تابع: بؤسنا المركب: قصة حياتنا الجنسية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
جزاك الله خير الجزاء في ردك على رسالتي وطمأنتي نوعا ما....أسلوبك رائع جداً...الحمد لله أشغلت نفسي بحفظ القرآن. خفف عن كثير من عناء التفكير في ما ينقصني وهمومي ...وأجد راحتي كثيراً فيه. والله لدرجة أني أنسى ما هي مشاكلي. لكن الشيطان موجود... ويريد أن يحزنني في كل مرة أغفل عنها عن قراءة القرآن والاستعانة بالله....قلت أني لم أتحدث عن تعليمي ونشاطاتي ..!!
أنا أكلمت تعليمي الجامعي. وبدأت دراسة أخرى جامعية في مجال مختلف تماماً ولله الحمد ...مازالت لدي مشاكل صغيرة لا أجد تفسير ...في المنزل أعيش وأخي فقط....عندما أكون في مجتمع أتفاعل بشكل ممتاز جدا وفجأة أدخل في حالة زهج وعبوس ولا أطيق كلاما مع أحد...وعند عودتي للمنزل أرتاح. وكأن شيئا لم يكن.
وأحيانا تجدني واثقة جدا من نفسي وأحيانا أخرى يصعقني ضميري ويشعرني بأني لا شيء ..أنتِ التي فعلت كذا وكذا وكذا وفقدت ثقتي تماما ...كنت أحلم بمستقبل رائع كأي فتاة ولكن الآن أشعر أني لن أبرح منزلي هذا وسأحيا فيه وأموت فيه.....
أتمنى منك نصحي وتسديدي للطريق القويم ...
واعلموا أنكم ملجئي بعد الله عزَّ وجلَّ إن ضاقت بي السبل ....
26/5/2017
رد المستشار
الابنة السائلة:
متابعتك القصيرة تفتح المزيد من الموضوعات الهامة، تعالي نحاول الفهم من جديد لعل الأفكار تتخذ مساراً مختلفاً، ومن ورائها أفعال أنسب.
تقولين أن قراءة القرآن تشغلك عن التفكير فيما ينقصك، وهذا مدخل إلى ضلال كبير!!
أنت إنسان كامل يا ابنتي، واحتياجاتك غير الملباة لا تجعلك ناقصة، وهي ما بين أن تعطيها لنفسك أولاً من حب واهتمام ورعاية...إلخ، وبين أن تبحثي عن سبل لعلاقة تشاركين فيها إنسانيتك، وكمالك.
بالمقابل إذا كنت تتعاملين مع احتياجاتك كأنها رغبات يوجعك غيابها، ويأتي الشيطان الداخلي، أو الخارجي ليذكرك بهذه الرغبات، ويصور لك أنك بدونها ناقصة، أو تعيسة، أو ينقصك شيء ما!!
إذا تناولت المسألة بهذا الكيف تؤلمين نفسك بنفسك بدون منطق!!
ونفس هذا التناول هو ما يوجعك، ويضعف ثقتك بنفسك إضافة إلى نظرتك إلى تقديراتك السابقة التي ربما تبين لك أنها لم تكن دقيقة أو مناسبة!!
تحويل الاحتياجات إلى رغبات، وأرجو أن يكون الفارق قد اتضح لك، وتحويل دروس الحياة إلى مداخل للشعور بالذنب، وتضخيم هذه المشاعر هي مداخل للأرق، وانعدام الثقة بالنفس.
الحياة أمامك واسعة فلا تقعدي عن الحركة فيها انتفاعاً واستمتاعاً.
والشيطان الخارجي، بل والداخلي ضعيف طالما أنت واعية بذاتك، تعرفين أن الله قد خلقك إنساناً كاملاً يحتاج إلى السعي لتلبية احتياجت بيولوجية، ونفسية، واجتماعية، وهذه الاحتياجات هي جزء من إنسانيتك، وهي حولك متوافرة، وبعضها متوافر بداخلك، ولكن يحتاج إلى إعادة استكشاف مثل : حبك لنفسك، وثقتك، واهتمامك بذاتك، ورعايتك لصحتك، وإعجابك وامتنانك لكل ما وهبه الله لك، وكل نفس يتردد في صدرك، وكل جزئية من جزئيات وجودك كله!!
وفيما يتعلق بالعلاقات فهي تأتي مع الحركة التي تسمح لك بملاحظة ومراقبة البشر، كما تسمح لك بالشعور تجاه بعضهم بالصداقة، أو بالحب، ومن ثم التعبير عن هذه الأحاسيس، وما يترتب على هذه التعبيرات من قبول أو رفض، ولا يعيبك الرفض، بينما القبول يمنح الفرصة للتقدم أكثر في هذه العلاقة أو تلك نحو المزيد من الإشباع للشغف، والمشاركة.
جلوسك في منزلك هو أحياناً خلوة ومتعة وهدوء وتأمل، وأحيانا هو هروب وعزوف وركود. والأمر بيديك، والحياة أمامك لتتعلمي كل يوم الجديد، وليس لتهربي من خبرات وتجارب سابقة من شأنها أن تضيف إليك نضجاً وفهماً، وليس أن تكون إزعاجا وتأنيبا.
وتابعينا بأخبارك، وكل عام وأنت بخير.