إغلاق
 

Bookmark and Share

على باب الله: تأملات أندلسية ::

الكاتب: د. أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 01/02/2007

 

أغادر بلادي ولا تغادرني، أهرب من همومي فيها فأجدني مرتميا في أحضانها على كل فراش أبيت في غربتي... كتبت جادا إلى صديق ذات مرة: أما عندك من علاج؟! ثم مَرِض هو أيضا!!
هل أشعر بالامتنان أم بالحنق والغيظ تجاه من علموني أن حب الأوطان من الإيمان؟! وأن من لا وطن له فلا دين له؟! وأنه ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط!!، من علمني أن ما تعرضه الشاشات أغلبه لغو وهذر فلم أعد أطيقه، ولا أطيقها!!

من علمني أن عامة أحاديث المجالس ثرثرة، وسيرة الناس موضوع ممل، ولا يجدر الخوض فيه!! فما بقي لي صديق ولا جليس!! من علمني أن هذا العادي واليومي الذي تعيشه الملايين غير جدير بالتجريب!! من علمني أن أهتم وأنصت، وأتعلم وأتغير!!

من علمني ألا أنتمي سوى للريح والترحال، وأبحث عن الحقيقة، ولو طال المسير؟! من علمني عشق هذه التي هي غير مكترثة، تأخذني إلى دروب الحكي والدهشة، أتوغل فأعود بالألم، وتمضي هي كأن شيئا لم يكن!!

في جولتي الأسبانية الأخيرة غرقت في التأملات عن هؤلاء الذين يريدون الانفتاح علينا، ويمدون لنا الأيادي، ونحن لا إجابة عندنا، ولا خطة حول ما نريده منهم!!، وهذا نص ومعنى كلام سفيرنا الشاب المتحمس هناك، بارك الله فيه، وأدام عليه الذكاء والحماس، وأمده بعونه، وبعون الناس!!

أنظر إلى المباني في الشوارع فأتذكر مثيلاتها في وسط البلد عندنا، كم يعلوها التراب، وتحاصرها العشوائية، وحين قلت هذا لأحد الإخوة ذات مرة من عشرين عاماً، ضحك وقال: "جماليات العمارة، وتنسيق البيئة من حولنا يبدو ترفاً"، وأنا شخصياً أصبحت مقتنعاً أكثر أنه طالما بقي الإنسان حولنا وفينا، عشوائياً، بدائياً، لا نظام له في تفكيره ولا حياته، ولا أحد يحبه بصدق أو يحترمه بعمق، طالما ظل محروماً من تذوق الجمال الروحي والوجداني، طالما ظلت النفوس مكدودة، والأرواح منهكة بالمادة والضغوط، والخواطر تائهة مضطربة، فإننا سنظل مجرد خامات لبشر، أو بشرا خام ناقصين للتحضير والتمدين والتربية الثقافية والاجتماعية والنفسية!! نحتاج فعلاً مع كل هذا الذي يجري لنا وحولنا إلى أنسنة الإنسان!!

قلت لهم: أسبانيا تفتحنا على عدة مساحات، الأولى في الزمان حيث لحظة "أسبانيا الأندلسية"، وانتبه عميد المستعربين هناك، وسألني: لماذا تؤلف هذا المصطلح؟! وأقول له: لأنه أصدق ما أتصوره تعبيراً عما أريد وأفهم عن هذه المرحلة في سياقها، وحين أراها حالياً!!

قلت: أسبانيا الأندلسية لم تكن فقط انفتاحاً وجسراً بين الحضارة العربية الإسلامية بتنوعها وحضارات أوربا القرون الوسطى، ولكنها أيضاً كانت التربة التي نشأت فيها مبادرات علمية وفقهية وحضارية غاية في الأهمية والتألق، أذكر منها أن هذه المنطقة والمرحلة علمت أوربا الحب الرومانسي!!

هذه حقيقية يعرفها كل دارس من أن مفهوم وممارسة الحب الوجداني الروحاني المتجاوز للجسدي المادي كان شيئاً جديداً على أوربا حينذاك، بينما كانت الأندلس ينكتب فيها "طوق الحمامة"، وتعيش قصص "ابن زيدون"، و"ولادة بنت المستكفي"، إلى الحد الذي اعتبره بعض المؤرخين ترفاً زائداً أدى تدريجياً إلى سقوط دولة العرب هناك!!

قلت لهم: إن كل شاب وفتاة يتعانقان في أوربا هما مدينان لأسبانيا الأندلسية، وقلت لهم: إن ما بيننا لم يكن غزواً وحرباً فقط، بل كان أعمق وأوسع وأبقى!! وأيضاً فإن أسبانيا مدخلنا الهام إلى مساحتين في المكان: أوربا، وأمريكا اللاتينية، وتلك قصة أخرى تطول.

المصريون هم الكنز الأهم لبلدهم ويؤسفني حين أرى هذا الكنز يتبدد في الداخل، ويتبعثر في الخارج!! داخلياً نعيش في ظروف غير إنسانية بحسب مواقعنا، بل هناك كتل كبيرة بالملايين تحت خط الإنسانية اقتصادياً وثقافياً وصحياً، وخارجياً لا يحب المصري غالباً أن يختلط بمصري، ولا يحب غير أن يحاول تدبير أحواله في مهجره متكيفاً مع المشكلات التي تواجهه، ومنهم من يمارس عزلة من نوع خاص يراها ضرورية للحفاظ على هويته وأصوله وطابعه المميز الذي هو غالباً عبارة عن خليط لم يتأمل فيه، ولم يراجعه إلا قليل منا في وحدة الغربة وصقيعها!!

في مدريد تقابلنا أنا وجمال وباسل وأحمد، اثنان من مصر الداخل، واثنان من الخارج يعيشان هناك أحدهما مستقر ومتزوج، والآخر لغرض الدراسة، وقد ترك زوجته في مصر، وأحياناً تقيم معه هناك. لم يكن متاحاً أمامي للسهر معهم سوى ليلة واحدة امتلأت ضحكاً وصخباً، وأحاديث بدأت ولم تنته، ومصر كسحابة تظللنا، ونسمات تحيط بنا، هواء نستنشقه، وهوى نعشقه، وأعود إليها فأجدها كما تركتها غارقة في همومها، كسول... تخلط البهجة بالشجن، ألقي عليها التحية، وأرتمي في أحضانها، وهي... تبدو... غير مكترثة!!

واقرأ أيضًا:
على باب الله: لبنان في القلب / على باب الله أثينا..لأول مرة -2 / لبنان.. رحلة الحياة 5  / على باب الله نعمة رمضان30/9/2006  / البابا ... والذي أسأنا فهمه(2) / على باب الله: مشروعان / أقول لهم نصرٌ.. فيقولون شيعة / على باب الله: قمر فالنسيا / على باب الله: الإنسانة / عاجل من لبنان 29، 30 /8/ 2006 / على باب الله: الأرض البور  / حروبنا وقتلانا 21/8/2006  / عاجل من لبنان 28/8/2006 / عاجل من لبنان 27/ 8 / 2006  / أنا والجهاد وهواك  / حروب الإدراك والكرامة  / نصر المقاومة... ومضة أم مسار؟!  / على باب الله: أمة في حرب  / على باب الله خدعوك فقالوا: أجازة / وحملوها.... فطارت في الهوا الإبل / وجع المخاض 2/8/2006  / قانا وما بعدها بيروت يصل ويسلم / أجندة دعم المقاومة 28/7/2006 / الإعلام الشعبي 30/7/2006  / على خط النار كلنا مقاومة 26/7/2006  / أجساد ساخنة 24 7 2006  / رسائل فك الحصار 24 /7 /2006  / هذا الذي أفعله..المجد للمقاومة / على باب الله أشباح بيروت  / على باب الله: معركة الخيال/على باب الله التعبير والتفكير /على باب الله يوم الخامس من يونيو /على باب الله: وائل خليل 10/5/2006  / على باب الله: أخيرا... براغ / على باب الله: بيروت، خيالات ونفحات / على باب الله: في انتظار خديجة / على باب الله الثقافة والسياسة / على باب الله في زمن الموبايل 25 /3/ على باب الله:موقعي / على باب الله : التفكيك والتشكيك/ على باب الله: مغامرات في السليم  / على باب الله: جريمتان / على باب الله: مصر في كلمتين/ على باب الله: فجأة ..... / على باب الله: في بيتنا هيفا !!!!!!!!!!! / على باب الله:المشي / على باب الله ---------- كيف نقرأ ؟! /  على باب الله مع المراهقين / على باب الله: حكايات أصحابي / على باب الله: كيف تسافر بأقل التكاليف؟!! / على باب الله: الطبخ الثوري/  على باب الله: لندن دفء الحب / على باب الله: عائد من استانبول / على باب الله: (أحداث كنيسة الإسكندرية ) /على باب الله: رمضان العهد والوفاء/ على باب الله: عن العسكرة والأقدمية / على باب الله التعويذة  / على باب الله: الأصل والواقع / على باب الله الحوار / على باب الله جواز سفر / على باب الله: الطريق إلى بودابست / على باب الله بودابست  / على باب الله: وداعا بودابست / على باب الله: بنية وبيئة / على باب الله رسل النور/ على باب الله: إفتكاسات:29/ 5/2006 / على باب الله: أنهار سرية /على باب الله من منازلهم، وموقعي المفضل / على باب الله قطار الليل والنهار / على باب الله العيش موتا في أوطان تنتحر / على باب الله: دماغك فين؟!!على باب الله: قالت لي  / على باب الله عن التركيز والنسيان 7/10/2006  / على باب الله: الإيمان؛ قصة ومناظر  /  على باب الله: ماذا نقول إذن؟!  / على باب الله: أنا والجهاد وزويل!!  / على باب الله: وطن في التيه / جرى إيه يا ((بابا)) ؟ زعيم عربي تقولش؟!! / الإعلام وصناعة تاريخ بديل 15/10/2006  / على باب الله: رائحة العيد
 / على باب الله: غاوي شعب!! / على باب الله: خرائط العشق القاني / الإعلام، وصناعة تاريخ بديل  / على باب الله: الحوت صديقي / على باب الله: هل أغنى للبطاطس؟! / في مديح المغاربة.... المصرية رائدة مشاركة / على باب الله: طعانون وسماعون



الكاتب: د. أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 01/02/2007