إغلاق
 

Bookmark and Share

العراق وفيتنام .... أوجه التشابه ::

الكاتب: د. محمد العبيدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 28/05/2005

تشابه في المقاومة وتشابه في الإندحار الأمريكي

بدا مؤخراً في الولايات المتحدة أن المواطن الأمريكي يسمع ويذكر كلمة "فيتنام" أكثر فأكثر في البيوت والحانات والمقاهي وفي الإتصالات الهاتفية التي تجري مع برامج الحوارات الإذاعية، حيث يستطيع هذا المواطن التفكير والنقاش بحرية وبعيداً عن رقابة وتعتيم الإعلام المرتبط بالإدارة الأمريكية اليمينية الفاشية. وخلاصة تلك الأحاديث هو أن العراق قد تحول إلى فيتنام أخرى للقوات الأمريكية المحتلة ستنتهي بإندحار تلك القوات كما حدث في فيتنام.

المعروف في حرب العصابات أن الثوار ينفذون عملياتهم القتالية من خلال وحدات صغيرة، وبعد أن ينتظموا ويتحدوا، فإنهم يقاتلون بوحدات أكبر، وتلك كانت سمات المقاومتين الفيتنامية والعراقية. فلو عدنا إلى تأريخ الحرب الفيتنامية لوجدنا أنه عندما بدأت القوات الفرنسية مقاتلة الفيتناميين وبعدها تدخل المستشارون الأمريكان، كانت المقاومة الفيتنامية تعمل جميعها بوحدات صغيرة. وفي العراق، رأينا كذلك أن العمليات القتالية للمقاومة الوطنية العراقية تجري من خلال وحدات صغيرة بدأت بالإزدياد في الحجم من أجل شن عمليات نوعية مؤذية لقوات الإحتلال. وبالرغم من أن المقاومة الوطنية العراقية دخلت في مرحلتها الثانية التي يحاول المحتلون إيقافها بشتى السبل، إلا أنه يمكن القول أن عمليات حرب التحرير الشعبية الشاملة هي في بداية مراحلها الأولى، حيث تمثلت تلك العمليات على الدوام بما يسمى في حرب العصابات بـ "أضرب وأهرب"، وعلى الأغلب من خلال إستعمال المتفجرات المسيطر عليها من بعد ضد قوات الإحتلال والقوى العميلة المتعاونة معها وكذلك ضرب الأهداف السهلة. ومن المهم التذكر بأن هدف المقاتلين في المراحل الأولى للمقاومة هو ليس دحر وهزيمة قوة عسكرية كبيرة وقوية كما هو الحال لقوات الإحتلال في العراق، ولكن من أجل زعزعة الأمن وزيادة عدد الداعمين للمقاومة من أبناء الشعب المناهضين للإحتلال.

وحول تطور المقاومة العراقية يقول ستيوارت نوسباومر، من المنظمة الأمريكية لمناهضي الحرب على العراق وأحد المحاربين القدماء، بأن "المقاومة الوطنية العراقية تقوم بعمل متين وفعال، حيث أن الأمن في العراق يسير من سئ إلى أسوأ، وأن مناهضة الإحتلال تزداد يوماً بعد آخر وأن ذلك يشجع ويزيد الفعل المقاوم ويعطي المقاومة الدعم المستمر الذي تحتاجه لتطورها وزيادة فعالياتها القتالية، وهذا يشبه ما حدث في فيتنام كما أراه على الأرض العراقية". ويضيف نوسباومر، "إن العراق يبدو مختلفاً لما حدث في فيتنام من ناحيتين رئيسيتين ألا وهما أن الوضع في العراق يسوء بسرعة بالنسبة لقوات الإحتلال وأن الأمريكان يشاهدون الحقيقة أسرع مما شاهدوها في فيتنام عام 1960".

وأمام حالة الزيادة في العمليات القتالية للمقاومة الوطنية العراقية كماً ونوعاً، والتي تعاني منها قوات الإحتلال والقوات الأمنية للسلطة العميلة في العراق يقول راي ماك غوفرن، المحلل العسكري الأسبق في المخابرات المركزية الأمريكية، "أن القائمين على الستراتيجية العسكرية والمحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية بشكل عام لم يتعلموا من تأريخنا في فيتنام، خصوصاً بتشجيعهم للرئيس بوش بعدم الرحيل عن العراق وعن إنتصارهم المزعوم في الحرب على العراق. إلا أن الكثير من الذين لديهم قليلاً من الخبرة بحرب العصابات ومنطقة الشرق الأوسط مقتنعون بأن هذه الحرب لا يمكن الفوز بها، وأنها مسألة وقت لا أكثر إلى أن تعلن القوات المحتلة إنسحابها من العراق". ويضيف ماك غوفرن قائلاً، "إن وجود القوات الأمريكية في العراق هو المشكلة وليس الحل، إذ أن أعداء هذه القوات في العراق هي المقاومة العراقية بشكل خاص والشعب العراقي بشكل عام والذين سيستمرون بجعل قوات الإحتلال تعاني وتعاني بشدة. فطالما يستمر الإحتلال سيستمر قتل أفراد القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها". أما إصرار الإدارة الأمريكية على الإستمرار بالمنهج الذي يتبعوه في العراق وعدم "الهروب" من العراق، فلم يماثله إلا ما إنتهت إليه الإدارة الأمريكية عام 1975 بعد مقتل 58.000 جندي أمريكي وإستشهاد ثلاثة ملايين فيتنامي، وهو جر أذيال الخيبة والهروب من فيتنام.

إن قراءة مستفيضة لتأريخ المقاومة في كل من فيتنام والعراق ستبين لنا أن المقاومة بدأت سريعاً، ولو أنها بدأت أسرع جداً في العراق منها في فيتنام، فقد بدأت في العراق في اليوم الأول لإحتلال بغداد والتي إعتبرها الستراتيجيون العسكريون مقاومة مكملة لما بدأه الجيش العراقي الباسل منذ بداية العدوان على العراق. ولكن ما يميز المقاومة الفيتنامية عن العراقية، أن الأولى جرت في الغابات والأحراش وحقول الرز، بينما جرت في العراق بين البيوت في الحارات والمدن وطرق المرور السريع. وفي كلتا الحالتين كانت المقاومة هي من يسيطر على توقيت العمليات ومداها ومكانها.

كما أن ما يميز المقاومة العراقية عن الفيتنامية هو أن المقاومين العراقيين يصطادون العدو من خلال إنتهاز الفرص المواتية لهم و"يذوبون" بعدها سريعاً في المحيط الذي يوفر لهم الأمان والإختفاء. ونتيجة لذلك فقد كان رد فعل قوات الإحتلال على الدوام قتل العديد من المدنيين الآمنين مقابل قتل عنصر واحد أو إثنين من عناصر المقاومة نتيجة لرد فعل قوات الإحتلال التي أعطيت الأوامر مسبقاً للقيام بهذا العمل الدنئ، الأمر الذي جعل تلك القوات الغازية معزولة تماماً عن الشارع العراقي. ونتيجة للقتل العشوائي الذي تقوم به قوات الإحتلال فإن المقاومة الوطنية العراقية حضيت بدعم الشعب، وبذلك سقطت منذ البداية وإلى الأبد نظرية "الفوز بقلوب وعقول العراقيين" كما سقطت من قبلها في فيتنام.

إلا أن العمق في معنى حروب أمريكا على فيتنام والعراق يتمثل بالجانب الستراتيجي لهما. فكلا الحربين تم شنهما كمقدمة وطليعة للستراتيجية الأمريكية الكبرى. ففي فيتنام كانت الحرب من أجل إحتواء والحد من توسع إمبراطورية الإتحاد السوفيتي. أما في العراق، فإن الستراتيجية الأمريكية الكبرى هي من أجل "خلق " أنظمة شرق أوسطية تحت السيطرة الأمريكية وخدمة لإسرائيل، وبالتالي من أجل السيطرة الأحادية على العالم من خلال حروب مستمرة تشنها هنا وهناك لتنفيذ مآربها تلك. والعراق كان الخطوة التكتيكية الأولى لهذا المنظور التوسعي الأمريكي، الذي يؤمن أيضاً بالسيطرة على جميع المناطق الغنية بالبترول في الشرق الأوسط، ومن ثم التغلب على المنافسين الستراتيجيين للولايات المتحدة. ولتفعيل ذلك، فإن البنتاغون قد خطط قبل وبعد الحرب لبناء 14 قاعدة عسكرية دائمية في العراق.

وعندما بدأت حرب المقاومة الفيتنامية في آذار من عام 1965 تأخذ طابعاً تأكد منه قادة البنتاغون أن الإندحار لقواتهم قادم سريعاً ولذا عليهم الخروج بسرعة، قدم المستشارون العسكريون للرئيس الأمريكي جونسون، بعد فوات الأوان، صورة حقيقية عما يجري على الأرض وعما ستأول إليه الأوضاع بالنسبة لقواتهم حين أخبروه بصريح العبارة أن هدفهم في فيتنام كان 70% منه هو تجنب إندحار مذل لقواتهم، و 20% هو لإبعاد فيتنام الجنوبية عن أيدي الصينيين، وأن 10% كان من أجل تقديم حياة حرة للفيتناميين، وتلك جميعاً كانت الأسباب المذلة لخروجهم من فيتنام.

وبسبب الستراتيجية الأمريكية لإحتواء الإتحاد السوفيتي والضغط الآيديولوجي للمكارثية فإن الولايات المتحدة لم تستطع الإبتعاد عن فيتنام، ولكن بسبب طبيعة المقاومة الفيتنامية وخرافة الديمقراطية الأمريكية وأكاذيب الإدارات الأمريكية فإن المغامرة الأمريكية في فيتنام لم تستطع النجاح. وبها نرى في تأريخ الحرب الفيتنامية أن أمريكا لم تستطع تدبير بقائها، كما أنها لم تستطع أبداً تدبير نجاحها.

إن ماعانته أمريكا في فيتنام بدأ يتحقق في العراق، بل بدأت معاناتها مباشرة بعد إحتلال العراق. فالقوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها تشعر الآن وأكثر من أي وقت مضى أنها تواجه إندحاراً مذلاً شبيهاً لما حدث في فيتنام. وهنا يفكر الستراتيجيون العسكريون الأمريكان بمسألة غاية في الأهمية لإستمرار وضع أمريكا كقوة عسكرية مهيمنة عالمياً. وتلك المسألة هي أنه إذا إنسحبت قواتها من العراق الآن بفعل المقاومة العراقية، فإن أمريكا ستفقد هيبتها عالمياً وأن قوتها العالمية ستتضرر بشكل لا يمكن معه إصلاحه، بل وأكثر بكثير من خسارتها في فيتنام. ولهذا السبب فإن العراق أصبح بالنسبة لأمريكا أسوأ من فيتنام.

لا بد لنا أن نذكر أيضاً أن ما يميز حروب أمريكا على فيتنام والعراق هو أن الإدارات الأمريكية إستعملت خرافة الديمقراطية الأمريكية لتهدئة الشعب الأمريكي عما قدمه ويقدمه من ضحايا في تلك الحروب التي لم تكن إلا من أجل مجموعة من الشركات والأشخاص المنتفعين مالياً. لهذا يجب أن تخسر أمريكا حربها في العراق وإحتلالها له كما خسرتها في فيتنام، لأن ذلك سيعني بالتأكيد إنحسار الصناعة العسكرية الأمريكية التي تغذي حروب أمريكا العالمية، وعندها أيضاً سيصرخ دافع الضرائب الأمريكي بأعلى صوته: ما الفائدة من الإنفاق العسكري إن لم تستطع أمريكا النجاح في مغامراتها العسكرية؟ لذا فإن إنتصار المقاومة الوطنية العراقية سيقود بالتأكيد إلى سقوط تعهدات بوش الستراتيجية للسيطرة على العالم وقناعاته الآيديولوجية الصليبية ونهاية لآيديولوجية اليمين الفاشي المتطرف، خصوصاً وأن الضرر قد لحق بمجاميعه التي خططت لإحتلال العراق من خلال إفتضاح الأكاذيب التي سوقوا لها من أجل ذلك والتي بان كذبها جميعا. كما أن إندحار أمريكا في العراق سيمثل ضربة قاصمة لسياساتها المستقبلية ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب بل في العالم أجمع.

اقرأ أيضاً على مجانين :
تفاصيل محضر اللقاء السري بين رامسفيلد وصدام حسين
اجتثاث عروبة العــــــــــراق!!
عن مهزلة الانتخابات الأمريكية في العراق!



الكاتب: د. محمد العبيدي
نشرت على الموقع بتاريخ: 28/05/2005