إغلاق
 

Bookmark and Share

رسائل من الجنة. .(1) ::

الكاتب: ليلى العربية
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/05/2004


(1)السلام عليكم يا أهل الدنيا..

أحببت أن أعود إليكم يا إخوتي لأقول لكم كلمة واحدة فقط: هيا..أمازلتم متخاذلين مستكينين تركنون إلى هذه الدنيا؟؟

من ماذا تخافون؟؟ بل ماذا تنتظرون؟؟

لقد أدمى حالكم قلبي.. لم يحزنني فراق أطفالي كما يحزنني حالكم الآن..

لو تعلمون ما وجدته عند ربي هنا لتركتم كل ما بأيديكم وأسرعتم لتلحقوا بي..

تعالوا.. هيا بسرعة.. تخونني الكلمات فعلا في وصف ما أنا فيه من سعادة وهناء..

ما أريده من هذه الرسالة القصيرة التي أوجهها لكم هو أن أشجعكم على اتخاذ قرار الجهاد..

الجهاد.. والله إنه لأحلى عمل قمت به في حياتي..

لاحظت الصدى الكبير الذي تركته العملية الاستشهادية التي نفذتها, وأكثر ما حزّ في نفسي هو استغلال أصحاب الأقلام المأجورة والنفوس الضعيفة كوني أما.. وقد تركت طفلي وقتلت نفسي..

لقد قرأت أيضا مقالا لأحد أولئك, وقد صاغ قصة ستحدث بعد خمس عشرة سنة بين ابنتي وبين الشيخ أحمد ياسين.. جعل من ابنتي ضحية تسأل السفاح أحمد ياسين- لماذا قتلت أمي, لماذا لم تقتل ابنتك!!

فلم أجد بدا من أطل برأسي ثانية على هذه الدنيا لأخبركم خبري..

أعرف أن كلماتي هذه لن تغير من رأي صاحب تلك القصة, ولكنني آمل أن تقوي عزائم بني قومي وأهلي, وخصوصا حين يعرفون كيف ولماذا أقدمت على مثل هذا القرار الخطير..

حتى أن بعضا من هؤلاء "منكوسي الفهم" جعلني أنا وشارون في خانة واحدة وهي خانة: السفاحين!!

سأقص عليكم الآن قصتي, وقبلها سأعرفكم بنفسي.

أنا ريم صالح الرياشي عمري الآن 22 عاما, نشأت في غزة, قضيت طفولتي مثل كل أطفال بلدي: ذهبت إلى المدرسة وتعلمت إلى أن وصلت إلى الشهادة الثانوية, كم كان التعليم صعبا في بلدي..

لن أطيل عليكم في سرد التفاصيل التي تعرفونها جيدا عن حال أهلي ووطني..

هذه الحال التي جعلتني أعي ومنذ نعومة أظفاري على واقعنا الأليم وحياتنا المأساوية, ظروف الاحتلال فتحت عيني على ظلم رهيب عشته وعاشه كل أبناء وطني الحبيب.. ولا شيء ينضج الوعي مثل المحن..

كانت فرحتي كبيرة حين تقدم زياد لخطبتي, أعجبني أدبه وتهذيبه وأخلاقه, لقد طرت فرحا حين وجدت أن أفكاره وأحلامه في هذه الدنيا تتشابه كثيرا مع أفكاري وأحلامي..

وتم زواجنا.. كنت أسعد مخلوقة على وجه الأرض: لقد حقق الله تعالى لي أحلى أمنية حلمت بها وهي أن أصبح زوجة لشاب من خيرة الشباب..

كم كان لطيفا معي, خيّرا وكريما.. أتمنى أن يرزق الله كل البنات أزواجا مثل حبيبي زياد..

وكم كان أهله طيبين ورائعين, لقد أحببتهم كلهم, لقد كانوا لي خير أهل بعد أهلي..

كنت أرفل في أثواب السعادة والهناء.. لا شيء ينغص علي حياتي سوى حال بني قومي.. ووطني السليب.. والأقصى المستغيث..

لقد زرع أهلي في قلبي بذور الإيمان, فأحببت الله وأحببت الإسلام.. وأحببت الرسول والصحابة..

كنت أحلم بحياة كحياة الصحابة في طهرها ونقائها وقوّتها.. لا شيء حزّ في نفسي أكثر من رؤيتي الحق مهانا.. والظلم والباطل أقوياء..

تزوجت وأنا أحلم بهذه الحياة.. ولكن يا الله.. كم الطريق طويل وكم العقبات شاقة!!

كنت أنظر في حال أمتي فأرى حالا لا يسر العدو فضلا عن الصديق:

العداوات الطائفية, التفاهة التي تطبق على الشباب, ومحتل غاشم لا يرحم ولا يؤمن إلا بعقيدة الإفناء..

حزنت كثيرا وتملكني الأسى حين رأيت الأعداد الكبيرة من الشباب المشاركين في تلك البرامج التي تهدف كما يزعم صانعوها إلى صناعة نجوم جدد في سماء الفن..

أنا لا أعارض الفن, ولكنني أراها حماقة كبرى أن نهتم بالفن وبهذا الزخم بينما نحن ننتظر دورنا على مذبح الشعوب..

نعم هذا هو الواقع, هم يخططون لإبادتنا, ونحن نحلم بنجوم جدد يسطع ضوؤهم في سماء فننا.. ألم ينتبهوا إلى حقيقة أنهم سيتعبون في صناعة هؤلاء الفنانين الجدد ولكنهم لن يجدوا الفرصة ليمتعونا بفنهم لأن دورهم على مقصلة الشعوب سيكون قد حان!!

يا للحماقة!

(2) كنت أرى حال أمتي وهي تتدهور.. لا أظن أنه مرّ علينا يوم في ماضي أيامنا كنا أسوأ فيه من يومنا هذا..

المهم.. لن أثير هذه الآلام التي طالما أرقتني, والتي ولله الحمد استطعت أن أتخلص من تأريقها لي حين قررت أن أصنع شيئا لمستقبل أمتي.. وبفضل الله صنعت..

استيقظت في أحد الأيام بعد زواجي وأنا متعبة ومتوعكة.. وليست بي رغبة للنهوض من سريري.. ثم.. وبعد عدة أسابيع من هذا التعب والوهن اكتشفت أنني حامل.. سعادتي لا توصف.. كنت دائما أحلم بأن أصبح أما تربي أطفالا ليصبحوا رجالا يحملون همّ الوطن ورسالة الإسلام.. وها أنا ذا على مشارف تحقيق هذا الحلم.. يا إلهي كم هي طويلة أشهر الحمل.. لم أعد أطيق الانتظار.. أريد طفلي الآن.. اشتقت له كثيرا.. أحس به بين ذراعي: أضمه إلى صدري وألاعبه.. أتحسس يديه الصغيرتين ووجهه الملائكي.. يا إلهي.. هوّن علي هذه الشهور الطويلة من الانتظار..

وفعلا.. تلاحقت الأحداث على أمتي.. فانشغلت جدا بأحداث الانتفاضة والعمليات الاستشهادية.. وأرقتني طويلا معاناة الناس المساكين, وخصوصا الأطفال, احترق قلبي حين رأيت الطفلة إيمان حجو وهي قتيلة برصاصة في بطنها.. أدركت ثكل أمها.. فأنا أيضا على وشك أن أضع صغيري وأعلم كم الطفل غال على قلب أمه..

أطفال كثيرون قتلوا أو مزقوا.. يا إلهي.. أكل هذه الوحشية.. أليس لديهم قلوب, أليس هؤلاء الصهاينة بشر, أم هم صنف جديد من المخلوقات على هذه الأرض!!

وحانت ساعة ولادتي.. الألم فعلا كبير.. ولكني شجعت نفسي بأنني سأنجب صلاح الدين الجديد, واحتملت كل الألم, والحمد لله تمت الولادة في النهاية..

وأخبروني أنني أنجبت بنتا.. كنت أريد صبيا لأنني أريد أن أكون أم صلاح الدين الجديد, ولكن الله تعالى أراد شيئا آخر, أم مريم عليها السلام نذرت ما في بطنها لله, ولكنها في النهاية وضعت أنثى تماماً مثلما وضعت أنا, ومع ذلك ورغم أن مريم كانت أنثى إلا أنه كان لها شأن كبير في قيادة الأرض, فقد عهد الله تعالى إليها مهمة من أشرف المهام: أن تحمل كلمته, ثم تربى عيسى ليكون أحد أهم منقذي البشرية..

فتاة فعلت كل هذا.. إي والله.. لولا مريم لما كان عيسى..

وأنا أيضا سأنذر ابنتي لله, لا يهم أن أضع بنتا أم ولدا.. المهم أن يكون ما أضعه لله.. وأن أربيه ليكون بحق من عباد الله المصلحين في هذه الأرض..

ضممتها إلي.. شممت رائحتها.. يا سبحان الله.. للأطفال الصغار رائحة مميزة.. أظنها رائحة الجنة..

أتمنى يا رب أن تجعل من ابنتي هذه طريقا لي إلى الجنة..

أحببتها حبا شديدا.. نسيت أن أخبركم, لقد سميتها ضحى.. تيمنا أن يسطع ضحى الإسلام على يديها..
لم أتوقع في حياتي أن أحب أطفالي بهذا الشكل.. وسأخبركم سرا الآن.. لقد غار زياد من ضحى.. أحس بحبي الشديد لها ولهفتي عليها.. فكان أحيانا يشعر بالغيرة منها.. ولكنني لم أزعل أبدا منه لهذه المشاعر بل لقد نبهني بشعوره هذا إلى أنني ربما قصّرت قليلا في حقه بعد ولادة ابنتي وحبة قلبي..

فعدّلت مساري وعدت أغدق على زوجي الحب والحنان والطاعة.. ليست زيفا ولا نفاقا, بل لقد كنت أحبه حبا شديدا ملأ علي حياتي وكياني.. كنت أرى أن زياد يسكن البطين الأيمن من قلبي, وضحى تسكن البطين الأيسر منه.. من الصعب جدا أن أحب أحدا منهما أكثر من الآخر.. لقد كنت أحبهما أكثر من نفسي..

تفانيت في خدمة زوجي وطفلتي, لأنني أحبهما كثيرا, ولأن حسن تبعل المرأة هو جهاد المرأة.. وحسن تربيتها أولادها جهاد أيضا..

كنت أخشى كثيرا أن تكبر ابنتي لتصبح مثل البنات التافهات اللواتي لا يهمهن شيء في الحياة سوى متعهن ولذاتهن الخاصة.. فتعيش بلا قيمة وتموت بلا قيمة أيضا..

عزمت على تربيتها تربية ترضي الله وتقر عين رسوله..

كنت أتذكر النساء المسلمات في عهد الصحابة وتفانيهن في خدمة الدين.. بهرتني كثيرا شخصية أم عمارة وكيف دافعت عن رسول الله بهذه الاستماتة يوم أحد..بل لقد سلبت آيات الأخرس لبي بعملها وهي العروس التي تنتظر موعد زفافها بفارغ الصبر.. وأنا أعلم تماما كيف تكون قلوب المحبين..
أردت أن تكون ابنتي امرأة مثل هؤلاء النسوة..

ولهذا تفانيت في تربيتها وخدمتها هي وزوجي, حبيب قلبي وقرة عيني..

ولكن ما هذا.. شيء ما يتحرك في بطني, أيعقل أن يكون حملا جديدا؟؟


(3) يا لفرحتي..

وفعلا كان الحمل الثاني.. وأخذت أترقب موعد الولادة بفارغ الصبر.. كنت خائفة قليلا.. فقد جربت المخاض وآلامه, ولكن كل شيء يهون في سبيل أن أكون أم الأبطال..

"إنه صبي".. صرخت أمي بفرح.. كنت منهكة القوى بعد ولادتي.. لم أستطع أن أقول لها: وأنا أيضا فرحت جدا لأنه صبي, لأنه ربما يتحقق حلمي ويكون هو صلاح الدين الجديد..

فعلا سعادتي لا توصف.. لم أتمنّ شيئا إلا وحققه الله تعالى لي.. تمنيت زوجا عطوفا رقيقا خلوقا متدينا. فكان زياد هدية من ربي.. تمنيت الذرية فأكرمني الله بالبنين والبنات.. بقي الشيء الكبير جدا.. والذي لن تكتمل فرحتي بأسرتي الصغيرة إلا به, هذا الشيء الذي يسعى من أجله كل الشرفاء والأحرار في العالم: رفع الظلم عن أهلي وبلدي..

لقد ثقلت المسؤوليات على عاتقي.. زوج وطفلين صغيرين وبيت وأمة منهكة مجروحة أعياها النزيف الذي لا يتوقف, نزيف مقدراتها وعقول شبابها بل ودماؤها أيضا..

بكى الصغير.. إنه جائع.. كنت سهرانة وحدي وأنا أرضعه.. فتحت التلفاز لأتابع بعض البرامج علّني أتسلى قليلا ريثما أرضعه’ وأيضا لأصحو قليلا, فأخاف أن تغلبني عيناي فأنام فيختنق الصغير من ثقل ثديي فوق أنفه الدقيق..

يا إلهي.. ما هذا.. أفلسطين أخرى!! انفجارات وقصف.. لقد بدأت الحرب على العراق..

والله إن شر البلية ما يضحك.. أبلغ الهوان بنا هذا المبلغ؟؟

العراق, بلد من قلب العالم الإسلامي يُغزى على مرأى من العالم الإسلامي بأسره؟؟

عندما كنت أقرأ عن مأساة الأندلس, ومأساة الدول الإسلامية في أطراف العالم الإسلامي, كان يخطر في بالي أنه ربما لبعد البلد وتطرفه يدٌ في سهولة تنصيره والسيطرة عليه..

ولكن الآن.. العراق.. لا أدري ماذا يمكنني أن أقول..

ولكن لماذا أذهب إلى بعيد.. ألم تغتصب فلسطين والعالم كله شاهد أيضا.. ألم يقتل الناس كبارا وصغارا وأمام عدسات الكاميرات.. ولا أحد يحرك ساكنا.. بل يزدادون سكونا على سكون!!

آه أيها الإسلام الحبيب.. لكم أشفق عليك أن ابتليت بأناس مثلنا..

ولكن صبرا يا إسلامي الغالي.. صبرا ولن ترى مني إلا ما يسرك..

شعرت بالغضب الشديد في قلبي لما يحدث للمسلمين في كل مكان.. أكل ذنبهم أنهم مسلمون؟؟ أم أن كبرى جرائمهم أن بلادهم غنية بالثروات الطبيعية؟؟

لقد نبتت في رأسي فكرة جديدة.. أردت من خلالها أن أكون أنا أيضا من صُنّاع فجر الإسلام, بجسدي وبروحي لا بأطفالي فقط.. صحيح أن الجهاد الذي يصنع فجر الإسلام ليس القتال فقط بل هو جهاد يشمل كل مجالات الحياة: الاجتماعية والأسرية والاقتصادية والدينية و العلمية والإبداعية والفنية أيضا.. ولكنني آثرت أن أختار طريق الجهاد القتالي لأنه هو المجدي في حالتي.. فأنا واقعة تحت الاضطهاد والاحتلال بشكل مباشر.. وقوة الظلم الغاشم لا تردعها إلا قوة الحق والتضحية من أجله.. وقد اخترت هذا النوع من الجهاد لأنني أردت أن أقول من خلاله كلمة مهمة جدا وهي:

مهما كان وضعك أيها الانسان فأنت تستطيع أن تقدم لدينك ولوطنك ما تصونهما به, وتعيد لهما مجدهما الضائع..

ها أنا ذا قد أنجبت للإسلام ولدا وبنتا, والآن سأقدم أغلى ما لدي للإسلام: روحي, لا والله إن روحي ليست أغلى ما لدي, بل إن فراق أحبتي: زياد وضحى وعبيدة لهو الموت بعينه.. ولكنك يا إسلامي الحبيب تئن وتشتكي.. يا لأرضي الغالية.. أنت لا تتطهرين من دنس الأعداء إلا إذا غسلتك بدمي.. ولا يمكنك أن تعودي إلينا إلا إذا تناثرت عليك أشلائي..

فليكن.. أنا ابنتك.. ومن حقك علي أن أبرك.. وسأبذل لك كل غال لدي, حتى ولو كان الثمن فراق حبيب فؤادي ومهجتي قلبي..

آه يا ربي.. ساعدني لأستطيع تنفيذ ما اعتزمته, يا ربي, رضاك عني في النهاية أسمى ما أحلم به الآن, وقد عوّدتني يا رب أن تحقق لي كل أمانيّ, وهذه آخر أمنية لي في هذه الدنيا: يسّر لي الشهادة في سبيلك..

والآن أقول لكم, لقد حقق الله تعالى لي أمنيتي الأخيرة فله الحمد وله الشكر



الكاتب: ليلى العربية
نشرت على الموقع بتاريخ: 07/05/2004