إغلاق
 

Bookmark and Share

المسلمون و تفجيرات لندن ::

الكاتب: أحمد الكناني
نشرت على الموقع بتاريخ: 31/07/2005


قُبيل أيام وجيزة بعد تفجيرات لندن، سمعتُ تعليقات غاضبة من أحد الأصدقاء (أقول أصدقاء للمجاز) والذي كان غاضبا أشد الغضب لهذا العمل الجبان البربري. وإلى الآن كان كلّ شيء طبيعيّا، إلا أنه أنحرف فجأة عن مسار الموضوع وراح يعمل هجوما على الإسلام والقرآن الكريم والرسول حتى! واصفا كلّ هذا بالإرهاب والعنف، وممتدحا الديانات الأخرى. ورغم أنه من بيئة غير مثقفة إسلاميّا، ومن أسرة أهملت تربيته الإسلاميّة، لكنه أمر خطير أيضا لأنه يدفع الجهلة لاعتلاء قرارات خطيرة وهجوميّة ضد أنفسهم وانتمائهم ودون أن يدروا حتى أنهم يفعلون هذا!

الواقع أن ظاهرة العنف لم تكن يوما مرتبطة بدين أو ديانات، ولا بدولة أو شعوب، ولا بنظام عن آخر. إن القمع والعنف جزء مهم من تكوين الإنسان النفسي وله إيجابياته عندما يوجه نحو الجهة الصحيحة وبالشكل الحضاري. ومفهوم الحرب، أيضا، لم يكن يوما ذاك المفهوم الظلامي الشرير وإنما (وليصدق القارئ أو لا) هو مفهوم مقدس ونبيل حتى! الحرب عند الإنسان البدائي مثلا- ولا أدري إن كانت هناك تقسيمات كهذه حقا- كانت ضد الحيوانات المفترسة والبرد والجوع والغزاة حتى! ولم يتغير هذا المفهوم عبر العصور إطلاقا، ولكن الطمع والجشع الإنساني قد شوّه الحرب ومفهومها النبيل. ففي وقت كانت الحرب تنص على احترام الأسير، وتأمين من ألقى سلاحه، وعدم قتل طير أو قطع نخلة أو تلويث مياه (راجع وصيّة أبي بكر الصديق)، كانت هناك فئات أخرى تحتفل لسقوط الأبرياء وتغتصب الحقوق والأنفس.

وإذا كانت الحرب بهذه الروح الحضارية عندنا، كمسلمين، فإن أي زعم يعتبر باطلا عندما يتعلق الأمر بقتل الأبرياء بحجة إجبار حكوماتهم على السير وفق وجهات يريدونها. ومن هذه الجزئية، يمكن أن نقول أن التفجيرات الأخيرة كانت، كما التفجيرات بالعراق وغيرها، ولازالت أفعالا بربريّة لا تختلف عن تفجير برجي التجارة العالميين ولا عن تفجير مبنى الأمم المتحدة بالعراق أو قتل السفير المصري هناك، أو تفجير انتحاري نفسه بين مجموعة من الأطفال العراقيين لانتمائهم الطائفي، ولالتقاطهم حلوى ألقاها الجندي الأمريكي لأجل صورة لوسائل الصحافة الأمريكيّة. إن هذه العقليّة هي أشد أعداء الإسلام في الوقت الراهن، وهي التي تكفّر الآخر وتسيء لكل الجهود الإسلاميّة والعربيّة لفتح جسور التحاور مع الغرب بغية التعايش السلمي رغم تحفظات كلّ طرف على الآخر. وبدلا من هذا، يفجر الأبرياء ببيوتهم (كأن وصايا أبي بكر الصديق ومن خلفه الرسول كانت لأمة غيرهم) ويقتلون الأسرى ويشوهون الجثث ويقطعون الرؤوس.

ومن جهة أخرى ينهض صيادو الماء العكر (من قشور علمانيّة وإلحاديّة وغيرها) لمهاجمة الإسلام ووصفه بأبشع الصفات والافتراء عليه وتأليب الحكومات الغربيّة ضده، والأسوأ أن أغلب هؤلاء يكونوا إما من بعض المسيحيين العرب أو الصهاينة أو ممن فهموا الإسلام بشكله الخطأ.

ولكن الأسوأ من كل ما سبق، هو موقف المسلمين (غالبا) من هذا كله، إذ يفضلون البقاء بالظل وعدم الإفصاح عن إسلامهم، كأنه عار يجب إخفاؤه! وكنا ننتظر- كمثقفين ذوي حضارة إسلاميّة وعربيّة- من هؤلاء الوقوف بأدب وشجاعة وشرح حقيقة الإسلام لكل غربي يحب أن يسمع أو أن يتساءل، ولكن وكما ذكرت سابقا، فإن أغلب هؤلاء المرتعدين جهلة بالإسلام أنفسهم، فكيف سيثقفون الآخر بشيء هم لا يعرفونه! وهذا يتطلب، ومن الكل، قراءة وافرة عن زوايا الإسلام والتثقف إسلاميا لكي نقوم بأهم وأخطر معركة تنتظرنا، وهي الدفاع عن الإسلام من هؤلاء الذين شوهوا أطيب وأرق ديانة بالعالم.

كنا ننتظر حقا دفاعا قويا عن كلّ المثالب التي يتبعها المعادون للإسلام، وعلينا أن نعترف بأننا (كمسلمين) لا ننفذ الإسلام بحذافيره، سواء لسوء فهم أو لضياع التجربة. ولا عجب، فنحن أمة كانت بسبات لأربعمائة عام من الاحتلال العثماني، بعد أن طمس هولاكو الحضارة ببغداد وبعد أن أنهكت الشعوب المسلمة بصد غزاة أوروبا لمدة قرون مديدة. وبالربع الأخير من القرن الماضي بدأنا نستفيق ونسترجع بريق الإسلام من جديد، ولكننا نتفاجأ بوحش بشع يعمل مهاجما للمسلمين قبل غيرهم، وكأن هناك أيادي خفيّة لا تريد لنا أن ننهض بديننا وحضارتنا، فصنعت لنا هذه الدمى كي تحرق زرعنا وتفزع قلوبنا! وهاهم أولاء يريدون أن يفهمونا بأن المغايرين لنا بالديانة أعداء وليسوا أمانة بأعناقنا، وكأن حديث رسول الله كان لغير أمة بقوله "من آذى ذميّا (أي من أهل الكتب أو غير المسلمين) فقد آذاني". ويريد هؤلاء أن يجعلوا قوامة الرجل على المرأة قوامة سلطويّة جبريّة، وكأنهم ينسون بأن "النساء شقائق الرجال" وأن القوامة هي تكريم للمرأة بجعل الرجل حارسا لها وموفرا للأمان الضروري لكل امرأة. ويحاربون حرية التساؤل وروح السماحة بالإسلام، ويريدون البشر آلات تنفذ كلام همجييهم المتأسلمين الأشرار.

يجب على كلّ مسلم ومسلمة أن يقرر، ومنذ هذه اللحظة، أن يقف بالمرصاد لهؤلاء ، وأن يتزود بالمقالات والدراسات اللازمة (و مجانين و إسلام أون لاين حافلتان بهذه الدراسات) لمواجهة هؤلاء الأعداء ولشرح الإسلام للغير والاستنكار لأفعال هذه الفئة الضّالة المخربة. ولا مشكلة، قد يواجه المدافع عن الدين أسئلة حرجة لا تطالها معلوماته ولا يفهمها بحذافيرها، ولكن الإنترنت موجودة لإقامة البحوث والتأكد والاستفادة، وكذلك الكتب، ليعود المدافع لاحقا ويبرز الحقيقة للسائل. يجب أن لا نستسلم، يجب أن لا نيأس، يجب أن لا نترك ديننا الرقيق (الدين الذي يحمي الأشجار حتى والفراشات) من أن تشوهه عصابة كهذه، التي وتقتل البشر باسم تشريع بريء هو الإسلام منه وإنه لواجب (بحكم دين الله بأرضه) أن نصد هؤلاء القتلة المجرمين ليكفوا أذاهم عن شعوب الدنيا وليكفوا عن وصم الإسلام بما هو منه براء.

هذا والله وليّ التوفيق

للتواصل:
 
maganin@maganin.com


اقرأ أيضاً :
من الكناني إلى بثينة كامل

مذكرات رجل ما (1)
حول مفهوم العلمنة وخطاب مجانين

نقد "مواقف مؤثرة 2"مشاركة
وضع شبابي أن تكون شابا عام 2005

 



الكاتب: أحمد الكناني
نشرت على الموقع بتاريخ: 31/07/2005