إغلاق
 

Bookmark and Share

على باب الله قطار الليل والنهار ::

الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 20/05/2006

 

على باب الله قطار الليل والنهار 9/4/2006
أعشق الترحال, أسميت نفسي ذات مرة المسافر أبدا, وربما أنا أبرر حين أقول وأردد مع الحديث، كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل, إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح, وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء, حالي والدنيا, مثلي والدنيا كمسافر جلس يستظل تحت شجرة ثم قام وتركها.

هذه العلاقة العابرة بالأشخاص والأشياء تقلق من حولي بل تزعج بعضهم, بل قد أتلقى منهم الهجوم, إن لم يكن اللوم فقط!! وفي ترحالي أرتبط بالسفر داخل نفسي, وعبر الدنيا, وفي وطني أنتقل بالسكك الحديدية، القطار ومترو الأنفاق, ويتضاحك من حولي حين أروي لهم حكايات, وعن شخصيات, وأحداث في المترو, وكثيرا ما قضيت بعض الوقت مصطحبا من يريد أن يراني ونتحدث, أو أريد أن أراه, ولا أجد لذالك وقتا فيكون المترو هو الحل.

مؤخرا اقترحت إحداهن استحداث عربات جديدة تسمح بلقاءات زوجية ضمن الانتقال بالمترو, وعلى خلفية أن البعض يقضي ساعات يوميا فيه فإن الفكرة تبدو لا بأس بها, تكسر البرود والجمود, أو تسمح بالتلاقي المفقود!!

وأحيانا يكون من نصيبي أن أركب القطار الأخير الذي ينطلق من محطة التحرير المسماة بالسادات حوالي الواحدة إلا الربع بعد منتصف الليل, وهو مشهدٌ أبطاله حصاد اليوم من المنهكين الذين يعودون خماصا أو بطانا بحسب أرزاقهم يتسامر بعضهم ببقايا حكايات اليوم وما قبل النوم وربما تستعد أقلية بسيطة لقضاء سهرة تليفونية أو تلفزيونية, يهرولون جميعا ليلحقوا بشيء قبل أن يرخي الليل أستاره الأكثر كثافة فيستوحش من لا يحب الظلمة والسكون!!

في قطار الليل أطفال على صدور الأمهات أو فوق أعناق أو أكتاف الآباء, نائمون ونائمات ربما يحلمون, وربما مجرد منهكين يستعدون ليوم لا يختلف عما سبقه!! قطار الليل أحسه يحمل توتر اليوم كله, وتعب النهار والمساء, هموم معارك العيش, والخلافات حول التوافه, وإحباطات الآمال التي لم تتحقق, يحمل من الآلام أكثر مما يحمل من الآمال.

أما مشهد قطار الصباح فكم تمنيت أن يراه معي كل حبيب, ما أروع تعبير المولى سبحانه وتعالى (والصبح إذا تنفس) وما أجل أنفاسه... رائحة الزهور أشمها في شوارع المعادي, وقد أتاني الربيع يختال ضاحكا, يبتسم في ورود حمراء قاتمة وفاتحة, وبرتقالية, وأوراق أشجار مغسولة بماء المطر طوال أيام مضت, وقبل أن يتلوث الجو بعوادم المركبات والبشر يمكن أن أرى الندى وهو يلم ثيابه ويسحب عباءته, وأحس إيقاع الغزل في زقزقات الطيور التي أصبحت تسبح ربها بين الأشجار والأزهار والكون كله ينفتح وينفسح لاستقبال الملكة التي ترسل الضياء أشعة تتجلى بقرصها المستدير الملهم لمن يريد طاقة وتجددا أو ضياءا وتوقدا.

لذالك فإن قطار الصباح يحمل ضحكات العجائز, وبقايا نوم لم يكتمل فيسترخي غفوة في البكور استعدادا ليوم جديد لعله أفضل من سابقه, رغم أنه لا دليل على هذا, ولا علاقة, ولا تباشير, غير الفجر والعصافير, والشمس والورود, والندى وأوراق الشجر!!

ينساب قطار الصباح مسرعا رقيقا ليكمل المشهد, وليحمل مشهده الخاص المختلف, وناسه المختلفين الذين لم يرتدوا بعد ثياب الضغوط, ولا أقنعة التحفظ, فلا مكان إلا للود الوادع, وأذكار الصباح, وأصوات الدعاء الخافتة تشارك الكون كله تسبيحة وتكبيرة.

ذكرني هذا بقصيدة بسيطة لطيفة كنا ندرسها في سنوات المدرسة الأولى مقطعها المتكرر: ما أجمل الصباح, جملة يرددها اليوم كله, والكون كله وهو يرتحل مسافرا كما أنا... ما أجمل الصباح. 
للتواصل:
maganin@maganin.com 
 
اقرأ أيضا:
على باب الله: أخيرا... براغ / على باب الله: بيروت، خيالات ونفحات / على باب الله: في انتظار خديجة / على باب الله الثقافة والسياسة / حليم وصفوان وفساد الزمان / على باب الله في زمن الموبايل 25 /3/ على باب الله:موقعي / على باب الله : التفكيك والتشكيك/ على باب الله: مغامرات في السليم  / على باب الله: جريمتان / على باب الله: مصر في كلمتين/ على باب الله: فجأة ..... / على باب الله: في بيتنا هيفا !!!!!!!!!!! / على باب الله:المشي / على باب الله ---------- كيف نقرأ ؟! /  على باب الله مع المراهقين / على باب الله: حكايات أصحابي / شفط الدهون بعد شفط العقولعلى باب الله: كيف تسافر بأقل التكاليف؟!! / على باب الله: الطبخ الثوري/  على باب الله: لندن دفء الحب / على باب الله: عائد من استانبول / على باب الله: (أحداث كنيسة الإسكندرية ) /على باب الله: رمضان العهد والوفاء/ على باب الله: عن العسكرة والأقدمية / على باب الله التعويذة  / على باب الله: الأصل والواقع / على باب الله الحوار / على باب الله جواز سفر / على باب الله: الطريق إلى بودابست / على باب الله بودابست  / على باب الله: وداعا بودابست / على باب الله: بنية وبيئة / حوار مع أ.د أحمد عكاشة(3)  / المسلمون و تفجيرات لندن /العفاريت بريئة من دماء بني مزار  /هل فعلها المجنون في بني مزار  / لغز مذبحه بني مزار / حادث "عزبة شمس الدين" / على باب الله رسل النور



الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 20/05/2006