إغلاق
 

Bookmark and Share

الاسم:   moon 
السن:  
أكبر من 70
الجنس:   ??? 
الديانة: مسلم 
البلد:   قطر 
عنوان المشكلة: الاكتئاب لدى المسنين 
تصنيف المشكلة: اضطرابات وجدانية: اكتئاب Major Depression 
تاريخ النشر: 10/01/2005 
 
تفاصيل المشكلة

 
اكتئاب

أرجو أن تفيدني في موضوعي هذا يا دكتور:

والدي عمره 70 عاما ويعاني من أمور منها أنه يحاول الانتحار بعدة طرق منها السم والطعن بالسكين وأيضاً لا يثق في أحد أبدا لا في أهله ولا غيرهم، ولا يخاطب أحدا من أهله في البيت ومنعزل في غرفته وكثيرا ما يتكلم مع نفسه.

وهو دائم التفكير ولا يستحم أو يذهب لصلاة في المسجد ولا يأكل مع أهله وأولاده، ويشك في أمرهم فيما يقدم له من طعام ولا يخرج من البيت ولا يذهب للطبيب ودائم الشكوى من الإسراف في الطعام ومن قلة وجود الماء بالبيت رغم أن الماء في البيت متوفر وكثير

أرجو أن تفيدني يا دكتور مع شكري لك فالموضوع أقلقنا كثيراً


26/11/2004 

 

 
 
التعليق على المشكلة  


أخي العزيز ....

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

والدك العزيز يعانى من اكتئاب نفسي مع أعراض ذهانية فهو – كما يتضح من رسالتك – عزفت نفسه عن كل شيء وانعزل في غرفته لا يريد أن يكلم أحدا ولا يريد أن يذهب للطبيب ولا يريد أن يذهب للصلاة في المسجد, بل يريد أن يقتل نفسه بالسم أو بالسكين, وهذه كلها أعراض اكتئابية, ويضاف إليها أعراض ذهانية مثل شكه فيمن حوله أنهم يضعون له السم في الطعام ويمنعون عنه الماء.

وهذه الدرجة من الاكتئاب تحتاج إلى العلاج الطبي العاجل حيث يتم تقييم الحالة النفسية والحالة الجسمية للمريض ثم يبدأ العلاج باستخدام مضادات الاكتئاب مع مضادات الذهان ويصاحب ذلك عناية بأجهزة الجسم والتي يحتمل وجود اضطرابات مصاحبة فيها في هذا السن, كما يحتاج لعلاج نفسي تدعيمي.

وإذا رفض الذهاب للطبيب أو رفض تعاطى العلاج فهنا لابد من التدخل العاجل لنقله إلى أحد المستشفيات النفسية لتلقى العلاج تحت إشراف طبي لأن احتمالات الإقدام على الانتحار تكون عالية في مثل هذه الحالات.

وإليك مزيد من التفاصيل عن اكتئاب المسنين بشكل عام:

الاكتئاب لدى المسنين

يعتبر الاكتئاب لدى المسنين مشكلة طبية ونفسية واجتماعية وروحية, فمن الناحية الطبية يكون الاكتئاب جزءا من منظومة مرضية متعددة الأركان وبالتالي تكون هناك مشكلات تشخيصية وعلاجية عديدة , ومن الناحية الاجتماعية فقد تزايد أعداد المسنين في الوقت الذي انشغل فيه الأبناء بصراعات حياتهم الشخصية وأصبحت رعاية المسن تشكل عبئا عليهم في ظروفهم الراهنة والطاحنة.

أما من الناحية النفسية فالمسن لديه الكثير من خبرات الفقد التي تجعله عرضة للاكتئاب بشكل كبير, وأخيرا فإن المسن يعيش خبرة روحية مزلزلة حيث يشعر أنه أعطى ظهره للحياة وقد حانت لحظة الرحيل وهو يشعر أنه مقبل على مجهول لا يعرف فيه مصيره على وجه التحديد

معدل انتشار الاكتئاب لدى المسنين:
تزيد نسبة الاكتئاب لدى كبار السن بحيث تصل إلى 15% في المتوسط , ويكون في النساء أكثر من الرجال بنسبة 1:2

أسباب الاكتئاب في كبار السن:
أسباب بيولوجية : يعانى المسن غالبا من مشكلات صحية كثيرة مثل ضعف السمع وضعف البصر, وهذا يجعله معزولا عمن حوله, كما يعانى من اضطرابات في الأجهزة المختلفة كأمراض القلب والسكري, وارتفاع ضغط الدم, وآلام المفاصل, واضطرابات الهضم أو التنفس , وأمراض الكبد والكلى, وهذه الاضطرابات المتعددة تجعل المسن يشعر بالضعف وتقل ساعات نومه ويشعر بآلام متعددة في جسده ويصبح منشغلا أغلب الوقت بمشكلاته الصحية التي تحتل المساحة الأكبر من وعيه وتتراجع الأحاسيس الممتعة التي كان يشعر بها في شبابه وفتوته.

ويضاف إلى ذ لك الأدوية المتعددة التي يتناولها المسن لعلاج الأمراض المختلفة, فهذه الأدوية رغم فوائدها له إلا أنها لا تخلو من أعراض جانبية تضاف إلى معاناته المرضية, ومن أهم هذه الأعراض الجانبية الاكتئاب فقد ثبت أن كثيرا من الأدوية التي يتناولها المسن يمكن أن تؤدى إلى الاكتئاب, وكثيرا ما نرى في العيادات النفسية مسنين قد أصيبوا بحالات اكتئاب شديدة على الرغم من أنهم يعيشون حياة طبيعية , ولكننا نكتشف أن هناك علاقة بين ظهور هذا الاكتئاب وتعاطى أنواع معينة من أدوية الضغط (خاصة مشتقات الريسربين والبروبرانولول) أو أدوية القلب أو مضادات الألم أو غيرها. كما أن ضعف القدرة على الحركة يجعل المسن يعيش في دائرة ضيقة تشعره بالملل والضيق.

أسباب نفسية : تتراكم على المسن خبرات الفقد فقد يكون قد فقد زوجته وأصبح وحيدا أو فقد معظم أصدقائه إما بالموت أو بصعوبة لقائهم بسبب مرضهم ومرضه, أو فقد مكانته الوظيفية , أو فقد القدرة على الكسب , ولم يعد أمامه أهداف يحققها , وأصبح يعيش منتظرا النهاية وشبح الموت يحوم حوله ليل نهار

أسباب اجتماعية : حيث يعانى عزلة شديدة بسب انشغال أبنائه في مشاكلهم الشخصية وفقد زوجه أو أصدقائه – كما أسلفنا – ولم يعد أحد بحاجة إليه (على الأقل في نظره) ويشعر أنه أصبح عبئا على الجميع فهو بلا فائدة لأحد , ولم يعد يملك أي وظيفة أو تأثير.

أسباب مادية: فبعض المسنين يعانون من مشكلات مادية خانقة خاصة إذا أهملهم ذووهم أو أهملهم المجتمع وبعضهم يضطر للخروج للتسول وبعضهم يجلس في بيته يجتر أحزانه ويعانى فقرا مدقعا ومرارة في نفسه فقد أخذ المجتمع شبابه وتركه في شيبته .

أسباب روحية: فهو يقف على حافة المجهول حيث يدرك في أعماق وعيه بأنه مقبل على عالم مجهول لا يعرف مصيره فيه, ويترك أشياء طالما تعلق بها وسعى من أجل الحفاظ عليها


الصورة الإكلينيكية للاكتئاب لدى المسنين:
تختلف صورة الاكتئاب لدى المسن حيث يكون مختلطا بأعراض أمراض جسمانية أخرى مثل سوء التغذية واضطرابات الإخراج وعته الشيخوخة, ولذلك تغلب الأعراض الجسمانية على اكتئاب المسنين فنجدهم يشكون بآلام في مناطق كثيرة من الجسم خاصة الرأس, ويفقدون الشهية للطعام والشراب فيصابون بضعف عام وإمساك , وهذا يجعل المريض يبدو شاردا واجما .

وبعض الحالات (تصل إلى 15% من المكتئبين) يعانون مما يسمى "العته الكاذب" حيث يبدو المريض وكأنه مصاب بالعته فيجيب على الأسئلة بقول: "لا أدري", ويبدو ناسيا لكل شيء, ولا يستطيع العناية بنفسه، وقد يكون مصابا بالعته فعلا فقد تبين أن 25-50% من حالات عته الشيخوخة تكون مصابة بالاكتئاب كإمراضية مصاحبة.

وقد يصاحب الاكتئاب ظهور أعراض ذهانية كأن يعتقد المريض أن ذويه يمنعون عنه الطعام والشراب أو يضعون له السم أو يحاولون الاستيلاء على ممتلكاته أو أن امرأته (التي ربما تكون قد تجاوزت الثمانين من عمرها) تخونه مع أحد أصدقائه.

وتقل ساعات النوم فينام قليلا أثناء النهار ويستيقظ كثيرا أثناء الليل ويعانى من عدم القدرة على الاستقرار في مكانه فهو يروح ويجئ في البيت بلا هدف.

وفى حالات الاكتئاب الشديدة يفكر المسن في الانتحار ولا يستبعد تنفيذه له ولذلك وجب أخذ موضوع الأفكار والخطط الانتحارية بمنتهى الجدية خاصة لدى المسنين ولا يعول على أنه رجل عاقل ويستبعد إقدامه على الانتحار فنحن هنا أمام منطق مرضى مرتبط باضطرابات كيميائية في المخ (نقص السيروتونين أو الدوبامين أو النورأدرينالين).

المسار والمآل:
لما كانت مشكلات الشيخوخة مستمرة بل ومتزايدة غالبا فإن الاكتئاب هنا لو لم يعالج جيدا وتعالج أسبابه أو تخفف فإننا نتوقع أن يتحول إلى اكتئاب مزمن, وتضعف معه مناعة المريض ويدخل في مسار تدهوري خاصة مع تداخلات الأمراض وتفاعلات العلاجات المختلفة.

العلاج:

يحتاج المسن إلى فريق علاجي متعدد التخصصات للإشراف على علاجه حيث تكون هناك اضطرابات متعددة في أجهزة مختلفة من جسمه ولابد من ضبط جرعات وأنواع العلاج بين هذه التخصصات المختلفة ويراعى الأعراض الجانبية والتداخلات أو التفاعلات بين أنواع العلاجات المختلفة.

كما يراعى أيضا أن حالة الكبد وحالة الكليتين أصبحت أضعف من ذي قبل وقلت القدرة على الأيض وطرد المواد الكيماوية من الجسم ولذلك يجب إعطاء نصف الجرعة المعتادة أو ثلثها للمسن.

ويحتاج المسن المكتئب إلى جرعات مناسبة من مضادات الاكتئاب خاصة مجموعة مانعات استرداد السيروتونين النوعية ( ماسا ) خاصة أنها أقل فى الأعراض الجانبية إذا ما قورنت بمضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات والتي ثبت أن لها أعراضا جانبية كثيرة تؤثر على سلامة المسن خاصة إذا أعطيت بجرعات عالية (مثل انخفاض ضغط الدم واضطراب ضربات القلب أو ضعف عضلته)

وبجانب العلاج الدوائي يحتاج المسن المكتئب إلى علاج نفسي تدعيمي يتفهم احتياجاته وصعوباته ويناقش مخاوفه وتساؤلاته ويساعده في إدارة حياته المليئة بالمتاعب الصحية والمادية والاجتماعية .

وتستطيع الأسرة –
في حال صلاحها– التخفيف كثيرا من معاناة المسن حيث يشمله الأبناء والبنات بالرعاية ويخففون من وحدته ويطمئنون روعته ويشعرونه بالأنس والرعاية والمحبة ويستفيدون من حكمته وخبراته ويشعرونه بالاحترام الكامل ويردون له الجميل فقد رعاهم في طفولتهم وحنا عليهم وهو الآن يحتاج إلى رعايتهم, ولذلك أوصى الله تعالى كثيرا برعاية الوالدين "وبالوالدين إحسانا", وأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم كذلك في أحاديث كثيرة.

ويحتاج المسن لما يسمى بالعلاج الروحي, وهو الإعداد الواقعي والمتفائل لرحلة الآخرة فهو سيرحل من الدنيا إن آجلا أو عاجلا, كما سيرحل سائر البشر, ويفضون إلى رب كريم غفور رحيم, وهو (أي المسن) لديه فرصة أن يتوب إلى الله عن ذنوبه التي اقترفها في حياته ويأمل في عفو الله ومغفرته ويسعى إلى لقائه راضيا مرضيا ويعمل من الخيرات ما تسمح به ظروفه ويسأل أبناءه ومحبيه الدعاء له بعد وفاته، وهكذا يجد المسن معنى للحياة ومعنى للموت ويتقبل هذا وذاك بنفس راضية, فينطبق عليه قوله تعالى : " يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي"

 
   
المستشار: د.محمد المهدي