الاحتياج
سيدي لا أعلم من أين أبدأ ولكن أرجو أن يتسع صدركم لي فأنا رجل في أوائل الأربعينات عشت عمري منذ طفولتي في ظروف مادية صعبة, فقد كنا الكثير من الأولاد وكان والدي موظف بسيط بالكاد يستطيع أن يكفي احتياجاتنا وكنا نعمل منذ صغرنا لمساعدته, فقد كانت حياتنا صعبة ولكنها لم تكن تخلو من الود والرباط الأسري بل والسعادة رغم صعوبتها وأنا أحكي هذا الكلام تمهيداً للآتي
مشكلتي تتمثل في جزء كبير منها مع الجنس الآخر فأنا لم يكن لي في مرحلة من مراحل حياتي أي علاقة من أي نوع مع أي بنت نظراً لما قدمته من ظروف صعبة لم يكن هناك أي مساحة لمثل هذا الأمر من أي نوع وإن كان هذا الأمر لم يمثل لي أي مشكلة في التواصل مع الجنس الآخر, بل على العكس كنت وما زلت محط اهتمام بل وإعجاب من كثير وإعجاب أعني به الشخصية وليس الإعجاب العاطفي, فأنا تزوجت بعد أن تخرجت بوقت قصير ولدي أولاد ولكن بعد وقت قد يكون 10 سنوات تقريباً قد برز في عقلي أني لم أستشعر الحب مع أي امرأة كانت, حتى عندما تزوجت تزوجت بدافع الزواج ليس أكثر ولم أشعر نحو زوجتي بأي حب من الذي قرأت عنه أو أستشعره في قلبي وهذا ما حدث بعد ذلك نحو أخريات مع العلم بأن زوجتي سيدة فاضلة وأكن لها كل الاحترام وهي قد تحملت معي الكثير ولكن القلوب بيد الرحمن لم أستشعر ناحيتها يوماً بمشاعر الحب.
وبعد مضي هذا الوقت واتساع استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وأخذت أتعرف على فتاة تلو الأخرى وأغرقهم بالكلام المعسول وحلو الكلام ولا أخفيك أنهم قد يتفوقن على زوجتي من ناحية الجمال الشكلي وكذلك الاهتمام بالنفس وما إلى ذلك وهو ما يستهويني كثيراً في المرأة, لم أكن في البداية أخبرهن أني متزوج وكنت لا أصرح لأي منهن بحبي لها بل
على العكس كن هن من يسارعن بإخباري بحبهن, وبعد وقت أستشعر بعذاب الضمير فيما يخص زوجتي من ناحية وأني قد أكون أخونها وكذلك تلك الفتيات المخدوعات واللاتي قد طمحن إلى أني شخص أعزب وقد أتزوجهن, وكنت أتعرف إلى أكثر من واحده في نفس الوقت وبعد تأنيب ضميري توقفت عن ذلك ولا أدري أهي الأقدار أم أنا السبب فيعاد الأمر للتكرار ولكن في هذه المرة كنت أخبر أي واحدة أتعرف إليها أني متزوج ولي أولاد, ولم يكن هذا يشغل البعض ونتواصل بشكل طبيعي إلى أن يميل الأمر ناحية الإعجاب وهكذا وأتوقف ثم أعاود.
مللت نفسي وإن كنت في داخلي رغبة تواقة لأن أرتبط بإحداهن ممن شغلن تفكيري بل وقلبي ثم أتفكر في زوجتي ومصير أولادي وأشعر أني في سجن رهيب لا أنا راضي بحياتي مع زوجتي ولا أنا أستطيع أن أهرب إلى الحياة التي أرغبها مع الأنثى التي أحبها
لا أدري سيدي هل هذا طبيعي أم أني أعاني مشكلة ما؟؟
وشكرا لكم
23/1/2017
رد المستشار
لا أنت تعاني من مشكلة، ولكن المشكلة ليست كما تريد أن تتصورها في أن ظروفك القاسية، وانغلاق الحياة عليك بعيداً عن الجنس الآخر هو ما يجعلك تفعل ما يفعله مراهق في السادسة عشر من عمره؛ فليس كل من لم يتعامل مع إناث في علاقات عاطفية تسول له نفسه الكذب والخداع، والوعود العاطفية الكاذبة لفتيات، ثم يتخلى عنهم بزعم "ضميره الذي يؤنبه!"
فأنت بالمناسبة تعرفت على أنثى معرفة عميقة أساسية في حياتك، قد تكون "طبيعة" علاقتك بها هي حقيقة مشكلتك دون أن تدري، أتعرف من هي تلك الأنثى التي تدخل كنموذج أول في حياة كل رجل؟؟؛ إنها والدتك يا أخي الكريم؛ فعلاقة الابن بأمه هي أول علاقة له بالأنثى، وأول نموذج يدخل للمرأة في عالمه الداخلي، وغالباً ما يتم تعميمه، وحسب طبيعة تلك العلاقة في حقيقتها، وعمقها، وليست طبيعتها الخارجية؛ تكون معنى الأنثى عموما داخله؛ وهذا احتمال كبير،
ولكن على أية حال؛ نظراً لأنك لم تحدثنا عن تفاصيل حياتك، وعلاقتك بوالديك... من المهم أن تتأكد أن لا علاقة بين تعدد علاقاتك العاطفية بمراهقة متأخرة كما تهوى أن تصدق؛ فالمراهق يحب، ويعشق، ويميل للفتيات، ولكن بصدق، ولا يقصد آذاهن، أو تركهن، أو الضحك عليهن؛ إلا إذا كان مراهقاً سنا لكنه سيء الخلق تصرفاً، أو مضطرباً نفسياً، أو لديه اضطراباً في شخصيته؛ فنحن نعالج المراهقين الطبيعيين من حبهم الأول الذي قد يسبب لهم ألماً نفسياً بسبب براءته، وقوته، وعدم نضجه الذي يجعله يتصور أنه يحب فتاة وهو في السادسة عشرة عاماً مثلاً ولا يتفهم معنى الزواج، ولا الحياة، ولا أدواره المختلفة في الحياة،
لذا أنت لست هذا المراهق البريء، ومن المهم كذلك أن تسمي الأشياء باسمها الصحيح، أولها أنك "أناني" تأخذ من زوجتك الوفاء، والخدمة، والجنس، وكيان الأسرة وتغدر بها وتطعنها، وتضحك على الفتيات وتكذب عليهن وتظل في حالة إغواء لهن حتى يعترفن لك بحبهن لتكون لحظة تسديد الألم لهن وتبرر وقتها ذلك "بضميرك" الذي لا يظهر إلا بعد اعترافهن، أو الوقوع بالإعجاب بك على الأقل!
ومن المهم كذلك.. ألا تتصور أني أسدد لك تلك الطلقات؛ لأني أنثى وأدافع عن جنسي! فأنا هنا أحدثك علمياً عما تفعل، وأراك في عين كل زوجة تشتت أمرها بسبب زوجها وعلاقاته المتعددة، وأراك كثيراً في العيادة في عيون أبناء تلك الزوجة الذين كبروا، وفهموا، وتأثروا نفسياً بمعرفة حقيقة والدهم الذي يحاول بكل الطرق أن يخفي ما يفعل، ولا يعلم المسكين أنه مكشوف،
وأراك في عيون فتيات أحببن رجلاً حدثهن عن زواجه التعس، وزوجته التي لا يحبها، ولا حتى يقترب منها جنسياً، وللأسف بعد قصة حبهما لن يستطيع أن يهدم بيته من أجل الأبناء، أو من أجل مرض الزوجة؛ لأن لديه مروءة تمنعه!
فلتفق على آلام، وآثار نفسية تتركها في علاقاتك الحقيقية، والمزعومة لمن حولك؛ ولتكن صادقاً مع نفسك؛ فتستقيم، وتستدير لزوجتك التي لم تحمل لك أذى، أو تقرر بالفعل الزواج ثانية من أنثي تهواها ما دمت لا تتمكن من تحقيق سعادة مع زوجتك؛ فهذا أكثر شرفاً،
أو لتستشر معالجاً نفسانياً يعينك على فهم ما تفعله؛ فقد يكون كما أشرت، أو لسبب يرجع لدرجة من النرجسية لا تراها، أو لعدم ثقتك بنفسك، أو لدرجة من السادية لا تراها؛ فهكذا تعلمنا، وهكذا تكون أنفسنا.... بئر عميق مظلم لا يرى أحد ما فيه؛ إلا بحمل مصباح-قد يكون المصباح عقله/ أخلاقه/ علاقته بالله تعالى/ طبيبه النفساني... إلخ- ينير له بئره؛ ليرى، ويبدأ في التعامل الصحي مع ما رآه.