إغلاق
 

Bookmark and Share

نتغزل في الحرية، وكلنا عسس ::

الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/02/2007


على باب الله: نتغزل في الحرية، وكلنا عسس

أمامي في الصحيفة اليومية عنوان يقول: وزير العدل يرفض توضيح موقف من تصريحاته عن القضاة، ويطلب اسم القاضي الذي طرح السؤال!!
والقصة أن السيد المستشار وزير العدل المصري كان قد أدلى أمام مجلس الشورى بتصريحات وكلمات تضمنت غمزا ولمزا حول مستوى تدريب وكفاءة القضاة في مصر.

أصداء هذه التصريحات كانت واسعة إلى حد ما، وذلك لأسباب متعددة بعضها لا يخفض على أي لبيب، وأنا أنقل عن الصحف التي قرأتها، وليس عذري مصدر مباشر! ثم الحاصل فيها يبدو أن لقاءاً جمع الوزير مؤخراً ببعض القضاة فطلب أحدهم توضيحاً منه حول ما هو منسوب إليه من تلك التصريحات، ويبدو أن الوزير لم يكتف بتجاهل السؤال، ولكن سأل عن اسم القاضي الذي سأله!!

بالأمس كنت عائدا من الزقازيق بالقطار، وتصادفت جلستي إلى جوار "رئيس محكمة"، وتحدثنا عن أمور كثيرة منها أوضاع العمل والإعارات، والتمييز بين الزملاء في مجال عمل القضاة، حيث يبدو أن الكفاءة ليست هي معيار الاختيار أو الترشيح أو التصعيد في هذا السلك أيضاً!! تقارير الأمن لها دور كبير!!

ووصلتني رسالة من صديق يعمل في مجال الإنتاج الإعلامي والفني، وهو من هواة المسرح منذ كان طالباً في الكلية، وقد ترك مجال دراسته الأصلية، وتفرغ للفن قائداً للفرقة تلو الفقرة، ومحركاً للفكرة تلو الفكرة!!

وقبيل افتتاح مسرحيته الأخيرة نشرت إحدى الصحف اليومية، وهي تزعم أنها مستقلة، تحقيقاً يربط بين مسرحية الزميل تلك وما أسمته الصحيفة "المسرح الإسلامي"، بل وزادته من الشعر قصيدة حين رسمت صلة تصورتها بين هذا الجهد الفني، وعمل جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما من شأنه ليس تعويق المسرحية وعرضها فحسب، ولكن أيضاً وضع الزميل في دائرة الاتهام!!

اتصلت به لأقف على حقيقة ما جرى، فحكى لي ما أسلفت تواً، وأضاف أن موظفي الرقابة الرسمية بالدولة لم يجدوا في المسرحية ما يستوجب منعها، وبالتالي فإن الأمن أيضاً كان له نفس الموقف، وبدأ العرض فعلاً، ولكن تحت هاجس وقفه في أية لحظة، وبحضور رقيب كل ليلة ليتأكد من عدم الخروج على النص، وأن كل شيء تمام!! هل يفكر المبدع في الجمهور أم في الرقيب الحقيقي أم المتطوع؟

تذكرت وتأملت وغرقت في التداعيات حول هذه الأمة العجيبة التي أعيش وسطها، الأمة التي يطالب بعض أبنائها بالحرية، ولكنهم، وغيرهم أكثر منهم، لا يترددون أن يلعبوا وظيفة المرشد الأمني، أو المخبر البوليسي حين تدعو الحاجة النفسية المريضة إلى ذلك!!

تسمع من كل ناعق وناعقة غزلاً متواصلاً تظن وراءه عشقاً صادقاً للحرية، ثم في لحظة واحدة تسقط الأقنعة لتجد الكل مخبرين وعسس دون أن يطلب منها أحد ذلك!!

ولقد تعاملت أحياناً مع ضباط حقيقيين، وبعضهم في أمن الدولة، ذلك الجهاز الذي تُرَوَّج عنه الأساطير، وتخافه الشوارب، والحقيقة أنني وجدت عمقا ونضجا ورغبة في عدم توسيع دائرة التدخل في شئون الحياة العادية للناس, ولكن الناس يصرون!! يا الله كم يؤدي هذا إلى إرباك وهدر؟

انظر حولك لتكتشف أن أغلبية المحيطين بك مجرد عسس "متطوعين", وإنهم مجرد كتبة تقارير خائبة، مجرد مسوخ فاتهم العمل رسمياً في أجهزة الأمن، فتطوعوا ليكونوا بوليسياً على الناس يفتشون في أسرارهم، ويتحرون كل صغيرة وكبيرة عنهم!!

يتخيلون تفويضاً من الله، أو من الناس ويتقمصون دور الإبلاغ لمن حولهم، عما وعمن حولهم، عما قرروا أنه جرائم، وبما قرروا هم وحدهم أنه دورهم لإنقاذ البشرية، أو أمة الإسلام، أو الأمن القومي، ولا بأس من محاولة تدميرك أو اغتيال سمعتك وصداقتك!!

الصحيفة اليومية لم تكن تنشر تقريراً عن "المسرح الإسلامي"، كانت تقدِِّم بلاغاً، والسيد وزير العدل طلب معرفة اسم القاضي الذي سأله لأغراض التنكيل والتأديب، وكل دائرة حياة أو عمل أو نشاط في بلادنا تضم هؤلاء العسس المتطوعين، وكتبة التقارير للسلطة أو الناس، وأحاديثنا غالباً هي خليط من الوشايات الاجتماعية المنحطة، والبلاغات الملفقة أو المدبجة إلى من يهمه الأمر، وإلى الجحيم يا حرية، وإلى الجحيم يا إنسانية، ويا إنسان!!
قال رسول الله صلى عليه وسلم:"الغيبة ذكرك أخيك بما يكره، قيل يا رسول الله فإن كان فيه ما أذكر، قال صلى الله عليه وسلم: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته" صدق صلى الله عليه وسلم.

والغيبة والنميمة تحولت في حياتنا إلى نظام اجتماعي، وممارسة يومية، ومرض مزمن ينحر في نفوسنا، وشبكات علاقاتنا، تحولت إلى عادة، بل ويحسبها البعض عبادة!!
[
هواياتنا تقديم البلاغات، مسوخاً للاستبداد أمسينا، خبزنا الإشاعات، وسمر ليالينا الوشايات، وترويحنا وترفيهنا الغمز واللمز، والخوض في الأعراض، وتقديم البلاغات!!
واحتكرنا لقب "الأخسرين أعمالاً" لسنوات تلو سنوات!!
اللهم اكشف عنا السوء والبلاء، وأصلح أحوالنا أجمعين.

31-1-2007

واقرأ أيضًا:
على باب الله: لبنان في القلب / على باب الله أثينا..لأول مرة -2 / لبنان.. رحلة الحياة 5  / على باب الله نعمة رمضان30/9/2006  / البابا ... والذي أسأنا فهمه(2) / على باب الله: مشروعان / أقول لهم نصرٌ.. فيقولون شيعة / على باب الله: قمر فالنسيا / على باب الله: الإنسانة / عاجل من لبنان 29، 30 /8/ 2006 / على باب الله: الأرض البور  / حروبنا وقتلانا 21/8/2006  / عاجل من لبنان 28/8/2006 / عاجل من لبنان 27/ 8 / 2006  / أنا والجهاد وهواك  / حروب الإدراك والكرامة  / نصر المقاومة... ومضة أم مسار؟!  / على باب الله: أمة في حرب  / على باب الله خدعوك فقالوا: أجازة / وحملوها.... فطارت في الهوا الإبل / وجع المخاض 2/8/2006  / قانا وما بعدها بيروت يصل ويسلم / أجندة دعم المقاومة 28/7/2006 / الإعلام الشعبي 30/7/2006  / على خط النار كلنا مقاومة 26/7/2006  / أجساد ساخنة 24 7 2006  / رسائل فك الحصار 24 /7 /2006  / هذا الذي أفعله..المجد للمقاومة / على باب الله أشباح بيروت  / على باب الله: معركة الخيال/على باب الله التعبير والتفكير /على باب الله يوم الخامس من يونيو /على باب الله: وائل خليل 10/5/2006  / على باب الله: أخيرا... براغ / على باب الله: بيروت، خيالات ونفحات / على باب الله: في انتظار خديجة / على باب الله الثقافة والسياسة / على باب الله في زمن الموبايل 25 /3/ على باب الله:موقعي / على باب الله : التفكيك والتشكيك/ على باب الله: مغامرات في السليم  / على باب الله: جريمتان / على باب الله: مصر في كلمتين/ على باب الله: فجأة ..... / على باب الله: في بيتنا هيفا !!!!!!!!!!! / على باب الله:المشي / على باب الله ---------- كيف نقرأ ؟! /  على باب الله مع المراهقين / على باب الله: حكايات أصحابي / على باب الله: كيف تسافر بأقل التكاليف؟!! / على باب الله: الطبخ الثوري/  على باب الله: لندن دفء الحب / على باب الله: عائد من استانبول / على باب الله: (أحداث كنيسة الإسكندرية ) /على باب الله: رمضان العهد والوفاء/ على باب الله: عن العسكرة والأقدمية / على باب الله التعويذة  / على باب الله: الأصل والواقع / على باب الله الحوار / على باب الله جواز سفر / على باب الله: الطريق إلى بودابست / على باب الله بودابست / على باب الله: وداعا بودابست / على باب الله: بنية وبيئة / على باب الله رسل النور/ على باب الله: إفتكاسات:29/ 5/2006 / على باب الله: أنهار سرية /على باب الله من منازلهم، وموقعي المفضل / على باب الله قطار الليل والنهار / على باب الله العيش موتا في أوطان تنتحر / على باب الله: دماغك فين؟!!على باب الله: قالت لي  / على باب الله عن التركيز والنسيان 7/10/2006  / على باب الله: الإيمان؛ قصة ومناظر  /  على باب الله: ماذا نقول إذن؟!  / على باب الله: أنا والجهاد وزويل!!  / على باب الله: وطن في التيه / جرى إيه يا ((بابا)) ؟ زعيم عربي تقولش؟!! / الإعلام وصناعة تاريخ بديل 15/10/2006  / على باب الله: رائحة العيد
 / على باب الله: غاوي شعب!! / على باب الله: خرائط العشق القاني / الإعلام، وصناعة تاريخ بديل  / على باب الله: الحوت صديقي / على باب الله: هل أغنى للبطاطس؟! / في مديح المغاربة.... المصرية رائدة مشاركة / على باب الله: طعانون وسماعون / على باب الله: تأملات أندلسية 



الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/02/2007