الطفلة بداخلي
السلام عليكم، أنا فتاة عمري 24 من دولة عربية نشأت في مجتمع خليجي محافظ وفي منطقة معزولة نوعا ما، مشكلتي تكمن في العقد التي أعاني منها، ومنها أني نشأت وأنا أشعر بالدونية بسبب العنصرية التي كنت أتعرض لها في الصغر، وأيضا شعور بالضياع بسبب الإهمال العاطفي والنفسي من والدي حيث كنت أعاني من مشاكل كثيرة في صغري ولم يساعدني أو يرشدني أحد فيها وكنت كتومة جدا فلم أكن أخبر أحد بما يحصل لي من تنمر خارج المنزل أو من الجيران.
ودائما ما كنت كثيرة البكاء وهذا ما كان يزعج عائلتي ولكنهم كانوا يظنون أنه دلع بنات، وأيضا المشاكل التي كانت تحدث بين أبي وأمي حتى أن والدي كان يضرب والدتي أمامنا وكان عصبي جدا كنت أخاف منه جدا وإلى فترة قريبة حتى تخلصت من هذا الخوف، وكانت تعيش معنا، دائما ما كانت أمي تتشاجر معهما لا أعرف من كان المخطئ حيث كنت صغيرة ولا أعي الأحداث لكنها كانت تؤثر علي جدا، فأصبحت فتاة عاطفية جدا، حساسة جدا، خائفة من كل شيء، معزولة اجتماعيا نوعا ما.
وهناك موقف أثر علي في صغري حيث أني بعمر الثامنة ذهبت لبيت صديقتي الوحيدة جارتنا بدون إذن أهلي وأخذت إخوتي الصغار معي وأهلي بحثوا عني ولم يجدوني وعندما عدنا إلى المنزل ضربني أبي بالعصا بطريقة وحشية جدا أتذكر تفاصيلها إلى الآن، رغم أنه بعد أسبوع اعتذر ورأضاني إلا أني إلى الآن لا أستطيع نسيان هذا ومواقف كثيرة أخرى وتراكمات، كنت دائما أبكي مع كل أهلي كل من يتعرض لمشكلة كأنها مشكلتي أنا عشت آلامهم معهم وكنت أرى الدنيا سوداء، إضافة إلى وضعنا المادي الصعب والصدقات من الجيران والمنطقة رغم عمل أبي هذا ما جعلني أستحي من وضعنا الاجتماعي دائما.
ومن ناحية أخرى أصبحت أكره جنس الرجال حتى أني لم أفكر يوما أن أعمل علاقة حب مع رجل أولا لالتزامي الديني ولكن السبب الأساسي الخجل من الرجال والخوف منهم بشدة، حتى عند دخولي جامعة مختلطة كانوا يرونني الفتاة المعقدة التي لا تتعامل مع الرجال وانضممت إلى شلة من البنات لا يشبهونني في شيء غير ملتزمين بعضهم يفعل الأفاعيل الغير أخلاقية حاولت أن أنصحهم لكنهم كانوا أكثر مني فأصبحت كل ما أحاول نصحهم يتهمونني بالمعقدة ويؤذونني بالكلام حاولت تركهم لكن لم أستطع فقد كنت أشعر بالوحدة لم يكن لدي الكثير من الصديقات وأصبت بالاكتئاب ولكن الحمدلله فقد أكملت دراستي الجامعية بدون مشاكل دراسية ولكن لشدة انكماشي على نفسي لم أشعر أنني طورت شخصيتي كثيرا.
عانيت أيضا من مشاكل نفسية شديدة حتى أنني ظننت أني مريضة نفسيا وراثيا لأن أحد من أهلي كان لديه اضطراب بالشخصية، ولكن لم أكن أجد المال لأذهب لاستشاري نفسي، الآن أنا مقبلة على عمل وأحس أني لا أمتلك الصفات التي تؤهلني إلى ذلك، مشاكل في الاعتماد على النفس، ومشاكل في الخوف الشديد ونوبات الفزع التي تصيبني أحيانا، وفوق هذا الحاجة العاطفية الشديدة جدا للزواج، في الآونة الأخيرة أصبحت أقرأ كثيرا في الاضطرابات الشخصية وأصبحت أشعر بتحسن وشعرت أنني أفهم الحياة أكثر.
ولكنني أعاني من فقدان القدوة والمرشد في حياتي، فلا أحد من أهلي يستطيع مساعدتي وينظرون إلي بنظرة الإنسانة الضعيفة العاطفية غير المسؤولة فهم لا يعلمون ما يعتصر بداخلي، لا أنكر الإيجابيات التي حدثت في حياتي منها إكمال تعليمي وأنني أستطيع قيادة السيارة والاعتماد على نفسي في كثير من الأشياء فأنا التي أنهيت جميع معاملاتي مع الجامعة وأهلي حضروا يوم حفل التخرج فقط، وأنا التي أبحث عن وظيفة لوحدي ولكن هنالك الخوف والقلق المستمر أنني غير كفء لهذه الحياة حتى أني تعرضت لنوبة اكتئاب شديدة بعد التخرج من الجامعة وأصبحت لا أتواصل كثيرا مع صديقاتي رغم أنهم حاولن أن يكلمنني ويخرجنني من الوضع الذي أنا فيه ويحاولن أن يجعلنني أقبل على الحياة أكثر إلا أنني كنت أصدهم دائما حتى أنهم ظنوا أني صادقتهم للمصلحة فقط حيث أني لم أجعل ولا واحدة منهم قريبة لقلبي لأنني لم أكن أثق بهم كثيرا وشعوري بالاختلاف الطبقي بيني وبينهم وأنهم قد لا يتفهمون مشاكلي.
تعرفت على فتاة من تخصص آخر في الجامعة وهي كانت نعم الصديقة لكنني أيضا لم أستطع أن أبوح لها بشيء رغم تشابه مستوانا الاجتماعي ولكنني لا أستطيع الثقة بأحد أبدا وأشعر إن أخبرتهم بمشاكلي سيصدون عني ويهربون مني أو لا يتفهومنني، وأيضا لخجلي من وضعي الآن هناك ضغط حولي بالحصول على وظيفة والزواج وكأن هذا الأمر بيدي، ولكني أصرخ بداخلي أنني أعاني نفسيا كيف لي أن أرتبط بأحد فأنا خجولة جدا، خائفة جدا، حساسة جدا، أخاف من المسؤوليات الكبيرة كالعمل وتصيبني بالرعب وفوق هذا أنني لا أحب تخصصي ولكنه الذي كان متوفرا لي حينذاك.
لا أدري هل هي نظرتي السلبية التي تجعلني هكذا هل هو اضطراب في شخصيتي، أم رد فعل لما كان يحدث لي في صغري، أشعر أني مشوشة جدا لا أهتدي إلى الطريق رغم التزامي الديني والمحافظة على جميع صلواتي والنوفل أحيانا إلا أني أشعر أني بعيدة عن الله كثيرا أشعر أني مكسورة داخليا، أحمد الله أني مسلمة ولم أستجب لأفكار الانتحار التي كانت تراودني ولكني أرى الحياة سوداء قاتمة، إخواني وأخواتي الأكبر مني استقلوا في حياتهم وتجاوزوا مشاكل العائلة إلا أني أنا لم أستطع فمازلت أسترجع أحداث الماضي وأؤنب نفسي كأنني كان لي يد في ما حدث.
في لحظات أشعر أنني أنانية جدا لا أفكر إلا في نفسي فقط وأحيانا أخرى أظن أني أتقمص دور الضحية في حياتي ولا أدري إن كنت ضحية حقا أم لا، وهذه أول مرة أعبر فيها عما بداخلي وأخرج الطفلة التي بداخلي، أرجو ربما مشاكلي ليست بالتي تستاهل فإني أعلم أن الكثير يعاني أكثر مما أعاني أنا ولكنني أشعر أنني لا أستطيع التعامل مع أبسط مشاكل الحياة حتى.
أعلم أن الشكوى لغير الله مذلة ولكن لابد أن أستشير أحدا قبل أن أفقد عقلي،
وأعلم أنكم إخواني في الله وأدعو لكل من يحاول مساعدتي أن يكفيه الله ما أهمه
4/9/2019
رد المستشار
صديقتي
المشكلة تكمن في مسألة التصاقك بفكرة الطفلة الحساسة بداخلك.. ولكنك تنسين أن بجانب هذه الطفلة الخجولة الحساسة المتألمة المكتئبة التي تشعر بأنها ضحية، هناك أيضا الشابة القادرة على النجاح والمثابرة والتعامل مع تفاصيل الحياة بطريقة فعالة وجيدة إلى حد كبير..
تركيزك على أنك ضحية يسلب منك بهجة الحياة ويجعلك تكتمين غضبا دفينا نحو أهلك والحياة والله .. النتيجة المعتادة لهذا الغضب المكتوم نحو من لا يجب أن نغضب منهم هو الاكتئاب الناتج عن تحويل الغضب نحو أنفسنا وعقاب أنفسنا بالأفكار السلبية واجترار الحزن على أحداث الماضي ومراكمة الأحزان والجروح حتى نصاب باليأس والشلل النفسي وانعدام الرؤية الصحية المعتدلة للأمور.
ليس هناك إنسان على وجه الأرض لم أو لا يعاني من حدث أو أحداث أو تراكمات أو أحزان يعتبرها ويحسها كارثية.. لا يمكننا تغيير أحداث الماضي ولكن يمكننا إيجاد شيء إيجابي أو على الأقل محايد فيه..
كان من الغباء الشديد من والدك أن يضربك بوحشية على حد تعبيرك ولكن غباءه لا يعني أنك سيئة أو بلا قيمة أو أنك يجب أن تعممي خوفك من أبيك وعنفه الناتج عن سوء فهم وسوء تصرف إلى حد الخوف من التعامل مع جميع الرجال.. لقد ضربك لأنك تسببت في خوف شديد عليك وعلى إخوتك عندما لم يعرف والداك أين كنتم... مما لا شك فيه أنك أخطأت في هذا ولكن أباك تعامل مع هذا الخطأ بطريقة غبية .. ولكنه اعتذر بعد ذلك وأراد استرضاءك وهو شيء جيد من ناحيته وكثيرا ما يتجاهله الكثير من الأهل ويصرون على أنهم على حق في استخدام العقاب بطريقة سلبية وغبية.
عقدك هي نتيجة اختيارك لطريقة سلبية في التفكير وتأويل الأمور.. إن كنت تريدين الزواج فلماذا تريدينه؟ ماذا تريدين أن تعطي شريك الحياة وما هي كيفية حبك له؟ ما هي مواصفاته؟ ما هي مواصفات المرأة التي من المعقول أن ينجذب إليها؟ .. أقول مواصفات المرأة لأنه بالتأكيد لن يريد أن يتزوج ممن تصر على أن تكون طفلة تحس بالشفقة نحو نفسها وتريد أن تلقي اللوم على الآخرين وتأخذ من هذا ذريعة للمكوث في دور الضحية...هل تريدين الإنجاب؟ كم طفلا؟ ماذا تريدين أن تعلميهم؟
ماذا تريدين من نفسك ولنفسك في الحياة؟ أي امرأة تريدين أن تكوني؟ ما الذي يمنعك غير تركيزك على إحساس الحزن وإحساس الضحية الخائفة المذعورة؟
هذه هي الأشياء التي يكون من المفيد التركيز عليها بدلا من أحزان الماضي وآثارها في الحاضر.. سوف يسلبك هذا مستقبلك.
لست طفلة ولست عاجزة.. عندما يقول أي إنسان "لا أستطيع" أو "لا أعرف كيف" هو في الحقيقة يخفي عن نفسه أنه لا يريد التغيير بالقدر الكافي لأنه تعلم وأدمن قلة الحيلة أو دور الضحية... ليس هناك ما لا يستطيع الإنسان أن يتخطاه بالدأب والتفكير الإيجابي والأفعال البناءة الإيجابية... قال لنا القرآن أن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم.. ما بأنفسهم يتلخص في الأفكار (التي تنتج المشاعر) والأفعال...الصلاة والنوافل لن تنتج شيئا ذا معنى أو قيمة في هذه الحياة إلا إذا كان معها أخذ هادئ بناء بالأسباب وقبول المسؤولية الكاملة عن النفس والمشاعر والأفعال.
أنصحك بمراجعة معالج نفساني لمناقشة هذه الأمور ورسم خطة لتعديل السلوك والأفكار
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب