كلمات
الصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛
أولا: أحب أن أشكر القائمين على الموقع لأنهم اقتطعوا جزءا من وقتهم وخصصوه للإجابة على تساؤلاتنا ومشاكلنا.
تانيا: مشكلتي أني فقدت القدرة على الاحتمال بكل ما تحمله الكلمة من معنى بداية أنا فتاة عاشت يتيمة طوال حياتها توفي والدي منذ صغر سني لا أكاد أذكر شيئا عنه سوى بعض الصور الباهتة أحتفظ بها في ألبوم صوري أنظر إليها بين الفينة والأخرى لأرى رجلا قالوا لي هذا والدك توفي والدي نتيجة إدمانه على السجائر هذه الأخيرة سببت له سرطان الرئة فمات على إثره ربما جزء مني يلومه لأنه لم يكن يفكر بي كيف سأعيش بعده لم يفكر بحجم الألم الذي أشعر به عندما أفتقده وعندما أكبر بدونه أعرف أن هذا قضاء الله وقدره ولكن أحيانا أقول لنفسي ربما لو لم يشرب السجائر لكان الآن معي أو على الأقل لعشت جزءا كبيرا من حياتي معه بدل أن تكون ذاكرتي خاوية تماما من أي ذكرى له.
بعد وفاة والدي اضطرت والدتي للعمل في طفولتي تحديدا لم أكن أراها كثيرا كانت تخرج في الصباح الباكر وتعود في المساء متعبة هي ضحت من أجلي ورفضت الزواج من أي رجل لأجلي أيضا ولكن في مراحل كثيرة من حياتي كنت أشعر أنه بفقداني لوالدي فقدت والدتي أيضا رغم أني أحبها جدا وأعرف أنها تحبني.
من جهة أخرى ولدت بنقص في السمع في مراحل حياتي الأولى تحديدا في السنين التسع الأولى لم يكن لدي أي مشكلة أقصد مشكلة نفسية كان كل شيء جيدا ولكن بعد أن انتقلنا من بيت جدي الذي كنا نقطن فيه مع عمي وأولاده هنا بدأت المشاكل لا أذكر تحديدا ما أصابني ولكني أصبحت انطوائية جدا طوال سنوات حياتي الدراسية لم يكن لدي أي أصدقاء كنت دائما أبقى وحدي أجلس في الفصل وحيدة كنت أكره جدا جرس الفسحة لأني كنت أشاهد الكل يلعبون أو يضحكون أو يتحدثون مع بعضهم بعضا وأنا كنت وحيدة أعد الثواني كي تنتهي تلك الفسحة كانت أشبه بعقوبة أكثر منها فسحة؛
ولأني كنت وحيدة جدا حاولت أن أخلق لنفسي أصدقاء وهميين كنت عندما أعود إلى المدرسة أركض إلى غرفتي كي أتحدث معهم ولكن والدتي لاحظت أني أجلس كثيرا وحدي وأتحدث كثيرا مع نفسي فأجبرتني أن أتخلى عن أصدقائي هؤلاء فأصبحت مجددا وحيدة ثم بعد فترة أدمنت القراءة ربما لأني وجدت فيها أنيسا أو صديقا لا أعلم ولكن كنت أشعر أنها تعوض شيئا من وحدتي وتفتح نافذة أمل في حياتي.
وهكذا كبرت إلى أن بلغت سنتي السادسة عشرة أو السابعة عشرة حينها دخلت عالم الإنترنت وانبهرت به هناك وجدت أخيرا ضالتي لأول مرة لم أحتاج إلى أذني لأتواصل مع الآخرين بدت الأمور أسهل وأصبح لدي أخيرا أصدقاء من بلدان أخرى وربما عوالم أخرى ولكن لم يكن يهمني فقط كنت سعيدة أن لدي أصدقاء.
وفي هذا العالم السحري تعرفت إلى شاب من إحدى الدول الشقيقة أحببته جدا بكل كياني كانت علاقتنا متذبذبة جدا مع أنها كانت جدية إلى حد ما فقد عرفني إلى عائلته والده ووالدته إخوته وأقاربه وكان يصر دائما على أن يتحدث إلى والدتي ويخبرها أنه يرغب في الزواج بي عشنا سنة ونصف كانت فعلا أيام من الجحيم فقد كان زير نساء بامتياز وكان غيورا ربما إلى درجة الشك في تلك الفترة لم أكن أدرك أن انفصاله عني كان أعظم هدية يقدمها لي فكان بعده مؤلما جدا إلى درجة احتجت إلى سنوات لأطوي هذه الصفحة.
وخلال هذه السنوات تنقلت بين الرجال بين هذا وذاك ربما كنت أبحث فقط عن قلب يحبني بصدق ولكن أغلب ما وجدته إما شخص يريد استغلالي أو يريد أن يقضي بعض الوقت للتسلية أو شخص يريد أن ينسى به حبه القديم فقط كمسكن لأوجاعه وهذا الأخير ألمني كثيرا لأننا كنا أصدقاء في فترة ما ولأنه كان يتغزل في حبيبته السابقة أمامي ويقول أنه لم ينساها كان يهملني جدا جدا لا يعاملني كما أستحق حقا ومع ذلك كنت أصبر لا أعلم لما كنت أصبر ولكن صبري ذاك أفقدني الثقة في نفسي.
أشعر أن لا أحد يحبني حتى تلك الصداقات التي اعتقدت نفسي كونتها لم تنفعني مع الوقت لهذا أردت أن يكون لي أصدقاء ومعارف على أرض الواقع كنت أعامل الناس جيدا باحترام وأدب كنت أسأل عنهم دائما أحاول أن أراعي مشاعرهم أن أواسيهم ولكن عندما يصبيني ألم ما أو ظرف ما كنت أجد نفسي وحيدة عندما أغيب عنهم لا أحد يسأل عني في المناسبات والأعياد إن لم أسأل أنا فلا أحد يسأل حتى هاتفي كرهته جدا لأنه يبقى لشهور صامتا مثلي ثم مع الوقت.
بدأت أفقد كل المعاني الجميلة إن سمعت أحدا يقول ادفع باللتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم أبكي وأقول لا يارب أنا فعلت ولم يحبني أحد ثم أعود وأقول أستغفر الله العظيم كأن شعاري في الحياة جد لأخيك 99 عذرا وإن لم تجد لم نفسك الآن أحس أن هذا كان غباء مني أحيانا يراودني إحساس كأن الله يعاقبني على كل أخطائي فكلما وضعتني أحلامي في شيء ما (مشروع أو دراسة ما أو فكرة ما وليس شخصا) إلا ويسلب مني لظرف قاهر وأحيانا أشعر أنه يحرم علي الحلم أو الأمل أو البسمة أعلم يقينا أنها وسوسات شيطان وأن الله لا يعاقبنا وحاشا لله أن يفعل بنا شيئا كهذا بل يرقينا ويهيؤنا للأفضل لأنه لا يأخد منا شيئا إلا ليعوضنا بما هو أفضل منه أعرف هذا جيدا فقط لا أستطيع أن أمنع نفسي أن أفكر في هكذا أمر.
أحيانا أشك في نفسي ربما الخطأ مني أنا شيء ما بي أنا خطأ فقدت الثقة في نفسي وفي من حولي كثيرا ما أشعر أني لم أعد أهتم لأحد ولم يعد أحد يهمني لا أعرف ما أصابني ربما هو اكتئاب لا أدري ولكني حاولت أن أخرج نفسي من دوامة الحزن تلك أنا أحب كتب التنمية البشرية وأقرأ الكثير منها وأحاول أن أطبقها في حياتي أحاول أن أفكر بشكل إيجابي أن أنظر إلى المميزات الموجودة بي وليس إلى ما ينقصني أقرأ عن قصص الناجحين خاصة الأشخاص الذين يعانون من ظروف صعبة جدا كهلن كلير وتوماس إدسون أفعل الكثير لأترك كل هذا خلفي وأحيانا أنجح لفترة ما ثم أفشل من جديد ثم أبدأ وأفشل وأعود لأبدأ من جديد لهذا قررت أن أكتب إليكم ربما يفوتني شيء ما ربما أجد لديكم الحكمة التي ستوصلني إلى بر الأمان.
أحيطكم علما أني إلى حد ما متدينة أصلي والحمد لله أقرأ القرآن وأحفظه لا أشاهد الأغاني والأفلام والبرامج التافهة والمسلسلات التركية وغيرها ومع ذلك أشعر أن هناك حلقة مفقودة لا أعرف ما هي؟!
ختاما أشكركم لحسن إصغائكم وأعتذر لأني أطلت عليكم.
16/10/2013
رد المستشار
شكراً على استعمالك الموقع وتمنياتي لك بالسعادة والهناء.
السؤال المطروح في نهاية الاستشارة هو: هل هناك حلقة مفقودة؟
العبارة التي تلفت الانتباه في بداية الاستشارة هي: فقدت القدرة على الاحتمال؟
على ضوء ذلك لابد من التحري عن أعراض اضطراب نفسي من خلال تلك السطور المكتوبة بأناقة واضحة لكل من يقرأها كالتالي:
العرض موجودة أو غائب الشدة المدة قلق
موجود
متوسط الشدة
متقطع
اكتئاب
موجود
متوسط الشدة
متقطع
شعور عداء أو خصومة
غائب
حساسية شخصية
غائب
حصارية أو وسواسية
غائب
تصورات زورانية
غائب
رهاب
موجود
متوسط الشدة
مزمن
عملية ذهانية
غائب
جسمانية
غائب
هذه الأعراض الثلاثة من قلق واكتئاب ورهاب من التواصل الاجتماعي على أرض الواقع لا تعني بالضرورة وجود اضطراب عقلي إلا إذا تجاوزت عتبة معينة وتبدأ بالتأثير سلبياً على أداء الفرد اجتماعياً ومهنياً وبل حتى فسيولوجياً لا توجد إشارة واضحة في الاستشارة إلى وجود مثل هذا الاختلال الوظيفي على ضوء ذلك يمكن الاستنتاج بأن الأعراض المزمنة أعلاه لا تشير إلى وجود اضطراب عقلي.
المرحلة الثانية في الوصول إلى تفسير الأعراض أعلاه هو التمعن في صفات الشخصية والتي هي في غاية الوضوح في رسالتك كما هو مبين بالشكل:
يمكن ملاحظة أن صفات الشخصية التي تبلورت عبر السنين مختلطة بعض الشيء لديك ميل على التوافق مع الآخرين والعفو عنهم ناهيك عن الميل إلى الاجتهاد لبناء شخصية تحاولين من خلالها مواجهة تحديات الحياة. غير أن هناك جانبا عصابيا في شخصيتك ولد منذ جراء ظروف قاهرة في مرحلة الطفولة ويتمثل في سلوك تجنبي، السلوك التجنبي Avoidance Behaviour أو سلوك التحاشي بحد ذاته يفسر الأعراض أعلاه من اكتئاب وقلق ورهاب.
المرحلة الثالثة في تحليل الاستشارة هو تتبع مصدر النزاع العصابي الذي يهيمن ويسيطر على سلوكك الشخصي وتعاملك مع من حولك من جراء طفولة تميزت بغياب الوالد ورحيله من الحياة وغياب الوالدة التي حرصت واجتهدت وكافحت من أجلك انتهى الأمر بغياب التعلق الصحي بين الطفل ومن حوله هذا التعلق كان تعلقاً غير آمن Insecure Attachment وظهرت علاماته منذ الطفولة مع غياب هذا التعلق لا يستطيع الإنسان الدخول في علاقات آمنة مع الآخرين على أرض الواقع اللجوء إلى الإنترنت للتعويض عن التعلق الآمن يكاد يكون فاشلاً دوماً في قيام علاقة عاطفية سليمة تلبي احتياجات الفرد الناقصة مع تكرار مثل هذه التجارب التي تشير إليها الاستشارة ينتهي الأمر بولادة نمط تصلبي Sclerotic Style في شخصية الفرد يضاعف من تجنبه لغيره من البشر.
المرحلة الرابعة من تحليل الاستشارة يتعلق بمصادر القوة في السلوك والشخصية هذه المصادر أيضاً واضحة في رسالتك من خلال طرح يكشف عن وعي وسعي إلى تطور فكري ومعرفي ما عليك أن تفعليه الآن هو البحث عن عمل يساعدك على تلبية طموحات فردية مشروعة والانفتاح على الدنيا والناس على أرض الواقع رغم غياب التعلق الآمن منذ الطفولة والذي تسبب في ولادة السلوك التجنبي فإنك أكثر من قادرة على التواصل مع الآخرين وبناء علاقة عاطفية آمنة.
وفقك الله.