إغلاق
 

Bookmark and Share

يوميات رحاب: مخاض بلا ولادة ::

الكاتب: د.رحاب سيد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/03/2005

 

جف الدمع

منذ كان عمري الستة أشهر وأنا أعيش في دولة الكويت.. وعاصرت على مدار 18 عاما -هي مقدار ما عايشت هذه البلد وأهلها- مراحل نموها المتسارع.. بل وعاصرت فترة غزوها من قبل القوات العراقية المغيبة..

دوما أتحاشى الاقتراب من هذه السنة والحديث عنها.. لما قابلت فيها من أحداث أعتبرها مؤلمة وقاسية.. ولكني منذ يومين استعدت تلك الأحاسيس القاسية على نفسي بعدما شاهدت لقاءا معادا في أحد البرامج الفضائية يستضيف أستاذنا الرائع أ.فهمي هويدي.. وقد أتت مداخلة هاتفية من إحدى المشاهدات تبكي صدام حسين وتتهم الحكام العرب بالخيانة والخنوع والخضوع!!! لأنهم تركوه فريسة لمحاكميه.. وأخذت تسوق شعرا في الرجل!!

ففار دمي لعدة أسباب.. أهمها أن الموازين قد انقلبت.. الطالح أصبح صالحا...
هل أصبح صدام حسين بطلا؟؟ يا الله.. وتداعت عليّ أحداثٌ مريرة.. سامحها الله تلك السيدة..
وبعدها بيومين عرض فيلم يحمل اسم جمهورية الرعب.. وهو فيلم وثائقي يحكى فيه عن صنائع المفدى صدام!!
وكيف فعل بشيعة العراق وأكرادها ولم يسلم بالطبع سنتها.. وعجبت لهذا الشعب الصبور.. فقد أتت المشاهد فعلا مرعبة..

* الجثث تستخرج من القبور الجماعية ومعظمها لنساء وأطفال يظهر هذا من بقايا الملابس وحجم العظام .. وتعليق المعاصرين.. قائلين أن الناس كانوا يؤخذون 200..200 ويسوون بالأرض بواسطة جرافات أو يلقون أحياءا في مقابر ..
*
قرى مبادة بأكملها تظهر جثث للأطفال مقطعي الأطراف..
*
استعراضا لمباني المعتقلات .. ولقاءات مع أناس معتقلين سابقا -..يسردون طرق تعذيبهم..ويستعرضون آثارها..
وغيرها ..

لا أريد أن أبعث في قلوبكم الأوجاع ولا في حلوقكم المرار.. على أمر قد صار..
ولكني قبعت أفكر.. في أمرين:
الأول: ما سبب تواجد محالفين لمثل ذلك الرجل.. يبكونه.. ولا يبكون فعله؟؟
هل هم مغيبون كما كان أغلب جنود العراق في كل حروبه الضالة؟؟ ماذا يعرفون عنه..؟؟
هل يعرفون الحقيقة وبرغمها يعطفون؟؟!!
أم يجهلونها فيكون المصاب فيهم أعمق وفي عقولهم أدهى؟؟
الثاني: هذا الشعب.. منذ متى وهو يحتمل هذا السيل من الحروب.. الحرب مع إيران ثم تحرير الكويت ونهاية بما جرى من احتلال أميركي بعد أن دكت الأرض مرورا بويلات كانوا يسقونها من قبل حاكم البلاد.. وعلى الرغم من ذلك كله يطوي صفحات حياته.. ناسيا أو متناسيا مآسيه..

وفي كل مرة يطوي فيها صفحة يتطلع إلى ما بعدها بشغف عجيب.. علها تحمل له جديد.. ولكنه إلى الآن.. خائب ظنه!!
بهذين السؤالين.. قد حاولت الهروب من مشاهد في ذاكرتي عن أيام خاليات.. ولكن هيهات..
ولكني الآن سأتذكر معكم.. بعض مشاهد مضحكة.. لأنه قد جف الدمع أو لأنه لا وقت للبكاء.. ولا منه جدوى..
*
في إحدى مرات ذهاب أمي للمتجر أثناء الغزو فإذا بصبي صغير يرتدي بدلته الخضراء الحربية
وتنساب من أنفه السوائل وتسقط من يديه بندقيته ولا تفلح محاولات تثبيتها على كتفه الصغير.. استوقف أمي
فلأول وهلة خافت أمي طبعا.. ولكن عندما نظرت إليه بادرها بسؤال وهو ممسك بعلب كثيرة من الصفيح والكرتون.. يستفسر عما بداخلها.. فهو لا يعرف!!! ويريد أن يأخذ له ما يأكله..

فنظرت الوالدة في ما يحمله ووجدته.. علب مأكولات قطط ومساحيق تنظيف.. وكيس قطن.. وبعض الحلوى!!
*
وأثناء فرارنا من الكويت.. عبورا بالعراق.. توقف والدي ليملأ خزان المياه والزيت في سيارتنا
وما لبث أن تناول علبة زيت العربيات.. أن أنقض عليه شاب عراقي يرجوه قائلا: عطني عصير.. عطني عصير!! – أعطني يقصد-.. فلم يصدق كلام والدي وقسمه بأن هذا ليس عصيرا واتهمنا نحن المصريين بالبخل..!!! وولى وهو يهذي.. أن الناس تغيرت والمصريون كذلك..!!!
أرأيتم..
لا وقت للبكاء.. ولا للضحك!!! أليس كذلك؟؟
مودتي.

اقرأ أيضاً على صفحتنا مدونات مجانين:

يوميات رحاب:عم علي وزوجته عزيزة. / يوميات رحاب: الصبر .. الجميل/ يوميات رحاب: ليلة الزفاف  / يوميات رحاب: الخوف..وأسئلة تحتاج للإجابة.. /  يوميات رحاب : النظارة حرام .. !!
  / يوميات رحاب: القناعة كنز / يوميات رحاب: ذهبت سعاد..  / يوميات رحاب: في الفيوم


الكاتب: د.رحاب سيد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 11/03/2005