بداية أنا فعلا شعرت بالاحتياج الشديد للكتابة فقررت أن أكتب لكم لأعرف رأيا سديدا في الموقف الذي أمر به. هي ليست مشكلة بالمعنى الحرفي ولكنه موقف من مواقف الحياة الكثيرة التي تمر بنا وقد رأيت في صفحتكم الكثير والكثير منها فجزاكم الله عنا خير الجزاء ونفع بكم الإسلام والمسلمين آمين.
باختصار أنا فتاه عمري 26 عاما خريجة إحدى كليات القمة وأعمل في مجال تخصصي وأحب عملي جدا وكم تمنيت الارتباط بشخص يشاركني نفس المهنة ويحبها مثلي. ومنذ فترة قريبة وجدت زميلا لي في العمل يتقرب إلي وسرعان ما أخبرني أنه يريد الارتباط بي مباشرة لأنه يرى أن أقصر الطرق هو الطريق المستقيم وكان على قدر كبير من الصراحة حيث قال لي إنه علي أن أنتظره فترة من الوقت ليصبح جاهزا بالمهر والشبكة ومتطلبات الزواج مع العلم أنه يصغرني بعام تقريبا وهو يعلم ذلك ويقول إنها ليست مشكلة ولا أنكر أني قد ملت إليه وسعدت باهتمامه بي ولكني لم أعطه جوابا شافيا.
وفي نفس الوقت تقدم إلي خاطب آخر عن طريق إحدى صديقات والدتي وهو جاهز ماديا ويعمل في إحدى الدول العربية ويكبرني بحوالي 5 أعوام وخريج نفس الكلية التي تخرجت فيها بالإضافة إلى أنه ملتزم دينيا.. لقد احترت فعلا هل أنتظر زميلي في العمل الذي لا أنكر أنني أعجبت به وأشعر أنني أميل إليه أكثر أم أقبل بالعريس الجاهز؟ وهل لو رفضت العريس الجاهز وانتظرت زميلي ربنا ممكن يحاسبني لأنه شاب ملتزم ولا عيب فيه؟
وممكن موضوع زميلي هذا لا يتم لأي سبب سواء رفض الأهل أو عدم توافق الظروف خصوصا أنني لا أعرف رد فعلهم على موضوع فرق السن بيننا، وأيضا إذا وضعت الإمكانات المادية في الاعتبار وهو ما زال في مقتبل حياته ولكنه شاب مؤدب وعلى خلق ومن عائلة كريمة؟ أخاف أن أطيع هوى نفسي لمجرد أن هذا هو ما أميل إليه وليس هو الصحيح.
أريد رأيا صحيحا أستند إليه حتى يقف سيل الأفكار الذي أمر به وأستقر إلى حال
وجزاكم الله خيرا.
27/11/2021
رد المستشار
أهلا بك يا "نشوى" على موقع مجانين للصحة النفسية
فعلا اختيار شريك الحياة يدخلنا في حيرة وتردد، كيف وهو قرار مصيريّ
لن أختار مكانَك طبعا، بل سنفكر معا في الاحتمالات، هكذا أحب أن أعالج مواضيع الاختيارات والمنعرجات التي تخص الآخرين. فلا يُمكن لأحد أن يشير عليك مباشرة في موضوع كهذا فأنت أدرى بنفسك وميولاتك وبيئتك، وكلّ قرار أو إشارة من غيرك مهما كانت من خبير ومجرّب فهي لا تعدو أن تكون عاكسة لتطلعاته ورغباته ومخاوفه هو، وليس ما يخصّ طالب المشورة.
ربما سأبدأ بشيء أثار انتباهي وهو تساؤلك حول قبول أهلك لرجل يتقدم إليك وهو أصغر منك بعام، لماذا لا تسألين منذ البداية، لماذا تؤجل المرأة أو الرجل نقطة مهمة قد تكون عائقا أمام الارتباط ويسترسلون في الافتراضات أو التعلق العاطفي بالآخر، ثم يتفاجؤون برفض الأهل وتبدأ المعاناة والألم. من المنطقي أن أتساءل مثلا هل يمكن لسيّارتي أن تمرّ من أزقة تلك المدينة قبل أن أركبها وأقطع الطريق لها! واضح أنني سأرتكب خطأ فادحا إن أنا ركبت سيارتي دون أن أفكر في ذلك الأمر رغم أني أعرف ضيق أزقة تلك المدينة مسبقا. لذا لا تتعلقي وتعلقي آمالا وأنت لم تحسمي مع أهلك في هذه النقطة.
أما عن الخطيب الآخر، هو يكبرك سنا ومستقر ماديا وخريج كلّيتك، وأيضا يعمل في دولة عربية أخرى، سؤالي هنا هل أنت مستعدة للهجرة معه والتنقل معه لبلد آخر؟ بصرف النظر هل يناسبك أم لا؟ حتى إن لم يكن هناك خيار ثان مع زميلك هل تقبلين بالهجرة كزوجة معه أو تريدين البقاء في بلدك؟ إن كانت الهجرة لا تشكل لك عائقا.
نأتي لفكرة أنه متدين ويجدر بك القبول به لأنه كذلك، وإن لم تفعلي فسيعاقبك الله على هذا، أولا التدين لا يعني شيئا في الزواج ربما يكون الدين المشترك شرطا أهمّ لكن التدين ليس كذلك، أو بكلمات أخرى خطوط عريضة تتفاهمون وتتفقون حولها وليس كونه متدينا أو غير متدين، خصوصا أن الحديث الذي يحضر في بالك وبالنا لا يتحدث عن الدين كشرط وحيد بل يعطف عليه الأخلاق: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخُلقه" وأنت لا تعرفين عن خُلقه شيئا حتى تقبلي به طاعة لله. هذا من جهة، من جهة أخرى لنفرض أنّه كان متدينا خلوقا ماذا عن التوافق؟
لو غاب التوافق لا ينبغي أن تقبلي به، فالزواج حتى إن جاءت فيه نصوص دينية تنصح بهذا أو ذاك، إلاّ أنها تبقى قضية شخصية متعلقة بكل حالة على حِدة، فكل فرد له خصوصياته وحاجياته ومتطلباته، والتي تخرج عن إطار النصائح الدينية العامة إلى حالات خاصّة لا يؤاخذ الله فيها عباده، فالزواج في نهاية المطاف مقصده هو الاستعفاف وبناء علاقة توافق وألفة دائمين، ليس طقسا تعبديا نتوجّه به إلى الله. وهذه الألفة وهذا التوافق سيُبنى على مدى فهمنا لأنفسنا وحاجياتنا وليس لمدى احتكامنا إلى نصوص عامة ونصائح فضفاضة.
وتأملي أيضا أنه حتى في السنة هناك اعتبار للخصوصيات، فالذي خطب بنتا لم يرها بسبب غطاء وجهها، لم يقل له النبي عليه السلام توجيها عاما وتزوج بها فهي فاضلة وكريمة ووو... بل قال ارجع فانظر إليها فذلك أولى أن يؤدَم بينكما، أي إن رأيت وجهها سيكون اختيارك واعيا أو سترفضها إن لم تعجبك. شرط الإعجاب مهم بعيدا عن الدين والأخلاق. وقد نُعطي مثالا آخر، لما قال صحابي للنبي أنه تزوج ثيّبا، فقال له "ألا بكرا تلاعبك وتلاعبها" فأخبره أن لديه أخوات صغيرات ولا يزيد عليهن بكرا غير ناضجة مثلهنّ، فأقرّه النبي عليه السلام على قراره الحكيم ولم يجادله. هذا ما يجب فهمه من الدين ونصائحه في الزواج وليس تلك القوالب الجاهزة أو الحلول المعجزة التي يقدمها الناس على شكل نصوص يستدلون بها دون اعتبار الملابسات. فالبنت من حقّها أن ترفض متدينا خلوقا لأنها لم ترتح له ولم يعجبها شكله (ذوق خاص بها وميول دفين فيها) فهل تكون عاصية؟ لذا أبعدي معادلة الذنب والعقاب هنا، أرى أنّها تُعميك عن اتخاذ القرار الصحيح.
فالهوى لا يكون دائما في الشهوات، فقد يكون هوى تورّعيا أيضا، بمعنى أنّ هوى التورع واتباع مثاليات دينية هو أيضا ميول يخضع له الناس، ليشعر أنه أكثر تقوى فيتبع آية أو حديثا دون فهمها مخافة أن يتألم ويؤنبه ضميره إن خالفها، وهذا بغض النظر عن فتاوى أو رؤية دينية مخالفة لما ذهب إليه، أي أننا سنختار لهوى في نفسنا فتوى أكثر تشددا أو أقل حكمة من فتوى أخرى كي لا نشعر بأننا تنازلنا وفرّطنا وكي نتجنب ألم نفسيا، أفليس هذا هوى أيضا؟! فالهوى ليس شهوة ورغبة تُخالف الورع والتقوى دائما، بل قد يكون التورُّع وعدم الأخذ بالأيسر والأكثر مرونة هوى أيضا، كما فعل من جاؤوا يستقلّون عبادة الرسول فهم بين معتزل للنساء وصائم دون انقطاع وقائم الليلَ كله!
أما لو قرّرت انتظار الزميل (طبعا بعد حديثك بصراحة مع الأهل بخصوصه دون إخفاء شيء عنهم أو تأجيله بتبرير أو بآخر، حتى تقطعي الشك من جذوره) فقد لا يفي بوعده أو لا تتيسّر أموره، وهذا قد يقع لا بسبب أنّ الله عاقبك، بل لأنها من الاحتمالات الواردة والطبيعية، وليس لها علاقة بعقاب أو جزاء، فلا زواجك من الأول سيعتبر كرامة إلهية، ولا زواجك من الثاني سيُعتبر جزاء إلهية أيضا، إنما الاختيار يرجع لك وترك لك الدين حق الاختيار، لكن كل من يختار يجب أن يتحمل تبعات اختياره بعيدا عن سخط ورضى الله عنه.
وشيء آخر الانتظار شيء والتعلق العاطفي شيء آخر، ما دام هناك ميل هناك عاطفة، ولكن التوغل في تلك العلاقة العاطفية وقت الانتظار سيجعل أي قرار أو تغير فيما بعد صعبا جدا، أرى إن قررت الانتظار أن تنتظري باعتدال واقتصاد حتى إن حصل شيء غير متوقع يحول بين إتمام الارتباط ستكون بداية محطة أخرى أسهل وأقل تكلفة. خصوصا أنّ الانتظار في بلادنا العربية قد يطول وأنت في سنّ لا يجب أن تعلقي آمالا على مجهول بدل ما يمكنك أن تُحصّليه حاليا.
ما أريد أن أقوله أنّ انتظار ذاك الزميل الذي أعجبت به مبدئيا هو خيار من بين خيارات أخرى، وليس شيء حتميّا، تضعينه في مخططاتك، لكن إن بدا لك أن الأمر عبثيّ ولا يصب في صالحك وتقدم لك خطاب آخرون ستعجبين بهم ويستوفون شروطك وشروط أهلك، فالأولى أن تختاري من بينهم، لهذا أنبّهك حول نقطة التعلق المفرط وكونه عائقا أمام اتخاذ القرار الصحيح إن لم تسِر الأمور كما تتمنّين معه.
بقيت فكرة أخيرة أحبّ أن أشير إليها وهي "جدا وكم تمنيت الارتباط بشخص يشاركني نفس المهنة ويحبها مثلي" في الارتباط قد نفترض أنّ وجود قواسم مشتركة في الوظيفة أو التخصص سيجعل حياتنا أسعد وتوافقنا أسهل مع شريك الحياة، لكن هذه الفكرة ليست صحيحة، لأن التفاعلات الزوجية مختلفة عن تفاعلات الزمالة، فضلا على أنّ الوظيفة أو التخصص لا تعكس عقلية محددة وشخصية صاحبها، ولاحظي بنفسك الفروقات الكبيرة جدا بين طبيب وطبيبة مثلا، شخصية كل واحد منهما، الأول عابس جدي بعيد عن رقي الطبيب ورحمة المطبّب، والثانية رحيمة أصالة ورقيقة في تعاملها مهذبة، أو العكس... فالأمر يبدو متعلقا بسمات الشخصية أكثر من التخصص، لأن الشخصية تتكوّن وتكتمل معالمها الكبرى قبل التخصص الذي لا يأتي إلا بعد الثامنة عشر!
سبب وضعنا لهذه الإسنادات هو أننا نبحث عن محاولة حصر وفهم الآخر الغريب عنا، فنسند لأصحاب مهنة معينة خلقا وطريقة تفكير معيّنة، وللآخرين خلقا وسلوكات أخرى، لنشعر بالتحكم والفهم المسبق لما هو مجهول وغامض. لكن هذا ينبني على مخاطرة، لأن هذه العملية اختزالية وتبسيطية وقد تلهينا عن ملاحظة السمات الشخصية التي هي أهمّ وأكثر ثباتا والتي قد تتناقض مع الصورة التي نعطيها لصاحب هذه الكلية أو تلك المهنة وذاك التخصص.
خلاصة قولي هنا، هو أنّ اجتماعكما على الكلية والتخصص نفسه لا يضمن التوافق نهائيا، وقد تضعينه شرطا مهما وحيويّا لسعادتك وتوافقك وتتفاجئين بأنه لم يكن بتلك الأهميّة، وحتى فكرة أنك إن شاركت معه الوظيفة والشغف والمجال فسيؤدي بك هذا إلى حوارات وأرضية مشتركة فكرة خاطئة، فالقدرة على المشاركة والحوار والإنصات راجعة للشخص نفسه، وقد يمل وظيفته فلا يريد الحديث عنها في البيت... فهناك أشخاص أميون لكنهم يحبون السؤال والحوار وسماع تجارب الآخرين ودكاترة لا يحاورون أولادهم أو أزواجهم في البيت.
انتبهي لهذا الشرط الذي وراءه وما وراءه من تمثلات وخيالات حول العلاقة وطبيعتها، وركّزي على الشخص وسماته فهي التي تحدد طريقة التفكير وسلوكاته أكثر من أي شيء آخر.
أعتقد أنني مررت على كلّ النقاط، وتمنياتي لك بالتوفيق والسداد