وساوس
أنا كنت بعمل معاصي كتير وربنا سبحانه وتعالى تاب علي والتزمت وأطلقت اللحية ولكن بعد فترة حلقتها فوسوس لي الشيطان أني حلقتها لأنها مش حلوة وإني كافر والعياذ بالله لأن ذلك استهزاء بالدِّين وكل مرة بحلقها نفس الوسواس بيجيلي وأنا أحاول أن أتجنب هذه الوساوس. الأمر الأكثر خطورة هو أني طول الوقت وأنا جالس في أي مكان يوسوس لي الشيطان أن قدمي ناحية المصحف أو أعضاء أخرى لا أستطيع ذكرها ناحية المصحف أو ناحية أي آيات قرآنية معلقة على الحائط وأنا أخاف من ذلك جدا.
وعندما أصلي يوسوس لي الشيطان أني أسجد لشخص ما والعياذ بالله ويوسوس لي أني أرى "صليب" على سجادة الصلاة وأنا أحاول جاهدا تجنب هذه الوساوس وأقول في نفسي أني لو تغافلت عنها بكون راضٍ عنها وأنا لست راضٍ. أيضا أنظر لكل ورقة على الأرض لأَنِّي خائف أن يكون فيها اسم الله -عز وجل - أو آيات قرآنية.
أعتذر للإطالة ولكن الموضوع خطير.
أفيدوني حضراتكم
3/10/2016
رد المستشار
أهلًا وسهلًا بك يا أخ وسام، والحمد لله أن أنقذك من ظلمات المعاصي والآثام، ثبتنا الله وإياك على ما يرضاه، ورزقنا جميعًا راحة البال.
طبعًا أنت تعلم أن وساوسك هذه تصنف ضمن الوساوس القهرية، وليست مجرد وسوسة شيطانية لتزيين المعاصي. وللوسوسة القهرية حظها من الشيطان، روى البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((يأتي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ)). وروى مسلم: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاتي وَقِرَاءَتِي، يَلْبِسُهَا عَلَيَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزِبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاَثًا». قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي.
وبغض النظر عن الوسوسة القهرية، فإن بدايات تعلم الدين كثيرًا ما تفعل هذا عند الحريصين على دينهم والتزامهم، وعند من لديهم استعداد للوسوسة، والسبب أن الإنسان يتعلم شيئًا فشيئًا، ولا يمكنه معرفة كل شيء فورًا، والحريص عندما يتعلم حكمًا ما، يريد تطبيقه على كل حالة يظنها مشابهة، ولكن الحال أن لكل شيء حكمه، ولكل حكم استثناء، فليس أنجع من العلم في طرد كثير من الوساوس الدينية، خاصة إن تم تداركها والاعتراف بها سريعًا، قبل أن تشتد وتصبح جزءًا من حياة الموسوس. وما يحصل معك وسوسة قهرية سببها جهلٌ بالحكم، وأسأل الله تعالى أن يكون بيان الحكم كافيًا في طرد وسواسك.
تعلم أن هناك أفعالًا ظاهرها واحد، لكن حكمها مختلف، وذلك بحسب النية:
فلو أن جنبًا حمل محفظة فيها مصحف، إن كان يقصد حملها بداية بما فيها من أشياء، ومن ضمنها المصحف فجائز؛ وأما إن حملها بقصد حمل المصحف فقط، فغير جائز، ويعد كأنه حمل المصحف على جنابة. (هذا عند الشافعية، والمسألة خلافية، فكلا الحالتين تجوزان عند الحنفية مثلًا، لكن المقصود هو التمثيل على اختلاف حكمِ ظاهرِ الفعل بالنية). ومن ترك الصلاة تكاسلًا ولكنه يعرف فرضيتها، فهو مسلمٌ عاصٍ؛ ومن تركها إنكارًا لفرضيتها في الإسلام، فهو كافر، مع أن الظاهر واحد.
وكذلك اللحية، من حلقها لهوى نفس غلبه، يجعله يرى الوجه الحليق أجمل، مع أنه مؤمن بأنها مطلوبة شرعًا (واختلف الفقهاء هل هي مطلوبة على جهة الوجوب أم السنية)، من آمن إجمالًا بأنها مطلوبة لكنه لا يقوى على الفعل، وهو مذعن يعلم أنها أفضل من الحلق، فهذا إما تارك للسنة فلا عقاب عليه، أو في أشد الأحوال تارك لواجب، يلزمه الاستغفار ومجاهدة النفس للالتزام فقط. بينما من كرهها، وصار يتأفف منها، على أنها شيء سخيف، وهي ليست من الدين، أو أنها من الدين لكن الدين في هذا مجحف يمنع الناس من مواكبة العصر، وما إلى ذلك... هذا مستهزئ فاعل لمحرم، وقد يخشى عليه من الكفر حسب اعتقاده وشدة كرهه وإنكاره...، ليس لأنها لحية يتوقف الإسلام عليها، ولكن لأن كرهه هذا منبعه رفض الدين، وليس رفض اللحية فقط..
وأنت إذ التزمت وتبت، فبديهي أنك محب للدين مقتنع به، ولست ممن يستهزئ. وإياك أن يأتيك الشيطان الآن فيقول: وماذا لو كنت غير ذلك؟؟؟ اطمئن، لا يوجد في سؤالك البتة ما يدل على أنك كاره للدين، أو مستهزئ، بل على العكس تمامًا، كلامك تفوح منه رائحة الاحترام والأدب. وإذ عرفت الحكم فتجاهل أي فكرة تأتيك بعكس هذا، التهِ عنها وانشغل بأي شيء، وستفارقك وحدها بإذن الله.
نفس الكلام يقال بالنسبة لجلوسك في مواجهة المصحف ونحوه، هناك أفعال في ظاهرها قلة أدب، وهناك أفعال ليس فيها قلة أدب في ظاهرها، كلا النوعين إذا قام الإنسان -بهما أو بأحدهما- على وجه الاستهزاء والاحتقار قاصدًا متعمدًا، فهذا مرتكب لأمر قد يؤدي بصاحبه للخروج عن الإسلام. لكن إذا فعل ما ظاهره قلة أدب إهمالًا، فهو تارك للأدب وحسب، أو جهلًا فلا مؤاخذة بالجهل؛ وإن فعل ما ظاهره مباح، هكذا اتفاقًا دون أي نية سوء، فعمله مباح لا مشكلة فيه. كذلك يقال بالنسبة لوساوسك جميعها أثناء الصلاة...
وأخيرًا: لسنا مكلفين بتفتيش الأوراق المرمية، -خاصة مع عموم البلوى بوجودها بكثرة في الشوارع-، ولكن إذا وقعت عينك مصادفة على كلمة مقدسة فاحملها وضعها إما في جيبك وقم بحرقها بعد ذلك، أو ضعها في مكان آخر مرتفع تصونها به عن الامتهان.
تجاهل وساوسك، كما أمرك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ، وَلْيَنْتَهِ))، استعذ، وكف عن التفكير وتجاهل... تابع صلاتك، تابع حياتك اليومية بشكل معتاد، فلم يجعل الله علينا في الدين من حرج، ولم يقيدنا كالمربوطين بالحبال أو المصفدين في الأغلال...، ولا تهمل الاستشارة الطبية إذا استعصت معك الأمور. كان الله معك بمعونته، وأكرمك بشفائه.
* ويضيف د. وائل أبو هندي الأخ الفاضل "وسام" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على الثقة، ليست لدي إضافة بعد ما تفضلت به الأستاذة رفيف الصباغ إلا أن عليك إن لم تتوقف الوساوس التي ذكرت بعد فهم وتطبيق ما بينته مجيبتك، عليك أن تطلب العون من طبيب نفساني فسيكون عمله معك سهلا وأنت بهذا الفهم،.... أكرمك الله بشفائه... وتابعنا بالتطورات من الطريق السليم لاستقبال الاستشارات.