قبلة ولمسة يد: ملتزمة ومخطوبة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أرسل إليكم ولست أدرى ماذا أقول لكنني أريد حلا عاجلا، المشكلة أنني لا أستطيع أن أتحكم في نفسي.
أنا فتاه في السنة الأخيرة في الكلية اتخطبت لشاب في أغسطس السابق بعد تردد كثير واستخارة واستشارة، فأنا فتاة أحب الدعوة ولكنه ليس من نفس فكري إلا أنني أحسبه على قدر من التدين إن كان الدين يقاس بالعبادات وأن أباه رباهم على الخلق والدين والصلاة في المسجد.
فقلت هل أرتضى دينه وخلقه أم لابد أن يكون من نفس فكرى وحبي للدعوة؟
شعرت أنه ليس شرطا فالرسول قال من ترضون دينة وخلقه فزوجوه وهو مناسب من المستوى الاجتماعي كما أنني شعرت بالراحة والقبول وهو يعلم حبي للدعوة ولا يرفض العمل بها على ألا أُقصّر في بيتي، وكنت أعلم أن فترة الخطوبة ما هي إلا فترة حتى أتعرف علية أكثر وتمت الخطوبة.
لم أكن أتصور أنني سوف أحبه بسرعة ولكن بدأت المشكلة من ذلك الحب فلم أستطع أن أمنع الكلام وهذا أول تنازل ثم بعد فترة حاول أن يمسك يدي ولكنني رفضت في البداية.. الأهل في غرفة بجوارنا لكن صوتنا لا يصل لهم لكننا نشعر بحركتهم.. ثم أمسك يدي وفي المرة التي بعدها قبلها.
في كل مرة بعد أن يتركني ويرحل كنت أجلس مع نفسي وأقول كيف فعلت ذلك وأشعر بالندم وأبكى وكنت أتوب وأقول لن أكررها حاولت أن نعقد في إجازة نصف العام لكن أهلي رفضوا وبشده لأنني في دراسة وخافوا ولم يعلموا أن ما يخافون منه يحدث وأشعر بأنني أخون أبى وثقته بي وظنهم بأنني متدينة ولم يعلموا أن هذه المتدينة لا تقدر على نفسها أمام حبيبها.
وبعد نصف العام بدأ الضعف حتى وصل للقبلة لم أعرف كيف ولكنه ناتج عن التنازل، شعرنا بعدها بالندم وقررنا عدم العودة لكننا لم نستطع لا أدافع عن نفسي ولا عنه ولم أتخيل أنني ضعيفة لهذه الدرجة، حينها تذكرت كلمة صديقة لي "الخطوبة مليئة بالفتن"
شعرت أن عباداتي قَلت وأنني لم أعد أتستطيع أن أقف أمام الله وأدعوه فكم تُبت وعُدت حينها كلمته وقلت له إنني متعبة وقلت له إنني قَلت عباداتي وكلّمته بصراحة فقرر أن لا يكلمني في التليفون إلا مرة أو مرتين في الأسبوع وأن يزورني مرة في الشهر عقابا لأنفسنا وقال أنني أغلى حاجة عنده لذلك يعاقب نفسه بالبعد عني وطلب مني كالعادة أن أدعوا الله أن يرزقنا الصبر.
ولم أكن أتخيل أنني أنا الأضعف وأنني لا أتحمل عدم مكالمته ولا رؤيته فكلّمته وقال لا يجب أن نتحمل ونصحني أن أهتم بدراستي حتى تنتهي بسرعة ونتزوج إن شاء الله.
وكان أمس موعد الزيارة بعد شهر ودعوت الله كثيرا أن ييسر لنا الطاعة وأن يُعسر علينا المعصية وأن يعيننا وطلبت من صاحباتي أن يدعون لنا بدون معرفة أحد والله استجاب وعسّر علينا المعصية فأخي كان جالسا في نفس الغرفة يقوم ببعض الأعمال إلا أنني لم أستطع بعد مضي نصف الفترة فطلبت من أخي أن يقوم بذلك العمل في مكان ثاني لم أستطع ولم نقدر.. كان طلبي وليس طلب خطيبي.. وحينها لم نقدر..
ماذا أفعل لا أتستطيع أن أقول لأحد ممن حولي فآخذ منه المشورة وأفضح نفسي فأجيبوني.
هل أتركه وأنا أحبه جدا وماذا أقول سبب الانفصال أم ألغى الزيارة نهائيا؟
هل هو إنسان كويس لكنه لا يقدر على نفسه أم أنه إنسان لا يصون الأمانة؟
أحبه وأشعر بحبه.
قال لى في رمضان الحمد لله رمضان القادم إن شاء الله أصومه وأقومه معك حتى عندما رفضت أمي أن أصوم اثنين وخميس قال لا تخافي سنصومهم معا وعندما رفضت ارتدائي للخمار لأن إيشاربي كبير يوافق الحجاب قال سترتديه في بيتي..
أدافع عنه.. ربما.. ولكنني أحببت فيه كل ذلك والكثير..
ماذا أفعل؟
19/03/2004
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله.
قرأتُ استشارة "قبلة ولمسة يد : ملتزمة ومخطوبة"
وقرأت كل المشاركات بتمعّن وها هي بالترتيب:
قبلة ولمسة: صدمات الخبرة والتبكيت مشاركتان
ملتزمة ومخطوبة..متابعة المشاركة
ملتزمة ومخطوبة: تعقيبات من رحاب مختلفة م
ملتزمة ومخطوبة: أحاديث الرجال والنساء مشاركة1
ملتزمة ومخطوبة: التوحيد وتحطيم الأصنام مشاركة2
وطبعا قرأتُ ردود الدكتور أحمد عبد الله والتي شفتْ غليلي وهوّنتْ عليّ قليلا، بعد أن استفزّتني طريقة الرد من قبل الأخت سحر ورحاب (الأولى، والتي سأناديها دائما برحاب فقط، ورحاب أمريكا للأخت الأخرى). نظرا لشموليّة ردوده، ووعيه بكل جوانب المشكل، سواء من جهة المجتمع، أو التصورات الدينية، أو الحالة النفسية وما يصلحها وما يُفسدها. لهذا جاءت ردوده أكثر احتواء لمختلف التوجهات وقد طبّق مبدأه الذي يؤمن به بأن الحقيقة والحق ليست حكرا على جهة واحدة، وأخذ من كل تدخّل أحسن ما فيه، مع توجيهات لطيفة قد أخذ على عاتقه فيها الرأفة واللين، في موضع قد لا يلين ولا يرأف فيها إنسان غيره ! وطبعا لا أحد يحرمُكما من حق الاستنكار كما اشتكتْ رحاب، كما أظن أنّه لا أحد يحرمُني من حق الاستنكار أيضا.
ربما أعيد وأقلب ذكريات قديمة، وأرد على أشخاصا توفّوا أو انقطع بهم السبيل أبدا فلا يقرؤون ما سأكتب، أو سحقتهم عجلة الحياة وخبَتْ همّتهم عن القراءة فضلا عن المشاركة. ولكني آثرتُ التعليق لأوضّح بعض النقاط والمسلمات الخاطئة، والتي قد ذكر بعضها المستشار الفذّ ورحاب أمريكا، راجيا أن تكون توضيحا لمن ينتظر مِثله واعتلج في صدره مثل الذي اعتلج في صدري، فقد يئستُ من تغيير قناعات الناس إلا أن يشاء الله. وإن لم يقرأها أحد فإني أكتبها لنفسي !
ولا يُفهم أبدا من مداخلتي هاته أنني أشجّع على مثل ذلك الخطأ الذي وقعت فيه نورا.. أبدا.. فالسياق ليس توضيح منهجي ولا تبرير توجّهي لأيّ كان. ولكنّه سياق استدراك على من نصح فظنّ أنّه قد أحسنْ. فضلا على أني أعتقد بحُرمة ذلك (ما وقع لنور وخطيبها) ولم أفعله أبدا ولا عشتُه ثقافةُ لكيْ أتّهَمَ باستمرائه أو أني ابن ثقافة منحلّة وذو رأي مشبوه في القضية كما قيل لرحاب أمريكا! وسأحاول ترتيب النقاط حسب ترتيبها الوارد، ولا علاقة للتقديم والتأخير بالأهمية. وأشعر منذ الآن أني أحتاج جريدة لا مقالا، وليقْرأها على طولها من شاء وليكسل عنها من شاء، لأنّني أعلّق على "أسحار ورحابات" في أوطاننا العربية الحبيبة. وما علقت عليه هو ما أنكرتُه، إذ أنني اتفقتُ مع كثير مما كتبتَا. مثل خطورة ما تفعل على زواجها، فقد لا يتمّ، وكرامتها فيما بعده. و أنّ الحبّ قد لا ينفعها إن شعر خطيبها بتأنيب الضمير و"الدّنس" ورآها خطيئة يجب نسيانُها ومحوُها من حياته ! وآنذاك ما أشدّ ندمَها !
وقبل أن أبدأ، لا بدّ من التنبيه على تمثّلات لها دور كبير فيما عارضتُه، وهي متمكّنة في المجتمع والمتدينين خصوصا، وهو عدم التفريق بين الوعظ والزّجر للنّوع (من يفعل كذا) وبين المُعيّن (شخص بعينه يقوم به)، فالأوّل للتنفير والاستباق والوقاية، والثاني للنظر في الأسباب والخلفيات وللعلاج ! ومراعاة نفسية الشخص، التي قد يُصلحُها ما يُفسد الأخرى، ولا يفيد معها خطاب عام فضفاض. فضلا على أنّه يعلم كلّ ما سيوعظ به مسبقا ! لذلك تحرّك يسأل ويبحث عن الحلّ، أما الذي لا يرى نفسه في محرّم أو مخالفة فلا يسأل ولا يريد أن يُقلع أصلا ! وينبغي التفريق أيضا بين الزجر والتخويف قبل وقوعِه وبين التعامل مع الواقعة بعد حدوثِها بما هو نافع للفرد بعيدا عن "إقامة الحجة" أو "تفريغ التوتر والإحباط" باسم "القوة في دين الله" وبعيدا عن إبقاء هيبة المتدخّل المتديّن الذي يخشى أن تُخدش إن هو تعامل مع الوضع بحكمة ولين وبما هو نافع ! فالغاية أخيرا هي إخراج الإنسان من مأزقه. وغالبا ما يُقيّم الناس الحلّ بالقسوة والشدّة، وظاهرٌ أنّ التقْييم لا يحْتكم غالبا إلا لهول الصّدمة وتَصوّرات المتدخّل. لذا نغفَل عن اللين الذي يحتاج مُصابرة وتجاوزا لحظوظ النفس الغاضبة المستاءة حتّى إن تسربل ذلك لا شعوريا بغضبة لله ! غضبةٌ غايتُها إرضاء "ضميرنا الدينيّ والأخلاقيّ" لنقول أننا غضبنا ولم نميّع ! فما حاجة الله تعالى لغضبة لا تراعي غايتَها وهي صلاح الفرد وتقديم الحلول النافعة له هو، وليس لنا فقط !
وربّما مبادرة الناس عموما والمتدينين خصوصا للاستنكار والزجر والتهويل، راجع إلى شعور نفسي بتمركُز الدّين حول شخصه فهو يظنّ أنّ لينه يعني تمييعه للدين، وأنّ الدين سيضيع إن لم يقف وقفة حازمة صارمة، ليسلم له اعتقاده ودينه، على حساب إهْلاك الآخر وإضعافه (وقد نسيَ أنّ الدين اكتمل وله مراجِعُه ومنابعه الصافية، وسُكوته لا يعني تعطيل رسالة ولا خيانة أمانة، مع ما انتشر من الوعي الديني والقنوات ووسائل نقل المعلومة...). ويعتقد أن الزجر والشدة كافيان للتغيير ! وهذا شبيه بإفتاء بعض العلماء بالتورع وعدم كسر السائد كي يسلم لهم دينُهم وورعهم واتّباعُهُم هم، لا من أجل تحقيق وإنزال الشريعة على واقع الناس الذي يتطلب بعض التنازلات واعتبار المصلحة والمفسدة إلى حين اكتمال شروط إعمال الدين كله. فإن كان الحُكم الشرعي هنا شبيها بذلك الوعظ والزجر العام، فإنّ الفتوى حُكم مفصّل على مقاس الفرد، كما هو الحال في التدخل بالنصح والعون بعد وقوع المخالفة والخطأ. وهذا "المقاس الشخصيّ" هو ما أدندن حوله هنا، وهو وحده النّافع، فلا حاجة ولا فائدة من إهداء قميص يُعجبنا نحن لشخص إذا ما لبسه لم يتلاءم مع ملامح جسده ولا حجمه، وسيتخلّى عنه قطعا، وهذا ما يحصل مع النفسية والشخصية ومصير الزجر والتشديد في قول سَحر (لذا أرى أنه لا بد من بعض الزجر يرحمكم الله)، فلا هو تقوّى بهما على إصلاح نفسه ولا هو تقبّلهما لعدم فائدتهما له !!
وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو الممثل الحقيقي للدين، قد قال لمن استأذنه بالزّنا (استئذان بفاحشة كاملة وليس مجرد شكوى من ضعف أمام قبلة مثل نورا التي تجاهد وتخاف من الوقوع فيها مجددا) قولا ليّنا متعقّلا شفى صدره به، ولم يرغي ولم يزبد، مع أنّه مصدرُ التشريع يا عباد الله ! فما لنا نرى أنفسها وقد أهمّتنا مواقعنا متناسين الدور الأساسي للنصح والوعظ وهو "رجاء الإصلاح". فيا تُرى، هل نستطيع أن نعطّل القسوة والشدة فينا إن علمنا يقينا أنّها غير نافعة والغاية هي النفع لا غير !؟
وهنا يأتي تصوّر خاطئ آخر شائع جدا يخلط بين تأنيب الضمير وبين الندم الصحيّ المؤدّي للتوبة ! ولهذا حديث يطول مع الوعظ ومناهجه والذي يشكل أكثر من نصف تصورات الإسلام عندنا، فنقسم ظهر العاصي حتى يشعر بتأنيب الضمير، فنظن أننا بلغنا الجهد منه وأنّ صلاحه وشيك، ووالله عملية التغيير لا تكون بهذه البساطة والسطحيّة، فكم من بكَّاء حزين على حاله كلما سمع موعظة بكى بعدها ولم يغير شيئا ! وسؤال يحضرني بقوة هنا: كم سمع الناس المواعظ وكم "تمعّرت" وجوه المتدينين للناس والعصاة، فما لنا نرى الأمة ماضية في مخالفة الدين بشكل ثابت ومستقرّ ومستمرّ ! فاعتبروا... وأنا لا أدعوا لإسقاط الشدة والحزم، ولكنّ موضعها صار "تشريحيّا chirurgical " دقيقا أكثر من أي زمن مضى وإلا زادَ النزيفُ سوء ! مع إحساس خطير وموهِم بأن المتدين قد أعذر إلى الناس وقدّم النّمط السليم للتديّن والإنكار والإصلاح معا !
وبما أنّه أحيانا لا بدّ من القسوة على القوارير كما قالت الأخت سحر، والتي قد تجاوزت الأربعين سنة الآن، فأنّي سأقسو عليك أيضا، وأراك تقبلين الاحتكام للشرط الذي وضعتِه بنفسك، وكما وجدتّ ما أغاظك من معصية عند نورا (وأثار غيرتنا أيضا) فإنّي وجدتّ ما أغاظني في مثاليّتك ! ويا لها من عدوّ. وما استفزّني من كلامك ليس زجرك ونبرتك الحادة مع الأخت نورا (فقط) بل أمور سأذكرها. وأعلم أن لهجتي ستكون قاسية، وإن كنت قادرا على اللين، ولكن لكلّ مقام مقال كما فعلتُما (سحر ورحاب) في مداخلاتكما ولم تتحرّجا. وتفاديْتُ التعريض كما فعل الدكتور عبد الله، حتى تكون الرسالة واضحة جدا دون التباس.
- قلتِ (ويبدو أن كثيرا من الرجال عندهم حق في تعاملهم بعدم ثقة مع الفتاة الشرقية) فهل هذا الحبّ يكون مع الجدران والجمادات؟ أين الرجل نفسه الذي يحتقر تلك الفتاة الشرقية؟ وحبّك المحافظةَ على أخواتِك أنتج نفس تلك العقلية الشرقية الخاصة بالرجال. إن كان منطقك هذا مقبولا في العلاقات الإرادية، فكيف يكون في قضية التحرّش مثلا ؟ !
- تقولين (ثم تخرج لتدعو في سبيل الله، وكأن شيئا لم يكن) (لقد جعلني التناقض أشعر أنها قصة اختلقتها فتاة عابثة تريد أن تشككنا في أخواتنا الملتزمات اللاتي نعتبرهن القدوة) فهل الدعاة غير البشر مثلا؟ وهذه المصادرة على المطلوب دليل واضح على أنّك تُحاكمين العالَم والناس والمسلمين بتصورّات مثالية ومسلمات أنت قرّرت صحّتها، ثم يكون الناس مخطئين بعدها أو مصيبين ! فذاك التناقض الذي شعرتِ به ونفيْتِ أن تجتمع الدعوة لله تعالى مع معصية حتى إن كانت فاحشة كاملة (وهذا ما لم تقع فيه نورا) مجرد انطباع لا يعنيك إلا أنت، فسؤالي لك (وهو جواب لمن يسمع أيضا) من أين لك هذه المسلمة ؟ أنت تتكلمين "باسم الدين وتصوراته الصحيحة" فمن أين لك هذا ومتى جاء الدين بهذا ؟ لكي تحافظي على تصوّرك هذا، تُصادرين على الواقع وعلى الدعاة والدعوة إلى الله حتى يسلم لك عقلك من "ذلك التناقض" الذي عِوَض أن تُسائلي نفْسك عنه، ذهبت تضعين قواعد خاصة بك وتشكين في صحة القصة.. فلا بدّ أنّها مؤامرة، إذ لا يُمكن أن يكون الواقع مخالفا لتصوراتي. فهي مؤامرة أو إن كانت حقيقة تنزعين عن نورا صفة الداعية إلى الله !
- تقولين (فالحب يسمو بالروح ولا يدنيها) ثم تقولين في مشاركة لاحقة (الحب يرتبط بالروح والرغبة ترتبط بالجسد، الحب يذكي، والرغبة في غير وقتها تدني) ألم أقل لك أنّك مثاليّة ! وقسوة المثاليّ مرعبة، لأنه يرى نفسه على منبر عاجيّ لا تطالُه الشوائب، فالناس صغيرة تحته، لا أنه هو المتعالي عليهم، ويُحاسِبُ الناس بتصورات تحطّم بشريّتهم! فبأي شرع أو عقل أو علم يفترق الحب والرغبة أصلا ! وهل الحبّ إلى رغبة في أن نحَب ونحِبّ ! خصوصا أننا نتحدّث عن حب بين زوجين محتملين وليس بين أم وولدها أو أخ وأخت حتى نصدّقك ! فإن كان الحب مرتبطا بالروح وليس بالجسد لماذا تختارين أن يكون محبوبك من الجنس الآخر؟ ! ربما تقولين الرغبة "في غير وقتها" هي المشكل، إذن كيف تكوّنت مع الحبيب ولم تتكون مع غيره مما تكرهين حتى إن كان عقد شرعي بينكما؟ !
فأنت لم تفهمي معنى "الحب يُعمي" وكأنك فهمت منها أنه "يبرّر" (خلط كما العادة بين ما يجب أن يكون "عدم التبرير" وبين ما هو كائن "ضعف المُحبّ") المقصود أنّ الحبّ يضعف ويكسّر الدفاعات كما قد يضعفك الجوع والإدمان، والخوف وسائر تقلّباتك المزاجية، ولهذا قال الله تعالى "وخُلق الإنسان ضعيفا" فسدّ عليه الباب ولو كان الحبّ شيئا يسْمو بالرّوح ولا يتدخل في رغبات الجسد لما وضع الدين له ضوابط، ونهى فقط عن السلوك المباشر ! وطبعا تتحدثين أنت وكثير من المتدينين وكذلك فعلنا، باسم "تصورات الدين" وما هي إلا تصوراتنا تتلبّس بدين الله وهو منها براء !
- أما ما أغاظني جدا وأضحكني في الوقت نفسه، هو قولك في مصادرة مُدوّية على مشاعر الفتاة: (لن تكون هذه الفتاة أبدا أشد حبا مني لمن أحب، أظن نفسي أنني أكثر إنسانة أحبت في العالم) وقولك (أما ما في قلب السائلة فليس حبا، بل غريزة ورغبة) قمّة الإنسانية والتسامي حقيقة ! حبي حبّ وحبك رغبة حيوانية ! وهل عندك مقياس للحبّ في صدور الناس كما عندك مقياس للداعية والدعوة ؟ أرأيت أنه نفس منطق "لا يمكن أن تكوني داعية" وأيضا "لا يمكن أن تكون محبّة مثلي" ! هذه الجُملة على كبر سنّك آنذاك، تنمّ على نظرة للعالم من خلال إحساسك فقط، لم تعلمي أنّ البشر عندما يتألمون ويحبون كلّ واحد منهم يدّعي أنّه ما من أحد تألم مثلَه وما من أحد أحبّ مثلَه !! هل قرأت روايات الحب مثلا ؟ ستجدين تلك الجملة بالذات مبتذلة ! أعلم أنّك سُقتِها لرفع سقف المِعيار، في غمرة انتشائك بمشاعِرك، لتقولي لها بعدَها: "مع ذلك لم نتجاوز الحدّ" ولكنّه تمركُز سيء حول الذات، وأيضا تحقير لوجدانها وما تعيشُه، فخفّضت في المقابل عَتَبة المِعْيار عندها لكي تقولي لها: ("أنت ضعُفت بسرعة" فها هو حبي أعظم حبّ ومع ذلك لم أقع فيما وقعت فيه بحبّك البائس والخافت )!! اتق الله يا سحَر... ونظرتك لخطيبك وتجربتك ليست علما ولا دينا يعمّم على الناس، نعم هي تكررت وستتكرر ولكن وجودُها لا ينفي وجود ضدّها حتى في من يتقي الله. لا أقول أنّ ما قمتِ به شيء مستحيل، ولكن منطق التعميم خاطئ وأقل ثغراته تجاهل النسبة. ثم تعظيمك لخطيبك وإجلالك (ويقول لي سأقول لك أشياءً كثيرة في وقتها، فتزيد مكانته عندي) اختلط مع الحبّ فصار "حبا لا يُضاهى" ! بمعنى كتبت تلك السطور وأنت منبهرة منتشية بتجربتك العاطفيّة ! (فهل أعجَبك تحذلقي هذا؟).. وأتساءل عن هذا الانبهار والمثالية بعد سنوات الزواج إن تمّ !؟
ثُم أين هي اختلاف الشخصيات واختلاف خطيبك عن خطيبها وقد اعترفت أنّك تجاهلت فارق السنّ والخبرة، وتجاهلتِ أيضا الأسرة، وقدر الكبح النفسي (وما أدراك ما الكبح النفسي)... وأمورٌ كثيرَة.. بمعْنى أنّ صعوبة المعصية على الإنسان قد لا ترتبط بالخشية والتديّن وحده، بل بأمور أخرى كإضافات على الأقلّ، وإلا لما وجدت محافظين خارج نطاق المتقين ! ولا متقين عصاة ! فلنع... رحم الله الأمة بوعينا !
- قولك (ولو أنها تركت خطيبها لفعلت ذلك مع غيره و غيره) ما أشدّ مقتي لهذه الجملة. خصوصا أنها جاءت بصيغة "لو تركت لفعلت" لأنّها فتاة غريزيّة عكس الأخت الفاضلة ! غرّك ثباتك، فصرتِ تتألّين على الخلق ! فعندك من فعَل خطأ الآن قد يفعله غدا ! فهي حقيرة لهذه الدرجة وضعيفة وزبالة ومستعدة أن ترتمي في أحضان أي رجل ! وكأني أسمع ذلك الرجل الشرقي يتكلّم ! وهل تركت "للذكوريين" شيئا !
- (الذي يمنعها هو حب كل منهم للآخر وخوفه عليه من عذاب الله وسخط المجتمع.) مثالية أخرى. بل تمنعها أيضا أمور كثيرة من حب كما تصفينه، وخوف من الله ومن المجتمع، وتجنب الخلوة، والتصبر، والخوف من الأب، وربما حتى عقد نفسية واشمئزاز من الرجال ! كل هذا يمنع وكل شيء ينفع فهو المطلوب.
- (أقول لها أخاف عليك من عقاب الله بحرمانك من الرزق، وحرمانك ممن تحبي) طبعا هذا بسبب المعصية والذنب. وأنت أيضا اقترفت ذنوبا (تكلمُك فيما لا تعلمين وعدم إنصاف واحتقارك لمشاعرها وضُعفها ونبرة مستعلية وتأليك عليها..)، فهل نخاف عليك من عقاب ربانيّ بأن يريك ضعفك حتى تتعلمي بالألم ما لم تتعلميه بالقلم ؟ وهل تألّيك عليها بإعادة الكرّة، ينذرك بابتلاء شبيه به؟ أتركك تتأملين اعتمادك على سلطة الدّين، للضغط عليها في احتمالات لم تخدُم إلا وجهة نظرك ولم تكن سَوْطا إلا في يدك أنت !
- (أنتِ أو غيرك يفسد علينا جهودنا) لعلّ هذا الشعور، بأنّ نورا أفسدت ودمرت ما بنيْتِه هو ما جعلك مستاءة منها لهذه الدرجة، فأنت ترينها مفسدة في الأرض وليست قضية شخصية تحتاج تقويما، بل خيانة وطنية تحتاج إعداما ! وأقول لك شيئا، لنا ولغيرنا جهود أيضا في تقويم تفكير وعلمية المتدينين، وإخراجهم من قمقم المثالية وأحادية النظرة، والتفكير الخرافيّ، وأنت وأمثالك تُفسدين علينا هذه الجهود وتكشفين عورات المتدينين للعالم العقلانيّ المنطقي.. فهل أعجبَك قولي هذا؟ لا أظنّ.. وهل قرأت عن المغالطات المنطقية من قبل ؟ أرجو ألا تكوني فعلتِ، لأنك لو فعلتِ ثم بقيت على ما رأيتُ، فسأقنط من هذه الدنيا، أما إن لم تفعلي فأرجو أن تكون نافعة لك بعد قراءتِها.
وعندي سؤال بخصوص الدعوة واستهجانك أن ترتدي الخمار وتدعو إلى ربّها، أي شيء أكبر عند الله وعندك؟ مقام الصحبة أو مقام الدعوة من فتاة ربما لا تملك حتى علما غزيرا، وتحاول أن تُرشد ما استطاعت.. مقام الصحبة لا شك، ومع ذلك فقد وقع في الفاحشة صحابة كرام، بل وفروّا وجبُنوا أحيانا وتقاتلوا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم. فهل نتساءل: أيّ صحبة هذه ؟ أم هذا التشكيك خاص بالملاحدة فقط ونؤثر فيه التقديس وعدم البوح ؟ أوَ خير من ذلك، نعتبر أنّ رسالة الدين سامية سامقة، وأن التدين ضعيف ضُعف البشر، ولا نضع حواجزَ خياليّة ومتناقضات تجعل من الناس "شياطين أو ملائكة" حتى يكون الناس بين أسود أو أبيض.. ولا مكان للرمادي.. فيكثر الأسود لأنه لون يمتصّ كل "ألوان" الناس ! فيقنط الناس ويفضلون السواد، لأنّنا لم نترك لهم بمثالياتنا إلا خيارات صعبة تتجاوز بشريّتهم، فيكون ذنب المنتكسين و"البشر" علينا إلى يوم الدّين ونحن لا نشعر
! وما رأيك في قول الله تعالى: { وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فإن قلتُ لك أترضين بهذا المقام لتباكيْتِ وأنت تتمنّين عُشره ! فانظري أنّه مقام ذنب وتوبة، إعراض ثم إنابة، وهل ترضين بالفاحشة جزءً من صفات المتقين آنذاك؟ طبعا ليس كمعطى مطلوب، ولكن كاحتمال وارد جدا.. يعني لو وقعتِ في فاحشة لا قدّر الله وتبتِ ستكون نورا أفضل منك لأنها اقترفت أقل منك، ومع ذلك أنت في مقام المتقين، فأين ستكون هي آنذاك؟
وآخر الآية يصف حال نورا، هي لم تُصرّ بل خائفة تستنجد، شعرت بضعفها وهو أول الحلّ والتحرّك، فكل العطب يأتي من جهل قدرات وحدود الإنسان (وهذا ما حصل معها قبل أن تكتشف العكس).. وعسى الله أن يتوب عليها وله الحمد إذ المغفرة بيده وحده !
- أما عن أختنا رحاب، والتي تجسّدت مثاليّتها بشكل آخر، وهي كانت طبيبة متدربة آنذاك، أقول، مع الأسف موقفك قد لا يزيد نورا إلا حيرة وتيهانا وإيقانا بما تجد من ضعف وقد تبرّره بعد سماع قصّتك، قائلة: "هذه لم تفهم مشاعري ولو كانت مكاني لما قالت ما قالت" وهذا صحيح. فأنت كمثل الشبعان جاء يتفاخر بأنّه ترفّع (تأديبا) عن طعامِ حفلةٍ أقامها اللئام ! قصتك لا علاقة لها (اللهم إلا من باب الضوابط الشرعية) مع قصة نورا، وقد نبّهتْكِ على ذلك رحاب أمريكا. نظرتُك إلى خطيبك كانت نظرة احتقار وتوجس وترقّب من الأوّل. ولم تكن بينكما أي علاقة حبّ ولم تتعلقي به، وكان زواج صالونات وقدّر الله له ألا يُنبت بذرة حب واحترام بتصرفاته، بل لم تذكري حتى وظيفته، التي قد تشكل فارقا أيضا من حيث الانبهار والاحترام (من موقعك كطبيب ولو بشكل لا شعوريّ)، فقد يبقى احتقارنا لمستوى الشريك الاجتماعي والوظيفي والمعرفي كامنا، حتى يظهر مع أول خلاف وتنافر أخلاقي بينهما. (لذلك يُنصح باحترام التوافق المعرفي والاجتماعي والاقتصادي كي لا يهُون الشريك مع أول خصام وتبقى له هيبته، والنفس ضعيفة وسهل أن تحتقر وتشمت !).
لهجتُك مليئة بالاحتقار له (ومن أول يوم وأنا أرى منه التصرفات الهوجاء) (في كل مرة بحجر صِوان يرده ويصده ويفلق رأسه ولكن لا اعتبار) فهل هذه لهجة من عرفَتِ الحبّ (أرجوك !)، لتأتي وتُحدّث من أحبّت وتحرّق قلبها فلم تستطع صبرا عن مهاتفته؟ ! لا أظنّك كنت في مقام مناسب لإخبارها عن الحبّ. وإن كانت مخطئة وضعيفة.
حجر صوان يفلق رأسه ؟! فحتى إن عبّرت المُحبة بل المحترمة فقط عن الصدّ والتمنّع فإنها لن تستخدم مثل هذه الألفاظ التي تدل على نفور واستقباح. فلا نخلط الأمور، ولنتجنّب إسقاط مواقف على غير شبيهاتها.
- (ولا تظلمي الدين والدعوة بالله عليك فليس كل من قال صوموا وصلوا داعية) أو (ما تحركت بالمشاركة على سؤال أختنا نورا إلا لأنها قالت أنها داعية إلى الله) أو (كل السّخط على بهتانها للدعوة والله ليس أكثر ولا أقل) فسمّيتِها بهتانا لاستحالة اجتماع معصيتها مع مقام الدعوة إلى الله ! وأقول لك ما قلتُه لسحر في هذا الباب. وأزيد : لا تظلموا الدين والدعوة (وهذا ما فعلتُما) فليس كل من قال متدين وعرف الحرام والحلال مُصلحٌ وعارف بأساليب الدّعم والنّصح والتقويم ! (ظريفة هذه بالنسبة لك؟) والدليل نظرتك للعصاة وتقسيمهم لثلاثة أقسام: جاهل يُعلّم، أو عالم بها يُذكّر، ومعاند فيها فيُترك. وأتساءل عن جدوى تقسيم الناس على أساس "الحُكم الشرعي أو المؤاخذة الشرعية" في سياق البحث عن معوّقات غفلة هذا أو عناد ذاك ؟ حتى أنّكِ تجاهلت الضّعف كعامل، بسبب التركيز على الجانب "المعرفي"، يعني بما أنه يعرف أنها معصية فهو قادر على تركها (تبسيط مخلّ)، وإلا فهو معاند !! فلا عجب أن تخرج النصائح لاذعة إن كان هذا منطق التصدّر بها ! لو كان الأمر معرفيا فحسب، وليس ضعفا أيضا، لما وجدنا عصاة يعصون الله تعالى حتى يموتوا مع علمهم بأنها حرام، بل لما وجدنا من يئنّ من المعصية، ويكابُدها، فالجاهل يجهلها، والمعاند يحبّها، والضعيف يعاني معها (فهو غافل بضعفه وليس بجهله، في النهاية يبقى ضعفا) . وأين نحن من حديث البخاري ومسلم: "... لقد علم عبدي أنّ له ربا يغفر الذنوب فقد غفرت له فليفعل عبدي ما يشاء".. وهي ليست دعوة للمعصية والتمرد، بل هي دعوة لفهم العلاقة بين عبد مشفق وبين ربّه وهي حال نورا.. والله لا يحب المتكبرين !
وبأي شرع أو عقل تقولين (أتساوي (دكتور عبد الله) تلك الخطيئة بما تفعله أختنا) ما فعلته، بل أكثر منه لم ينفه الله تعالى عن المتقين في الآية التي أوردت آنفا. فكيف تنفين أنت هذا الخطأ عن مسلمة وداعية ؟ ! أم هي عقلياتنا ومثالياتنا مجددا ؟ أو هو ذلك الاستنكار والاشمئزاز والضيق الذي تتركه المعاصي المتعلقة بالجنس مقابل معاص حتى إن كانت أكبر منها ولا تُغفر كالشرك ؟ بل حتى إن كانتْ مشاكل جنسية بين الزوجين، فنرى الزوجة تحتقر الرجل لأنه جنساني وغير رومانسي (البعد النفسي يظهر جليّا إذا عرّينا عنه الحلال والحرام !) أم غرّك ستر الله على الدعاة فقلت ما قلتِ؟ لو كشف الله ستره عن خلقه لضجّت الأرض بمن فيها ! فله الحمد والمنّة.
أما عن شبهة الغرور والاستعلاء ورفعها بقولك "أننا أنهينا رسائلنا بالدعاء" أنا موقن بصدقكما، ولكن الانطباع المتعالي الذي تركت رسالتكما، هو المهم عند الناس وليس الصدق، فهو لا يصل إليهم !
وقد أسبّك مثلا بالجهل وقلة الاطلاع وأقول لك اقرئي وتعلّمي، ثم أدعو في الأخير: اللهم ارزقنا التواضع وعلمنا ما جهلنا... فهل يكفي هذا لترقيع ما قلت قبله ؟ !
أما عن قولك (هذا نصحي لها أن تستنفر جانب التقوى في نفسها لتغلبه على الجانب الآخر) أليس هذا قريبٌ من تفريغ توتر المتدين الغيور بغض النظر عن نفع نصيحته أو معرفة المنصوح لها سلفا ؟ فهل تظنين أن نورا التي تسأل خائفة وجلة من الوقوع في المُحرّم مجددا، وتخاف من الزيارة الشهرية، وتخاف من ضعفها وإدمانها.. هل تظنين أن جانب التقوى غير مستنفرٍ فيها ؟ نعم هناك درجات للتقوى، وهي عندها شيء منها. ولعلّها منك نظرة "التذكير المُعجز" الذي يصلح الأفراد والجماعات بقدرة قادر، دون النظر في معيقات الإقلاع والتغيير كما أسلفتُ. ماذا لو كان التذكير بالتقوى أو استدعاؤها صعبا للغاية. كيف ستكون استراتيجية الإصلاح آنذاك ؟
- أما عن فهمك لكلام رحاب أمريكا بخصوص ابتلاء الله لنا في مواطن ضُعفنا، والعبرة في الثبات فيها لا في مواطن قوّتنا، وضربُك لأمثلة أيوب ويوسف عليهما السلام، وقد تقوّى على الفاحشة... فلا أظنّك فهمتِ ما عنَتْ، وهذا أمر آخر يجعلني أتأكد أنّ ليس كل متدين صادق غيور يصلح لخوض مجال "الأفكار والتصورات الدينية" ! وعذرا على الصراحة.
فرحاب أمريكا لم تقصد ما فهمتِ، بأنّ الابتلاء يكون ابتداءً في مواطِن ضُعفِنا، فجئت بأمثلة لأنبياء وأناس تجاوزوا الاختبار بنجاح ! لتقولي بعدها "ما قلتِ يا رحاب أمريكا غير منطقيّ" ! إنّ القصدُ هو أنّ ابتلاءَنا الخاصّ والحقيقي يكون في مواطن ضُعفنا وليس فيما يسهُل علينا، بكلمات أخرى، ابتلاءُ الله لنا يكون في مواطن قوتنا أو ضعفنا، ولكن "بلاؤنا" نحن يكون حقيقة في مواطن ضعفنا (والثاني هو ما قصدتْ رحاب أمريكا)، وربما اختلطت كلمة "ابتلاء" كفعل إلهي مع معناه الآخر الذي يعني الاختبار والبلاء. وبهذا فإن يوسف عليه السلام وأيوب عليه السلام، ابتلوا في مواطن قوّتهم. وليس العكس ! ومنطقك هذا، ينسف جانبا واقعيا وشاسعا من شريعتنا، وهو تفاوت درجات التكليف والعذر حسب الضّعف، فالذي يملك مالا يُلام أكثر مما لا يملك في الصدقة، والذي يملك جاها يلام أكثر لعدم نصرة المظلوم، والذي لا يكذب منذ الصغر يسهل عليه الصدق بعد أن يُسْلم عكس الذي نشأ على الكذب، والذي نشأ محافظا يسهل عليه التحفظ والابتعاد عن الخمور والفجور إن تعرّض لها.. وهكذا. ويشرح هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الملك الكذاب والعائل المتكبر والشيخ الزاني. فبيّن الحديث أن المؤاخذة تزيد كلما اختفت دوافع المعصية من نفسية الإنسان، فلا أحد يدفع الملك لأن يكذب وهو ملك، فاختُبِر في موطن قوة فتصرّف مثل الضعيف ! والفقير أدعى أن يتواضع فكان التواضع أيسر عليه لامتلاكه مقومات التواضع والاستكانة فتكبّر، والشيخ أولى بالعفاف لانطفاء جذوته فملك قوّة داخلية للاستعفاف ولكنّه تصرّف مثل الشاب المتحرّق الضعيف أمام بيولوجيته ونفسيّته ! (وهنا نعود لخبايا النفس وطبائع النفوس والتي لا تحتكم فقط لحرام وحلال كما قدمتُما) ولو كان الدين لا يفرّق بين درجات الضعف ودوافعه في الناس لجعل هذه المعاصي الثلاثة (الكذب والتكبر والزنا) على درجة واحدة من العقوبة في كلّ الناس. ولكنّه لم يفعل ! وهذا دليل على أنّ حضور الدوافع أوغيابَها يشكل فارقا يا رحاب، يا من لم تعرف الحبّ والضعف مع خطيبها ذاك !
فهل أذكّر بشرّ وضرر المثالية مرّة أخرى أم أكتفي؟ فأمّا أنا فقد اكتفيتُ والله...
وهنا نعود لكلام الأخت سحر (فكانت فكرة أن الحب مرتبط بالخطيئة، أو أنه طالما وُجد حب فقد توجد أخطاء) فهي ترفض هذا.. فهل الحديث يؤكد ذلك ؟ وهل الواقع يؤكد نظرتها؟
إن ما يحجُب عنها فهم كلام الدكتور عبد الله هو انحصارها في مفهوم الحبّ "كشيء سام مقدّس" دون أن تبحث عن تصنيفه في إطار أعمّ، فنفت عنه الرغبة تارة، وفرّقت بينهما، وتارة أخرى نسبته للروح ونفَــتْه عن الجسد ! ولو تصوّرَتْه مثل "خاصيّة" للنفس البشريّة تُدخل عليها أحاسيس ومشاعر وضغطا وحاجيات معينّة، ستراه باب ضُعف وليس باب قوّة كما حاولت أن تعمم من تجربتها، إذ أنّ كل حاجة ضُعف، فالجوع ضعف يجعل الإنسان يفكر في كسرة خبز، ويأمل فيما عند الناس، وقد يسرق.. ولهذا رفع عمر رضي الله عنه حدّ السرقة عام المجاعة، لأنه فقِه رضي الله عنه، أن الحاجة والجوع يؤدّيان للخطيئة "السرقة" ويؤديان إلى الأخطاء أيضا !! فأين نحن من واقيّة شرعنا بالله عليكم؟
ونعم قد ترتبط الحاجة ومنها الحبّ (وهو حاجيات متداخلة لذلك كان أدعى لإضعاف البشر) بالتنازلات ! مع أنّها لا ينبغي أن تكون، ولكنّها كائنة ! وعمر لمّا عطل الحد، لم يحمله تحريم السرقة لإنكار واقعٍ أن الجوع يؤثّر على مبادئ الناس ! وهذا ما لم تفعل الأخت سحر والأخت رحاب.
وطُرافة أخرى قد قالتها سحر في تدخلها الأخير: (فهل يجوز أن نقلب الحقائق؟ وبدلاً من أن نحترم في أختنا رحاب تحفظها مع خطيبها، نحاسُبها بأنّ قصّتها لم يكن فيها حب، وخلت من الإنسانية وهل الإنسانية صارت مرادفة للهوى)
فسحر هنا تستنكر على من قال أن رحاب لم يكن في قصتها حب (وهذا ما قلتُه أنا أيضا، بل لم يكن حتى الاحترام) لكنها في الوقت نفسه نفَت عن نورا الحبّ ! لماذا يا تُرى؟
ببساطة لأنّها لما ربَطَتْ الحُبّ بالتمنّع والرّفْعة والكرامة، صار تلقائيا حُبا عظيما، بل صار الحب نفسه هو التمنع والحدود الشرعية ! فمجرد كون رحاب تمنّعت فهي لا بدّ وتحبّ ! لأن التمنع والضوابط هي نفسها الحبّ !وبما أنّ نورا لم تتمنع فإنه ليس بحب. فالحب يدور مدار التمنع وجودا وعدما ! (نعود للمصادرة على المطلوب والمغالطات)
فمن يقلب الحقائق، وهل يجوز ذلك إن كان موافقا للحرام والحلال الذي نريد أن نقرّره ! ولا يجوز قلبُها فقط عندما لا تخدم هذه الحقائق فكرةَ "الحرام والحلال" مع أنّه لا تعارض أصلا؟
الإنسانية هي هوى وغيره، هي قسوة ورحمة، وهي نزوة وصبر، كل هذا إنسانية وبشرية.. ومن إنسانيّة وبشريّة رحاب أنّها لم تُطق خطيبها !
- وتقول سحر (لقد كان هدفي وأعتقد هدف رحاب أن نحفز أختنا ونبصّرها بأنها يمكن أن تُحب وتكون قوية، وذلك أفضل من أن نُهّون عليها المعصية، لأن أختنا في حاجة لمن ينصحها ويقويها أكثر من حاجتها لمن يقول لها استمري لأن كل شيء مباح في الحب) وأتساءل من قال لها "استمري لأن كل شيء مباح" ؟ !! ما أشدّ استغرابي. وربّما التصور الخاطئ الذي حملك على هذا كما أسلفتُ هو: "ما دُمنا لم نغضب ونشدّد ونُنكر، فهذا يعني في المقابل وبشكل تلقائي أننا نرضى ونأمر بالاستمرار في الخطأ ! وانظري كيف استنتجتِ ذلك لوحدك مع أنّه لا أحد قال به في كل هذه المشاركات ! ومعلوم أن سكوتنا عن المنكر لا يجعلُه معروفا، فالناس تعرف هذا جيّدا خصوصا فيما يتعلّق بالجنس والخمر وما شابه، فضلا على أنّ نورا هي نفسها تعرف أنّه منْكر وإن قلتِ لها فرَضا "افعلي ما تشائين باسم الحبّ" فهي أوّل من سيستهجن منك ذلك ، فما محلّ تخوّفك عليها هنا من الإعراب ؟ أم هو تخوّف على موقعك أنت كمتدينة وتصور خاطئ للتوجيه والاستيعاب الذي يصير مباشرة تشجيعا على الخطأ ما لم يُرافقْه أسواط وجلد وقسوة !؟
فكيف تقيّمين "التقوية" والدعم هنا؟ ونعود للزجر كحلّ سحريّ ! يستمد منه الكل طاقة عجيبة !
وقولك (ولذا فقد كنتُ أبغي أن أنصرها وهي ظالمة لنفسها) فكفّه عن الظلم أو (تَحْجِزُهُ عَنِ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ) هي غاية تتحقق بشتى الطّرق وأعلم أنّكما حاولتُما بأحد الطرق، ولكنّها غير ناجعة للأسف مع ما تخللها من مغالطات، وهي طريقة نظنّ بها أننا بلغنا الهدف، وما هو إلا هدفنا لإبراء ذمّتنا بغض النّظر عن نفع ذلك "الكفّ والحجز" حتى إن لم نشعُر. أو تصوّر خاطئ جدا عن طبيعة النفوس وطُرق تغييرها. فالكف هو القصد، فمتى وجدنا سبيلا له فنحنُ به أولى حتى إن كان أبعد شيء عن "الأنماط السائدة من ردات فعل المتدينين" ! فإن ابتعدنا عن النتيجة المرجوّة وهي كف الإنسان عن ظلم نفسه، فنحنُ عن قصد الشريعة أبعد، حتى إن كان ما يُبعدنا هو وعظُه بالوحي نفسه ! وقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم من استأذنه في الزنا بحجة نفسية منطقية، وهو الرسول الموحى إليه ! لعلمِه أنّ الدرجة التي وصل إليها تجاوزت منطق "هذا حلال وهذا حرام" ثمّ إن الاستئذان نفسه ينطوي على معرفة مسبقة بالتحريم، إذ الإذن لا يكون إلا في شيء لا نراه من حقّنا، ففطن النبي صلى الله عليه وسلم (وما أكرمه من معلّم) بأن خطاب الحلال والحرام والتشديد والزجر غير نافع، فقال له شيئا يفتّت به عزمَه النفسي وضعْفَه البشريّ.
وهذا يعود بنا لاستغراب رحاب (المثاليّ) فتقول: (بالله عليك أيكون للمتدينة في جهلها بالعواقب رادعا عما تفعل أقوى في تأثيره من خشية الله؟؟؟؟ أتردع العواقب الدنيوية أكثر من ردع عقاب الله وأين؟! في قلب المتدينة؟؟) نعم.. وهذا ما حصل في قصة الإذن بالزنا !! فهلاّ وعينا !
لم يذكّر النبي صلى الله عليه وسلم المستأذن بالخشية لعلمه بأنّه يخاف الله حقا لذلك أراد رخصة ولو لم يخف لفعلها دون طلب رخصة !! فردَعه أو أعانه برادع نفسيّ منطقيّ واستعمل غيرته الفطرية فقال له: "أترضاه لأمك..أترضاه لأختك..." فصلى الله عليك وسلّم يا علم الهدى
وأخيرا أقول صححي مفهوم الحبّ عندك والصلاح والتديّن، عسى ألاّ تهلكي أبناءك وتتعبيهم في هذه الحياة، فالصدق وحُسن النية (وهما فيك) لا يكفيان في تربية الأجيال مع الأسف. ووفقنا الله وبصرنا بعيوبنا. ووجود مشاكل باسم الحبّ لا يعني تخندُقنا في تصوراتنا الشخصية محاولين صنع التغيير، فالواقع لا يتغير إلا بالاعتراف بقوانينه هو لا بقوانيننا نحن !
وكم أتمنى لو ردّت السائلة ولكنها لم تفعل.. لنعرف مدى استفادتِها مما قرأت وسمعت وأيّ الطرق أصلح لها وأبقى.
30/6/2017