إغلاق
 

Bookmark and Share

العراق بين مواكب الموت وصمت القبور(2) ::

الكاتب: يوسف فضل
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/11/2005

أحلام العراقيين الضائعة
(جاكسون ديل)
العراق بين مواكب الموت وصمت القبور(1)

قبل ثلاثة أعوام كان كنعان مكية، ورند رحيم- وهما من جملة المثقفين العراقيين الذين يجيدون التحدث باللغة الإنجليزية- من بين أقوى الأصوات المؤيدة للغزو الأميركي للعراق ومن الأسباب التي ساقها أمثال هؤلاء المثقفين لتبرير الحرب كانت الدعوى للإطاحة بصدام حسين ترتكز على مبادئ أخلاقية وحقوق الإنسان ومن ثم فإن نتائج مثل تلك الحرب سوف تتجلى في استبدال أكثر الأنظمة العربية ديكتاتورية وقمعا بنظام آخر يمثل أول ديمقراطية حقيقية.

وتلقت واشنطن مثل تلك الدعوات بآذان صاغية وقد شهدت أحد اللقاءات التي جمعت تلك المجموعة على مأدبة عشاء قبل الغزو مع مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية وهو احد مهندسي الحرب التي كانت الولايات المتحدة لا تزال في مرحلة التمهيد لها في ذلك الوقت ومن جملة ما قاله المجتمعون أن واشنطن عليها أن تكف عن التركيز على أسلحة الدمار الشامل المزعومة التي يمتلكها صدام حسين وأن تعلن بشكل مباشر أن التدخل الأميركي في العراق يقوم على أساس الديمقراطية وحقوق الإنسان وعلى الرغم من التأثر الواضح الذي أبداه المسؤول الأميركي إلا أنه أجاب بأن أسلحة الدمار الشامل العراقية هي المبرر الوحيد الذي من شأنه أن يجمع الأطياف المختلفة في الإدارة الأميركية ومن ورائهم جمهور الناخبين.

والحقيقة أنه على الرغم من البون الشاسع بين العراق ودول مثل بولندا وتشيكوسلوفاكيا إلا أن الدعوى التي أطلقها هؤلاء النفر من المثقفين العراقيين لا تختلف كثيرا عن دعوات مشابهة ظهرت في تلك الدول إلا أن مكية ورحيم وغيرهما من الليبراليين العراقيين راحوا يرددون الحلم العراقي بان الديمقراطية يمكن أن تولد على أنقاض الديكتاتورية.

وقبل حوالي أسبوع استمعت مرة ثانية إلى مكية ورحيم فيما كانا يتحدثان هذه المرة عن الحلم الضائع والآمال التي استحالت إلى سراب وكانت مناسبة اللقاء هو مؤتمر حول العراق برعاية معهد( إنتربرايز ) الأميركي المحافظ الذي قام بدور بارز في وضع الأساس الثقافي للحرب.

0وقد استهل مكية كلامه بخلاصة مفادها أنه بدلا من الديمقراطية المترنحة والحلم المفقود باتت الحقيقة المؤكدة على أرض الواقع اليوم تتمثل في المسلحين الذين لا يتورعون عن استخدام أبشع الطرق والأساليب لتحقيق مآربهم، فالعنف- على حد قوله- يدمر جوهر حقيقة العراق.

*والواقع أننا لا نذهب بعيدا إذا قلنا: إن الليبراليين العراقيين يحق لهم أن يلقوا باللائمة على إدارة بوش لأنها لم تصغ إليهم فلم تنشر عددا كافيا من القوات ولم تسارع في تثبيت الحكومة المؤقتة التي كانوا يدافعون عنها وكذا رفض الإدارة الأميركية للعرض الذي قدمه المقاتلون العراقيون للمشاركة في الحفاظ على النظام في أعقاب الغزو مباشرة بيد إن مكية الذي عمل في السابق كمستشار لحكومة المنفى العراقية وأصبح الآن يترأس مؤسسة الذاكرة العراقية أخذ يعدد نواحي ما وصفه بالفشل العراقي ومن ذلك سوء تقدير حجم تجذر حزب صدام البعثي لدى السنة العراقيين وقدرته على تعبئة المقاتلين وإفساد عمليات إعادة الأعمار في الوقت الذي ضربت الفرقة بين أطياف المجتمع العراقي العرقية والدينية.

0أما رحيم التي عملت كسفيرة سابقة للحكومة المؤقتة في واشنطن فقد راحت تصف بدقة الأسباب التي تجعل الدستور الجديد يمثل تهديدا كارثيا للعراق، فمسودة الدستور- على حد قولها- قد جرى صياغتها كرد فعل للحقبة التاريخية التي شهدت الديكتاتورية وقمع الأقليات، وتبدو الحكومة المركزية في تلك المسودة في حالة من الضعف والهوان وعلى النقيض من ذلك فالمناطق الكردية تبدو كدولة صغيرة تتمتع بسلطات واسعة بما في ذلك أن يكون للأكراد قوات مسلحة خاصة ومن ثم يمكنهم تجاهل الفقرات التي وردت بالدستور والتي تتعلق بحقوق الإنسان واحترام الأقليات والحد من سلطة علماء الدين وتخلص رحيم إلى أن مثل تلك العلل يمكن أن تؤدي في النهاية إلى انفلات زمام السيطرة في العراق.

ويذهب المسؤولون الأميركيون إلى القول: إن هؤلاء المحللين يفرطون في التشاؤم فهناك إمكانية أن يصل الشيعة والأكراد والسنة في نهاية الأمر إلى اتفاق على الدستور والنظام السياسي وهو ما تقول الولايات المتحدة إنها تتوق إلى تحقيقه. وقد أشار مكية ورحيم إلى أن الديمقراطية قد تنقذ العراق حال ما إذا اتسعت رقعة المشاركة في الانتخابات الوطنية القادمة المقرر إجراؤها في شهر ديسمبر وإذا ما تمخض ذلك عن صياغة اتفاق يرضي كافة الأطراف.

جاكسون ديل
عضو في أسرة تحرير صحيفة واشنطن بوست

 



الكاتب: يوسف فضل
نشرت على الموقع بتاريخ: 12/11/2005