إغلاق
 

Bookmark and Share

لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟ ::

الكاتب: أ.د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/08/2006


منذ بدأت الهجمة الصهيونية الأخيرة على لبنان.... وأخذت ردود الفعل الشعبية في التصاعد على مستوى العالمين العربي والإسلامي، -ورغم أن ذلك لم يكن مفاجئا أو مستغربا إلا أنني- راودني سؤال أحسبه وجيها أو على الأقل هو مما قد يخطر على بال كثيرين، لماذا لم يتحرك الشارع العربي لنصرة حماس بهذا الشكل؟ ولماذا أيضًا لا يتحرك لنصرة العراق؟

وربما تكونُ الإجابة فيما يتعلق بالموقف من الحال في العراق سهلة جاهزة، فما يحدث في العراق غير مفهوم إلى حد كبير أو ليس فيه تحديد واضح لمن الجاني ومن المجني عليه باستثناء ما هو عام ومتفق عليه من أن الجاني الأول هو الإدارة الأمريكية والمجني عليه الأشمل هو الشعب العراقي كله- فهناك أهل بلدٍ واحد يقتل بعضهم بعضا وهذا ما أصبح من الصعب أن يشحن عواطف الناس أو أن يعبئ طاقاتهم، وربما نفس الموقف أخذته الشعوب من لبنان إبان الحرب اللبنانية الأهلية -التي كما يقول اللبنانيون "تنذكر ولا تنعاد"- ولا أحسب تحركا جماهيريا عربيا كان قبل الاجتياح الإسرائيلي وحصار بيروت.

وأما في حالة فلسطين أو الأرض العربية المحتلة فإن المسألة تختلف لأن الجمهور العربي عامة يساند حماس التي أيقظت الوعي والكرامة العربية وما تزال، بل ربما هو يساند حماس أكثر من مساندته لحزب الله التي تبدو وكأنها مرتبطة فقط بالهجمة الصهيونية الأخيرة أو بالأحرى بانتصارات حزب الله المدوية عندما تحدث، إلا أننا على الأقل لا نجد من فئاتنا الفكرية من يحرم نصرة حماس! مثلما حدث من بعض المفتين، رغم ذلك لم نجد المواقف الشعبية مناسبة لما يجري في غزة والضفة، وبوضوح وبكل حماسة اهتم الكل بما يحدث في لبنان فلماذا؟

هل لأن فارقا يوجد بين الاستجابة البشرية لما يحدث بصورة مزمنة وبين استجابتهم لما هو مفاجئ؟ -لا أستطيع أن أقصر الوحشية على الحادث في لبنان لأن الوحشية هي التصرف المفترض Default Behavior للجندي الإسرائيلي- هل السبب هو أننا نعتبر الفلسطينيين معتادين على ما يحدث لهم يوميا ومنذ سنوات طويلة؟ هل حصل لنا نوع من إزالةَ التَّحَسُّس Desensitization والتنظيمَ للأسفل Down-regulation-، وهي مفاهيم تتعلق بمشابك عصبونات الجهاز العصبي ويبدو أنها قابلة للتطبيق أيضًا على المستوى السلوكي، فما يسمع من أنباءٍ وما يعرض من صورٍ يوميا ومنذ سنوات على وعي المشاهد العربي لابد يسبب شكلاً من أشكال إزالة التحسس، وفي الجهاز العصبي تشملُ هذه العلميةُ نقصا في أُلْفَةِ Affinity المستقبلة للناقل العصبي في المدى القصير، ويصلُ في المدى الطويل إلى نقص حقيقي في عدد المستقبلات، وأخشى أن يكون هذا أيضًا قابلا للتطبيق على المستوى السلوكي، لأن معناه أننا سنصبح كحكامنا الحاليين لا نحس!

وبالاستناد إلى نفس مفاهيم طريقة عمل الجهاز العصبي فإن العكسُ أيضا صحيحٌ فعندما تكونُ المشابكُ نادرا ما تُنَشَّط يحدثُ فَرْطُ تَحَسُّس Supersensitivity وتنظيمٌ للأعلى Up-regulation، بمعنى أن توقعنا لأن يحدث ما يحدث في بيروت الآن واستعدادنا لسماعه أو رؤيته لم يكن موجودا فنحن مطمئنون على لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية وبعد انتصار حزب الله الأول والمدوي على الكيان الصهيوني، وكذلك زاد اطمئناننا بعد تماسك الجبهة الداخلية اللبنانية رغم ما تلا مقتل الحريري رحمه الله، فهل الاستجابة الحالية تمثل شكلا من أشكال فرط التحسس لألم جاء من حيث لا نتوقع!؟؟

هل المسألة أصلا مسألة أيسر من ذلك كله مسألة تتعلق بالذكريات الشخصية وأن لبنان مكان تنزه وقضاء عطلات؟ هل لأن كثيرين من المثقفين وأصحاب الرأي والجمهور العادي أيضًا عرفوا لبنان وعرفوا بيروت ولهم فيها ذكريات جميلة؟ بينما هم لا يعرفون غزة ولا رفح ولا الضفة؟ هل لأن لكثيرين ذكريات في لبنان وهي بلد مفتوح للكل بينما هم لا يملكون ذكريات خاصة بفلسطين فأحد منهم لم يرها؟؟

الحقيقة أن هذا التفسير سيرجعنا للتساؤل عن لماذا العراق لا؟ لكن الحقيقة أن فارقا كبيرا يوجد بين من يسافرون إلى لبنان ومن كانوا يسافرون إلى العراق فبينما يقصد لبنان المثقفون والفنانون فإن العراق كان مقصد العمالة العربية، وهؤلاء ربما يتألمون ويعانون لأن لهم ذكريات في العراق لكنهم غير قادرين على تحريك وعي الشارع العربي.

أحسب أننا لفترةٍ طويلة الآن لم يعد يشعرنا بأن رفع القامة العربية ممكن إلا طرفان هما حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين فهم رمزا المقاومة الأبرز لكن تعاملنا أو رد فعلنا اختلف لسببٍ أو أسبابٍ ما زلت أحاول الإلمام بها.......... والمساحة مفتوحة لآرائكم...... والمجد للمقاومة.

*للتواصل:
maganin@maganin.com

واقرأ أيضًا:
الاختيار دائما.......مدفوع الثمن / مغامرات في السليم، صبرك علينا شويه /الآثار النفسية للحروب على الأطفال / السلام حلم الطفولة في الشرق الأوسط / سامعين أفنان بتقول إيه !!!  / إذا كان مجنوناً، فاللهم أكثر منهم / وحدة للتدريب على طب الكوارث بالزقازيق / دور الأخصـائي النفسـي في الأزمـات / الأطباء وإنقاذ مصابي الكوارث / مؤتمر قومي لطب الكوارث!  / المؤتمر القومي السابع لطب الكوارث / فريق مركز طب الأزمات مصر بخير / هذا الذي أفعله..المجد للمقاومة / شكرا منظمة الصحة وفي انتظار المزيد /  تحيا كوريا الشمالية: يحيا حزب الله/ اغتيال الحرية: لبنان عروس العرب / رسائل فك الحصار 24 /7 /2006 / قانا...مذبحة إسرائيلية جديدة  / الإعلام الشعبي 30/7/2006 / سبقنا شعبولا، ولكن سوف نبدأ / إعترافاتي الشخصية: لماذا هم قصار القامة؟ / قانا وما بعدها بيروت يصل ويسلم



الكاتب: أ.د.وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 06/08/2006