سؤال ديني
شخص ما قال كلاما يحتمل معنى صحيح ومعنى آخر كافر وهذا الشخص يقصد المعنى الصحيح لكنه قال هذا الكلام لشخص آخر وهذا الشخص الثاني فهم من كلامه أنه يقصد المعنى الكافر فأيد المعنى الكافر وأقره وارتد عن الدين. فهل يكفر الشخص الأول إذا لم يوضح مقصده للشخص الثاني أو لم يقم بدعوته إلى الإسلام أو تأخر وتباطأ في ذلك لأنه يعتبر راضيا بالكفر ولأني قرأت أن المسلم يكفر إذا سأله كافر يريد الدخول للإسلام فلم يلقنه الشهادتين أو قال له اصبر ساعة أو حتى أفرغ من شغلي فهل هذه تنطبق على سؤالي.
ولأن من دعا إلى ضلالة عليه من الإثم مثل إثم من اتبعه أم أنه يأثم الشخص الأول إذا ترك توضيح مقصده ودعوة الشخص الثاني إلى الإسلام لتقصيره في الدعوة ولأنه يكره الكفر بقلبه. وإذا كان أحد الأشخاص مرتدا يدعو الناس إلى الكفر فكفر بسب دعوته أشخاص آخرون لكنه هو أي الذي كان يدعو للردة تاب وأسلم لكنه لم يقم بدعوة من كان يدعوهم إلى الكفر لم يقم بدعوتهم إلى الإسلام فهل يعتبر آثما لتقصيره في الدعوة أم يعتبر كافرا ويكون من شروط صحة إسلامه دعوة من كان يدعوهم إلى الكفر دعوتهم مرة أخرى إلى الإسلام وهل يكفر إذا تأخر في دعوتهم إلى الإسلام.
سمعت أن بعض صناديد الكفر بمكة ممن كانوا كفارا ويمنعون الناس من اتباع الإسلام قد أسلموا ولم يشترط لإسلامهم دعوة الآخرين الذين ربما تأثروا بهم في كفرهم أرجو الإجابة بسرعة.
5/10/2016
رد المستشار
أهلًا بك وسهلًا يا "رياض"
في الحقيقة، تكثر استشارات الكفر والتكفير هذه الأيام، وهي كثيرة عند الموسوسين من سالف العصر والأوان. أما الموسوسون فلعل قلقهم ووسوستهم يعطيهم شيئًا يسيرًا من العذر في اقتحام هذا الباب الخطير، على أنهم إنما يشكّون بكفر أنفسهم؛ وأما غير الموسوس فهو على خطر عظيم إن تساهل في هذه المسألة، وتكلم بها جزافًا بلا تثبت ولا بصيرة.
ما ينبغي لموسوس ولا لغيره أن تقفز فكرة تكفير النفس أو الغير إلى ذهنه، عند كل شاردة وواردة، التكفير آخر ما ينبغي أن يتم الحكم به على النفس أو على الآخرين، إذ يحمل حال المسلمين على حسن الظن ما أمكن.
من الممكن أن يقال: إن الفعل الفلاني قد يؤدي إلى الكفر. أو: يخشى على صاحبه من الكفر. أما أن نقول إن صاحبه كافر جزمًا فهذا لا يمكن إلا إذا تأكدنا من انتفاء جميع الموانع والأعذار. فأولًا يجب أن يكون ما قام به الشخص كفرًا بيقين، لا يحتمل التأويل؛ ثم: ننظر إلى حال الشخص: فمن أتى بالمُكَفّر مكرهًا، فليس بكافر كما هو معلوم، والموسوس يدخل في هذا الباب، لأنه مكره بالنسبة لإلحاح وسوسته ودخولها عليه دون إرادة. كذلك الجاهل الذي لا يعرف الحكم، وصاحب الشبهة الذي لم يناقش بعد، والمغلوب على عقله...، وما شابه ذلك... فالمسلم يحيط به سور عظيم قوي من الإيمان، والسور العظيم يحتاج إلى شيء عظيم يهدمه.
كل هذه المقدمة، حتى يشطب الناس –خاصة أصحاب الوساوس- كلمة (فلان كفر، أنا كفرت...) من قاموسهم...، فالحكم بالكفر على النفس أو الغير، كالأحكام القضائية تحتاج خبيرًا ورعًا تقيًا يحكم بها، وليس الأمر إلى عامة الناس...
لا يتم التكفير بقراءة عبارة موجودة في كتاب، أو سماع مثالٍ من شيخ على الفضائيات...، إنه أخطر وأصعب من ذلك..
قرأت أنت أن الذي يتباطأ في تلقين غيره الشهادتين ويقول له اصبر علي ساعة، فقد كفر، ولكنك لم تقرأ ما يكتب بعدها في مراجع دون أخرى: أن ذلك محمول على عدم وجود عذر في التأخير، كمن كان قائمًا يصلي مثلًا!!! إذن هذا القول ليس كفرًا بيقين، بل له ضوابطه، وله ملابساته التي لا يستطيع أي شخص تقديرها.
ثم استشهدت بقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا)). هل لاحظت كلمة "دعا"؟ هل كان صاحب الكلام المحتمل "يدعو" إلى ضلالة؟ هل خطر في باله أصلًا أنه يقوم بدعوة إلى شيء ما؟!! هل ينطبق عليه الحديث برأيك؟ إذن الأدلة التي استشهدت بها لا علاقة لها بالموضوع البتّة.
ثم، هل كان المعنى الذي فهمه الشخص الآخر كفر بيقين لا يحتمل التأويل ولا يوجد عذر؟ هل فهم الشخص الأول ما جرى فورًا؟ أم لم يفهم الموضوع إلى أن افترقا وجاء الشيطان يعظم المسألة ويضخمها في ذهنه؟ هل.. وهل.. وهل؟؟ إذن لا يمكننا أن نحكم بالكفر طبعًا، وإذا شككنا، فالأصل أنه مسلم وليس بكافر. وبالصيغة التي طلبتها أنت: لم يكفر!
أما سؤالك الثاني فقد أجبت نفسك: لا يشترط على من أسلم أن يدعو إلى الهدى من دعاهم من قبل إلى الضلال، وكما ذكرت: أسلم كثير من صناديد قريش ورؤوسها الذين كانوا يحاربون رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسلم كثير من الناس بعدهم، ولم يطلب منهم أن يقوموا بدعوة الذين أضلوهم من قبل بالذات، فالإسلام يجب ما قبله؛ من ضلّ فهو المحاسب، إذ الحق واضح والضلال واضح، فإذا تاب الداعي إلى ضلالة، بقي الوزر على من اختار الكفر والضلال. ولاحظ أنه ما من داعية إلى الكفر إلا وينقلب إلى داعية إلى الهدى بعد إسلامه...، فلا تشغل فكرك فيهم.
أرجو أن تكون بعد هذا الكلام قد شطبت موضوع الكفر والتكفير من ذهنك، إذ هو مضيعة للوقت، وإتعاب للفكر دون نتيجة ولا فائدة.
وأتركك بأمان الله