فوبيا
أنا طالبة في السنة الأولى من المرحلة الثانوية، قبل كل شيء المشكلة التي سأطرحها هي مشكلة صديقتي من جنسية أخرى، فجميع ما أكتبه عرفته منها ومن لمى وهي صديقة لي ولها في المدرسة ذاتها.
فلنفترض اسمًا وهميًا لها ولنعدعها بـ"روان"، لا أعلم كيف أبدأ شرح مشكلتها، لكن بشكل عام هي بدأت من السنة الفائتة، أي في السنة الأخيرة من المرحلة المتوسطة حيث تعرفت على زميلة لها في الفصل فلندعها بـ"طيف"، طيف تعتبر نوعًا ما وحيدة في الفصل حيث أن صديقاتها في فصل آخر معًا عدى واحدة منهن معها، نستطيع القول أنه مع بداية الفصل الدراسي الثاني أصبحت كل من طيف وروان مقربتين، لكن تزامنًا مع هذا فقد نمت لروان مشكلة نفسية غريبة... حيث امتلكت فوبيا أو خوف قهري من أحدى صديقات طيف التي سندعوها افتراضيًا بـ "هَوى"، وفي الحقيقة أي منا لا يعرف سبب هذا الخوف، غير أن شخصية هوى كانت سببًا في تفاقمه.... فهي على ما يبدو شخص صريح للغاية... كما أنها تقول ما تشاء دون أخذ اعتبار لمشاعر الآخرين، باردة وهادئة كثيرًا، وبسبب عدم احتكاكي بها بشكل مباشر فأنا لا أعرف أكثر من هذا عنها.
بالنسبة لروان فهي تملك شخصية غريبة نوعًا ما... فهي تكون مرحة ومزعجة وصاخبة في بعض الأحيان وباردة جامدة وهادئة بشكل ـ ينرفزـ أحيانًا أخرى، وبما أنها الشخص الذي يحتاج الاستشارة هنا... فسأحاول إيفاء المعلومات المطلوبة عنها، هي مسلمة بطبيعة الحال ويمكن القول أنها أكثر تدينًا بقليل من الأناس الطبيعيين في مثل عمري، تحب القراءة بشكل كبير ومهملة دراسيًا ورغم ذلك فهي تحصل على نسبة مرتفعة (95).
بداية المشكلة لم تكن بهذه الجدية، كانت فقط تتجسد بنوبات بكاء أثناء رؤيتها، وبعد أن تتخطى الوضع تبدأ بالسخرية من نفسها وإطلاق نكات عن حالتها هذه، شيئًا فشيئًا بدأ الوضع يتفاقم وأعتقد أن الفضل في ذلك يعود لصديقات هَوى اللّواتي هن صديقات طيف في الوقت ذاته؛ حيث أنهن يزعجنها ويأتون لها وبقدومهن تأتي هوى معهن، أكثر من مرة قامت بخفض رأسها والبكاء... حتى شعرت أنها بدأت تصبح مثيرة للريبة فعليًا... فبدأَت باستخدام سياسة أخرى، الهرب ما إن ترى هوى، في البداية كانت ردة فعل هوى عدائية، صرخت بـ "والله أنا مب وحش"، وأخبرت احدى صديقاتها أن توصل لها رسالة بمعنى أنها لن تقوم بأكلها أو الانقضاض عليها، لا أذكرها بشكل واضح لكنها شيء بهذا المعنى، وفي موقف آخر لا اذكره قالت شيئًا كـ "يبدو أني آكلة لحوم بشر" ، تدريجيًا بدأت بتقبل الوضع حيث أنه على مايبدو أصبح الوضع الطبيعي هو هروب روان منها.
بالنسبة لروان فقد كان الوضع يزداد سوءًا تدريجيًا، لكن بقدوم نهاية العام...علمت أن هوى ذاهبة لمدرسة ثانوية أخرى، وكان هذا كالضوء في نهاية النفق... وبحسب تحليلي الشخصي.... فإن روان بعد التخرج مباشرة أرادت نسيان كل شيء يتعلق بهوى وخوفها...لا أعلم مدة صحة هذا لكن ما جعلني أعتقد هذا أنها أصبحت تصاب بحالات اكتئاب حادة ما إن تسمع اسمها، رغم أنها كانت تتقبله بشكل طبيعي أثناء السنة الدراسية.
قد يبدو افتراقهم لمدارس أخرى كـ"نهاية سعيدة" لكم؛ لكنه لم يكن كذلك، فبعد اليوم الأول الطبيعي في المرحلة الثانوية أتت هوى للمدرسة ذاتها في اليوم الثاني...السبب؟ واقعًا لا أعلم، بداية العام الدراسي كانت روان في حالة مأساوية للغاية، مع اكتئاب حاد، على ما أعتقد فهو بسبب محاولة محو كل شيء له علاقة بهوى من دماغها ثم ظهورها مرة أخرى بعد هذه المحاولة، رغم أن حالتها النفسية تحسنت مقارنةً ببداية العام الدراسي إلّا أن هذه الفوبيا لا تزال مشكلة في حياتها، فهي تهرب ثم تتقيأ ما إن ترى هوى، ترتفع حرارتها، وتصاب بصداع وأحيانًا رعاف وصعوبة تنفس وتبكي بشدة وتضل في حالة مزاجية سيئة لفترة تقارب الساعة من الزمن، وهذا لا يحصل فقط عندما تراها فحتى دخول فصل هوى فارغًا يسبب لها الأعراض ذاتها، وبين فترة وأخرى تبدأ بالهلوسة بكون احدى زميلاتها في الفصل هي "هوى" أو سماع صوتها وهي غير موجودة.
بشكل عام فإن هوى بدأت بتجنبها، رغم أن صديقاتها المجحلفين يحاولن التسبب بجعلهن يتلقين، فعلى مايبدو أنهن تستمتعن برؤية مشهد هروب روان.
ومن جهة أخرى روان تعرف أن خوفها منها غير منطقي البتة ولاسبب له، لكنها لا تستطيع فعل شيء تجاه ذلك، وقد حاولت بالفعل مع والدها ليأخذها للطب النفسي لكنه رفض قائلًا أنه لايعرف ما الذي عليه قوله عندما يذهب معها فهي لا تعرف سبب الفوبيا.
لذا من فضلكم، ما الحل المناسب؟؟
مع العلم أن العلاج بالتعريض مستبعد تمامًا فقد حاولنا عدة مرات مع روان أن تحاول لكنها ترفض ذلك تمامًا.
6/11/2017
رد المستشار
لا يمكنني أن أنسى رواية للكاتب التشيكي "ميلان كونديرا"، ولعنوانها ترجمتان: كائن لا تحتمل خفته، وخفة الوجود التي لا تحتمل!!
رسالتك ذكرتني بأيام تواجدي في مدرسة ثانوية للبنات أثناء إجراء بحث الدكتوراة، وقد لاحظت أن الهشاشة أو خفة الوجود سمة عامة في هذه المرحلة، ولا أستطيع تحديد القدر الطبيعي المتعلق بسمات هذا العمر الجميل، وتمييزه من الصفات المكتسبة نتيجة لأسلوب تربية معين، أو التنشئة في مجتمعات هشة أصلا بحيث لا يوجد فيها نسيج علاقات قوي إما نتيجة التحديث المستورد، أو العلاقات الأسرية الضعيفة، أو العلاقات المجتمعية الغائبة!! وهذه سمة مشتركة في المجتمعات العربية!!
رسالتك نموذج يستحق التأمل والدراسة من جوانب متعددة، ولكن دعيني أذهب مباشرة إلى ما تحاولين فك أسراره!!
هل تظهر أية أعراض قلق أو خوف أخرى عند "روان" غير تلك التي تتعلق بـ"هوى"، وظهورها، أو سيرتها؟!
هل هناك أرق مثلا، أو فقدان أو زيادة الشهية للطعام، أو نوبات هلع، أو قلق عام مستمر في صورة تعرق، أو ارتجاف، أو نبض قلب متسارع يظهر في أوقات لا تكون فيها "هوى" على شاشة بالتواجد أو التفكير؟!
ما الذي يثيره ظهور أو تذكر "هوى" في نفس "روان"؟!
هذا سؤال موجه إلى "روان" بطبيعة الحال، والإجابة تحتاج إلى تركيز وتأمل داخلي يراقب في هدوء ما يتحرك في نفسها!!
هل يتعلق الأمر بتذكر أشخاص أو أحداث معينة؟! هل طباع وشخصية "هوى" تستفز "روان" لأنها كانت تود أن تكون مثلها؟؟
هل حدث بينهما شيء من احتكاك أو تحدي أو صدام؟!
هل تشعر "روان" بأن "هوى" مثل نقطة ضعف، أو مناسبة يظهر معها ضعفها؟!
هذه أيضا أسئلة تحتاج الإجابات عليها إلى تأمل داخلي، ومراقبة للنفس.. ربما لم نتعود، ولم نتدرب عليها!!
كما يغلب علينا التأثر المفرط بالعالم الخارجي بأحداثه وشخوصه بحيث أن علاقاتنا بالآخرين، ورأيهم فينا، وأحكامهم علينا تؤثر بشكل كبير، ويمكن أن تهز ثقتنا بأنفسنا!!
لكن هل يقتصر الأمر على ذلك؟! حقيقة لا أدري!!
عندما تصفين "روان" بقولك "مرحة ومزعجة وصاخبة في بعض الأحيان"، وباردة جامدة هادئة بشكل ينرفز – أحيانا أخرى!!
هل يصف كلامك هذا نوعا من الاضطراب يجمع ما بين الهوس والاكتئاب بشكل يتناوب، وربما يتداخل؟!
الفحص النفسي يفيد في تجلية بعض الغموض، والأسئلة لا تشمل ما يتعلق بـ"هوى" فقط، فإن ظهورها يحرك شيئا ما هو موجود أصلا بداخل "روان"، و"هوى" مجرد محفز أو محرك له!!
لا أدري: هل توجد في المدرسة أخصائية نفسانية؟!
ربما يمكننا من خلال "موقعنا" – مجانين ترتيب مقابلة مع متخصص أو متخصصة إذا عرفنا في أية إمارة أنتن، وفي أية مدرسة!!
في كل الأحوال فإن تجلية الغموض ممكنة، ولا أجد ما يدعو للخجل، ولا الهروب، ولا كل هذه المعاناة النفسية دون حركة جادة لكشف الحقائق، أو التعامل معها!!
كما توقفت كثيرا أمام هذا العبث الطفولي الذي يجعل الزميلات في عمر الاستكشاف والفضول العلمي والمعرفي يكتفين بالاستمتاع بمشهد هروب "روان" دون محاولة للفهم فضلا عن الدعم، والتعاطف، والمشاركة!!
حين تصبح علاقتنا بالعالم شخصية ذاتية مصلحية، وحين نرى العالم والآخرين كمادة للسخرية، أو الضحكات العابرة، أو نتجاهل جهلنا، وعدم قدرتنا على الفهم، وبدلا من محاولة البحث والاستكشاف نكتفي بالفرجة، والتندر، وتدبير المقالب!!
أنا لا أريد الاندفاع في إصدار أحكام، ولكن أتأمل في نوعية هذا الوجود الخفيف في عالم هش!!
ننتظر تواصلك، ومعك حتى نفهم معا.