بسم الله الرحمن الرحيم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد..
بداية أشكركم كل الشكر على استشاراتكم المتميزة، سائلا الله عز وجل أن يكون ذلك في ميزان حسناتكم.
أنا أعمل في إحدى المؤسسات الإسلامية الخيرية التي تُعنى بالأيتام، وبالتحديد أعمل مشرفا في بيت للأيتام، حيث يتلقى الأولاد في هذا البيت المسكن والملبس والطعام والشراب والعناية الصحية والتربية والتعليم، ويوفر للطالب كل احتياجاته على أكمل وجه، عدد الأولاد في البيت مرتفع نسبيا ويصل إلى 300 نزيل يتوزعون على فئات عمرية مختلفة.
في الآونة الأخيرة برزت عندنا مشكلة وهي ظاهرة اللواط عند أعمار صغيرة ما بين التسع سنوات والأربع عشرة سنة، وبعد التحقيق في الموضوع وجدنا أن بعض الأولاد يتعرضون لممارسة اللواط معهم خلال فترة زيارتهم لأهلهم أثناء العطل الرسمية والأسبوعية، وقام هؤلاء الأولاد بنقل ما تعلموه وما يمارسونه في الخارج إلى نزلاء البيت، وقد صدمنا صدمة كبيرة جدا لهول هذه المشكلة، نرجو أن تفيدونا في هذا الموضوع وبإسهاب وبأسرع وقت إن أمكن وخاصة في المحاور التالية:
1- ما نصنع مع الأولاد الذين اشتركوا في هذه الأفاعيل، هل إبقاؤهم مع الأولاد أو إرسالهم إلى بيوتهم؟
2- كيفية معالجة هؤلاء الأولاد وكيفية التعامل معهم.
3- ماذا نصنع لكي نقي ونحمي باقي الأولاد من هذه الظاهرة؟
19/8/2017
رد المستشار
الأخ العزيز، أهلا وسهلا بك ونشكرك على ثقتك في صفحتنا "استشارات مجانين"، وعلى اهتمامك ورغبتك في الإصلاح..
الحقيقة أن المرحلة العمرية التي تشير إليها ما بين التسع سنوات والأربع عشرة سنة، هي مرحلة الطفولة المتأخرة والمراهقة المبكرة، وهي سنوات يتفتح فيها الوعي الجنسي ويبدأ في التطور والتشكل والنمو، ودائما ما تتسم نفس هذه السنوات بالتقلبات في التوجهات والآراء والمشاعر والميول أي بعدم الثبات، وفي نفس الوقت تتسم برفض أفكار الكبار وأحكامهم الجاهزة، ومحاولة الوصول إلى قناعة خاصة بالمراهق نفسه من خلال أفكاره هو، ولعل اكتشاف المراهق لوجود القدرة لديه على التعامل المعرفي مع الأفكار المجردة والمفاهيم الفلسفية هو أحد أسباب ذلك.
قصدت من هذه المقدمة أن أوضح لك عدة نقاط في غاية الأهمية عند التعامل مع الموقف الحالي: النقطة الأولى هي أنك لا تستطيع اعتبار كل من تورط في هذه الممارسات شاذا وتلصق به مثل هذا اللقب؛ نظرا لأن المرحلة مرحلة تغير وتقلب وبحث فكري وثورة جسدية وشعورية أيضًا، والنقطة الثانية هي أن الموقف السلطوي ومحاولة فرض قناعة معينة على المراهقين هو أيضًا خطأ في هذه المرحلة.
نأتي بعد ذلك لتقييم أوضاع نزلاء الدار التي تعمل فيها؛ لأن "تقييم الأوضاع مهم قبل إنزال الأحكام في شريعة المسلمين" كما يقول أخي وزميلي الدكتور أحمد عبد الله، فأنت تتكلم عن مجموعة من الأولاد من أعمار مختلفة منهم الأطفال ومنهم المراهقون بمراحل الطفولة والمراهقة المختلفة، كلهم ذكور يعيشون معا ولا أدري هل كلهم يزورون أهلهم في العطلات أم لا؟ ولا أدري أيضًا ما هي الأنشطة الاجتماعية التي يقومون هم بها؟ وما هي حدود تعرفهم على أفراد الجنس الآخر من نفس أعمارهم؟ هل هناك احتكاك يحدث بينهم وبين البنات أم لا؟
لأن عدم وجود مثل ذلك الاحتكاك، إضافة إلى عدم الفهم الذي يحيط أصلا بضوابط العلاقة السليمة بين الذكور والإناث في الإسلام أو الفهم المغلوط الذي ابتليَ به المسلمون مع الأسف، وكون ما بين الصديقين من نفس الجنس طبيعيا ولا غبار عليه ما لم يحدث غير ذلك أو ما لم يثبت العكس، في حين أن أي علاقة ولو تخيلية مع فرد من الجنس الآخر نتعامل معها فكريا بطريقة معاكسة لما سبق، أي أن العلاقة بين صديقين من جنسين مختلفين هي علاقة متهمة إلى أن يثبت العكس، هذه الوضعية الراسخة في مجتمعاتنا تجعل ما تتحدث عنه من ممارسة مثلية أمرًا متوقعا ومحتمل الحدوث جدا داخل المؤسسات التي يوجد فيها أفراد من جنس واحد، أكثر من احتمال حدوثه في المجتمع العام بصورته الحالية، وأحيلك هنا إلى ردين سابقين لأخي وزميلي الدكتور أحمد عبد الله
تحت العنوانين التاليين:
الميول الجنسية المثلية: الداء والدواء
شذوذ جنسي: للأسف.. أنت لا تدري!!!
ولذلك السبب ألوم عليك الموقف الدفاعي الذي اتخذته دون داعٍ اللهم إلا نفي التهمة عن الدار ليس إلا، وكأن لسان حالك يقول: هذه الدار المحترمة التي نربي فيها الأيتام ونسعى جاهدين لإحسان تربيتهم ونعلمهم الدين الصحيح ونقدم لهم كل احتياجاتهم... لا يمكن أن يولد فيها مثل هذا الفعل الشنيع، والدليل هو أننا عندما حققنا في الموضوع وجدنا أن البلوى جاءت من خارج الدار! هذا ما تقوله أنت لكن الاحتمال الأقرب للواقع هو العكس.
وسأمسك أنا هنا بطرف الخيط، فأنت ترى أن الأذى يتسرب من المجتمع إلى الدار، وأن ذلك دليلا على عجزكم -الذي لا يد لكم فيه- في وقاية نزلاء الدار من خبائث المجتمع، وتتمنى طبعا أن تقيم سياجا حول الأولاد لكي لا يفسد حالهم أكثر مما وصل إليه!
ومن بين خبائث المجتمع طبعا أن يكونَ هناك لقاء بين الأولاد والبنات، وبالتالي فأنت لا تتخيل أن الصحيح هو أن نزيد من احتكاك نزلاء الدار بالمجتمع لا أن نعزلهم عنه، ومن بين صور التجمعات المفترض إيجادها في ذلك المجتمع أن يكون هنالك نوع من الجماعة الاجتماعية التي يتقابل فيها الأولاد والبنات في صورة جماعية وأن تكون لهم اهتمامات بأمور مجتمع المسلمين الذي يعيشون فيه، ويمارسون فيه أنشطة ثقافية وفنية واجتماعية شتى معا أولادًا وبنات، هذا هو الوضع الصحيح الذي عندما ننجح في إيجاده وتفعيله سنرى أن التنفير الديني من الممارسات المثلية قادر فعلا على تقييد تلك الممارسات؛ وذلك لأننا نجعل للشاب وللفتاة الفرصة الطبيعية في تشكيل وتوجيه ميولهم.
وأنا بذلك أكون قد أجبت على التساؤلين الأخيرين لك، فمن خلال التواصل والتنظيم مع مؤسسات المجتمع المختلفة وبصفة خاصة أشير عليك بدار رعاية الأيتام من الإناث، وإيجاد فرصة للقاء الأولاد والبنات وهم تحت عيون المشرفين، نكون قد نجحنا في جعل احتمال اللجوء للممارسات المثلية أقل بكثير، وأيضا في جعل احتمال بقائها واستمرارها إن هي حدثت أقل بكثير؛ لأننا في الوقت الذي نسمح فيه للميل الفطري الطبيعي بالبروز والنمو نضع أحكام العفة الشرعية ومن بينها التنفير من الميل المثلي، أي أننا نسمح لمشاعر المراهق الجنسية الطبيعية بالتواجد، ونضع للسلوكيات بعد ذلك أحكامها، وليس مثلما هو الوضع الآن في معظم مجتمعاتنا، ولا دون قيد أو شرط كما هو الحال في المجتمعات الغربية.
أما سؤالك الأول عن ما الذي يجب فعله مع الأولاد الذين مارسوا اللواط فعلا وهل نطردهم من المؤسسة أم ماذا نفعل؟ فالرد على ذلك لا يصح أن يكون ردا عاما يصلح للتطبيق على الجميع، بمعنى أن كل حالة لا بد من تقييمها على حدة، وأن هناك من يقع في المحظور مرة ثم لا يتكرر منه ذلك وهناك من يصر على تكرار المحظور.
إذن فنحن لن نرسل أحدا إلى بيته إلا بعد أن نطبع شكل حياة الأولاد الاجتماعية قدر الإمكان، أي أن نسمح لهم بأن يتعاملوا مع البنات في إطار الضوابط سالفة الذكر، وكذلك بعد أن نوضح لهم حكم الإسلام فيمن يمارس مثل هذا الفعل، مع توضيح أن احتمال إخراج من يكرر الممارسة من الدار هو احتمال وارد، وأتمنى أن أكون قد بينت لك كيفية التصرف في مثل هذا الموقف، وأحيلك في النهاية إلى عدد من الروابط التي ستجد فيها المزيد عن كيفية التعامل مع الميول أو الممارسات المثلية:
غض البصر بريء من فخ المثلية!
المثلية خلقة أم خلق؟!
وأهلا وسهلا بك دائما، فتابعنا بالتطورات.