إغلاق
 

Bookmark and Share

على باب الله أشباح بيروت ::

الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 23/07/2006

القاهرة اليوم تبدو كمدينة أشباح، انتهز الناس فرصة العطلة غدا الأحد 23 يوليو في ذكرى حركة/ ثورة 1952 ليهربوا من حر الجنوب والوسط إلى سواحل الشمال في الإسكندرية ومطروح وامتداد الساحل الشمالي كله، وانتهزت الحكومة الفرصة أيضا لرفع أسعار الوقود بأنواعه، وهو ما من شأنه أن يرفع سعر كل شيء في مصر بحسب العادة!! وتمر بنا أيضا ذكرى تأميم قناة السويس، أشك في ذاكرة الأجيال الجديدة!

اتصل بي المذيع المعروف "محمود سعد"، وهو صديق قديم، لأظهر معه أمس في حلقة برنامجه "اليوم السابع" ونتحدث عن بلادة الناس تجاه ما يحصل في لبنان وفلسطين، ثم قالوا لي سنتصل بك لنأخذ رأيك بالصوت على الهواء، ثم لم يفعلوا!! وكان لدي ما أقوله كمقترحات فعل.

رسالتها الصباحية على المحمول هذا نصها:
صباح الخير: إن شاء الله الأسبوع الجديد يعدك بمحو ما أحدثه الأسبوع الماضي.

وكنت قد عشت أياما عجيبة وجدت نفسي فيها خارج السياق أبارز طواحين الهواء مثل دون كيشوت، ثم انتبهت يوم الأحد الماضي، وذهبت إلى مكتب إسلام أون لاين لأحضر اجتماع التحرير في القسم الاجتماعي، وتحدثت كما لم أتحدث من قبل، تحررت فورا من شأني الخاص المضحك المبكي، ووجدت نفسي أصرخ شارحا ومقترحا: ما الذي يحدث؟! وكيف وماذا نعمل؟!
 

اقترحت ملفا خاصا بعنوان: صيف فلسطين ولبنان، وأدهشتني سرعة تنفيذه، وكتبت مقالا بنفس العنوان أرجو أن ينزل على الموقع قريبا، وظهرت على شاشة "الجزيرة هذا الصباح" أتحدث عن "الأسرة العربية، ومواجهة الحرب"، وأنهيت مقالا وجهته للخارج لعله يحظى بالنشر، وأسميته: (هذا الذي يحدث... حقبة ما بعد إفشال"حماس") وفعلت أشياءا، وقلت أشياءا أخرى في نفس السياق خلال اجتماعات الخميس مع من حضر من المستشارين، وأشعر أن هذا كله ليس كافيا، وأشعر أن مكاني الصحيح ليس هنا، ولكن في "بيروت" وسط أهلنا المحاصرين، وتحت القصف الإسرائيلي، مع المصابين والمصدومين.

أشعر بالغثيان ووجع البطن فعلا مما أقرأه للبعض من العرب والمصريين، وهم يرددون نفس كلام أنظمتنا الفاشلة التابعة الضعيفة الفاسدة إلى أخر قائمة صفاتها المعروفة. ويرددون نفس منطق "توماس فريد مان" الكاتب الأمريكي المتلون والصهيوني هذه الأيام بامتياز!!

ويتصور هؤلاء الأصدقاء أو الزملاء أنهم منحازون إلى العقلانية والإنسانية والمنطق والإستراتيجية، وهم ليسوا كذلك، إنما يصدقون أنفسهم، وهو من البلاء الشديد أن تكون ممن ضل سعيهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!

كراهية الموت ظاهرة إنسانية عامة، ولكن لديهم أيضا كراهية الإسلاميين، وهم يحسبون مواقفهم ببساطة: ينظرون أين يقف الطرف الإسلامي، ويقفون هم على الطرف الآخر!! وطبعا أي طرف أو فصيل يخطئ ويصيب، ولكن عندهم الطرف الإسلامي مخطئ دائما، وهو متهم حتى لو ثبتت براءته، وهو عميل غالبا، وفاشي دائما، ويورطنا أحيانا!!

رحمك الله يا عادل يا حسين.. كنا ما نزال صغارا، وأنت تكتب صارخا ضد تحطيم قوة العراق بسبب خطأ "صدام" التاريخي في دخوله الكويت، ولم نفهم من قبل، صراخ المعترضين على حرب إيران والعراق بعد انتصار ثورة الخميني هناك!! هل تعرف أجيال الشباب عن ماذا أتكلم هنا؟!

واستمر التفكيك ونزع السلاح والأظافر، وتحطيم الجيوش والأسلحة والإرادة، واليوم جاء الدور على حزب الله، وعلى لبنان كله!!
 

لبنان المسكين بين المطرقة والسندان:
الأنظمة العربية وموقعها وحالتها المعروفة، وأصدقاءنا أصحاب قبعة العقلانية في أطروحاتهم واجتهادهم الخاطئ، وفي نفس الصف تقف أمريكا وإسرائيل وأوربا بصمتها، وللطرافة أو للغرابة أو للمأساة يقف في نفس الصف أناس يعتبرون أنفسهم ملتزمين بالدين، ودعواهم أن "حزب الله" شيعي، ولا فارق عندهم- لقلة الفقه والمعرفة والإدراك- بين اللبناني والعراقي والإيراني، فكلهم شيعة!!

لا يرون أي تفاصيل، ولا أية تمييزات عندهم، ولا تفاصيل ولا معلومات، ولا تحليل ولا وعي بغير هذا التعميم المؤسف: كلهم شيعة، روافض، يقتلون أهل السنة في العراق، ودورهم مشبوه طوال تاريخهم.. إلخ، وهذا خطأ منهجي، وقصور فادح في المعلومات، والتحليل السياسي وحتى في النظر الأصولي الفقهي. ولا غرابة ولا عجب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي القدير، فهذا هو مستوى العقول التي تقول فينا فما بالنا بمن يسمع؟!

إذن كل هؤلاء يقفون في صف وخيار وخطة تحطيم حزب الله، وفي الجهة الأخرى تقف الجماهير العربية بأغلبية كبيرة ومشاعر جياشة، ولكن دون برامج فعل أو تدخل أو حركة كالعادة!!
كما تقف للطرافة والصدمة والمفارقة جماهير عريضة تظاهرت في "أسبانيا"، وفي أمريكا ضد سياسات الإدارة هناك، وفي أمريكا اللاتينية!! وهذه هي الخريطة أمامي!! لم أنم منذ أن قرأت مقال الزميلة الدكتورة "منى فياض"الاختصاصية بعلم النفس، وهي تقول: تعالوا قاتلوا معنا!!

أشباح القتلى، وصراخ الجرحى وأنين الثكالى يقضى مضجعي.
ماذا أقول ولمن؟! حجم التشويه والجهل والاختلال أكبر من القصف والاحتلال!! في الحرب دائما يكون هناك طرفان أو موقفان لا ثالث لهما، وعليك أن تحدد مع من تقف: هتلر أم الحلفاء؟! الحسين أم يزيد؟! لبنان أم إسرائيل؟! ثم للنقاش وللحوار وقته وأصوله فيما بعد.

تذكرت "عمر بن الخطاب" وقد عزل "خالد بن الوليد" لأخطاء ارتكبها في قيادة جيوش المسلمين، وأرسل آخرا للقيادة مكانه، وأظنه "أبو عبيدة بن الجراح"، والقتال مستعر تحت قيادة قائد مخطئ ومعزول، فسكت حتى انتهى اليوم، وذهب كل إلى مخدعه، وأبلغ خالدا بخبر عزله، فعاتبه لم لا يخبره وقت وصوله، فقال أبو عبيدة: كرهت أن أكسر عليك حربك!! هذه أبسط قواعد الحرب، ولا أقول الأخلاق، أو السمو الرباني للصحابة!!

في طرف تسمع تصريحات الإسرائيليين بأنهم وراء جيشهم، وكأنهم على قلب رجل واحد، ونحن في المقابل نضع "حزب الله" بين فكي كماشة: يرميه البعض بالتهور والرعونة، وآخرون بالمذهبية!! فهل توجد خدمة لإسرائيل أفضل من هذا؟! وهل هناك غطاء لتدمير لبنان أعظم وأسبغ مما نقدمه نحن لهم؟! وماذا بعد تفكيك حزب الله الشيعي لرافضي العميل المندفع...الخ؟!

هل سنصبح في وضع أفضل في مواجهة إسرائيل؟! هل لبنان سيصبح أكثر أمنا؟! وهل سنكسب أرضا في أية معركة ضد الاستبعاد المحلي لأنظمتنا؟! أو ضد إسرائيل أو أمريكا؟! مع من يقف كل منا؟! مع المقاومة أم مع إسرائيل؟! في المعركة لا يوجد مكان ثالث!! وكيف ندعم المقاومة إذا كنا معها؟! هل هناك شيء غير الدعاء والرثاء والبكاء والخواء، ورفع الصوت بالنداء!!
سمعت صوتها على الطرف الآخر يقول: "ألو.. ألو"، ولكنها لم تسمع صوتي وأنا أحاول الرد!! كنت أريد أن أقول: كيف حالك يا حاجة؟! لم يكن صوتها واهنا ولا مشروخا، وكان شامخا دافئا، صابرا، وشجاعا على رقته ورقيه! انتهزت فرصة أن الخط مفتوح إلى بيروت، وأرسلت لها بالمحمول أول رسالة: "الحمد لله أنني سمعت صوتك، سأتصل لاحق، سلامي للجميع" والمجد للمقاومة..

للتواصل:
maganin@maganin.com 
 

اقرأ أيضا:
على باب الله: معركة الخيال/على باب الله التعبير والتفكير /على باب الله يوم الخامس من يونيو /على باب الله: وائل خليل 10/5/2006
 / على باب الله: أخيرا... براغ / على باب الله: بيروت، خيالات ونفحات / على باب الله: في انتظار خديجة / على باب الله الثقافة والسياسة / على باب الله في زمن الموبايل 25 /3/ على باب الله:موقعي / على باب الله : التفكيك والتشكيك/ على باب الله: مغامرات في السليم  / على باب الله: جريمتان / على باب الله: مصر في كلمتين/ على باب الله: فجأة ..... / على باب الله: في بيتنا هيفا !!!!!!!!!!! / على باب الله:المشي / على باب الله ---------- كيف نقرأ ؟! /  على باب الله مع المراهقين / على باب الله: حكايات أصحابي / على باب الله: كيف تسافر بأقل التكاليف؟!! / على باب الله: الطبخ الثوري/  على باب الله: لندن دفء الحب / على باب الله: عائد من استانبول / على باب الله: (أحداث كنيسة الإسكندرية ) /على باب الله: رمضان العهد والوفاء/ على باب الله: عن العسكرة والأقدمية / على باب الله التعويذة  / على باب الله: الأصل والواقع / على باب الله الحوار / على باب الله جواز سفر / على باب الله: الطريق إلى بودابست / على باب الله بودابست  / على باب الله: وداعا بودابست / على باب الله: بنية وبيئة / على باب الله رسل النور/ على باب الله: إفتكاسات:29/ 5/2006 / على باب الله: أنهار سرية /على باب الله من منازلهم، وموقعي المفضل / على باب الله قطار الليل والنهار / على باب الله العيش موتا في أوطان تنتحر / على باب الله: دماغك فين؟!!على باب الله: قالت لي  /على باب الله: كائنات منقرضة  



الكاتب: د.أحمد عبد الله
نشرت على الموقع بتاريخ: 23/07/2006