الحالة المستعصية..
السلام عليكم أكتب إليكم بعدما احتار الأطباء النفسيين في حالتي. مشكلتي بدأت منذ سنتين (1-2004) وهي عبارة عن حالة أصابتني على النحو التالي-:
المرحلة الأولى: وفيها كنت في وضع نفسي ممتاز من أحسن الأوضاع النفسية في حياتي وكنت في قمة السعادة (كنت أستعد للانتقال لدولة العربية لإكمال دراستي الجامعية بعد تجربة مريرة في الجامعة التي كنت فيها تتعلق بالتخصص والمواد وجو الجامعة) وأصابتني فيها هذه الحالة مرة واحدة (وكانت أول مرة أصاب فيها في حياتي) وهذه الحالة لم تستمر أكثر من عشر دقائق (1-2004) ولا أذكر وقتها أني كنت أفكر بشيء مهم أو محزن.
المرحلة الثانية: بدأت في (2-2004) عند أول وصولي للجامعة الجديدة وتعرضت لمشكلة كبيرة (أيضا تتعلق بالمواد الدراسية) وضعتني تحت ضغط وخوف كبيرين ولم يكن أمامي خيارات ولم أعرف كيف أتصرف وخلالها صارت هذه الحالة تزداد من حيث مرات تكرارها ومدة حدوثها (2 و 3 -2004) ثم صارت حالة مستديمة (4-2004) في بداية الأمر أفقت منها لمدة ساعتين مرة ومرتين لمدة عشر دقائق (4 و5-2004) ثم بعد ذلك أصبحت لا أفيق منها إلا مرة أو اثنين أو ثلاثة في الشهر ولمدة ثانية ثم أصبحت لا أفيق منها أبداً فآخر مرة أفقت منها كانت في (6-2005) وكان ذلك لمدة ثانية.
أما طبيعة هذه الحالة:
* حالة من اللاوعي فاقد فيها كل اتصال بنفسي وبالواقع والزمان والمكان ولا أحس بأي أحاسيس وكأني 100% في حلم فأحس أني غير موجود فلا أعرف من أنا أو بالأحرى ما أنا لا أعرف أي شيء عن الدنيا فلا أعرف كيف كنت ألبس وآكل وأذاكر وأخرج وكيف كنت أعيش وكيف كنت أذهب إلى المدرسة والجامعة كما أني ناسي كيف كنت أعامل أهلي وأصدقائي وناسي أيضاً الكثير من صفاتهم وطباعهم وشخصياتهم بالإضافة إلى الكثير من طباعي وصفاتي كأني عمري ما كنت في هذه الدنيا وليس عندي أي تصور عنها وآخر تصور كان عندي قبل حدوث هذه الحالة والعيش في اللاواقع والحلم هو أن الحياة في منتهى الجمال وأن الدنيا ابتسمت لي بعدما أظلمت في وجهي وأن المستقبل أمامي باهر ولا شيء باستطاعته أن يوقفني.
* لا أعرف معاني الحياة من موت أو حياة أو نجاح أو فشل ولا أحس بأي صفات بشرية من حب أو كره أو خوف أو راحة وليس عندي أي غرائز سواء جنسية أو حب للمال أو النجاح أو الجوع وأحس كل شيء حولي وهمي وغير حقيقي كأني أراه في حلم.
* لا أستطيع التركيز أو الحفظ أو التخيل أو التذكر بالإضافة إلى كثرة النسيان حتى على مستوى قيادة السيارة فأنا لا أتذكر شيئاً عن القيادة أو قواعد المرور أو تقدير الأبعاد كأني لم أكتسب أي مهارات حياتية.
* فقدت كثير من الذكاء والقدرة على إيجاد الحلول واتخاذ القرارات وربط الأفكار والتحليل فلا أعرف كيف أتصرف أو أجد حلولا للمشاكل وعندي صعوبة كبيرة في التعلم واكتساب المهارات وأيضا أنا لا أتذكر كيف كنت أتصرف وأتعامل مع المشاكل وأحلها وليس عندي صفاء ذهن فأحس دائماً كأن بالي مشغول ومشتت وبأني مشدود.
*عندما أتكلم أو أناقش أو يسألني أحد فان معظم الكلام يخرج مني تلقائياً من غير تفكير ويكون كله صحيح لدرجة أني ممكن أن أمزح أو أتكلم في مواضيع مهمة وأناقش كأن مخي يرد لوحده من غير تفكير أو للكلام ولكن قدرتي على استجماع الأفكار والمجادلة والإقناع شبه معدومة كما إنني عندما أقوم بأي عمل أقوم بالأمر أوتوماتيكياً وتلقائياً.
*لا أستطيع أن أدخل الجامعة فالمدرسون والكتب والطلاب وكل شيء حولي وهم وغير حقيقي وحتى لو تغاضيت عن ذلك (وهذا مستحيل) فليس عندي القدرة على الحفظ والاستيعاب وأنا أصلا لا أعرف ما معنى نجاح ومستقبل وليس عندي أي إحساس بذاتي أو شخصيتي كما أني لا أصلي فلا أعرف ما معنى حساب وجنة ونار فالصلاة عندي عبارة عن حركات أوتوماتيكية من غير نية أو خشوع أو إدراك لمعنى الصلاة وأنا أصلا غير موجود لست في الواقع والدنيا الحقيقية وإنما كله حلم ووهم.
* دائماً يصيبني صداع في الجهة اليسرى من رأسي بقرب أذني في نفس المناطق وهذا الصداع غير مرتبط بحالة معينة أو تفكير معين كما أني لا أحس بأي طاقة في جسمي ولا أحس بجسمي وبأطرافي أصلاً فلا أحس مثلاً بتثاقل عندما أصحو من النوم ولا أحس بخمول أو رغبة بالنوم بعد الأكل كما أنني لا أحس بطعم الأكل أو الجوع أو الشبع وليس عندي أي نظام نوم أو ساعة بيولوجية وإذا نمت لا أصحو قبل 13 أو 14 ساعة إذا لم يوقظني أحد وبالنسبة للرؤية أرى كل شيء حولي بإضاءة خفيفة وأبعاد غير دقيقة.
* ليس لدي أي حياة فأنا منقطع عن الدراسة منذ سنتين واجتماعياً لا أختلط بأهلي كثيراً ونادراً ما أخرج مع أصدقائي وقد فقدوا جميعاً الأمل مني مع أني حاصل في الثانوية العامة على 95% وكنت محبوباً ومحترماً جداً من أهلي وأصدقائي ومع أني لا أحس وأعي فداحة وانحطاط هذا الوضع الآن لأني فاقد الأحاسيس وكل ما يحصل معي هو حلم إلا أني على يقين بأن هذا مؤلماً جداً في الواقع والعالم الحقيقي وحالياً أعمل بمهنة بسيطة (صراف) عند أحد أصدقاء والدي إلى أن يفرجها الله وطبعاً لا أعرف معنى عمل ومعاش وإنتاج.
عندما أفيق من هذه الحالة فإن كل شيء يرجع طبيعياً 100% كأني كنت في غيبوبة وأفقت منها. يتبدد الحلم وأصبح في الدنيا والواقع مدركاً لكل شيء أحس بنفسي وبالحياة ومعانيها وكأن شيئاً لم يكن والإفاقة تأتي دون مقدمات وليست مرتبطة بموقف أو تفكير أو وقت معين والغريب في هذه الحالة أنها ليس فيها حل وسط أو تدرج في الأعراض فأنا إما طبيعي 100% أو في حلم 100% كأن الموضوع كله كبسة زر تفصل بين الواقع والوعي واللاوعي والحلم.
باختصار أنا وهم وكل شيء حولي وهم وكل المواقف التي أمر فيها وكل أقوالي وأفعالي وتصرفاتي وحياتي أعملها وأنا مسيَر في أحداث حلم غريب لا أفهم تفاصيله ولا أذكرها وأنا بانتظار أن أفيق من هذا الحلم وأرجع لنفسي ولحياتي.
رحلتي مع العلاج بدأت مع المعالجين بالقرآن فذهبت إلى ثلاث معالجين قالوا لي إني لا أشكو من شيء ثم منذ أكثر من سنة بدأت في العلاج النفسي وأخذت الأدوية التالية Risperdal, Stelazine, Cipralex, Effexor, Ixel, Saroten, Tranxene, Xanax, Lamictal كما تلاحظون فهي من أفضل الأدوية المتوفرة لعلاج الذهان والقلق والوسواس والاكتئاب (الثلاثية الحلقات و SSRI's وSSRNI's) ما يترتب عليها Derealization and depersonalization أني لا أحس باكتئاب أو قلق أو وسواس ولا أي أحاسيس أخرى وليس عندي أي نوبات هلع أو ضيق في التنفس أو تسارع في ضربات القلب كما أنني مدرك أن هذا كله يحدث بسبب حالة مرضية دون تدخل أي قوى أو مؤثرات خارجية أو جن وإنما هو خلل في الدماغ وليس عندي أي هلاوس أو أعراض ذهانية.
وكل هذه الأدوية لم تحدث أي فرق وفوق هذا فقد قمت بعمل 8 جلسات كهربائية وأيضاً لم أحس بأي فرق وقد قمت بعمل فحص للغدد وتخطيط الدماغ الكهربائي EEG وصورة بالأشعة المقطعية CT Scan وكانت كلها سليمة.
أرجوكم أخبروني ما هو مرضي؟ هل هو مرض نفسي يتعلق بالنواقل العصبية وكيمياء الدماغ؟
وإن كان كذلك فلماذا لم تنفع كل هذه الأدوية والجلسات الكهربائية؟
هل هناك أي فحوص أخرى يجب أن أعملها ؟ هل تكفي الأشعة المقطعية أم علي أن أقوم بعمل أشعة رنين مغناطيسي؟
وهل يجب أن أعرض نفسي على طبيب مخ وأعصاب؟ هل أنا حالة مستعصية ؟
أنا داخل على الله ثم عليكم أن تتشاوروا وتجتهدوا وتخبروني ما هو مرضي وأرجوكم ثم أرجوكم أن تجعلوا الأولوية في الرد لرسالتي وبالتفصيل وبأسرع وقت ممكن لأن الانتحار صار ملازما دائماً لتفكيري بعدما يئست من الأطباء والأدوية وهو عمل هين جداً علي لأني لا أحس بنفسي وذاتي ولا أعرف معنى حياة وموت وجنة ونار كما أن الغاية من حياتي هي العبادة وأنا لا أعرف معنى عبادة وغير موجود في الدنيا أصلاً ولا أعتقد أن الله يحاسبني لأنه ليس على المجنون حرج وأنا بلا عقل أو وعي أو واقع.
وهذا تاريخ الأدوية التي أخذتها وجرعاتها بالترتيب :
*Cipralex: أخذته في آخر(12-2004) بجرعة 10 mg في الشهر الأول ثم 15 mg في الشهر الثاني ثم قطعته شهرين أو أقل ثم رجعت آخذه في آخر(3-2005) بجرعة 10 mg في أول أسبوع ثم 20 mg (الجرعة القصوى) لغاية آخر(7-2005).
*Rirperdal: أخذته في (2-2005) بجرعة 2 mg أول شهرين ونصف ثم بجرعة 4mg لمدة شهرين أو ثلاثة ثم بجرعة 2 mg حتى (10-2005) وهذا الدواء أفادني فقط من حيث أنه كان يساعدني على النوم فقد كان يعمل كمهدئ كما أنه خفف من حدة الصداع ولكنه لم يحسن الحالة أبدا.
*Saroten: أخذته في أول (6-2005) بجرعة 50mg أول أسبوع أو أسبوعين ثم بجرعة 100 mg لغاية آخر (7-2005(
*Ixel: أخذته في آخر (7-2005) بجرعة 50 mg أول ثلاثة أيام ثم 100mg (الجرعة القصوى) لشهر ثم 150 mg لمدة شهر.
*Xanax: أخذته في (7-2005) لمدة لم تتجاوز أسبوعا وكنت آخذ 3 حبات باليوم بجرعة 0.5 mg ومرة أخذت 1.5 mg جرعة واحدة ولكن بدون أي تأثير مع أني أذكر أنه مرة قبل ثلاث سنوات غضبت غضبا شديدا فأعطاني خالي (الذي يعاني من نوبات الهلع) جرعة لا أذكرها بالضبط ولكنها ما بين 0.25 إلى 1 mg وأذكر وقتها أني أحسست بالنشوة والسكر خلال فترة بسيطة جدا ونمت.
*Stelazine: أخذته في بداية (8-2005) بجرعة 10 mg لأول أسبوعين ثم 15 mg لغاية بداية (10-2005).
*Effexor: أخذته في أول (9-2005) بجرعة 150 mg أول شهر ثم بجرعة225 mg (الجرعة القصوى) في الشهر الثاني لغاية أول (11-2005).
*Lamictal: أخذته في أول (12-2005) لمدة أسبوعين بجرعة 25 mg أول أسبوع ثم 50 mg في الأسبوع الثاني.
*Tranxene: أخذته بجرعة 10 mg لمدة 10 أيام ولم أحس بأي تأثير ومرة أخذته بجرعة 20 mg وأيضا دون فرق وكانت المرة الوحيدة التي تأثرت به عندما أخذت 60 mg دفعة واحدة فكان كل ما أحسست به بعض الثقل وقلة تركيز بسيطة جدا ولم أنم وقد أخذته من (4-1-2006) إلى (14-1-2006).
منذ أكثر من شهرين توقفت عن أخذ جميع الأدوية (ما عدا Lmictal لمدة أسبوعين وTranxene لمدة 10 أيام) و بشكل عام الأدوية كانت تزيد تشتتي وتجعلني مشدوداً أكثر خاصة أدوية الذهان (Risperdal, Stelazine) بالإضافة إلى أنها لم تأتي بأي نتيجة وعندما بدأت آخذ الأدوية قلت المرات التي أفيق فيها من الحالة ثم انعدمت ولا أدري إذا كانت الأدوية هي السبب أم أنه تطور لسوء الحالة.
أما جلسات الكهرباء فقد أخذتها في (6 و7-2005) وكانت أول 3 جلسات يوم وراء يوم ثم في غصون 10 أيام أكملت باقي الخمس جلسات بمعدل مرتين في الأسبوع. أود أن أذكر أن ليس لي أو أبي أو أمي أو أحد أخوتي أي تاريخ في الأمراض النفسية إلا أني تعرضت للاكتئاب في الجامعة الأولى التي كنت فيها وقد زال الاكتئاب بزوال الأسباب (وكانت الفترة التي تليه من أحلى فترات حياتي إلى أن أصابني هذا المرض)
ولم آخذ أي عقاقير كما أني في حياتي لم أتعاطى أي نوع من المخدرات أو الكحول.
أنتظر ردكم بفارغ الصبر جزاكم الله خيرا.
30/8/2018
رد المستشار
الأخ العزيز أهلاً وسهلاً بك على موقعنا مجانين وشكر على ثقتك، إفادتك تبدو نموذجية من ناحية وصفك لما نسميه بمتلازمة اختلال الإنية وتبدد الواقع مع خلطة القلق والاكتئاب، كذلك فإن وصفك الدقيق التفصيلي وذكرك التواريخ يشير إلى بعض سمات الشخصية الوسواسية، وهذا يعني حاجتك إلى علاج معرفي طويل وليس فقط عقاقير لعلاج اختلال الإنية.
وسببُ ذلك أنك تحتاج إلى تغيير الطريقة التي تفكرُ بها أو بمعنى أدق طريقة التفتيش في المشاعر الآنية ومقارنتها بنموذج مثالي معين تصر أنت على أنه كان موجودا، وما يزال يظهر من حين لحين، وتصر كذلك على أن درجة التحسن التي طرأت على حالتك مع عقاقير الم.ا.س.ا خاصة لم تكن أبدًا كافية، وبينما يبدو واضحاً أنك تتعامل مع الناس وفي العمل بشكل طيب إلا أنك تصر على أنك لا تشعر بذاتك الحقيقية!
أعرف أنك دائم الإحساس بوجود حائل بين وبين ما تنتظره من مشاعر داخلية وأنت تفتش عنها في نفسك ووعيك فلا تجدهاـ، أعرف ذلك وأقدر معاناتك قدر صعوبتها ولكن أؤكد أن الحالة ليست مستعصية وإنما تحتاج مثابرةً من طرف المريض على العلاج بنفس قدر مثابرته على فحص مكنونات نفسه ومشاعره.
مضادات الذهان التي تناولتها غالبا جاءت قبل أن يشخصك الطبيب النفسي على أنك حالة اضطراب إنية، أو هي أعطيت لك باعتبار الحالة مقاومة للعلاج وهو ما لا أتفق مع معالجيك فيه، إلا أن تكون لحالتك أبعاد أخرى لمسها المعالج الحقيقي بنفسه، وهو بالتأكيد أدرى بك.
أحيلك بعد ذلك إلى عددٍ من الروابط عن موضوع اختلال الإنية، وما يمكنُ أن يرتبط به من أسباب وأحداث، وما يمكنُ أن يؤديَ إليه من اضطرابات نفسية:
اختلال الإنية والواقع فقط أم مختلط؟
الصدمة النفسية واضطراب الإنية
من اختلال الإنية إلى رهاب الساحة
اختلال الإنية في طيف الوسواس القهري
أتمنى أن تثابر على العلاج، وأن تصر في حياتك اليومية على تطبيق قاعدة في منتهى الأهمية وهي قاعدة فعل ما ينبغي فعله بغض النظر عن مشاعرك تجاهه أو إحساسك به، فعقلك يعمل بكفاءة ومشكلتك هي في قدرتك على استشعار دواخلك واستبطان نفسك وأنت تفعل هذا وتكرره والنتيجة مزيد من السوء، فإن كففت عن ذلك نجوت، وكذا مهم أن تطلب من معالجك أن يوجهك إلى من يستطيع تقديم العلاج السلوكي المعرفي اللازم إضافة إلى العلاج العقَّاري، وأهلاً وسهلاً بك دائماً.