نسخة للطباعة لمقال من موقع مجانين.كوم

السادية - المازوشية أسطورة في الطب النفسي


أ.د سداد جواد التميمي

لا شك أن حياة الماركيز دي ساد Marquis De Sade أدناه تستحق بعض التوضيح حتى يتسنى إلقاء الضوء على استعمال مصطلح السادية - المازوشية في الطب النفسي. السادية المازوشية هما وجهان لمسكوكة معدنية واحدة، ويصعب الفصل بينهما.... أصبح اسم هذا الماركيز رمزاً للممارسات الجنسية الغريبة والشاذة. هذا الرجل ترى اسمه يتصدر تعبير السادية وتعبير السادية -المازوشية. المازوشية مشتقة من كاتب نمساوي مغمور من القرن التاسع عشر كتب عن الشعور بالمتعة الجنسية مع الألم. مع الأيام أصبحت السادية- المازوشية مرتبطة بكل شيء من الشعور بالإغراء من جراء مشاهدة ملابس نساء داخلية، رسم الوشم بعد الآخر على الجسد، إلى ثقب الأنف واللسان والشفة إضافة إلى الأذنين. ينتهي المطاف بأن هذا التعبير أصبح يطلق على كل ما يمكن تفسيره تجربة مؤلمة أو تحقيرا للذات يمر بها الفرد بدون صدور تفاعل مضاد من قبله.


مشكلة مصطلح المازوشية مصدرها اللغة المتداولة بين المختصين في علم النفس والطب النفسي. هذه المصطلحات ظهرت بفضل المدرسة التحليلية الفرويدية لسيجموند فرويد Sigmond Freud وأضافت إليها ابنته Anna Freud والسيدة ميلاني كلاين Melanie Kline في القرن العشرين. هذه اللغة ومصطلحاتها تبدو أحياناً وكأن مصدرها ليس كوكب الأرض وإنما من الفضاء الخارجي. اشتقت بعض المصطلحات من الأدب القصصي والمسرحي والأساطير اليونانية ومن ثم تم حشرها في علم النفس. عشق المولعون بعلوم النفس هذه اللغة لأنها خاصة بهم ولا يفهمها الكثيرون وتصوروا أنفسهم أنهم على عرش الثقافة الإنسانية إلى حد الشعور بالعظمة وتملكهم لتفسير السلوك البشري وحل مشاكله.

الاستعمال اللغوي الحديث:
إن استعمال مصطلح المازوشية في اللغات اللاتينية قاطبة هذه الأيام هو المضاد للعدوان فقط لا غير. بعبارة أخرى يستعمل هذا المصطلح جزافاً لوصف إنسان على بعد العدوان. إن كان سلوكه يتصف بالعنف نسميه عدوانياً وإن كان يميل إلى الهزيمة والتقشف نسميه مازوشياً. هناك من يقول أن قبول الشعوب بإجراءات التقشف الصارمة تؤكد مازوشية الشعب كما هو الحال في أيرلندا، أما الصخب الذي صاحب التقشف في اليونان يكشف عن العداء وهلم جرا. كان هذا المصطلح الغريب يطلق على الشعوب التي تخضع لسلطة طغيان ودكتاتورية ومنها الأقطار العربية والإسلامية. لا يتوقف الأمر هنا، وهناك حتى من يصنف جزافاً العنف الذي يصاحب مشجعي الرياضة وخاصة كرة القدم على هذا البعد.

أما في مجال الأدب العالمي وخاصة المسرحي فلا نهاية لاستعمال هذا التعبير لوصف علاقة عاطفية شهوانية قوية الدفع بين الرجل والمرأة. يمكن تتبع ذلك في الكثير من الإنتاجات القديمة والحديثة وآخرها فينوس في كساء الفرو Venus in Fur في عام 2011.

أما في المجال الطبي فإن استعمال اليوم هو أكثر عشوائية من أعلاه وطالما يعبر عن عدم قدرة المرأة بالذات من الخروج من علاقة زوجية تتميز بالعنف العائلي والسبب في ذلك هو وجود علاقة جنسية ناجحة. عندها يقول الطبيب النفسي بأن هناك علاقة سادية مازوشية Sadomasochistic Relationship تمنع المرأة من الهرب. بالطبع هذا غير صحيح ولا يأخذ بنظر الاعتبار الظروف الاقتصادية البائسة لربات البيوت وهذا هو الحال مع البعض من نساء العالم العربي.

الاستعمال الأقل شيوعاً هو المازوشية بمفردها، واليوم يميل إلى كثرة الشعور بالذنب المفرط وتجنب العداء. ولا تخلو الطقوس الدينية في الأديان السماوية وغيرها من إلحاق الأذى بالنفس البشرية وهنا يتدخل عالم النفس ويطلق على هذه الممارسات مصطلح المازوشية.

الماركيز دي ساد:
ولد دونتيان الفونسو فرانسوا دي ساد في عام 1740 في عائلة أرستقراطية فرنسية، وكان الابن الوحيد لأب يقال أنه كان ثنائي التوجه جنسياً وكثير العلاقات الجنسية خارج عش الزوجية. أما والدته فكانت مشغولة بعلاقاتها الاجتماعية ولقاءات الطبقة الأرستقراطية وتركت رعايته لجدته. رغم كل ذلك لم تكن طفولته بغير السعيدة وتلقى تعليمه تحت إشراف أب يسوعي.

لا شك أن غياب الأب والأم كان عاملاً في نضوجه الجنسي الاجتماعي المبكر وبداية علاقة مع إحدى عشيقات والده في عمر الثالثة عشر. لم يفقد دي ساد عذريته من خلال هذه العلاقة، وتم إلحاقه بالمدرسة العسكرية الفرنسية في عمر الرابعة عشر، ومن ثم شارك في حرب الأعوام السبعة مع فيلق الفرسان وهو في الخامسة عشر من العمر. أثناء عودته إلى البيت خلال إجازة من الحرب فقد عذريته بمساعدة امرأة من أقاربه، وكانت تلك بداية ولعه بالعلاقات الجنسية مع العديد من النساء وذيوع شهرته في هذا المجال. لا شك أن غياب الوالدين والحرب لعبا دورهما في إدمانه على العلاقات الجنسية.

لم تكن سيرة دي ساد تختلف كثيراً عن سيرة الكثيرين من أبناء العائلات الأرستقراطية والبرجوازية حتى في يومنا هذا، وتراه عندما قرر أن يرتبط زوجياً في عمر الثالثة والعشرين لم يختَر إلا فتاة غنية اسمها رينية-بيلاجي دي مونترو Renee-
Pelagie de Montreuil واشتهرت هذه الفتاة بكل شيء إلا بجمالها مما أثار عجب والده في اختياره لهذه الصفقة على حد قوله.

قد يغير الزواج الكثير ولكن هناك مما لا يغير من سيرته طوال عمره وبالذات مع النساء. كانت حجة دي ساد بأن زوجته ذات رغبة جنسية ضعيفة ولا رغبة لها أصلاً في العمل الجنسي. هذه حجة أزلية يتحجج بها الكثير من الرجال، وعاد الشاب إلى سيرته القديمة واشتهر سلوكه بين الفتيات الباريسيات. هنا تدخلت أم زوجته بعد ما سمعت بفسوق دي ساد وسيرته في بيوت الدعارة الباريسية وبدأت تنشر سيرته الفاسدة مضيفة إليها تهمة الإلحاد والكفر. كان دي ساد مقرباً إلى الملك لويس الخامس عشر وحاول الأخير حمايته قدر الإمكان من غضب الطبقات المحافظة التي صممت على القضاء عليه لهول ما فعل مع الكثير من فتياتهم. تم إلقائه بين القضبان بين الحين والآخر ولم يتوقف الصراع بينه وبين أم زوجته. كان أسوأ ما فعله انتقامه من أم زوجته بإقامة علاقة جنسية مع الأخت الصغرى لزوجته. لا أحد يعلم إن كان هذا فعلا انتقاميا من جانبه أم امتدادا لسلوكه وشهرته بين النساء، حيث كانت الفتاة على مستوى عالٍ من الذكاء والجمال. انتصرت حماته وتم سجنه بين جدران الباستيل لمدة ثلاثة عشر عاما في عام 1777. أما ما يثير العجب فهو عدم توقف زوجته رينية عن زيارته في السجن ومساندته وغفرانها له.

خرج من السجن عام 1790، ليعود مع زوجته، ولكن كان لحماته تخطيطاً آخر، ونجحت في إجبار ابنتها على الحصول على الطلاق منه تفادياً لزجه في الباستيل ثانية.
عاش دي ساد إلى عام 1814 وقضى أكثر من عشرين عاماً في حياة سعيدة مع امرأة عُرفت برقتها وجمالها وتوقف عن المغامرات النسائية.

هنا يكمن الغموض على دخول تعبير السادية _المازوشية في الطب النفسي وما هي الحقيقة وما هو حجم الخيال في هذا البعد النفسي؟. أضاف كثيرون على سيرة دي ساد ومعظم ما كتب عنه مشكوك في صحته ومن نسيج الخيال، وعن طريق هذه الأدبيات الخيالية أدخل فرويد هذا المصطلح في علم النفس. تطرقت هذه الأدبيات إلى ولعه بالألم وإيقاع الألم جنسياً بغيره. لكن سيرته الحقيقية غير ذلك وعلاقاته الجنسية لم تكن فاشلة أيامها. لم تتوقف زوجته عن زيارته وهو في السجن ووقفت بجانبه. غير أن العجيب في جميع ذلك هو رسائله إلى زوجته وهو في السجن حيث كشف عن أزمته النفسية المزمنة وهي فشله في القذف أثناء العملية الجنسية وكثرة شعوره بالألم من جراء ذلك مما يثير التساؤل عن قوة اندفاعه الجنسية وربما أنه كان رجلاً عذب اللسان فقط وليس بالناجح تماماً في حياته الجنسية.

إن السادية – المازوشية التي يتحدث عنها فرويد عن لذة الشعور بالألم مع الممارسة الجنسية كثيرة الإفراط في الخيال وربما مجرد أسطورة أصبحت وهماً يعتقد فيه الناس وعلماء النفس على حد سواء.

الشخصية المازوشية: 
لا توجد هناك شخصية مازوشية بكل معنى الكلمة طبياً يمكن وصف أي فرد بها هذه الأيام، وإنما يطلق هذا المصطلح اعتماداً على نظرية الشخصية لدراسات ويلهيلم رايخ Wilhelm Reich الذي توفي في 1957. سلوك هذه الشخصية يتميز بالمعاناة والشكوى والتدمير وإهانة النفس بطرق غايتها تحفيز الآخرين أولا ومن ثم تعذيبهم.

كانت الفكرة السابقة حول السلوك المازوشي استناداً إلى فرويد أن هؤلاء الأشخاص لذتهم تعذيب أنفسهم. وعلى ضوء كتابات فرويد فإن المازوشية مشتقة أساساً من السادية وبالذات رغباتهم المكبوتة في التسلط على الآخرين. تلك الرغبات لا تؤدي إلا إلى الشعور بالذنب ولابد من كبتها. من جراء ذلك يتحول الإنسان دفاعياً إلى العكس تماماً مستسلماً إلى تسلط الآخرين عليه. هذا المنطق الخاطئ لا يعتمد عليه وتم حفظه في أرشيف النظريات التحليلية التي لا تستند على أسس علمية.

لا يتوقف أمر الشخصية على ضوء كتابات رايخ عند هذه العتبة وإنما يتجاوزها إلى أن الدافع الرئيسي لهذا السلوك هو عدم استطاعة الإنسان تلبية احتياجاته العاطفية والتخلص من عقد عصابية مطوقة بالشعور الهائل بالذنب الذي يمنعه من الشعور بالحب والمتعة في هذه الدنيا. من جراء ذلك يمارس الفرد المازوشي سلوكه لإشباع نفسه كما يسرف البعض في تناول الطعام بشراهة وبدون متعة. أما العمل الجنسي فلا يشعرون بمتعة فيه إلا إذا كانت المرأة لا تبالي بهم تماماً أو إن كان مصحوبا بخيال ذهني محتواه الاغتصاب.

رغم أن هذا التحليل والمصطلح أقرب إلى الواقع وأكثر اتصالاً بالاستعمال اللغوي الحديث إلا أنه أيضاً لا يعتمد على بحوث علمية ميدانية حديثة تستند على أسس علمية إحصائية. على ضوء ذلك يمكن القول بأن من الأحوط عدم استعمال هذا المصطلح في التواصل بين المعالج النفسي ومن يستشيره.

المازوشية الجنسية طبياً:
التعبير الطبي للمازوشية الجنسية يعني الشعور بالمتعة الجنسية من جراء إلحاق الألم بالنفس من جراء عمل الفرد نفسه أو الآخرين. يتميز هذا الخطل الجنسي Paraphilia باشتراك الرجال والنساء فيه على عكس معظم أنواع الخطل الجنسي الأخرى، ولكن هل هو حقاً مرضٌ نفسيٌ ستحتفظ به الجمعية الأمريكية للطب النفسي في مجلدها الخامس العام المقبل؟.

تؤكد الكثير من البحوث العلمية بأن 5-10 % من الرجال والنساء قد يجربون هذه اللعبة من أجل التسلية الجنسية، وما هي إلا مجرد فعالية جنسية حميدة وعبث لا يخص الآخرين. أما البعض فيقول بأن هذه الممارسات قد تتطور مع الوقت وتلحق الأذى بالإنسان ولا بد من تصنيفها مرضياً. لكن الرأي الأخير لا يستند على أية دراسات علمية أبداً، ولا يوجد أي دليل علمي بأن هناك علاجا لمثل هذا السلوك غير المرضي أصلاً.

السادية الجنسية طبياً:
السادية الجنسية طبياً تتعلق بالمتعة الجنسية من جراء إلحاق الأذى النفسي أو الجسدي بالشريكة الجنسية. تكمن مشكلة هذا السلوك شأنه شأن المازوشي، بوجوده ضمن السلوك الجنسي الطبيعي وباتفاق الطرفين. غير أن جرائم الاغتصاب تضيف بعدا آخر على هذا السلوك على عكس المازوشية الجنسية.

مرتكبو جريمة الاغتصاب هم أفرادٌ لا علاقة لهم بالطب النفسي وشخصياتهم معادية للمجتمع Antisocial . معظم جرائم الاغتصاب لا تحتوي على سلوك سادي غير أن مرتكبي الجريمة طالما يقولون بأن خيالهم يحتوي على الكثير من هذه الأفكار منذ أعوام المراهقة في محاولة لتبرير جريمتهم . الحقيقة الأخرى بأن البحوث أثبتت أن 30% من الرجال تخيلوا يوماً ما ممارسة عمل سادي مع امرأة، ولكن ذلك مجرد خيال لا يدخل حيز الواقع.

الاستنتاج:
1
- إن فكرة السادية _ المازوشية مشتقة من قصة تم تحويرها ونسجها مع الكثير من الخيال.
2- لا وجود لشخصية سادية – مازوشية.
3
- موقع الاضطراب الجنسي المازوشي طبياً ضعيف للغاية وحتى إن تم الاحتفاظ به مستقبلاً فلا فائدة من استعماله مهنياً.
4- إن الاضطراب الجنسي السادي وعلاقته بجرائم الاغتصاب مشكوك فيه، وإن هذه الفعل الإجرامي من اختصاص القانون لا الطب النفسي. إن العلاج النفسي والطبي لمرتكبي هذه الجرائم لا فائدة منه.
5- تكثر مواقع إلكترونية عربية إباحية من تضليل الشباب حول المازوشية ولا بد من توعيتهم حول حقيقة هذا الأمر.

المصادر:

Francine Du Plessix Gray (2001): At home with Marquis De Sade: A life. Simon and Schuster.
A.P.A (2000): Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorder HV TR. 2000

واقرأ أيضا:
 السادية والمازوخية: بين الطبيعي والمرضي ! / استشارات عن السادية / استشارات عن المازوخية