حيرة الحب وتأنيب الضمير
لا أعرف من أين أبدأ صراحة ولكن سأبدأ..
أنا شاب أبلغ من العمر 19 سنة, تبدأ مشكلتي في الإعدادية (المتوسط) قبل 6 سنوات من الآن، أحببت فتاة آنذاك درست معي بنفس الفصل لمدة سنة ثم افترقنا لأنها غيرت المدرسة لكننا كنا نراسل بعضنا البعض دائما، بقيت أحبها حتى الآن مع أني أصبحت مترددا في حبها ولكن المشكلة تكمن في أنها لم تستطع حبي عندما اعترفت لها بمشاعري نحوها رغم أنها حتى اللحظة تخبرني أنه لا يوجد شخص يحبها ويهتم بها ويكون بجانبها دائما غيري، تقول دائما أنها معجبة كثيرا بصفاتي وأخلاقي لكنها لا تستطيع حبي لأنها تضع مبدأ في حياتها ألا وهو عدم الدخول في أي علاقة أو الاقتراب من الحب حتى يكون مآله زواج فهي تخشى أن تحبط ولا تجد الشاب المناسب كما أنها تتردد كثيرا في أبسط الأمور.
طيلة هذه المدة احترمت قرارها وظللنا مجرد أصدقاء بينما في باطني كنت أخبر نفسي أنه يجب أن أنتظرها حتى تفتح باب قلبها لي وانتظرت فعلا، فكرت أنني يجب أن أكمل دراستي أولا وأشتغل ثم أتقدم لخطبتها، لم أحاول التفكير في غيرها لأني قررت ألا أقترب من الحب إلا مرة واحدة عندما أريد الزواج ولا أحب أن أدخل في العلاقات الغرامية الكثيرة كما يفعل بعض الشباب لأنني لا أريد اللعب بمشاعر فتاة وأخذلها ثم أتركها، ظللت أقاوم رغبتي الشديدة في الحب والوقوع فيه لمدة طويلة ولا أعرف هل ما أقوم به صحيح.
لكن قبل سنتين من الآن عندما كنت أدرس في الثانوية درست مع فتاة كانت معجبة بي بشكل كبير لكن لم تخبرني بذلك حتى مرة سنة منذ انتقالنا للدراسة بالجامعة كنا قد افترقنا هي تدرس في مدينة وأنا بأخرى نظرا لاختلاف توجهنا الدراسي، عندما أخبرتني بمدى حبها لي لم أعرها اهتماما بادئ الأمر لأني كنت مخلصا في حبي للفتاة الأولى التي أنتظرها.
بالنسبة للفتاة التي أحبتني هي فتاة جد لطيفة تشاركني أغلب الأفكار والطموحات ولا أجد نفسي غريبا عندما أتحدث معها وأراسلها، الحقيقة أني معجب بشخصيتها كثيرا وأخبرتها بذلك رغم ذلك كنت أتردد في حبها لأني كنت لا أزال أفكر في الفتاة الأولى التي أحببتها، لذلك أخبرتها بأن تنسى حبها لي وأنني سأوقف حديثي معها لكي تنساني. بعد فترة من تركي لها علمت من صديقة لها أنها مريضة بسبب تركي لها، راسلتها مجددا وأخبرتني أنها دخلت في مرحلة خطيرة من الاكتئاب السريري، أصبحت مازوشية تبحث عن أي وسيلة لتعذب نفسها (دخنت السجائر بكمية كبيرة، حاولت تعاطي المخدرات، أحرقت وجرحت جسدها...)، و نظرا لتعرضها للعنصرية بجامعتها إزاء حجابها أزالته وقطعت صلاتها فقد كانت عندما درسنا معا فتاة محافظة تهتم بأمور الدين لكنها الآن انحرفت وأصبحت تعاني كثيرا والسبب كما تقول هو أنني تركتها، حاولت أن أبقى قريبا منها ريثما تتحسن حالتها نصحتها وجعلتها تعدني بالابتعاد عن إيذاء نفسها وفعلا فعلت ذلك كما لم تعد مكتئبة كما كانت قبل، ولكني أخبرتها بأنني ما زلت متعلقا بالفتاة الأولى وأطلعتها على الحقيقة بكاملها، لم تتقبل الأمر وقالت أنني تلاعبت بمشاعرها وحطمتها وأنني سبب عذابها كله.
بعد هذا شعرت بضميري يؤنبني بشدة وأحسست فعلا أنني دمرت وأفسدت حياة شخص أحبني كثيرا دخلت بسبب هذا في عزلة عن الكل كما قطعت اتصالاتي بالفتاتين معا ووعدت نفسي ألا أحب مجددا لأنني شعرت أني أحببت الفتاتين معا ولم أقدر على القيام باختيار فتركتهما معا ولا أظنني أقدر على فعل هذا مرة أخرى. أشعر أني ظالم وحالتي تكاد تصل إلى الاكتئاب الآن ولا أدري ماذا يجب أن أفعل حتى أصلح ما قمت به. أحتاج بشدة لمن يوجهني ويساعدني في تخطي هذا.
أعتذر عن الإطالة عليكم وأرجو منكم مساعدتي
وشكرا جزيلا على ما تقدمونه لنا من توجيه ومساعدة.
5/9/2017
رد المستشار
كأنك ترسم قصة ولا تريد أن تحيد عما رسمته يا ولدي!؛ ففتاتك الأولى كانت صغيرة جدا حين تصورت أنك تحبها وكذلك أنت؛ فلقد كنت في سن الإعدادي والذي تغيرت أنت شخصيا بعده كثيرا جدا في مساحات بلا شك، وهي كذلك أيضا بلا شك، ولكن لتظل متعلقا بمشاعر لا تحياها على أرض الواقع فعلا في شكل علاقة حقيقية فيها تعرف نفسك، وتفهم ماذا تحتاجه من تلك العلاقة، وتعرفها هي، وتفهم تفاصيل شخصيتها، وتختبر جدية الارتباط بينكما، وتختبر حقيقة ما بينكما من مشاعر حب، وغيره كان لابد وأن تكون هناك حبكة ليظل هذا التعلق المبهم وتظل في حالة تشبث، وحالة تجمد؛ فلا تسمح لنفسك بأن تتحرر، ولا تعطيها فرصة الاختيار.
وحين ضاقت نفسك بهذا القيد تركت نفسك لفتاة وكأنك تفعل فيها معروفا؛ لتحبك هي قصتها بناء على عذابها في حبك! فلقد درسنا أن هناك اضطرابات نفسية تصل لدرجة رغبة الشخص في إيذاء نفسه وجرحها، وكنت أنت من سيحمل في حياتها دور المؤذي الذي ضيع حياتها؛ فهل هناك أي أحد، أو شيء يستحق أن نحرق أنفسنا بأيدينا من أجله؟؟، هل الحب لو كان حبا يجعل الإنسان يحرق نفسه من أجل من يحبه جدلا؟.
فلماذا إذن لم تؤذي نفسك من أجل فتاتك الأولى التي حتى تلك اللحظة تقول لك لم أحبك بعد؟!؛ ببساطة لأنك شخص طبيعي لا تعاني نفسيا لدرجة مرضية، ولكنك يا ولدي لديك استعداد للغرق في مشاعر الذنب غير المبررة، وهذا ما جعلك مناسبا جدا للفتاة الثانية وبجدارة على مستوى مرضها النفسي، ولديك استعداد كبير للتعلق بأحلام تبعد عن الواقع تتلذذ فيها بعدم مسؤولية وجود علاقة حقيقية فيها تفاصيل الحياة، والتفهم، والتناغم، والعطاء المادي والمعنوي، وكأنك ترتبط بالمستحيل.
فلتراجع نفسك فيما قلته؛ فلا أحد مهما أحب حبا حقيقيا يؤذي نفسه من أجل من أحب، ولا أحد يورط نفسه في علاقات غير مشبعة إلا واحتاج أن يراجع حقيقة نفسه واحتياجاتها النفسية من أهم علاقتين لهما أعمق بصمة بداخلنا جميعا دون أن ندري، وهي علاقتنا بوالدينا تحديدا؛ فمنها نتعرف على ما ينقصنا؛ لنبحث عنه في علاقاتنا دون أن نعي...كفاك لعبا لدور الضحية الذي يجردك من وجودك الحقيقي.