إغلاق
 

Bookmark and Share

جرى إيه يا ((بابا)) ؟ زعيم عربي تقولش؟!! ::

الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 18/09/2006


كان مفاجئا بكل المقاييس ما جاء على لسان الألماني "جوزيف راتسينجر" المنتخب لمنصب بابا الفاتيكان أو الكنيسة الكاثوليكية الرئيسية (بنيدكت السادس عشر)، فصحيح أننا عرفنا عنه من قبل كثيرا من التحامل ضد الإسلام والمسلمين خاصة عندما اعترض بشدة على انضمام تركيا لأوروبا الموحدة ووصف ذلك بأنه "خطأ فادح" و"قرار مخالف للتاريخ"، وغير ذلك من المواقف التي لا يمكن فهمها في غير إطار العداء للإسلام، إلا أن ما حدث هذه المرة بتوقيته وملابساته مختلف! فهو يذكرنا بتصريحات تسمعها أو تسمع عزفا على أوتارها من أحد الزعماء العرب صبيحة ما سمعتها بالأمس على لسان الرئيس الأمريكي بوش!، فما تسمع عبر الجزيرة مثلا أن بوش يوحي به الليلة تجد الزعماء العرب المعنيين يطلقونه كتصريحات صبيحة اليوم التالي! ويبدو أن هذا ما فعله البابا! ولهذا فاجأني!

لا يمكن أن نحسب الجهل بالإسلام محتملاً في شخص ينتخبه مجمع الكرادلة ليكون بابا الفاتيكان، ولكننا في نفس الوقت لا نستطيع الفصل بين تصريحات بوش المعبرة عن توجه الإدارة الأمريكية، وبين أن يتعمد البابا طرح أكاذيب يتعامل معها حوالي مليار واحد من البشر هم أتباع الكنيسة الكاثوليكية على مستوى العالم على أنها كلمات نورانية تصدر عن البابا "المتصل Connected"، ويوجهها للإسلام وهو الدين الذي يتبعه مليار ونصف المليار واحد من البشر على الأقل، وهو أيضًا الدين الذي يفترضُ أن الكنيسة الكاثوليكية تجعل الحوار معه إستراتيجية لها في الفترة الحالية والمُقْبلة حسبما هو معلن في الدراسات التي تناولت خطط الفاتيكان، أولا لتضمن وقفته معها ضد الفساد والانحلال القيمي وموجات الإلحاديين واللا دينين المتلاحقة، وثانيا لتطمئن من قلقها بشأن الانتشار المتزايد للإسلام في أوروبا وأمريكا.

لم تكن ولادة هذا البابا سهلة ومعروفٌ كم كانت عسيرة لأن المنتظرَ والمتوقع كان أن تختار الكنيسة بابا من إفريقيا أو أمريكا اللاتينية كبلدانٍ تنتشر فيها المسيحية مع نشاط حركات التبشير (يعني نوع من التحفيز لحديثي العهد بالمسيحية الكاثوليكية)، وكان هناك مرشحون بالفعل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية، إلا أنه لسببٍ ما كان الاختيار رجلا ألمانيا أوربيا لديه مشكلاتٌ مع إسرائيل تتعلق بانضمامه لشبيبة النازية في مطالع حياته- ولديه توجهاتٌ مقلقة تجاه الإسلام، وقلنا ساعتها ربنا يستر!

لا نستطيع رؤية ما حدث إذن على أنه ناتج عن خطأ أو زلة لسان أو جهل بالإسلام لأن المعروف أن الإدارة الأمريكية كانت من أكثر المجموعات مباركة لانتخاب هذا الـ "بنيديكت السادس عشر"، وقد صرح كبير حاخامات اليهود بأن البابا الجديد صديق لإسرائيل شكرا إذن، إن هذا البابا يستحق فعلا أن يعتبر زعيما عربيا من الحلوين المعاصرين!.

فعندما يتكلم بوش عن الفاشية الإسلامية وعن الإسلام بوصفه إرهابا ومن قبل عن الحروب الصليبية الجديدة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ثم يضع البابا لتلك السياسات خلفيات دينية فإن هذا يذكرنا بما فعلته نفس الكنيسة الكاثوليكية إبان الحروب الصليبية الأولى عندما اعتبرت الحرب ضد المسلمين حربا مقدسة، ولا ننسى هنا أن الفاتيكان اعتذر لإسرائيل عن دعمه لما تعرضوا له على يد النازية وبرأها من دم المسيح، في حين لم يعتذر للمسلمين، كم يذكرنا كلام البابا إذن بالمبررات التي يضعها زعماؤنا أو بعض فقهائنا كما تضعها حكوماتنا لتبرير تنفيذهم لأحلام السيد بوش؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.

لا أظن إطلاقا أن فعلة هذا الـ "بنيديكت السادس عشر" تصب في مصلحة الكنيسة التي يمثلها، ولا أظن فهم علاقته بمصالح الإدارة الأمريكية وإسرائيل خافية على أحد، فنحن الآن نعيش في عصر التبجح ضد الإسلام والمسلمين ثم تركهم يفعلون ما يفعلون والتعامل مع غضبهم -في نفس الوقت- بما لا يمحو الإهانة الموجهة لدينهم أو نبيهم صلى الله عليه وسلم- بقدر ما يلطفها قليلا ثم تعقبها بعد قليل إهانة أخرى وهكذا وصولاً إلى ما وصلنا إليه في حالنا مع ما يحدث للفلسطينيين، إذ حصل لنا نوع من إزالةَ التَّحَسُّس Desensitization والتنظيمَ للأسفل Down-regulation-، وهي مفاهيم تتعلق بمشابك عصبونات الجهاز العصبي ويبدو أنها قابلة للتطبيق أيضًا على المستوى السلوكي، فنصبح بالتدريج لا نحس بالإهانة هل هذا ممكن؟ أسأل الله ألا يكون، وأتمنى ألا نتوقف هذه المرة عن الاحتجاج المستمر وألا نكتفي أبدا بالتلطيف الذي تقوم به الكنيسة الكاثوليكية أو الذي قد يقوم به البابا نفسه دون أن يذكر أسبابا مقنعة لفعلته تلك ليس من بينها الجهل ولا عدم القصدوألا نصل إلى وصل إليه الحال بعد مصيبة الرسوم الكاريكاتيرية التي لم يكتمل على حدوثها عام ولم تعتذر الدانمرك.
 

*للمشاركة والتواصل:
maganin@maganin.com

واقرأ أيضًا:
لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟
لبنان لماذا؟ وفلسطين والعراق لا؟ مشاركة  



الكاتب: أ.د وائل أبو هندي
نشرت على الموقع بتاريخ: 18/09/2006