الجنس على الإنترنت
السلام عليكم؛
أنا منذ كان عمري 16 سنة إلى 18 سنة تعرفت على شاب على الانترنت وكان قليل الأدب تظاهر بحبه لي وأنا أحببته لأني غبية جدا. وكان يقول لي كلام غرامي ثم قام بزيادة الكلام كان يكلمني عن الجنس وأنه كيف سيقوم بممارسة الجنس معي (والعياذ بالله) وكان يتكلم بالتفاصيل، مثلا كان يقول سوف أقبلك و.... و... و....
المهم أنا كنت صغيرة لا أفهم، بعدها تبت إلى الله وتركته، أنا خائفة أن أكون زانية ويجب أن يقام علي الحد، علما أنه كان فقط يكتب الكلام السخيف, هل أنا زانية؟ أم هذا زنا المحارم، أرجوكم جاوبوني هل هذا زنا حقيقي؟ أم لا؟
وما هو الزنا الحقيقي الذي يوجب عليه الحد وهل أنا زانية، أنا خائفة ولقد راسلت أكثر من موقع ولكنهم فقط كانوا يقولون لي التوبة تجب ما قبلها، أنا أعلم هذا الشيء لكن أريد أن أعرف الحكم الشرعي للكلام عن الجنس على الانترنت. وأيضا هناك الكثير والحمد لله أنا لست منهم من يمارسون الجنس عن طريق الإنترنت بالصوت والصورة وأريد أن أعلم الحكم الشرعي هل هو زنا حقيقي يوجب عليه الحد؟
أنا خائفة وكارهة نفسي كثيرا لأن هذه الغلطة الوحيدة التي ارتكبتها في مراهقتي ولكنني لا أستطيع مسامحة نفسي لكن كلنا نخطئ والآن أنا تعلمت من هذا الخطأ والحمد لله لكن كوني مسلمة ملتزمة لا أحب أن أتهم بالزانية حتى لو تبت ورائها.
شكرا لكم
15/03/2012
رد المستشار
الأخت الفاضلة؛
شكر الله تعالى لك حرصك على السؤال، وخشيتك من الله تعالى، وليس كل من ارتكب ذنبا يعني أنه لم يعد مؤمنا، أو نزع الإيمان من قلبه، فإتيان المعصية لا يعني بالضرورة انسلاخ الإنسان من الإيمان، لأن الوقوع في الخطأ طبيعة بشرية، وقد قال تعالى: (...... وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (121) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (طه: 121-122)، لكن من سمات المسلم أنه لا يصر على معصية، بل إذا وقع في مثل هذه المعاصي، فهو يرجع إلى الله تعالى ويطلب منه العفو والمغفرة.
ولقد قص ربنا علينا من صفات آدم وحواء أنهما كانا أوابين، فلما وسوس لهما الشيطان وأكلا من الشجرة وعرفا أنهما قد عصيا الله تعالى بادرا بالتوبة والاستغفار إليه، {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الأعراف:23)، ويقص علينا ربنا استغفار يونس عليه السلام حين ترك قومه غاضبا من عدم إيمانه، فقال عنه تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} (الأنبياء:87)، فالمطلوب من المسلم –وكذلك المسلمة- أن يمسك بيد من حديد على التوبة إلى الله، وأن يرجع إليه بعد كل ذنب، فإن الله تعالى لا يمل من قبول التوبة مالم يمل العبد من طلب المغفرة له.
وقد أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: أحدنا يذنب, قال: يكتب عليه, قال: ثم يستغفر منه ويتوب, قال: يغفر له ويتاب عليه, قال: فيعود فيذنب، قال: يكتب عليه, قال :ثم يستغفر ويتوب منه, قال: يغفر له ويتاب عليه, قال: فيعود فيذنب، قال: يكتب عليه ولا يمل الله حتى تملوا
وقيل للحسن: ألا يستحي أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود, ثم يستغفر ثم يعود
فقال: ود الشيطان لو ضفر منكم بهذه, فلا تملوا من الاستغفار.
ويروي لنا ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين قصة حيث يقول: وهذا موضع الحكاية المشهورة عن بعض العارفين أنه رأى في بعض السكك بابا قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي وأمه خلفه تطرده حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه ودخلت البيت الذي أخرج منه، ولا فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف متفكرا، فلم يجد له مأوى غير من يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب حزينا. فوجد الباب مرتجا فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام، وخرجت أمه، فلما رأته على تلك الحال لم تملك إلا أن رمت نفسها عليه، والتزمته تقبله وتبكي وتقول: يا ولدي، أين تذهب عني؟ ومن يؤويك سواي؟ ألم اقل لك لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك. وإرادتي الخير لك؟ ثم أخذته ودخلت.
وهكذا، فالعبد لا غنى له عن ربه مهما عصاه، فالواجب أن يرجع إليه، وأن يقف على عتباته يعتذر عما بدر منه حتى يقبله ربنا سبحانه وتعالى.
أما ما حصل بينكما من أمور على الإنترنت، فهذه لا تسمى زنى حقيقيا، وليس فيها حد، فالزنى الحقيقي الذي يقام على فاعله الحد هو المعاشرة الجنسية الصريحة التي تكون بين الأزواج في الخلوات، وليس مجرد المداعبات أو ما يعرف بمقدمات الزنى، فالكلام على الإنترنت حرام شرعا، لكنه لا يعد زنى حقيقيا، ولا يقام على صاحبه الحد.
بل الواجب التوبة إلى الله منه، بل من ارتكب الفاحشة فالواجب عليه أن يستر على نفسه، وأن يتوب إلى الله، فهذا في حال الزنى الحقيقي، فمن باب أولى أن يستر الإنسان على نفسه في مقدماته أو في الأمور التي لم تصل إلى حد الزنى.
ولا يفهم من بعض الأحاديث التي جعلت النظر زنى واللمس زنى، فهذا المقصود منها أن هذه الأشياء مقدمات للزنى، أو هي من باب الترهيب منها.
فالواجب الستر على نفسك، والتوبة إلى الله تعالى، والستر فائدته عظيمة جدا، لأن إشاعة خبر المعصية يجرئ الناس على فعلها، بل لابد من ابتلي بمثل هذه الأشياء أن يستر نفسه كما ستره الله تعالى، ولذا حذر القرآن من إشاعة الفاحشة في المجتمع، كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النور:19).
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من أصاب من هذه القاذورات شيئا، فليستتر بستر الله" رواه الإمام مالك.
فمن ابتُلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله.
رزقنا الله تعالى التوبة النصوح وغفر لنا وسترنا في الدنيا والآخرة، ورزقنا العفاف في ديننا ودنيانا.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
والحمد لله رب العالمين.
التعليق: يبشرنا النبي بالحديث الشريف: (إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها).
في بداية التوبة يحدث انتباه للقلب وخشية من الله تعالى مع لوم النفس و التحسر على السيئات، وقد منّ الله عليك بيقظة قلبك حتى تتوبي قبل فوات الأوان، وأراك نادمة وقد انقطعت عن هذا الذنب ويبقى أن تعزمي على ألا تعودي إليه أبدآ، فحاولي أن تستغلي هذه اليقظة في التضرع إلى الله نعالى أنّ يقبلك في عباده الصالحين، وحاولي أن يكون لك رفقة صالحة تعينك على الخير وتذكرك بالآخرة، و لا تجعلي الشيطان يقنطك من رحمة الله الواسعة، حاولي الالتزام بالحجاب وإعانة الشباب على غض البصر، وقد تكون توبنك هذه سببآ في قربك من الله تعالى وسيرك إليه، ومن الآن إستعملي جوارحك "حواسك" في طاعة الله تعالى كقراءة القرآن والإستماع إليه بقلبك ففيه شفاء القلوب.
تضرعي لله تعالى باسمه الغفور والعفو بأن يغفر ذنبك ويعفو عنك، فالله سبحانه وتعالى رحيم يتودد لعباده المسيئين بقوله عز وجلّ: "أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم"...
أسأل الله تعالى أن يتقبلنا في عباده الصالحين