إغلاق
 

Bookmark and Share

عندما تقول المرأة : ::

الكاتب: ولاء الشملول
نشرت على الموقع بتاريخ: 14/07/2005

 
بإلحاح شديد وتكرار ممل وألفاظ مكررة تخرج علينا وسائل الإعلام باختلافاتها لتركز على فكرة "تمكين المرأة، وتفعيل دور المرأة، والمشاركة الفعالة للمرأة " وغيرها من العناوين الضخمة البراقة بشكل أصبح يثير الحيرة والاستفزاز معاً. يثير الحيرة لأن قضية عمل المرأة في أصول الدين لا خلاف عليها منذ عهد الرسالة ونزول الوحي أي من سنوات تزيد عن 1400 سنة، وهذه الأولى، أما الثانية فهي أن مسألة عمل المرأة مسألة تحدث على أرض الواقع وببداهة وتلقائية وبساطة لدرجة أنها لا تناقش أساساً في مجتمع بسيط مثل الريف، فهناك في الريف تعمل المرأة بجوار الرجل في الحقل وتشاركه جميع أعمال الزراعة ثم في التعامل مع البهائم المساعدة في عملية الزراعة بدون أن يثار بينهما يوماً مسألة عمل المرأة لأنها فعلياً تعمل وبلا أي طنطنة ولا جدال عقيم.

والآلة الإعلامية بكل تصريحاتها وقضاياها التي تثيرها حول قضية عمل المرأة مثيرة للاستفزاز أيضا
ً، لأنها تجعل من هذه المسألة قضية حياة أو موت وقضية وجود، على الرغم من أن كثير من النساء –صاحبات القضية الفعليات– لا تنظرن لها بهذه الصورة، والذي يثير مزيداً من الاستفزاز في نفسي هو طرح هذه القضية بصورة مجردة من سياقها الاجتماعي بمعنى أن تناقش وسائل الإعلام عمل المرأة كمسألة لابد من وقوعها على أرض الواقع، مع تقديم نماذج يقدم لها المجتمع جميع وسائل الرفاهية المتاحة، ويساعدها بكل الوسائل المتاحة على توفير الوقت والجهد اللازمين للقيام بعمل ما خارج المنزل أو القيام بعمل عام مجتمعي، سواء من خلال المربيات في المنزل أو توفير مؤسسات رفيعة المستوى لتقديم هذه الخدمة لها .

في حين تتجاهل هذه الوسائل تماماً المرأة العاملة البسيطة المطحونة التي لا تجد من يساعدها في أعمال المنزل ولا من يقدم لها الإرشاد الاجتماعي والنفسي اللازمين للتعامل بتوازن مع مسئوليات بيتها وعملها، ولا شك أن هذا الخلل في إيجاد التوازن ينعكس بوضوح على الزوج أولاُ وعلى الأولاد ثانياً، فلا يخفى على أحد قلة الوقت المتاح أمام المرأة العاملة مما يجعلها ربما تهمل في تربية وإرشاد أبنائها علاوة على العصبية والحدة التي تنتابها في الغالب عند التعامل معهم والتي تتسبب فيها ضغوط وعلاقات العمل المعقدة والمتشابكة.

وسيتهمني الكثيرون أنني ضد عمل المرأة وأنني أدعو لعودة النساء للقبوع في المنزل، والكثير من التهم النسائية الشبيهة، ولكنى أعترض على إطلاق الأحكام وتحميل المرأة أكثر مما تتحمل، وتصدير قوالب إعلامية جامدة لنا تدخل العقل بلا تفكير، ولا نقد، ولا تحليل من أن عمل المرأة على إطلاقه واجب وطني وعدم مناقشة التعامل مع الأسرة في ظل هذا العمل، وكأن تربية الأبناء مهمة من الدرجة الثانية إذا ما قورنت بعمل المرأة العام، والأكثر إثارة للحنق هذه المرة مع الاستفزاز طبعاً هو إطلاق أوصاف غير مرضية على المرأة ربة البيت، وكأنها امرأة من الدرجة الثانية لأنها "تستسهل" العمل في المنزل فقط وتسعى لإراحة نفسها، وأنها تخشى من خوض غمار العمل العام، وتنتقدها علانية، مما يعطى إحساساً لربات البيوت بالدونية على الرغم مما تقوم به من عمل مهم لبناء المجتمع.

إن ترسيخ قيم معينة في نفوس النساء وتعاطيها وكأنها قواعد وقوانين ملزمة يصنع قوالب متشابهة جامدة في المجتمع، علاوة على ما يسببه هذا من تفكك أسرى وتراجع أخلاقي بسبب تراجع أولويات القيم لدى المرأة فلم يعد لديها وقت لغرس أي قيمة جميلة في نفوس أبنائها ولم يعد لديها طاقة جسدية ولا نفسية كي تهتم بأسرتها. مما يجعلني أتساءل ماذا يريدون من المرأة ؟ أنا لست ضد عمل المرأة لأني ببساطة امرأة عاملة، ولكن أطرح سؤالاُ صريحاً: هل جميع النساء العاملات في المصالح والهيئات الحكومية مبدعات ومنتجات ويمثلن إضافة حقيقية لقيمة العمل المنتج؟ أشك في أن تذهب إلى مصلحة ما وتجد المسئول امرأة وتحصل على ما تريد بسهولة وبلا تكشير أو تعطيل أو سوء معاملة، هذا لو وجدتها على مكتبها! لدرجة تجعلني في العادة أشكوها لمديرها.

وأنا هنا انحاز بوضوح لرأى الإمام محمد الغزالي رحمه الله الذي يقول أنه يكره البيوت الخالية من نسائها ويقلق على ترك الأبناء في دور الحضانة وللعاملات لرعايتهم، ولكنه في الوقت نفسه يبحث عن النساء المبدعات اللواتي يمثلن إضافة حقيقية لمجتمعاتهن، ويرى انه من الواجب في هذه الحالة أن يعملن وبإخلاص وبجدية من أجل نهضة بلادهن، وعليهم خوض غمار العمل العام وبقوة.

ولكنني أكرر أن ترك الأمور لكل من تريد أن تعمل لمجرد أن تحقق ما تقوله وسائل الإعلام أو لكي تثبت لنفسها – ظاهرياً – أنها ليست أقل ممن يخرجن عليها على شاشات التليفزيون أو أنها ليست متخلفة ولا رجعية، أقول أن ترك هؤلاء النساء للعمل بلا تحقيق أي إضافة حقيقية للمجتمع تعطيل لكثير من القوى الأخرى وهدم لكثير من الأخلاق الأسرية وانجراف أعمى وراء مظاهر خادعة . فأرى أن الحاكم في مسألة عمل المرأة من عدمه هو قدرتها الحقيقية على الإبداع، وعدم دفعها لخوض شيء لمجرد خوضه، وهذا هو المحك الرئيسي، فهذا أفضل من المحاولات المستميتة للمرأة لكي تثبت أشياء غير حقيقية مما يذكرني بالممثل الذي جن في فيلم شيء من الخوف وصار يسير في حواري القرية يصرخ: "والنبي أنا عتريس ...!" أعتقد أن هذا ما تحاول أن تفعله المرأة بخوض غمار عمل لمجرد أن تفعل، وكي تثبت للعالم أنها عتريس، وهى طبعاً ليست كذلك.

 *للتواصل:
 maganin@maganin.com

*اقرأ أيضاً :
يوميات ولاء: لو كنت كفيفة
ليسوا وحدهم أصحاب الديك البلاستيك !


الكاتب: ولاء الشملول
نشرت على الموقع بتاريخ: 14/07/2005