أنا بكلم نفسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر جميع القائمين على هذا الموقع وقد قمت بإرسال موضوع من قبل خاص بعلاقتي مع خطيبي وقد ارتحت كثيراً من رد المستشارة وهذا ما شجعني أن أبوح بمشاكلي هنا أملاً في أن ألقى الحل.....
أنا بكلم نفسي منذ صغري أغلق على نفسي باب الغرفة وأتخيل مواقف أضع نفسي فيها أو مواقف حدثت معي من قبل وأقوم بتغيير رد فعلي عليها أنا لا أكلم نفسي أمام أحد فقط مع نفسي، قرأت من قبل أن هذا الأمر طبيعي ولكن في معظم الأحيان أتخيل نفسي شخص آخر مثلاً فنانة أو فنان رجل أو لاعب كرة أو مطرب في برنامج غنائي حاولت أن أكف عن هذا الأمر وعاهدت الله أني لن أعود إليه حتى يكون هناك سبب قوي يردعني عن هذا الأمر، ولكني عدت أعلم أن لدي القدرة على التوقف ولكن كيف؟
أريدكم أن تنصحوني بخطوات عملية ماذا أفعل؟ وهل هذا ممكن أن يكون سببه عضوي؟
علماً بأن أختي تفعل هذا الأمر أيضاً ولكنها كفت بعد زواجها.
22/2/2017
رد المستشار
أشكرك يا "سكرسوكرا" على ثقتك بالقائمين على موقع الشبكة العربية للصحة النفسية الاجتماعية، بادئ ذي بدء مجرد شعورك أن لديك مشكلة وتسعى لحلها فهي خطوة جريئة وصائبة وتشير أن لديك رغبة صادقة في التغيير والبحث عن حلول، والآن سأوضح لكِ بعض النقاط المهمة حول مسألة الحديث مع الذات....
لنُمَيِّز فيها بين ما هو طبيعي وغير طبيعي:
الحديث مع الذات (النفس) وسيلة تعامل يلجأ إليها الإنسان، إما عن طريق الحديث الداخلي (أحلام اليقظة)، أو من خلال الحديث بصوت مسموع، الطريقتان طبيعيتان، والهدف منها "إعادة هضم - بلغة الطب - لمواقف لم تُهْضَم".
هناك فرق بين الحديث مع الذات، والحديث مع آخر غير موجود فعليّاً نتيجة لهلوسات سمعية؛ لأننا في الحالة الثانية نكون قد خرجنا من الصورة الطبيعية للتفريغ الفكري، إلى الصورة المرضية للضلالات الذهنية، والتي قد ينتهي تشخيصها كعرض لأحد الأمراض العقلية؛ كالفصام Schizophrenia على سبيل المثال.
اتفقنا على أن الحديث مع الذات أمر طبيعي، والدليل أنكِ كنت تشعرين في طفولتك، وفي عدة مراحل من حياتك بالارتياح لهذه الحيلة الدفاعية، لكن ومع تزايد الضغوط النفسية الرهيبة التي مررتِ بها، والإحباطات المتتالية، وانهياراتك الداخلية المتعاقبة أمام الصعوبات والمشكلات، أصبح هذا الدواءُ داءً، حين خرج من وضعه الطبيعي إلى وضعه القسري المؤلم، معيقاً لصلاتك وحياتك، مع قناعتك بأنك مرغمة على فعل ذلك، وليس بإرادتك كالسابق، إن كان الأمر كذلك فهذا لا يعني سوى شيء واحد هو: إصابتك باضطراب الوَسْواس القهري.
العرض الإكلينيكي للوسواس القهري، الذي يظهر لديك يأتي في صورة اندفاعات Impulses، أي: أن الحديث مع الذات يأتي نتيجة لحثٍّ مسيطرٍ مُلِحٍّ، لا طاقة لكِ لدفعه، شفاك الله وعافاكِ.
نصيحتي لكِ: توجهي لطبيبة نفسية وذلك لسببين:
أ- أن 50% من علاج الوسواس القهري معتمد على العلاج الدوائي، والذي لا أستطيع من خلال موقعنا هذا فلابد من اللجوء لطبيب متخصص يشخص حالتك بدقة ويكتب لكِ العلاج الملائم لحالتك وفق شدة الأعراض التي تعانين منها وسنك ويحدد الجرعات الملائمة لك.
ب- أن 71% من مرضى الوسواس القهري تصحبُهم أعراض اكتئابية، ولذلك ستعمل أدوية الوسواس القهري - التي هي في الأصل مضادات اكتئاب - على استهداف الأعراض المرضية للاضطرابين معاً بإذن الله، هذا إلى جانب العلاج النفسي، الذي سأشرح لكِ بعض طرقه في الأسطر التالية:
العلاج النفسي للوسواس القهري:
1-العلاج النفسي
أخبريني: ماذا كنت ستتصرفين لو أنكِ كنتِ عائدة إلى منزلكِ، وإذا بصوت المذياع عالياً إلى حد الجنون؟ هل ستصرخين بصوتٍ عالٍ كي لا تسمعينه؟ أو تقومين بالضغط على زر القفل لإطفاء المذياع؟ بالتأكيد ستضعين حدّاً للصوت المزعج بإيقاف زر التشغيل، أليس كذلك؟ ما تفعلينه في علاجك، لحديثك مع نفسك بصوتٍ عالٍ يشبه تماماً مَن يلجأ إلى إسكات صوت المذياع بالصراخ؛ هل سيسكت المذياع؟ طبعاً لا، سيستمر الصراع بصورة مزعجة للغاية، وسيزيد الأمر سوءًا لو أن أحدهم جاء لمناداتك، بالتأكيد لن تتمكني من سماع أحد؛ لأنك مشغولةٌ بإسكات صوتك الداخلي العالي بصوتٍ أعلى، هو صوت الشيخ في المسجل، والنتيجة الطبيعية أن هذا المنادي سيضطر إلى التحدث معك بصوت أعلى من صوتك وصوت شيخك؛ لتتمكني من سماعه، هل تخيلتِ مدى الإزعاج؟ إذاً توقَّفي عن إيقاف صوتك الداخلي بالاستماع إلى أصوات خارجية، توقفي فوراً فالطريقة - فضلاً عن كونها غير مجدية - هي طريقة مزعجة للآخرين، ومضرَّة بصحتك، لا تَنْسَيْ أن ما يصدر عن هذا المذياع أو هذا المسجل ليس سوى موجات كهرومغناطيسية ضارة، أرجو أن تتأكَّدي من سلامة أذنَيك بسبب الترددات الصوتية المرتفعة التي تنامِين على هديرها.
2- العلاج السلوكي Behavioral therapy:
أ- بأسلوب التعرض المباشر ثم الامتناع Exposure – Prevention، وهو المفضل في حالة الوسواس القهري، ويدَّعي بعض رواد المدرسة السلوكية تشابه نتائجه مع العلاج الدوائي.
ب- (العقاب) Punishment + (الثواب) Positive Reinforcement
وتتلخَّص الطريقتان معاً على النحو التالي:
توجهي للقبلة وكأنك تريدين الصلاة – وذلك خارج أوقات الصلاة للتدريب – وَادخُلي في الصلاة بشرط أن تكوني حاضرة بذهنك وإرادتك (التعرض المباشر هنا = الصلاة)، ومتى شعرتِ بأنك مندفعة للحديث مع نفسك امتنعي تماماً، وتوقفي عن الكلام (الامتناع هنا = الامتناع عن الحديث مع النفس) كَرِّري هذا التمرين مرتين أو ثلاثة في اليوم، مع أي عمل تشعرين أن حديثك مع نفسك يقطعه كالصلاة، ونحو ذلك، وإذا شعرتِ بأنكِ قد نجحت ولو لمرَّة واحدة فكافئي نفسَك بمكافأة مجزية كتناول طعام تحبينه مثلاً، وبالمثل عاقبِي نفسك بالحرمان من شيء تحبينه إذا ضعفت مقاومتك وإرادتك، واستسلَمْت للحديث مع نفسك، وأنت تُصَلِّين، علماً أن (العقاب والثواب) أسلوبان منفصلان تماماً عن أسلوب (التعرض ثم المنع)، ولكنِّي دمجتهما معاً نظراً لتقدم حالتك وصعوبتها، أرجو أن تكون الفكرة قد وصلت بشكل صحيح، جَرِّبي ذلك لمدة أسبوعين إلى ثلاثة على الأقل، قبل أن تحكمي على مدى جدواها، ومع مرور الوقت سيَقِلُّ حديثك مع نفسك تدريجيّاً، ولا تتوقفي حتى تصلي إلى الوضع الطبيعي.
3- العلاج الديني:
عن أبي العلاء: أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: {يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي، يلبسها علي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ذاك شيطان يقال له خِنْزِبٌ، فإذا أحسستَه، فتَعَوَّذْ بالله منه، واتفُل على يَسَارِكَ ثلاثًا)) فقال: ففعلتُ ذلك، فأذهبه الله عني}؛ رواه مسلم في باب: "التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة".
ثِقي أنني أشعر بمعاناتك؛ ولهذا أدعوك أن تهتمي بصحتك النفسية والجسدية، وتسارعي بالكشف عن آلامها.
إن تَناوُل الدواء - مع استخدام طرق العلاج النفسي السابقة - سيعطيان نتائج ملموسة بإذن الله، وأنتظر بشائر تحسُّنِك للأفضل، ومتى خطرتُ ببالك، فلا تنسيني من صالح دعائك.