إغلاق
 

Bookmark and Share

شيزلونج مجانين: عن الانتماء ::

الكاتب: أ.د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/07/2005

 
شيزلونج: عن الانتماء سألوني وأنا بالحق لا أعلم

عندما سألتني واحدة من بنات كلية إعلام جامعة القاهرة عن مفهوم الانتماء وهل ما زال موجودا عند الأجيال الجديدة ؟ أجبتها بأنني لم أعد أجد ذلك واضحا في شيء مما يصنعه أو يقوله الشباب والمراهقون هذه الأيام وأنني حانق على ما يحدث في أحوالنا كأمة، ومقصرٌ مع كل أبناء جيلي وسابقيهم في ترسيخ كثيرٍ من الحقائق في أذهانهم، ونحن تاركوهم يتعرفون على عالمٍ مفتوح ونحن لا نكاد نشارك بشيء فيه، وهذا العالم يشوهنا حتى في عيون أنفسنا، ويبدو أننا لا نستطيع أخذ النفس لنفكر في ذلك، وبصراحة كل أوضاعنا وطاقاتنا لا تساعد على شيء من إصلاح ما يحدث!، فلأي شيء ينتمون؟

ردت عليَّ هي وصديقتها، يا دكتور لا والله كنا نتوقع ألا أنجد انتماء عند الشباب لكن بصراحة نتائج استطلاع الرأي الذي أجريناه أسعدتنا فالغالبية منتمون، وحتى الذين يريدون السفر بعد إنهاء الجامعة إنما يسافرون للعمل وجمع المال ثم العودة إلى أرضهم التي يحبون لم أتوقف كثيرا عند ما قالته وانتبهت إلى تعدد مفاهيم ومستويات الانتماء من الناحية النفسية والمعرفية، وشعرتُ بأن الانتماء السطحي أو المبتسر هو ما تقصدانه أو ما قاستاه ويبدو أيضًا أن المجيبين لم يختلفوا كثيرا.

لأي شيء يكون الانتماء؟ في عصرنا هذا؟ لقد كان واحدٌ من مندوبي دعاية شركات الدواء الأجنبية، شابٌ من "الجدعان" الذين يحسنون إقامة علاقة عملٍ طيبة مع الأطباء، كان يكلمني على مدى سنوات خمس عن أحد العقاقير النفسية المستوردة، وكاد يقنعني بأنها أصيلة وأصلية وتختلف عن العقار المضروب محليا من البدائل الرخيصة بنفس الاسم العلمي للعقار الأصلي المستورد الذي ينتمي هو له، وشاءت الأقدار أن يكمل معي مشوار الدعاية نفس الشاب الجدع لسنة كاملة أو أكثر ولكن مع فارق بسيط: أنه أصبح واحدا من كبار المسئولين عن بيع العقار المضروب محليا الذي كان يقنعني بأنه ليس أصيلا ولا أصليا، وبشحمه ولحمه صار يريد أن يقنعني بأنه أصيل وأصلي كالمستورد تماما، والحقيقة أنه كان في المرحلة الثانية من عمله معي شديد الانتماء للعقار المحلي!، شرخ ثوابت المفاهيم داخلي ما شعرت به في ذلك الوقت وألحت عليَّ فكرة الانتماء... لأي شيء يكون؟

أجد نفسي الآن شاهدا خلال عملي لعقدٍ ونصف كطبيب نفسي -وبعد سلسلة من اندماج وبيع وشراء الشركات الدوائية العالمية الكبيرة- لكثير من المواقف التي تشبه موقف ذلك الشاب الجدع، بل وأعمق من ذلك ما يحدثُ عندما تندمج شركتا دواء (أو تبتلع واحدة أخرى) ولهما عقاران متنافسان، فتكتشف فجأة مثلا أن عقار الشركة المبتلَعَة أو المبتلِعَةِ قد بيع لأخرى، وتجد من كان يسوق لزيد ضد عبيد أصبح بقدرةٍ قادر يفعل العكس مسوقا لعبيد ضد زيد، أو تجد فجأة وبالاستناد إلى أحدث الأبحاث العلمية أن دواعي الاستعمال التي كانت تُسَوق كلا من العقارين فيما مضى قد قسمت بينهما وأصبح لكلِّ من العقارين مندوب ينتمي لنفس الشركة أو أصبح مندوب واحد يسوق لكلا العقارين، كل هذه انتماءات تغيرت وأنا شاهد فلأي شيء يكون الانتماء في هذا العصر؟

كان العقار والشركة ألمانيا ثم أصبح فرنسيا
، هو رأس المال إذن الذي انتقل، وانتقاله يستلزم ويستتبع تغيير مفاهيم وانتماءات وولاءات وربما نتائج أبحاث علمية محايدة، ليس ما يحدثُ للأجيال الجديدة بدعا إذن وإنما هو جزء من التحول نحو السيولة ليست فقط سيولة رأسمال وإنما سيولة مفاهيم ومعلومات وانتماءات وكل شيء، فلأي شيء يكون الانتماء في هذا العصر؟ هل للسيولة أم لرأس المال؟ وهل عندما نُسأل عن الانتماء نكونُ صادقين في الرد، وما وضعية انتماء الإنسان لحلمه أو لنفسه أو لدينه هل هذه انتماءات ستصمد أم لا، كلها أسئلة تدور في رأسي ولعلها تشهد يوما إجابة.

نقلا عن جريدة الدستور عدد الأربعاء 6/7/2005

للتواصل:
 
maganin@maganin.com

اقرأ أيضاً  :
يوميات مجانين رقبتي أم إصبعي؟
تعرفي أكثر من المستر يا ماما
إياك من الأدوية النفسية!
التزنيق في المواصلات هل أصبح ظاهرة؟
يوميات مجانين: في مستشفى الجامعة 
 
منمنمات مجانين: ريقي ناشف 


 


الكاتب: أ.د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/07/2005