إغلاق
 

Bookmark and Share
اسم العمل الأدبي: تغريدة البجعة 
اسم صاحب العمل: انتصار عبد المنعم 
نوع العمل: نقد أدبي 
الوزن الشعري: ........... 
تاريخ النشر:  19/09/2007
 
الموضوع


(تغريدة البجعة) لمكاوي سعيد


الهوامش تحكم الوطن

(كنت أراه كالبجعة في أيامها الأخيرة، حين تستشرف الموت فتتجه إلى شاطئ المحيط وتنطلق في رقصتها الأخيرة وتغرد تغريدتها الوحيدة الشجية ثم تموت..)

رواية (تغريدة البجعة) هي واحدة من خمسة أعمال تقدمت بها دار الدار للنشر والتوزيع لجائزة بوكر العربية. وهي للأديب الروائي وكاتب السيناريو مكاوي سعيد.
تتناول الرواية مجتمع وسط البلد القاهري بمميزاته الفريدة التي تصهر كل من فيه في قالب واحد له سماته العامة, ثم يتجسد هذا القالب مرة أخرى ليتفرد كل فرد فيه بأشياء قد تكون وراء حدود المعقول, وترصد الرواية أيضاً التحولات التي مر بها هذا المجتمع خلال السنوات الماضية كانتقال أحمد الحلو من أقصى اليسار الثوري إلى أقصى يمين الفكر الوهابي.

كل شخصية لها هاجسها المتأرجح بين حالة الحلم الكامل, وبين الواقع الذي قد يعيق تحقق هذا الحلم فيسبب جرحاً واغتراباً للروح فلا تدري أين موطنها, واغتراباً للجسد فلا يشعر بوجوده بين البشر, ولا يفرق بين وجوه النساء اللواتي يسكن ذاكرة هذا الجسد المغترب.

الحلم في تغريدة البجعة هو الأمل في وطن مفقود, هذا الوطن تجسد في صورة حبيبة من زمن الشباب عند مصطفى, أو حبيبة تجسدت فيها معاني الكون الصوفي كقطب تحوم الروح حوله عند عصام, أو كرفيقة نضال عند أحمد الحلو, وقد يكون الوطن حبيباً يحتوي الروح الهائمة الباحثة عن الحب لتسكن على شاطئه عند زينب.

شخصنة الأحداث!
تغوص الرواية في مشاكل الوطن وتمر على أحداث قد نكون قرأناها في الصحف, ولكننا هنا أمام نوع من التأريخ الوجداني للحدث, إنه نوع من أنسنة التاريخ لتتفاعل معه بمشاعرك، فلا تملك إلا أن تشعر بماء النار تحرق يدك عندما ينزع أطفال الشوارع الصليب من على يدك، وتشعر بالنار تحرق جسدك المحاصر في مسرح بني سويف وترى نفسك في واحد من تلك الصناديق الخشبية المهترئة وقد تيبس جسدك ولا تجد ما يسترك , وترى الوزير الحساس وقد تلبسته موضة أرماني.

تشعر أنك سجين وتلهبك سياط سجانك في أبي غريب وتلفحك شمس جوانتنامو، وتمشي مع المتظاهرين تسب وتلعن أمريكا وخياراتها المعدومة فمن ليس معها فهو ضدها، وتشعر بهراوات جنود الأمن المركزي وهي تهوي عليك، وتجد نفسك محاصراً في جنوب لبنان وتحت القصف في غزة، وتشعر بأنك تسقط مع جوليا من الطابق الرابع عشر, وتتدفق الدماء منك مختلطة بعظامك المسحوقة تماماً كأحلام جوليا الضائعة في الحصول على فرصة للهجرة لأمريكا فراراً من الحرب الأهلية في جنوب السودان.

الدين المستورد
هناك أيضاً رصد لظاهرة تسطيح الفكر الديني ليركز على تدين المظهر الذي امتد لتغيير أسماء الشوارع, فشارع خوفو أصبح أسمه خاتم المرسلين، والعمل في مؤسسات المجتمع لا يجوز لأنه مجتمع جاهلية، وظهور صرعة الفتاوى الغريبة من رجال الدين نجوم الفضائيات، وتواري أصوات عبد الباسط ومحمد رفعت وظهور أصوات لا يميزها شيء غير أنها مستوردة.

وفي الرواية رحلة حساسة ومؤثرة وجارحة في الوقت ذاته تلمس أحلام في قممها وصولاً إلى وحل الواقع, فهناك حكاية دانة المدفع التذكارية, والتي بقيت في الكلية خمسة عشر عاماً تنتظر هند الحب/الوطن لتمنحها شهادة مؤجلة منذ حرب أكتوبر. فتطرح الرواية السؤال الملتبس هل كانت حرب أكتوبر استرداداً للكرامة وميلاداً جديداً لأمة أم إيذان برحيل الحب/الوطن وتواري المعنى؟

وهناك ياسمين التي رآها مصطفى تجسيداً لحبيبته الراحلة رغم كل الاختلافات بينهما, وزينب التي تعلمت كيف تعبر عن امتنانها وحبها وتقديرها وكل مشاعرها بطريقة واحدة فقط, فقد اغتصبها عمها صغيرة وعرفت منه التجربة هو هوى الرجال, ومصطفى راوي الأحداث والشاعر المنسحب الذي أعدم الأمل بقرار الانتحار ورغم ذلك لا نعرف هل انتحر أم لا. وعصام الفنان الحساس الذي يعشق بكل روحه وكيانه في نظرة صوفية خالصة لمن يحب, وأحمد الحلو اليساري المتحول للفكر الوهابي الذي جعل من نفسه متحدثاً باسم الإله ليحكم على كل المجتمع بأفراده ومؤسساته بما يمليه عليه فكره الذي ينتمي لأربعة عشر قرناً مضت.

وحكايا مارشا وصوفي وديانا وسامنتا وكل الغزاة في الوطن تحت مسمى التجارة الحرة والتعاون الدولي. وحكاية يوسف حلمي المنتج السينمائي في محاولته اليائسة لاستلاب حياة على وشك التلاشي, ومحاولته أيضاً لتسليم أوراقه إلى آخر قد يحمل راية الفن ويعلن عنه باعتباره صحفياً, وكيف أنه غيب زوجته في حياتها واستحضرها ميتة. حجب الحب عنها بينما كانت في حاجة إليه, ومنحها إياه فيما تتسع لروحها رحمة خالقها.

رواية تغريدة البجعة هي حكاية مصر الوطن والحب والثقافة الذي اختطفته الغربان وترك أبناءه الشعراء والفنانين والعشاق يدورون في فلك لا يعرفونه ويتلقون الهزيمة تلو الأخرى. رواية تكشف الفاجعة مؤداها أن انتبهوا أيها السادة فالأمريكية مارشا تحكم الصفوة وطفل الشوارع كريم المصري يحكم العشش.

واقرأ أيضًا على إبداعات أدبية:
القلب مني، إلى طبيبي، إلى الحلم الجميل، كان يأتيني، حيرة وقرار، الجمال الحزين، كذَّابة، ما أعْـمقَ ما أسمَى، ليس شعرا!، مـَنْ؟؟، عجبٌ، خَـلْـخَـلَـهْ!، بكائيةٌ لا تعرفُ الضحك الجديد، موت الفرسِ الأشهب!، لمْ، يا صعبة، لـوْلَــوهْ!!، كَـلِماتٌ للقِطَّـةِ!!، مَعْـشوقَةُ الأحزان !!، لو مرةً!، تعالي..تعالي!، مَـشَـقَّـةٌ، بِـلالُ العِشقِ!، أعظَـمُ منْ حبٍّ!، رئيسُ جُمْهُورِيَّةِ الجنونْ، الجنون بالكتابة، مَوْقِـفُ السيِّدْ!، ميتةٌ أنا!!، عارِفٌ كأنَّ ما عَـرَفَ!، تشْخِيصٌ للرجلُ الثلجيُّ!، موظف وألطف!


انتصار عبد المنعم
ناقدة وكاتبة

 


الكاتب: انتصار عبد المنعم
نشرت على الموقع بتاريخ: 19/09/2007