عندما يصبح الأب ابتلاء
السلام عليكم
أنا إنسان مسلم "والمفروض أني من أسرة مسلمة ملتزمة دينياً" متزوج وعندي أولاد الحمد لله، أنا إنسان عندي من الأخطاء والمشاكل أحاول وأجتهد أن أكون أفضل في كافة جوانب حياتي، ولكن ليست هذه المشكلة، المشكلة في أبي الذي في منتصف عقد الستين والذي من المفترض أنه إنسان ملتزم دينياً عنده علاقات عاطفية وغير شرعية خارج إطار الزواج منذ سنين.
يعني مثلاً منذ عشرين عام ولا أدري أين تطورت بالتحديد، وفي كل عام من مرتين أو ثلاث مرات تكتشف أمي الأمر وندخل في مشاكل لا نهاية لها وبما أنهم لا يوجد لهم أحد كبير في السن يذهبون إليه وأيضا لحساسية هذه الأمور فنكون نحن في واجهة الأمر.
وهو للأسف الشديد لا يعترف إطلاقاً بخطئه مهما فعل وهذه سمة من سماته طوال حياته للأسف، وفي كل مرة من المرات كانت تشك أمي فيه وتصارحه وهو ينكر، وسوف أذكر لكم حادثة واحدة لأن الحوادث كثيرة، المهم قامت أمي بالتسجيل له وهو يتحدث مع فتاة وهو لا يدري وإذا به يتحدث مع واحدة كلام ساقط ومنحط في البيت وغرفة النوم ثم يكمل حديثه في الحمام ولا داعي لإكمال المزيد،
الشاهد أن أمي ليس لها دراية كافية بالتقنية فاستعانت بإخوتي الصغار الذين سمعوا هذا الكلام وللأسف الشديد، ودخلنا معه في مشاكل وهو ينكر ويتهرب ولا يريد أن يحل، وهذه كانت إحدى النتائج لحوادث سابقة مماثلة ولكنها أقل شدة من هذه الحادثة، طرحت عليهم كثيراً أن يذهبوا لطبيب كان يرفض ويقول أنه ليس المشكلة المشكلة في أمي، قولت له اذهبوا جميعا وأنا متكفل بأي مصاريف للعلاج، ولكنه يرفض ويماطل ويسوف،
وأبي أصبح إنسان معدوم مادياً بعد أن كان صاحب شأن لأنه لم يكن يركز في تجارته وفي وسط مشاكل مشابهة ومن هذا المنوال كنا نكتشف علاقة جديدة بهذا الشأن ولا يتعلم حتى أصبح حاله المادي متردي حتى أنه لم يساعدنا أنا وإخوتي في أي شيء في الجواز ولذلك أنا وإخوتي نصرف على البيت وعلى تعليم إخوتي الصغار،
وعنده أولاد بنين ذكور البعض منهم تزوج وأنجب الحمد لله وأي واحد منا من الممكن أن يفعل أكثر من ذلك ولكن أحداً لم يفعل.
حتى أن في إحدى المرات رأى أخي أصغر واحد فينا الشات وهو يتحدث مع واحدة وكان بجوار أبي وقرأ الكلام دون أن يدري وكان في الصف الرابع الابتدائي قبل سنين ولكنه لم يتعلم، ولا يستتر، ودائم الهروب والتردد وعدم المواجهة، حتى أصبحت علاقته بإخوتي وخاصة الصغار سيئة وتزداد لأنهم شاهدوا وسمعوا كثيرا أكثر مني ولا يعترف بخطأ ولا يعتذر وأنا المغترب وأحمد الله على ذلك لأني لا أعرف ماذا أفعل.أخيرا كان يتحدث مع واحدة على الشات يحاول أن يفتح معها الكلام وهو الذي بادر معها،
الشاهد أنها ذهبت لأحد إخوتي والتي كانت تعمل معه في أحد الأماكن وأبي لا يعرف، تسأل أخي هل فلان هو أبوك فقال لها نعم فأرسلت له محتوى من الشات والذي يحتوي على كلام من إنسان يحاول ويجتهد أن يقحم نفسه في حياة إنسانة انفصلت عن خطيبها وهو لا يعرفها ولا هي تعرفه مستغل أنه أكبر منها في السن،
المهم أرسل لي أخي الكلام وقال لي أنا عاجز عن التصرف ولا أعرف ماذا أفعل، وقال لي تصرف فأرسلت له على الشات صور من كلامه مع الفتاة، البداية قال لي ما الخطأ ثم بعد بعدها قال لي لن أفعل هذا ثانية ولا تخبر أمك، وأنا حتى خوفا على مشاعره وموقفه أمامي لم أحب أن أتصل به صوت واكتفيت بهذا فقط، الجديد أنه بدأ من جديد كلامه مع هذه الفتاة وعادة تشتكي لأخي منه بعد إن قامت بحظره.
بالله عليكم ماذا نفعل هل هذا مرض؟ ما اسمه؟ وما علاجه؟ وماذا نفعل؟ قلت له قبل ذلك تزوج ولكن يبدو أنه لا يمتلك القدرة المادية ولا الجسمانية على ذلك؟ بالله عليكم ماذا نفعل؟
أنا أعرف أن أمي جزء من المشكلة ولكنه لا يحبها ويكرهها ولا ينظر في وجهها حتى ومنذ سنين وهو لا ينام في غرفة النوم وهي تنام فيها، وهو ينام في غرفة أخرى، ما العمل بالله عليكم لأننا جميعا عجزنا وبدأ يصيبنا بما لديه.
12/10/2018
رد المستشار
الأخ السائل:
في قصة والدك بعد اجتماعي، وبعد نفسي، وهما مرتبطان.
نحن نعيش حياة تعيسة بائسة في هذه البقعة من العالم حيث يتزوج الناس دون وجود شغف حقيقي أي ارتباط وجداني عاطفي بين امرأة معينة ورجل محدد.
ونردد هراء من عينة أن الزواج عن حب – هكذا نسميه – ليس بالضرورة ناجحاً لأنه مستند إلى العواطف دون العقل، ولدنيا حالات كثيرة فشلت ...إلخ.
والحقيقة أن الشغف الذي يبني الناس عليه علاقاتهم، ويكون الزواج إطاراً لشرعيته ليس هو الحب بالمعنى الخفيف الذي نتصوره ونمارسه، ولكنه شعور وجداني، واقتناع عقلي يأخذ وقته لينضج خلال تعارف وتعامل تتشابك فيه الوشائج والأسباب لنصبح أمام نسيج متين ضام ورابط بين طرفين.
هذا ما يمارسه العقلاء في العالم وعلى مر الأزمنة، ونعيش نحن استثناء الهراء والغباء والإصرار على البؤس، نردد كلاما فارغاً نحسبه دينا، وهو محض لغو لا علاقة له بالعقل، ولا بالتجربة الحية التي عاشها المسلمون الأوائل، ولا يتسع المقام لبسط الكلام عن تاريخ العشق العاطفي في حياة العرب، والمسلمين!!!
الخلاصة هنا أن ارتباط الوالد بالوالدة هو واحد من الزيجات التي نشأت خالية من الروح والشغف لتنفيذ مجموعة من المهام البيولوجية والاجتماعية، وانتهت هذه المهام منذ زمن تاركة العلاقة مثل البيت الخراب لا يؤوي سوى الغربان، والخفافيش!!
جانب آخر للبؤس في حياتنا وهو فراغها من الأنشطة التي تستثمر طاقة البشر للمتعة، والمصلحة العامة والخاصة.
في مثل سن أبيك يستمتع الناس في العالم الحي بممارسة هوايات متنوعة كانت الوظيفة تحول دون قضاء وقت فيها، ويتجول الناس مسافرين داخلياً وخارجياً، وتتزايد اهتماماتهم الروحية، والفنية، وتتسع أوقاتهم لتنمية صداقات وعلاقات....إلخ
بؤس حياتنا لا يكاد يعرف هذا إلا في دوائر محدودة جداً بينما الأغلبية تدور في طواحين العمل أو الكسب، وتنشغل في مطالب العيال حتى إذا كبروا، وضعفت القدرة على السعي لكسب المال ارتبك الناس عندنا ماذا عساهم يفعلون!!
والبعض يتدروش وينخرط في ممارسات دينية متلقيا التقريظ ممن حوله، والتشجيع من محيطه، وشاعرا بالرضا لانتظار الموت في أحسن حال.إذن حالة حياة الوالد عبارة عن: لا شغف في العلاقة داخل البيت، ولا شغف خارجه!!
وحيث أن فراغ حياتنا يقتصر على قضاء وقت طويل، والتعويل المفرط على مسألة العلاقات بين الرجال والنساء، وينفق فيها مالا ضخما، ووقتا وجهداً، وكأنها كل الحياة، ولا معنى للحياة، ولا طريق في حياتنا للشعور بالتحقق ولا بالقبول إلا عبر الدخول في علاقة!!
هذا هو التفكير الشائع، ونمط الحياة الذائع حيث لا مجال للمشاعر ولا سبيل لإشباع الاحتياجات الإنسانية في الاهتمام، بل والشعور بالوجود إلا في مغامرات من هذا النوع!! ماذا يمكن للوالد أن يعيش من حياة؟!
لا علاقة مع زوجة، ولا هواية أو اهتمام يجمعه بأصدقاء، ولا شغف بالثقافة والقراءة، ولا الفنون، ولا السفر حول العالم، ولا حتى السفر محليا، ولا عمل للكسب أو غيره!!
والدك يعيش حياة ميتة مثل ملايين، وهو في موته المعنوي هذا يلتمس أي طوق نجاة، أو شريان يربطه بالحياة كما يعرفها هو، والمحيط الذي حوله: ملاحقة الفتيات ومحاولة الانشغال بهن، ومشاغلتهن، وقضاء وقت في التسلية عبر وسائل الاتصال الجديدة غير المكلفة، وهو يراها عملية سهلة ورخيصة، ويتوهم أنها آمنة لأنها تحصل عن بعد، بينما هي لعب بالنار في سياق اجتماعي لا يرحم، وعشق المجتمع المحيط به للفضائح يمكن أن يقضي على سمعته، بل وقد يجر عليه أنواعا من الأذى الجسدي، لكنه سادر في الغي لأنها أو كأنها مسألة حياة أو موت!!
الحل باختصار أن يكون لأبيك حياة حقيقية، ولكن هذا يقتضي تغييراً يكون هو بطله، والناس لا تحب التغيير!!
اختصار المشكلة في الوالدة بؤس إضافي مريح، وشماعة سهلة قريبة لتبرير بقاء الوضع على ما هو عليه!!
الدنيا واسعة وإن ضاقت في القرى والمدن الصغرى فهي تتسع في المدن الأكبر، وتمتلئ بأنشطة تجمع الناس، وتشبع احتياجاتهم الإنسانية، وليست بالضرورة عبر دفع أموال كثيرة!!
الجري وراء الفتيات ليس سوى تعبير غير واعٍ عن حب الحياة، والسعي إلى استمرار نبضها، فهل هناك طرق أخرى، أو بدائل متاحة، أو مبتكرة لاستثمار الطاقة، والشعور بنبض الحياة، وليس للإلهاء وشغل الفراغ كما نتصور أحيانا!!
بدون تغيير للخرائط سنظل نلعب القط والفأر، وربما نقع في الفخ، ونخسر كثيراً.
دوركم هو التفكير الإبداعي، واستطلاع الفرص والإمكانات المتاحة، ومسؤولية الوالد بعد ذلك أن ينقذ نفسه ويضعها في المكان اللائق بها عبر استكشاف تضاريس أخرى ربما يجد حلاوتها، ويستطيع العيش بشكل ممتع وآمن في نفس الوقت.
وربما من دوركم أيضاً أن تراجعوا حياتكم فيجد هو من حوله يتغيرون، ويدخلون في أنشطة وهوايات واستكشاف فيكون دوره أبسط حينذاك حين يرافق ابنا أو حفيداً في متابعة شغفه الرياضي، أو الفني، أو الثقافي، وينوبه من الحب جانب!!
وفي دوائر الشغف قد يجد امرأة تقبل ارتباطا منخفض التكاليف المادية والمسؤوليات، لكن هذا لن يحدث إلا إذا كان هو جاداً، وصادقاً ومحترفاً في هذا الشغف، أو ذاك.
تابعنا بأخبارك، والله الموفق.