إغلاق
 

Bookmark and Share
اسم العمل الأدبي: القضية 
اسم صاحب العمل: د.إسلام عليوة 
نوع العمل: قصة قصيرة 
الوزن الشعري: ---------- 
تاريخ النشر:  17/12/2004
 
الموضوع

 كان عائدا من عمله، السيجارة تكاد تحرق أصابعه، والشمس تلهب قفاه، والعرق يتصبب من جبينه، والناس تطل من النوافذ ترقبه وتشير إليه بالأصابع، والبعض يمصمص شفاهه، ويشيح بوجهه بعيدا عنه، لكنه لم يكن عابئا بهذا كله، بل الحقيقة أنه لم يكن يشعر بشيء مما يدور حوله، فقد كان هائما كعادته في دواماته الفكرية، يقلب الأمور يمينا ويسارا، ويحدق في أتفه العادات، والنواميس محاولا إيجاد تفسيرات عقلية لها، وفجأة اصطدم بحجر فسقط علي وجهه، والتفت مجموعة من الفضوليين حوله.... ولكن أحدا لم يمد له يد المساعدة، فنهض دون أن يعيرهم انتباها، ولم يهتم حتى بفض الغبار عن وجهه، ومضي في طريقه غير مبال بمن حوله، .... فانفصلوا وهم يتلمزون ويتغامزون ويضربون كفا بكف

دلف إلي منزله واستقبلته زوجته كعادتها بوابل من التهكمات والسخرية، لم ينبس ببنت شفة ومضي إلي غرفة مكتبه حيث غرق في محيط أوراقه وكتبه، لم يدر بالوقت يمر سريعا حتى اقتحمت زوجته محرابه تخبره أن الوقت قد حان للنوم، نظر إلي ساعته في دهشة وفرك عينيه وتمتم: فعلا إنني لم أشعر بمرور الوقت. استلقي علي السرير، وأشعل سيجارة وهام في تفكيره ثانية، مدت زوجته يدها تداعب صدره لكنه رفع يدها في ضجر وصاح: اعذريني إنني مشغول الآن، فنفخت غلها في وجهه وصاحت ضائقة: ما هذا ؟ !!! ألا تتعب ليل نهار... ارحم نفسك يا رجل... ولما لم تجد بدا منه غطت في نوم عميق تاركة إياه وحيدا يضرب أخماسا في أسداس.

وفجأة هوت طرقات شديدة علي الباب.. استيقظت زوجته منزعجة وجدته لم يزل ساهرا مسهدا، صاحت فيه: ألا تسمع طرقات الباب...أفاق من غيبوبته قليلا وتمتم: أي باب أظنها دقات الساعة تعلن منتصف الليل... تعالت الطرقات... صاحت في بل إنه الباب ثم ضربت صدرها فجأة وقالت: أمي.. إنها مريضة من يومين... يا ويلتي أتري جري لها مكروه.؟!! نهضت علي عجل تفتح الباب حتى وجدت فوهات البنادق مصوبة نحو رأسها، تسمرت في مكانها، اقتحم الجنود الشقة دخلوا غرفة النوم، كان صاحبنا يرتدي روبا حتى يري ماذا حدث، سقط الروب من يده وقد رأي فوهات البنادق مصوبة إلي رأسه، تنظر إلي حاملي البنادق نظرة متسائلة، جاءه الرد في صوت أجش أمر : تقدم أمامي .. مد يده يلتقط الروب، قاطعه الصوت الآمر، قلت تقدم أمامي.

في الشارع : -نصب سرادق المحكمة كان الحكم علي رأس السرادق، وممثل الادعاء علي المسيرة، وصاحبنا في قفصه الحديدي علي الميمنة، والجماهير بوجوههم المعروفة له جالسون يتابعون في صمت ووجل وقف ممثل الادعاء ... كان رجلا وسيما أنيقا... انطلق في مرافعته أرغي وأزيد، وأخذ يكيل آلاف الشتائم وأفظع السباب للمتهم المسكين، وأعين الناس مذبذبة ما بين ممثل الادعاء والمتهم، انتهي من مرافعته مطالبا بأقصى عقوبة للمتهم،

وقف الدفاع: - تساءل ما هي التهمة الموجهة لموكلي بالضبط؟ قاطعه ممثل الادعاء صائحا: لا تحاول التأثير علي المحكمة إنني أرفض هذا الأسلوب الملتوي... صاح الحكم مؤكدا: أدخل في الموضوع مباشرة يا أستاذ، وجلس الدفاع منكسرا آسفا حزينا، وعلا صوت الحكم، أمرت المحكمة بنفي المتهم من مدينتنا الهادئة الوديعة،.. ضجت القاعة بالتصفيق دهش صاحبنا، مما يحدث وتساءل: لماذا يصفق الناس ؟ !! أتراهم يصفقون فعلا إعجابا !!! أم أنهم يضربون كفا بكف دهشة واستنكارا ؟!!! نظر السجان إليه في إشفاق ثم جذبه من قفاه في شك وحذر..

خلت القاعة إلا من ممثل الادعاء الذي وقف يلملم أوراقه في عزة وخيلاء... تقدمت نحوه فتاة كانت تجلس في الصف الأخير، كانت جميلة رقيقة ترتدي فستانا قصيرا عاري الصدر اقتربت منه.. نظر إليها من أخمص قدمها إلي شعر رأسها.. قالت له في صوت رقيق: أنا لم أفهم شيئا... تعلقت عيناه بصرها العاري وسال لعابه وقال: ما الذي لم تفهميه يا سيدتي ؟! قالت بتعجب: القضية ؟! جحظت عيناه تلتهمان نهديها.. بلع ريقه وقال... مالها.؟!! صاحت: ما هي.. التهمة ؟!! لم يستطع أن يصبر طوق خصرها وقال: إنه يفكر !!!

 واقرأ أيضًا على إبداعات أدبية:
كائنات خالية من الضوء، اشرب واحمد الله ، الريح والورد، من ملفات المهجر ، ذكريات ومشاهد من الحرب، الشيخ عبيد ، قالت: هو الوداع  

 


الكاتب: د.إسلام عليوة
نشرت على الموقع بتاريخ: 17/12/2004