البحث عن حل
من 12 عام دخلت متاهة المرض النفسي لكن من الواضح لي أن مصيري كان محدداً قبل هذا بوقت طويل. علي مدار هذه السنوات ظللت أبحث عن حل وحتى اليوم لم أعثر عليه. لعل البحث في حد ذاته مشكلة. إلا أن المرء لا يستطيع المكوث مكتوف اليدين بينما يشاهد "بيته" يحترق. إن عقلي هو النار التي تحرق مستقبلي. لقد تخرجت من كلية مرموقة منذ عدة أعوام لكني وإلى اليوم لازلت عاطل عن العمل. ليس لسبب سوى الخوف والقلق والذعر وقلة الثقة في النفس. قد تبدوا هذه الأشياء غير مهمة بل في أحيان كثيرة يمرُّ بخاطري إدراك لمدى تفاهتها وضألتها لكنها سرعان ما تثبت لي الحياة عكس هذا. فأجد نفسي ضحية لها.
لكن القصة لا تبدأ هنا بل في مرحلة الثانوية العامة. في تلك الأيام التي كنت أظنها أسوء أيام حياتي كانت حالتي في أشدها. وعانيت من أعراض غريبة إلى جانب الخوف والقلق فكنت أشعر أني أراقب أفكاري وأحاول التحكم فيها وكان لهذا أن يحيلني عاجزاً عن التركيز وبالتالي عن الدراسة. وكنت بسبب هذا أكره المذاكرة وبسببه أيضاً كنت أتلقى اللوم والعقاب من أهلي. شعرت أني في الجحيم. فعندما تُعاقَبٌ على جرمٍ لم ترتكبه ينتابك شعور بالعجز وقلة الحيلة. كنت أشرح ما أعانيه لأهلي لكن دون فائدة. لا يسعني أن ألومهم مع ذلك. كانوا يعتبرون أني ضعيف الإرادة وبي رغبة في المرض.
مرت مرحلة الثانوي ودخلت الكلية واستمرت المعاناة ورسبت في إحدى السنين. أخيراً وتحت ضغط إصراري وافق أهلي على أن أذهب إلى الطبيب النفسي. شرحت له ما أعانيه. أخبرته عن القلق الشديد المصاحب بسرعة نبضات القلب والتعرق والشعور بأن أفكاري مشلولة وعدم قدرتي على مواجهة الناس والغرباء. ثم حكيت له عن عدم قدرتي على التركيز وشعوري أني منقسم وأراقب نفسي وأراقب أفكاري. عندها وصف لي دواء الابيلفاي ولمدة خمسة أعوام وحتى هذه اللحظة وأنا لا أزال على نفس الدواء.
في هذه الفترة جربت ‘أنواع كثيرة من مضادات الذهان ال atypical إلى جانب الابيليفاي. أعتقد أن الشدة التي كنت أراقب فيها أفكاري بعد البدء في العلاج بفترة قد قلَّتْ وإن لم تختفي. لكن الخوف والتوتر لم يتبدلا والغريب في الأمر أن الطبيب وعلى الرغم من أني أشكو له في كل مرة من نفس المشكلة لم يحاول أبداً حلها. بل كان يضيف مضاد الذهان مختلف في كل مرة إلى أن مللت.
خمسة أعوام مع الأبيليفاي ولا يسعني القول أنه حصل أي تغير في حياتي. لا أزال نفس الشخص الخائف والقلق والغير سعيد. أصدقائي ولا شك يتضألون يوم بعد يوم. لا يسعني مغادرة البيت إلا في حالات الضرورة. أشعر أن ذهني مقيد وأن تفكيري محدود. وأخيراً أدركت شيئاً. لعل تشخيص الطبيب لي ليس في محله. لعلي لست مصاباً بالفصام. لا أذكر أني كنت أعاني من الهلاوس وعلى حد علمي لست بالشخص المرتاب. المضحك في الأمر أن الحالة التي من المفترض أن يخرجني الابيلفاي منها هي الحالة التي قد صرت إليها. شخص وحيد غير قادر على الشعور بشيء ورأسه مليء بالأصوات السلبية. أخبرت طبيبي هذا لكن بلا جدوى. يبدو أنه لا يصدقني.
الآن لا أعرف ماذا أفعل ؟ لا يسعني الاستمرار بدون عمل. لكني وفي كل مرة أخرج فيها لمواجهة الناس أشعر بالضعف والخوف. أحس أني أقل منهم ليس لشيء إلا لأن عقلي لا يطيعني. أنا عالق في دائرة من عدم الثقة في النفس والمرض. فالقلق يفسد تجاربي ويحولها إلي تجارب سلبية لتغذي المزيد من القلق. حتى الأشياء التي أستمتع بها كالقراءة والتفكير تبدو لي صعبة. فعندما أحاول أن أفكر في موضع أشعر بشيء يحاربني ويعاندني وكأني أفعل أمرين متناقضين. كأني أريد أن أفكر وأن أعرف كيف أفكر. يدفعني هذا للجنون ولا أصل لأي عمق في تفكيري.
إني أريد أن أحقق شيء في حياتي. لدي طموح ولدي أحلام. لا يسعني تخيل نفسي على هذه الحال للأبد لا يمكنني تقبل هذا. سبق وأن فكرت في الذهاب إلى طبيب آخر لكن أهلي يرفضون الفكرة بدعوى أنه الأمور قد تصير أسوء.
فما هي مشكلتي ؟ وكيف لي أن أعالجها ؟
شكراً
28/3/2017
رد المستشار
أخي الحبيب
أهلا ومرحبا بك على الموقع وشفاك الله وعافاك
ما يميز حالتك أنك قادر على وصفها بدقة شديدة وقادر أيضا على الاستبصار بمعاناتك وما تحتاجه للتخلص من مشكلتك، كما يعجبني إصرارك وقوة إرادتك ورغبتك في عدم الاستسلام.
اهتم طبيبك بفكرة مراقبتك لأفكارك واعتبرها خللا في طريقة التفكير أو شكله وبالتالي صنفك على أنك ذهاني دون الاستناد إلى أعراض أخرى حسب وصفك للحالة، ولم يهتم بمعاناتك من القلق العام والرهاب الاجتماعي وربما بعض أصناف القلق الأخرى التي ربما لم تشر أنت إليها (لا أزال نفس الشخص الخائف والقلق والغير سعيد. أصدقائي ولا شك يتضاءلون يوما بعد يوم. لا يسعني مغادرة البيت إلا في حالات الضرورة.
أخبرته عن القلق الشديد المصاحب بسرعة نبضات القلب والتعرق والشعور بأن أفكاري مشلولة وعدم قدرتي علي مواجهة الناس والغرباء.) كما لم يهتم أيضا بمشكلات الشخصية لديك (تخرجت من كلية مرموقة منذ عدة أعوام لكني وإلى اليوم لازلت عاطل عن العمل. ليس لسبب سوي الخوف والقلق والذعر وقلة الثقة في النفس.)
عزيزي
أتصور أنك تحتاج إلى تغيير خطتك العلاجية والاهتمام بالأعراض الأكثر إثارة بالنسبة لك كالقلق ومشكلات الشخصية وهذا سيحتاج إلى استخدام بعض الأدوية التي تعالج القلق مع عمل جلسات طب نفسية لتعديل السلوك القلقي مع تعلم بعض أساليب تعديل الشخصية ومهارة زيادة الثقة بالنفس.
لذا أعتقد أنك تحتاج إلى مراجعة طبيبك أو اختيار طبيب آخر يهتم بالجانب النفسي بجوار الجانب البيولوجي
وفقك الله
واقرأ أيضاً:
نفسي عصابي: خلطة قلق Mixed Anxiety
نفسي عصابي: اضطراب قلق غير معرف Anxiety Disorder NOS