع ما قلت مجدداً في نفسي، وصرت أصلي وأسمع نفس الشيء في صلواتي، ضاقَ بيَ الأمر، توجَّهت لليوتيب باحثاً في الفتاوي، الواحدة تلوَ الأخرى، إلى أن وجدت حكم من سب الله والرسول عليه الصلاة والسلام فوجدت أنَّ الأوَّل يغفر الله فعله، أم الثاني فلا يغفره، وهو ما يخلِّد صاحبه في النار دون أن أعي أني في فتوى التلفُّظ بالقول، وما جرى لي هو حديث النفس، من شدة الفرح قلت في نفس الحمد لله لأني قلت كذلك ولم أقل غيره، ناسباً الأمر للرسول عليه الصلاة والسلام؛
ثم دخلت في مكاني ماذا قلت. شتمت الرسول عليه الصلاة والسلام توجهت للمرآة، بقيت أنظر إلى نفسي مذهولاً مرعوباً حائراً من أمري، ثمَّ ذهبتُ للاغتسال ونطق الشهادتين مرة أخرى، خوفا أن يدركني الفجر، وأن أفطر يوم رمضان، كانَ أوَّلَ يومٍ أصلي لله عزَّ وجل، وأنا أبكي بحرقة على الأمر، صرتُ أعيش الجحيم يومياً، إنني كافر، مرتد. الله لن يغفر لي، كيف قلت ذلك والمشكلة في حدِّ ذاتها أني لم أترك صلاتي، بل صرت أقوم الليل، أتصدِّق محافظ على صلوات الجماعة، أحفظ كتاب الله عزَّ وجل، كثير الذكر والاستغفار، أقرأ كتاب الله قبل النوم، معَ النومِ على وضوء، إلى آخره.
لكنَّ الأمر لم يفارقني أبداً، بل صار الأمرُ يزداد من يوم لآخر، كلَّ يومٍ أتوجَّه إلى إمام المسجد، أسأله فيقول لي ذلك من الشيطان، وهو مجرَّد وسواس، وحديث النفس، أنت لم تنطق بالأمر فخرجت من عندهِ فرحاً، ثمَّ أدخل البيت، فأقع في نفس الأمر، ويزداد رزالة عن السب والشتم، أحدث نفسي بأشياء لا يمكنني ذكرها عن الله أو الرسول عليه الصلاة والسلام، بمجرَّد سماعِ الأمر في نفسي أخاف وأبكي وأتضايق، وأحس أني حُرمت الجنة، ومصيري جهنَّم، والله لن يقبل لي التوبة وأني هالكٌ لا محالة، ثم استعيذ بالله، وأحاول أن أشغل نفسي بغير ذلك، أسمع قولاً بذيئاً، أو شتمٍ من أحدهم إلا وأسمعه عن الله أو الرسول في نفسي.
لم أعد أحتمل، زد إلى ذلك أرى أحلاماً عدة، أحياناً من يدرسني القرآن يقول لي أن الله لا يغفر ذلك، أحياناً أحس إني سوف أجن من الأمر، أصير آمر نفسي بعدم الحديث بذلك، لكن أسمع نفسي تقوله في نفس الوقت. ثمَّ بدأت أشك في نفسي، هل أنا مسلمٌ حقاً، كيف لشخصٍ مسلم أن يحدث نفسه بهذه الأمور، هل أنا منافق، أتوجه للمسجد رياءًا للناس وأتصدق لنفس الأمر، كيف أنا أفعل وأقول ذلك، وغيري لا، هل أنا أفعل الأمر وأحدث نفسي برغبة مني أحياناً؛
بدأت أصدق الأمر، وأقول أنا المسؤول عن كلامي، خاصَّة إني أحدث نفسي، في الصلاة به، أحياناً أصمت عند التشهد أو الرُكوع عند ذكر الله أو الرسول، حتى أسمع الأمر في نفسي، ثم أقول أنا من افتعل ذلك، لم أعد أشعر بالخشوع، ولا لذة الإيمان كما كنتُ سابقاً، علماً أني لم أكن ملتزماً حينها، لم أعد أعرف نفسي، كلَّما قرأت أهوال يوم البعث أو تذكرت الموتَ أو رأيت المحمل في المسجد أو.... أنا خائف من الموت على الكفر.
لا أعرف من المسؤول عن هذه الأحاديث، مع إني أجاهد لعدم الوقوع فيها، إلا أنها تقوى عليَّ من يومٍ لآخر، محاولة اجتنابها هي نفسها الوقوع فيها، عندي أنا على هذا الجحيم مند رمضان، ولم أجد للأمر خلاصاً، سوى الوقوع في حديث النفس، ثم الحصرة والشعور بخسارة الجنة، والفوز بلعنة الله وغضبه، والوقوع في الكُفر، أحس أني أحمل أعظم ذنب على وجه الكون لو وزع على سكانه لكفاهم جميعاً، ما يزيدني حُرقة أني يوم نويت التوبة النصوح لله عز وجل وقعتُ في الكُفر، وأنا حامل لكتابه، أتلو آياته ابتغاء ختم القرآن. يوميَّاً نفس الأمر، أصلي الفجر، أدعو الله، أخلد للنوم، أول ما أفتح عليه يومي السب والشتم في نفسي، حتى ينتهي يومي.
أنتظر ردكم بارك الله فيكم،
والسلام عليكم ورحمة الله
25/8/2016
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "أحمد".
هون عليك، فالذي تعاني منه، إنما هو وسواس، تمامًا كما قال لك إمام المسجد، ليس من صنعك، وإنما من الشيطان، لا تؤاخذ عليه، ولا تكفر بسببه، بقي أن تتعلم كيف تتخلص منه.
أما أنه ليس من صنعك: فلما رواه البخاري ومسلم: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «يأتي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ» [البخاري: بدء الخلق/باب صفة إبليس وجنوده، مسلم: الإيمان/باب بيان الوسوسة في الإيمان]. إذن النبي صلى الله عليه وسلم قال أن الشيطان هو الذي يأتي فيلقي في قلب الإنسان أمورًا منافية للعقيدة.
وروى مسلم: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاتي وَقِرَاءَتِي، يَلْبِسُهَا عَلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزِبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثًا». قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي.[مسلم: السلام/ باب التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة].
وروى أبو داود والحاكم في المستدرك وغيرهما: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا صَلَّى أحدُكُم فَلَمْ يَدْرِ زَادَ أم نقصَ، فليَسْجُدْ سَجْدَتَينِ وهُوَ قاعد، فَإِذَا أَتَاهُ الشَّيطَانُ فقَالَ: إنَّكَ قَد أَحْدَثْتَ، فَلْيَقُلْ: كَذَبْتَ، إِلَّا مَا وَجَدَ رِيحاً بَأَنْفِهِ، أَوْ صَوْتاً بأُذُنِه». [أبو داود: الصلاة/ باب من قال: يُتِمُّ على أكثر ظنه، المستدرك: كتاب الطهارة، والحديث صححه الحاكم، ووافقه الذهبي في التلخيص: 1/134] كل هذه الأحاديث يبين فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوساوس من الشيطان، وليست من الإنسان.
وأما أنك غير مؤاخذ ولا آثم ولا كافر: فأولًا: -كما قرأت في الأحاديث- فقد كان عليه الصلاة والسلام، يعطي السائل دواء لطرد الشيطان، وليس للتوبة. وثانيًا: لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، ولا يكلفها إلا بما كسبته، وفعل الشيطان ليس من كسب الإنسان نفسه، وإنما أمر خارج لا يستطيع دفعه إلا بالاستعاذة والالتهاء عن موضوع الوسواس بأمر آخر.
ماذا تفعل إذن؟
1- استمر بالدعاء، أن ييسر الله لك الشفاء.
2- عندما يأتيك الوسواس، استعذ بالله، ودعه يمرّ لوحده في ذهنك وكأنك لا علاقة لك به, أرأيت إن صدر من بيت جيرانكم موسيقا صاخبة أزعجتك جدًا، وكلمتهم في ذلك فأخذوا يخفضون الصوت تارة ويرفعونه أخرى.... ولم تُجْدِ معهم حيلة، ماذا تفعل؟ بديهيًا: تكمل أعمالك وتصرف ذهنك عن ضجيجهم رغم أنه مزعج، ولست السبب طبعًا فيما يفعلونه من صخبهم، أو خفض الموسيقى ورفعها، هم قليلو الذوق وليس أنت.
3- كلما جاءتك الأفكار، ذكّر نفسك وقل: إنه الشيطان، وأنا لست مسؤولًا عن هذه الأفكار، لا أؤاخذ ولا أكفر وذلك بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم. هدِّئ نفسك واصرف ذهنك عن الوساوس، وإياك أن تعيد الشهادتين، أو تغتسل ثم إياك, ستجد ذلك مرعبًا، ولن تشعر من أول مرة أنك مقتنع بعدم مسؤوليتك, لكن اصبر، والصبر مفتاح الفرج، إن استطعت تطبيق هذا جيدًا خمس عشر يومًا، سيزول كل شيء بإذن الله. وهذا ما يسمى في الطب بالتعرض مع عدم الاستجابة، تتعرض للوساوس ومثيرها، ولا تستجيب لها، فتذهب وتزول.
4- إذا لم تتحسن رغم تطبيقك التام لهذا الكلام، راجع طبيبًا نفسانيًا، فلعلك بحاجة إلى دعم دوائي بالإضافة للعلاج المعرفي السلوكي الذي ذكرته لك, وإن استطعت أن تجد طبيبًا يجمع بين العلاج الدوائي والعلاج المعرفي السلوكي، فهو أفضل بكثير.
فرج الله همك وأهدأ بالك....